الأحد، 17 أكتوبر 2021

 اجتماعيات (35):

الاحتفال بذكرى المولد النبويّ؛ سنّة حسنة!؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنَا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.

رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ).

إنّ ممّا نصّ عليه ابن رجب الحنبليّ في جامع العلوم والحكم؛ أنّ ما كان عليه السلف من القرون الثلاثة المفضّلة، وإن لم يكن موجوداً على عهد الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم؛ فهو مشروعٌ، وليس بدعةَ ضلالة!

ونحن نقول: إنّ أيّ حدَثٍ جديدٍ، ولو في القرن السبعين، لا يدخل تحت ساحة العبادة دخولاً أوّلياً، وكان لا يعارض كتاباً ولا سنةً ولا معلوماً من الدين بالضرورة؛ فهو ليس من بدعة الضلالة في شيءٍ!

وتعيين يومٍ محدّدٍ للذكر، أو تلاوة القرآن، أو إعلان الفرح والبشر بالرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، أو بشيءٍ من تاريخه؛ أجازه جمهور العلماء، ومنعه الحنابلة!

ونحن الصوفيّةَ مع جمهور العلماء، ولسنا مع الحنابلة الظاهريّة، ولا مع الحنبليّة الوهابية السياسية، التي أقامت دولتها على تكفير المسلمين وقتلهم، خصوصاً آلَ بيت الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم.

والسادةُ الصوفيّة بوجهٍ عامٍ على مذهب إمام الأمة، الذي لا يقاربه أحدٌ من العلماء بعد جيل الصحابة، وإلى عصره البتّةَ، لا من آل البيت، ولا من غيرهم!

نحن الصوفيّة نقتدي بالإمام الشافعيّ في فهمه، فالإمام الشافعيّ أمّة وحدَه ويحتجّ بفهمه اللغويّ، كما يحتجّ بالفبيلة من العرب!

إمامنا الشافعيّ قال لنا: «الْمُحْدَثَاتُ مِنَ الْأُمُورِ ضِرْبَانِ:

- أَحَدُهُمَا: مَا أُحْدِثَ يُخَالِفُ كِتَابًا أَوْ سَنَةً أَوْ أَثَراً أَوْ إِجْمَاعاً!

فَهَذِهِ بِدْعَةُ الضَّلَالَةِ.

وَالثَّانِي: مَا أُحْدِثَ مِنَ الْخَيْرِ، لَا خِلَافَ فِيهِ لِوَاحِدٍ مِنْ هَذَا؛ فَهَذِهِ مُحْدَثَةٌ غَيْرُ مَذْمُومَةٍ!

وَقَدْ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ: «نِعْمَتِ الْبِدْعَةُ هَذِهِ» يَعْنِي أَنَّهَا مُحْدَثَةٌ لَمْ تَكُنْ, وَإِنْ كَانَتْ «محدثةً» فَلَيْسَ فِيهَا رَدٌّ لِمَا مَضَى» ردّ لما مضى: يعني مخالفةً صريحة.

قال الإمام البيهقيّ في المدخل إلى السنن الكبير (253): أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو «هو محمّد بن موسى بن الفضل بن شاذان النيسابوريّ» قال: حدّثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ «الأصمّ الحافظ»: حدّثنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وساقه، وهذا إسناد صحيح.

وقد كان سيّدي الشهيد مروان حديد t ميّالاً إلى الفكر السلفيّ الذي يعتمد الدليل ولا يقبل بالتقليد الأعمى، يقول لنا مرّات، في كلّ ذكرى للمولد الشريف!

«سبحان الله تعالى، ما أقلّ ما يفهمُ إخواننا السلفيون هؤلاء!

الاحتفال بالمولد النبويّ موسمٌ للدعوة إلى الله تعالى، تأذن فيه الحكومات الظالمة الضالة لك بأن تعرض فكرك، وتعلّم إخوانَك المسلمين، وتعلن البِشر والفرحَ بالرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، وتغيظُ أعداء الدين، وتثاب على ذلك كلّه!

قال الله تعالى: (مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ، وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ.

ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.

وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ، وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ، إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120).

وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً، وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (121) [التوبة].

وقد كان شهر ربيعٍ الأنور في زمانه رضي الله عنه، كلّه موسماً للخطابة والمحاضرات وقصائد الشعر والزيارات والمصالحات بين المتخاصمين!

لقد كان موسماً دعويّاً رائداً رائعاً، على عهده المبارك!

أمّا موسم المولد المنقطع النظير، والذي ما شاهدتُ، ولا حكى لي أحدٌ عن وجود مثله في عصرنا الحاضر؛ فهو موسم المولد الذي كان يقيمه سيّدي وشيخي الشريف محمّد بن عبدالكريم الكسنزان الحسينيّ البَرزَنْجيّ، رحمه الله تعالى، ورضي عنه وأرضاه.

فأنا والله أعتقد عقيدةً جازمةً أنْ لولا رضا الله تعالى بهذا الموسم، ورضا رسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم؛ ما تمكّن رجلٌ مهما علا شأنه، وعظمت إمكاناته؛ أن يقيم «مِهرجانَ» كالذي كان يقيمه شيخنا الكسنزان في موسم المولد الشريف!

كان للاحتفال بالمولد النبويّ الشريف، عند الشيخ الكسنزان طعماً وذوقاً فريداً، تحسّ فيه بالفرح والبِشر والسرورِ والعزّة والهيبة والنظام والوقار والكرم، الذي لا يدانيه كرم مخلوق!

عشرات الألوف من الناس يأكلون ويشربون، ويبكون ويفرحون ويتوضّؤون ويصلّون ويستمعون إلى تلاوات القرآن العظيم والمدائح النبوية والمواعظ والقصائد الشعريّة!

يتصدّر ذاك الجمعَ الهائلَ المباركَ شيخُنا السيّد محمد، وجمهرة من السادة آل البيت، وجمع من العلماء والمفكرين والوزراء والنوّاب وقادة الجيوش وشيوخ العشائر، بحبٍّ ورغبةٍ ورضاً وسعادة!

فجزاه الله تعالى عنّا وعن آل بيت الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم جنّات النعيم.

رحمك الله تعالى سيّدي الشيخ محمد الكسنزان!

رفع الله مقامك سيدي الشريف ابن الأشراف!

فلا والله ثم لا والله ثم لا والله؛ ما رأيت ولا قرأتُ عن مثل كرمك وسماحة نفسك وتقديسك للرسول الأعظم وحبّك لآل بيته الطيبين الطاهرين، واحتفائك بهم، في زماننا هذا، لا عند الشيعةِ، ولا عند أهل السنّة أجمعين.

والله تعالى أعلم.

]رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ[.

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلَّم تَسليماً

والحمد لله على كلّ حال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق