الثلاثاء، 7 يونيو 2022

 مسائل من الفقه والأصول (١٢):

عودة إلى نكاح المتعة!؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنَا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.

رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ).

جاءتني اعتراضات كثيرة على المنشور (١١) الراجح في نكاح المتعة!

ويصدق على جميع المعترضين قول الشاعر:

وكم من عائب رأيا سديدا

وآفته من الفهم السقيم!

أيها الإخوة الغيارى على دينكم وأعراضكم: بارك الله بكم وعليكم!

أنا لم أجوّز نكاح المتعة أصلا، ولم أتكلم عن شروط صحته، ولا على شروط تمامه، لا على الشروط المتفق عليها، ولا المختلف فيها.

إنما قلت: لدينا مشاكل اجتماعية كثيرة:

- نسبةُ العوانس عاليةٌ جداً في الوطن العربي عامة، وفي البلدان التي تستعر فيها الحروب خاصة!

- هناك ارامل لديهن أطفال صغار، لا يستطعن الزواج، وترك الأولاد لقدرهم، إذا لم يوافق الزوج الجديد على ضمهم إلى أمهم؛ مشكلة كبرى!

- وهناك نساء موظفات، يرفضن ترك عملهن لأي سبب، وعملهن قد يكون في الليل وقد يكون في النهار، كالطبيبات مثلا، فهن مجبرات على المناوبة مرة في الليل ومرة في النهار، وهكذا، ووضعن هذا مخالف لهدف الزواج من الأصل، وهو قرار المرأة في بيتها، وانقطاعها إلى إسعادِ زوجها.

- وهناك نساء لم يؤتين قدراً من الجمال، يغري الرجال بالزواج منهن!

وهناك نساء، وهناك نساء!

هذه ظواهر اجتماعية موجودة، وهي تحتاج إلى حلول، يشترك فيها العلماء والحكام.

هل قلت غير ذلك؟

في أيّ جملة من كلامي قلت: أنا أجوّز نكاح المتعة؟

ولو كنت أجوّز نكاح المتعة؛ ما فعلته أبداً، فأنا من دون زوجة منذ سبع سنوات، ولا والله ما لمست كفي كفّ امرأة أجنبية، لا في حلالٍ، ولا في حرام، ولا في متعة، ولا في مسيار!

قال بعضهم: نكاح المتعة عند الشيعة لا يشترط فيه إذن الولي.

لنفترض أن ذلك صحيح!

النكاح الدائم عند أبي حنيفة، لا يشترط فيه الولي، إنما يندب ذلك!

واشترط مالك الوليّ للمرأة الشريفة، أما المرأة الوضيعة؛ فيمكنها توكيل أيّ رجل ليعقد نكاحها.

(انتبهوا إلى هذه المسألة جيّداً، فليست كلّ النساء يقبلن الزنا، أو يقبلن المتعة، وفهمكم كافٍ)!؟

قالوا: نكاح المتعة لا يشترط فيه الشهود!

قلنا ليس صحيحا أبدا هذا الكلام.

ولنفترض أنه صحيح!

فقد اختلف علماء أهل السنة: هل وجود شاهدين شرط لصحة عقد النكاح، أو شرط لتمام النكاح؟

قال بعضهم: لو عقد الولي لرجل على ابنته من دون شهود، وقبل الدخول أشهر النكاح؛ فذلك النكاح صحيح وجائز، وقد فعله الحسن بن علي، عليهما السلام، (كما في بداية المجتهد لابن رشد).

قالوا: عقد المتعة مثل الزنا، يجوز أن يتزوج الرجل يوما، أو بعض يوم، أو ساعة!

أقول: هذا صحيح، موجود عندهم، لكنه ليس مثل الزنا أبدا.

وفي بعض عقود النكاح الدائم يوجد هذا الأمر نفسه.

دخل رجل مدينة من المدن، واشتاق إلى النساء، فخطب إحداهن، ووافق وليها، وحضر الشاهدان، وأعلن النكاح بزغاريد أم العروس وأخواتها.

بعد يومين أو ثلاثة؛ سافر، فطلقها قبل سفره، أو أرسل إليها ورقة الطلاق!

أليس هذا جائزا عند جمهور أهل السنة، ووضعوا له عنوان (الزواج بنية الطلاق )

أو (زواج السفر) أليس هذا شرّاً من المتعة؟ أليس فيه تغريرٌ بالمرأة وكسر لخاطرها؟

دعك من هذا كله، رجل وصفت له امرأة، في بلد آخر، فوكل أحدا وكالة رسمية بعقد زواجه عليها.

حين جاءت إليه المرأة؛ وجدها عمياء، أو عوراء، أو قبيحة، أو غبية، فطلقها وأرجعها إلى أهلها فورا.

أمن الممكن أن يقع مثل هذا، أم لا ؟

مقصودي من المنشور السابق، ومن هذا المنشور؛ أن على العلماء والحكام؛ أن يجدوا حلولا لجميع المشاكل الجنسية، وما يُلزمون الناس به، مما يحقق المصالح المشروعة؛ فهو الشرع.

إذ ليس في الكتاب والسنة ما يوجب الولي، ولا ما يوجب الشهود، ولا ما يوجب تأبيد عقد النكاح.

إنما هي نصوص إرشادية عامة، نزّلها الفقهاء على عقد النكاح، صيانة للمرأة.

وهناك عدة أحاديث ضعيفة، لا يثبت منها شيء!

ولو ثبت منها شيءٌ؛ ما قال الإمام أبو ثور الكلبيّ وجماعة من العلماء:

(ليس الشهود من شرط النكاح، لا شرط صحة، ولا شرط تمام).

كما في بداية المجتهد (٣: ٤٤).

وأما المهر؛ فحمل كثير من العلماء قوله تعالى (وآتوا النساء صَدُقاتهن نحلة) على الإرشاد، وليس على الوجوب، بدليل الحديث الصحيح، الذي أخرجه الشيخان البخاري (٥٠٢٩) ومسلم (١٤٢٥):

(زوجتكها بما معك من القرآن).

ومعلوم أن هذا تكريم معنوي للمرأة، وليس بمهر على الحقيقة!

أيها الإخوة الكرام: نحن نقول لكم ما يمكن أن يستوعبه كثيرون منكم.

ولو أردت أن أطرح عليكم دراسة كل مسألة بمراحلها في ضوء الفقه المقارن؛ لما فهم كثيرون منكم شيئا منها، إذ إن (٩٠%) من المسائل الفقهية مبنية على الاجتهاد، عند أهل السنة والشيعة والإباضية!

ومن ظن فقه الزيدية أو الإمامية، او الإسماعيلية، كلّه منقول عن الإمام علي والحسن والحسين عليهم السلام، وعن الطبقة الأولى؛ فهو واهم، بل أكثره اجتهادٌ!

قال الإمام القاسم بن إبراهيم الرسيّ (170 - 244 هـ): (أدركت مشيخةَ آل محمد عليه وعليهم الصلاة والسلام، من ولد الحسن والحسين، ليس بينهم اختلاف، ثمّ ظهرت أحداثٌ، فتابعوا العامّة - أهل السنة - في أقوالها) [انظر مقدمة شرح الأزهار لأبي الحسن بن مفتاح (ص: 12)].

فهذا القول يدلّ على أنّ علماء أهل البيت كانوا على قولٍ واحدٍ إلى هذا العصر، بداية القرن الثالث الهجري؛ لأنّ الإمام القاسم شهد تأثر فقه آل البيت بفقه أهل السنة، وهل هذا شيءٌ، سوى الاجتهاد؟

والله تعالى أعلم.

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.

والحمد لله على كلّ حال.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق