مَسائِلُ فِكْرِيَّةٌ (28):
احْتِرامُ ثَقافَةِ الآخَرينَ !؟
بسم الله الرحمن الرحيم
(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ
أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.
رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ
كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنا: افْتَحْ
بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).
يسمع الواحدُ منّا حيثما
ذهبَ، وأيّاً ما قرأ: نحن نحترم جميع الأديان والمعتقدات والثقافات، في جميع أنحاء
العالم، ويعبّرون عنها اختصاراً بـ«احترام ثقافة الآخرين»!
المقصودُ بثقافةِ الآخرين،
أو الآخر: المعتقداتِ والعادات والتقاليد.
والمقصودُ باحترامها؛ عدمُ
الإنكار على أهلها، وتسويغُ قِيامهم بها.
هل هذا المفهومُ شرعيٌّ،
أيجوزُ أن ينطق به الإنسان المسلم أوّلاً، ثمّ
أيجوزُ أن يطبّقه الإنسان المسلم؟
في الستينات والسبعينات من
القرن العشرين الماضي؛ كانت أكثرُ الأفلام السينمائيّة، ثم التلفزيونيّة، تتوجّه
الوجهة الوجوديّة (أنا حُرّ - أنا حرّة)!
ومعنى (أنا حُرّ - أنا
حرّة) أني أتصرّف بجميع ما يحلو لي، من دون رقيب أو حسيب، أو نظرٍ إلى رأي الأديان!
كانت الصبغة العامّة
للأفلام؛ هي أفلام الحبّ والعشق والخيانة الزوجية والجنس!
وكانت أشهر جملةٍ تنطق بها
الممثلة الموظّفة لأداء الأدوار؛ هي (أنا حرّة)!
هي حرّة فيما تقوم به، أو تتركه!
هي حرّة في لباسها!
هي حرّة في صداقاتها!
هي حرّة حتى في خياناتها
الزوجيّة!
الوجوديّة بأخصر كلمةٍ هي أنّ «الإنسان هو
الإله» ولا حاجةَ بالإنسان إلى إله غيبيّ، خلقه خوفُ الإنسان من الطبيعة، ومن
المجهول.
ومَع الزمن؛ توضّعت في
بلادنا أعرافٌ وتقاليد وُجوديّة، غيّرت كثيراً من عاداتنا وطبائعنا، حتى صار
الخروجُ عليها رجعيّةً وتخلّفاً، وخروجاً على المألوف!
وأنا الفقير إلى الله
تعالى؛ لا أميل إلى التشدّد أبداً، فالله تعالى علّمنا التيسير على أنفسنا وعلى
غيرنا، فقال جلّ وعزّ: (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ
الْعُسْرَ) وقال:
( فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ
يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6).
وقال الرسول صلّى الله
عليه وآله وسلّم:
(إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ،
وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ!
فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا
وَأَبْشِرُوا) أخرجه جمع من المصنفين، منهم البخاري في كتاب الإيمان من صحيحه
(39).
(يسّروا ولا تعسّروا، وسكّنوا
ولا تنفّروا) أخرجه البخاري في العلم (69) ومسلم في الجهاد (1734).
بيد أنّ التخفيفَ على
الناسِ، والتيسير عليهم؛ يجب أن يكون محكوماً بالأحكام التكليفية الخمسة، وليس على
حسب المزاج والرغبة!
فالواجبُ من الأحكام؛ لا
تساهل فيه!
الطهارة والصلاة والصيام
والزكاة والحجّ؛ واجباتٌ، فليس من التيسير أن نقول: لا تشدّدوا على الناس، يكفي أن
يصلّوا الجمعة مثلاً!
والحرام لا تساهل في
ارتكابه أبداً!
فالربا حرام، وهو حربٌ لله
تعالى ولرسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فلا تجوز إباحةُ الربا مطلقاً، وهكذا
سائر المنهيّات.
أمّا دائرة التيسير فتكون
في المندوبات والمباحات!
هذا في إطار المجتمع
المسلم.
أمّا غير المسلمين؛ فمن
حقّهم أن يفعلوا في بلادهم ما يشاؤون!
فالزنا والأخذان والمصاحبة
والمساكنة والسفور والعريّ في بلاد الغرب؛ أمورٌ مُعتادةٌ متسالَم عليها، وإن كانت
خلاف دينهم!
أمّا إذا دخلوا بلادَنا؛
فيجب أن يحترموا ثقافتنا، ويلتزموا بعدم معارضتها، ما داموا في بلادنا!
ولأنهم أحرارٌ بأن يفعلوا
في بلادهم ما يشاؤون؛ فلم تكن السكنى في ديار غير المسلمين مُرَغّباً بها شرعاً،
بل هي منهيٌّ عنها، إلّا في ظروفٍ خاصّة، ليس منها أبداً البحثُ عن الرفاهيةِ
والغنى!
البوذيون مشركون!
المجوس مشركون.
الذين يؤمنون بتعدد الآلهة
أو الأقانيم مشركون!
فهل أحترم الشرك؟
ليس في غير دين الإسلام
اليوم محرّمات أبداً!
الزنا مباح، واللواط مباح،
والسحاق مباح، وأنواع التواصل الجنسيّ، جميعها مباحة!
فهل أحترم هذه الموبقات؟
الخمرة والنبيذ والويسكي
والحشيشة وسائر أنواع المخدرات مباحةٌ!
فهل أحترم هذه الممارسات؟
لا أريد أن أسترسل أكثرَ
في عرضِ ثقافةِ الآخرين، لكنني أقول:
لا يجوز للمسلم أن يحترمَ
أيَّ معلمٍ من معالمِ ثقافةٍ أخرى، إذا كانت تخالف حكماً من أحكام الإسلام!
فلا يجوز أن يقول: أنا
أحترم ثقافة الصين، أو اليابان، أو كوريا، أو روسيا، أو أوربا، أو أمريكا؛ لأنّ
ثقافتهم وُجوديّةٌ، بعيدةٌ عن الأديان كلّها!
وحتى ما يُدْعَى بالأديان
السماويّة؛ فلا يجوز احترام أيّ عقيدةٍ أو شعيرةٍ تخالف معتقدات المسلمين أو
شعائرهم!
لكن هل هذا يعني محاربَتَهم؟
لا ليس هذا ما أريد، إنما
الذي أريد قوله: هم في بلادهم أحرار، وأنت عندما تدخل بلدهم بتأشيرة دخول، لأيّ
سببٍ من الأسباب؛ فقد أعطيتهم عهداً وأماناً أن لا تحاربهم، ولا تغدر بهم
لارتكابهم ما يخالف دينك وعقائدك!
فتقيم في بلادهم آمراً
بالمعروف، ناهياً عن المنكر بلسانك وحسب، فإن منعوك من الأمر بالمعروف بلسانك؛
فيكفيك الإنكار بقلبك، ريثما تخرج من بلادهم!
وأرى جميعَ الذين يقيمون
في بلاد الغرب - من غير ضرورة - آثمين!
ويكفي أنهم يعرّضون أنفسهم
ودينهم إلى الذلّ والمهانة، والخضوع لقوانين مخالفةٍ لدين الإسلام!
والله تعالى أعلم.
(رَبَّنا: ظَلَمْنَا
أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ
الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى الله على
سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.
والحَمْدُ للهِ على كلِّ
حالٍ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق