التَصَوُّفُ العَليمُ (18):
فَوائدُ زيارةِ قُبورِ الأَئمّةِ!؟
بِسْمِ اللهِ الرَحْمَنِ الرَحيمِ
(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ
أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.
رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ
كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا
بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).
سأني أحد الإخوة عن الفوائد التي يجنيها المسلم،
عند زيارة قبر الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، أو زيارة الإمام عليٍّ، أو
زيارةِ أيّ إمامٍ آخر من أئمة آل البيت، وغيرهم من الصالحين، رضي الله عنهم؟
وطلب أحدُ الإخوة على العام - فيما أظنّ - أن أذكرَ
الفوارق الشعوريّة بين زيارة مرقدِ هذا الإمام أو ذاك!؟ أظنّ هذا ما طلبه على
العام، والله المستعان!
أقول وبالله التوفيق:
سأجيب على هذين السؤالين بفقراتٍ موجزة، والله
الموفق والمعين:
أوّلاً: زيارةُ مرقد الرسول صلّى الله عليه وآله
وسلّم، أو زيارة مرقد الإمام عليٍّ، أو زيارةِ مرقدِ أيّ إمامٍ آخر من أئمة آل
البيت، أوغيرهم من الصالحين، رضي الله عنهم؛ ليست بفريضةٍ من فرائض الإسلام
الظاهرة.
فمن شاءَ؛ زار، ومَن لم يشأ؛ فلا تثريب عليه.
ثانياً: ليس هناك أيّ دليل شرعيٍّ ينهى عن زيارة
القبور، حتى قبور الكافرين!
ثالثاً: ثبتَ في السنة توجيه الناسِ إلى زيارة
القُبور، فقد أخرج الإمام مسلم في الجنائز (977) وكثير من المصنفين، من حديث
بُريدةَ بن الحُصيبِ، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: (كنتُ
نهيتُكم عن زيارة القبور، فزوروها، فإنها تذكّر بالآخرة)
أخرجه الترمذيّ في الجنائز (1054) وهذا لفظه، وقال:
«في
الْبَاب عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري، وعبدالله بن مسعودٍ، وَأَنَس بن مالكٍ،
وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ، رضي الله عنهم.
وحَدِيثُ بُرَيْدَةَ؛ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ،
وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، لَا يَرَوْنَ بِزِيَارَةِ
الْقُبُورِ بَأْسًا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ
وَإِسْحَقَ».
فمن زار القبورَ؛ فقد اتّبع خُطواتِ الرسولِ صلّى
الله عليه وآله وسلّم، ليس بمبتدعٍ، ولا عابدٍ للقبور.
رابعاً: ليس من الشرك ولا الكفر ولا الردّة؛ تقبيلُ
القبر، أو التمسّحُ به، أو الطوافُ حوله؛ لأننا نطوف حولَ الكعبة - وهي حجارة - لا
نطوف حولها لأنّ فيها أنبياء أو صالحون، فالطواف بحدّ ذاته؛ ليس شركاً، ولا ردّةً
عن الإسلام، لكنّه غير مشروع!
متى يُصبحُ مظهراً من مظاهر الشرك؛ عندما يعتقد
المقبّل، أو الطائف، أو المتمسّح أنّ ما يفعله عبادةً، يتقرّب بها إلى صاحب القبر،
أو يتقرّب بها إلى الله تعالى؛ لأنّ العبادة توقيفٌ من الشارع، والشارع لم يأذن
بهذه العبادة.
خامساً: زيارةُ قبور الأنبياء والأئمة والصالحين؛
تعني الولاءَ لهؤلاء الأنبياء والأئمة، والرضا بمنهجهم في الحياة، وسلوكهم في
التقرّب إلى الله تعالى.
وتعني إعلانَ حبّ الزائر لهم في الله تعالى؛ لأنهم
كانوا يحبّون الله تعالى، وهو يحبهم لصلاحهم وكمال عبوديتهم.
خامساً: من زارَ الرسولَ أو الإمامَ أو الصالح، وهو
يعتقد أنّ واحداً منهم - وهو داخل قبره - يستطيع أن يشفيه، أو يرزقه، أو ينجِحُ
مطالبَه بقدراته الذاتية؛ فقد أشرك بالله تعالى.
عن عبدالله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: سألت
الرسولَ صلّى الله عليه وآله وسلّم:
أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ؟
قَالَ الرسول: (أَنْ تَجْعَلَ للهِ نِدًّا، وَهُوَ
خَلَقَكَ) أخرجه البخاري في التفسير (4477) ومسلم في الإيمان (86) والترمذي في
التفسير (3183) وقال: حسن صحيح.
أمّا من زار هذا القبر أو ذاك، وقد شهد أربعون من
أهل الإسلام أنّ صاحب القبر من أهل الجنّة، ثم توسّل إلى الله تعالى به؛ فقد صنع
الصوابَ، ولا شيءَ عليه البتة!
سادساً: زائرُ القبرِ - أنا وغيري - تعتريه أحوالٌ
يكون فيها ساميَ الروحِ، صحيحَ العبادةِ، كثيرَ الطاعةِ والذكرِ لله تعالى،
وتعتريه أحوالُ فتورٍ عن الطاعات، وربما تعتريه أحوالُ معاصٍ وذنوبٍ صغيرة أو
كبيرة!
فشعوره لدى زيارة قبر الصالح؛ ستختلف بالتأكيد على
حسب أحواله التي ذكرتها.
سابعاً: أنا ليس مأذوناً لي أن أتحدّث عن أحوالي القلبيّة
والروحيّة، وقد عوقبتُ عقوباتٍ كثيرةً لأجل هذا، وذكرت ذلك علانيةً، ثم يأتي
بعضكم، فيتفلسف، ويقودني إلى المخالفةِ من جديد!
وسأقول في هذا المنشور شيئاً مفيداً، الله وحده
شاهد عليه، والرسول صلّى الله عليه وآله وسلم شاهده أيضاً.
لكنْ أيّ واحدٍ يسألني عن شيء من هذا مستقبلاً؛
سأحظره والله، لو كان ولدي!
اتّكلوا على الله تعالى، ثمّ على أعمالكم، ولا
تركنوا إلى تجارب الآخرين؛ فإنكم لن تنالوا حسنةً واحدةً من حسناتهم، إذا كانوا
محسنين!
أحدُ أولاد عداب الحمش - حفظه المولى ورعاه - ظهر
في وجهه وجسمه عندما سكّنا الطائف دماملُ كثيرة، منها متقيّح، ومنها غير متقيّح،
ونحن أسرة نظيفةٌ جدّاً!
أصررت على أنّ تحمّمه والدته كلَّ يوم، لكنّ الولد
لم يتحسّن أبداً!
كان لي صديقٌ في مشفىً راقٍ خاصٍّ، افتُتح حديثاً،
تحت عنوان «مستشفى الأمين».
أخذت الطفل إلى مشفى الأمين، وأجرينا
له الفحوص المطلوبةَ، فظهر أنّ لديه ثقبين في القلب (البُطين، ومكان آخر نسيت أين).
أخذت الطفل إلى مشفىً حكوميّ عام، وكان فيه تلميذ
لي، فأجرى له الفحوص اللازمة على مدى أيّام، فظهرت النتيجةُ مطابقةً لنتائج مشفى
الأمين!
وأنا الفقير لديّ عُقدةٌ من المشافي العامّة، فرجعت
إلى مشفى الأمين، واتّفقنا على أجر عمليّة القلب، قدرها (15000) ريال سعودي، مع
تخفيض (50%) لأجل عداب!
واتّفقنا على أن أعطيهم مقدّماً خمسة عشر صكّاً
مصرفيّاً، في كلّ صكٍّ ألف ريال؛ لأنني قطعاً لم أكن أملك (2000) ريال!
حدّد المشفى موعدَ العمليّة، ووعدتهم بإحضار الصكوك
يوم العمليّة، وانصرف إلى بيتي.
وأنا في الطريق إلى البيت؛ راودتني فكرةُ القيامِ
بعمرةٍ أنا وزوجتي، رجاء أن تنجح العلميةُ الخطرة تلك!
وافقت زوجتي على ذلك، وانطلقنا مباشرةً من الطائف
إلى مكة المكرّمة، وأدّينا مناسك العمرة، وطُفنا للوداع، وخرجنا من بيت الله
الحرام لنعودَ إلى الطائف!
قلت لزوجتي: أنا سأذهب إلى المدينة المنورة الآن،
فإمّا أن تذهبي معي، أو أتركك الليلةَ في بيت أحد ثقات الحمويين في مكة المكرمة؟!
قالت: بل أذهب معك، فأنا مشتاقة لزيارة الرسول صلّى
الله عليه وآله وسلّم وزيارة ستّنا فاطمة الزهراء عليها السلام.
وانطلقنا بعد صلاة العشاء - في غالب الظنّ - إلى
المدينة المنوّرة.
زرنا الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، وأمّنا
فاطمة في حجرتها، وزرنا باب البقيع؛ لأنه كان مقفلاً.
دعوتُ الله تعالى بما فتح الله به عليّ، وناجيت
الرسولَ، وطلبت منه الشفاعة لدى الرحمن الرحيم.
ورجعنا في
طريق مكة المكرمة، حتى وصلنا أبيار عليّ، فأحرمنا بعمرة ثانيةٍ، وأديناها بعد وصولنا إلى مكة المكرمة،
ثم انطلقنا، فأصبحنا في بيتنا في الطائف!
ذهب الطفلُ إلى مدرستِه، ثم رجع يلعب ويقفز ويزعجُ
أهل البيت!
عندما رجعتُ من الجامعة؛ سمعت صوتَ والدته تصرخ
عليه، فأنبتها لعلوّ صوتها!
قالت أمّ محمود: يبدو أنّ العمرة والزيارة نفعت،
انظر إليه غدا مثلَ الشيطان!
في اليوم التالي، أو الذي بعده؛ اتصلت بتلميذي في
المشفى العام، وقلت له: إني خائف من هذه العملية كثيراً، فهل يمكن أن تعيدَ لي فحص
الدم والتصوير الطبقي المحوري فحسب!؟ قال: على الرحب والسعة!
أجرينا للولد فحوصات عديدةً للدم، وصوّرناه التصوير
الطبقى المحوريّ، فخرج تقرير طبيب الأشعة، وتقرير فحوص الدم إيجابيّاً، ليس في
القلب أو الدم أيّ شيء مؤذٍ!
حملت التقارير والأشعة الجديدة، وأبقيتها في
السيارة، وذهبت إلى مشفى الأمين، الذي سيُجري العملية لولدي، فقلت لهم ما قلته
للمشفى العام: أنا خائف من هذه العملية، فأرجو إعادة إجراء الفحوص اللازمة.
قال لي مدير المشفى ومالكها: يا دكتور أنت هاوٍ
دفعَ فلوسٍ إضافيّة، هاته في موعد العميلة وتوكّل على الله، ولا تخف، فقد أجرينا
عمليّات كثيرةٍ مشابهة!
لكني أصررت ودفعت لهم التكاليفَ نقداً، فقاموا
بإجراء الفحوصات، فجاءت نتائجها مطابقةً لنتائج المشفى العام!
أعاد مشفى الأمين تحاليل الدم والتصوير، مرّةً
أخرى، فجاءت النتائج ممتازة، ليس فيها أيّ شيء مؤذٍ!
فأراد الرجل أن يُعيد إليّ جميعَ النقودِ التي
دفعتها للمشفى؛ لأنّ تشخيصهم كان خطأً، واعتذر الرجل!
فتبسّمتُ وقصصتُ عليه القصةَ، فسرّ سروراً كثيراً،
وأصرّ على أن يعيد إليّ ما دفعته إليهم في ذلك اليوم.
ولدي، والحمدُ لله تعالى لا يشكو من شيءٍ البتّة،
وقد تزوّج وله أولاد، وهو يدرس ويعمل.
بعد أعوام كثيرة؛ أغواني الشيطانُ والنفس الأمّارة
بالسوء؛ فوقعت في مخالفةٍ شرعيّة، لا يختلفُ المسلمون جميعاً على حرمتِها، إنما
يختلفون: أهي من الكبائر، أم من الصغائر؟ ومع إغواء الشيطان؛ وقعتُ بها عدداً من
المرّات !
وحتى لا يذهب خيالُ بعض القرّاء بعيداً؛ ليست هي
بالشرك ولا السحر ولا السرقة ولا الزنا ولا اللواط، ليست من هذه المذكوراتِ بسبيل!
دعاني الشيخ صالح كامل - رحمة الله عليه وغفرانُه -
إلى جدّة، لحضور مؤتمرٍ أو ندوةٍ لا أذكر، فحضرت.
ثمّ سافرتُ إلى المدينة لزيارة الرسول صلّى الله
عليه وآله وسلّم، وأنا مرعوب!
طيلةَ الطريق، كنت أستغفر الله وأتوب إليه (100)
مرّة، وأصلي على الرسول (100) مرة!
عندما دخلتُ إلى المسجد النبويّ؛ شعرتُ بأنني
مرفوضٌ تماماً من الرسول الكريم!
صليت في الروضة الشريفة ركعتين، ثم اقتربت من
الحجرة الشريفةِ، فنهرني الشرطيّ الواقف عند القبر، وأبعدني!
وقفت في ركن زاوية المسجد أعتذر وأتوب وأتوسل، لكن
من دون فائدة!
جاءني واردٌ قلبيّ أن انصرفْ، وإلّا ستُفتَضح!
خرجتُ من أيّ بابٍ لا أدري، وأين وضعتُ حذائي؛ لا
أدري!
شاهدتُ أمامي ساحة كبيرةً جدّاً جدّاً، رخامها
أبيضَ، فظننته بارداً مثلَ رخام الحرم المكي الشريف!
فقلت في نفسي: أمشي إلى آخره، ثم أخرج من الباب
المقابل، وأشتري حذاءً ألبسه!
مشيتُ على الرخام الأبيض فعلاً خطوتين، ثلاثاً،
خمساً، وإذا بالبلاط يغلي بدرجة حرارة لا
تقل على (1000) درجة في شعوري!
وكنت كلّما مشيت خطوةً أخرى يزداد الشعور بالحرارة،
حتى إنني عشتُ الحديث الذي أضعّفه (في ضحضاح من نار يغلي منه دماغه) فقد كان دماغي
يغلي فعلاً، وغدوتُ مثل الحمارَ الذي يدور في الرحا، لا أدري ماذا أفعل، ولا إلى
أين أتوجّه!
استمرّت الحال هكذا، حتى أيقنت بالموت، وأنا أردّد
الشهادتين والتوبة!
ثم جلست على الأرض، فجعلت مقعدتي تغلي أيضاً،
واستسلمتُ للموت!
لا أدري كم الوقت الذي قضيته شبهَ مغمىً علي في تلك
الساحة الجميلة جدّاً، لكنها كانت عليّ جهنمّ!
ثمّ جاء شرطيّان ومعهما حذاء، فساعداني حتى وقفت
على قدمي، وأخرجاني خارج ساحة المسجد هذه!
بيد أنني لم أستطع المشيَ، فقد نضجت قدماي،
وانتفختا، فاتّصلت بأحد الإخوة من سكان المدينةِ المنوّرة، فجاء وحملني إلى
المشفى، وداووا لي قدميّ، وقد بقيت أكثر من شهرٍ لا أستطيع المشيَ عليهما.
ومنذ ذلك التاريخ وإلى اليوم؛ لا أرى الرسولَ أو
أحداً من أجدادي عليه وعليهم أكمل الصلاة والسلام، في حالٍ طيبة، أو في وقتِ سرور
أبداً!
إنّما أراهم، أو أرى بعضهم إذا وقعتُ في خطأٍ أو
ذنبٍ، ليقوموا بتعنيفي أو ضربي، كما حدث معي في رمضان المبارك، من السنة الماضية
(1442 هـ).
ختاماً: ظهر لكم إخواني الأكارم أنّ زيارة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم
تنفع، أم لا تنفع؟
وزيارةُ مراقدِ أجدادي الأئمة، وزيارة مراقد
الصالحين، رضي الله عنهم؛ لها فوائد وآثارٌ فوريّةٌ أو مستقبليّة، لكنّها معي
فوريّة، في أكثر الأحيان!
والله تعالى أعلم.
وأستغفر الله وأتوب إليه.
(رَبَّنا: ظَلَمْنَا
أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ
الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى الله على
سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق