مِنْ عِبَرِ التاريخِ (11):
اختلالُ المَنهجِ العِلميِّ
الإساءةُ إلى الإمامِ
الحسن بن عليّ نَموذجاً!؟
(رَبَّنَا: عَلَيْكَ
تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.
رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ
كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا
بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).
لست أدري أمن سوء حظّي، أم من توفيق الله تعالى
إيّايَ للذبِّ عن سيّد شباب الجنة أمير المؤمنين الإمام الحسن بن عليّ بن أبي طالبٍ
عليهم السلام؛ ظهر أماميَ منذ قليل مَنشور ناصبيٌّ خبيثٌ، يعيب على الإمام الحسن
كثرةُ زواجه من النساء، وكانت تعليقات أصدقاء صاحب المنشور؛ أقذر وأصرح في النصب!
وقبل مناقشةِ ما إذا كان الحسن مزواجاً مطلاقاً؛
علينا التمهيد ببعضِ المقدمات العلمية الضروريّة!
أوّلاً: ليس بين الله تعالى وبين أحدٍ من خلقه
نسبٌ، بل الكلّ عبيدٌ لله تعالى، الرسلُ فمن دونهم من الناس!
فعندما يقول الله تبارك وتعالى: (ذَلِكَ الَّذِي
يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ.
قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا
الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى.
وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً؛ نَزِدْ لَهُ فِيهَا
حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23) [الشورى].
فالمودّة في قربى الرسولِ صلّى الله عليه وآله
وسلّم؛ هو أجر الرسول في مقابل هدايتنا إلى دين الحقّ!
ولا يخفى على أيّ عاقلٍ أنّ أقربَ ذووي القربى؛
أولاد الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، ثمّ أولادهم؛ لأنهم ذريّته.
وهذا يعني أنّ مودّةَ الإمامين الحسن والحسين؛ أوّل
مصاديق هذه الآية القرآنية الكريمة.
وعندما يقول الله جلّ وعزّ (إِنَّمَا يُرِيدُ
اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ
تَطْهِيرًا (33) [الأحزاب].
وقد جاء عن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم؛ أنّ
من أهل بيته الذين يريد الله أن يذهب عنهم الرجس ويطهّرهم تطهيراً (الحسن
والحسين).
فقد أخرج الإمام مسلم في كتاب الفضائل من صحيحه
(2424) من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةً، وَعَلَيْهِ مِرْطٌ مُرَحَّلٌ مِنْ شَعْرٍ أَسْوَدَ.
فَجَاءَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، فَأَدْخَلَهُ.
ثُمَّ جَاءَ الْحُسَيْنُ، فَدَخَلَ مَعَهُ.
ثُمَّ جَاءَتْ فَاطِمَةُ، فَأَدْخَلَهَا.
ثُمَّ جَاءَ عَلِيٌّ، فَأَدْخَلَهُ.
ثُمَّ قَالَ: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ
عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) وأخرجه مختصراً
الإمام أحمد في مسنده (24132) وأبو داود في اللباس (4032) والترمذيّ في الأدب (2813)
وقال: حسن صحيح غريب.
وفي الباب عن عمر بن أبي سلمة، عند الترمذيّ (3205،
3787) وأنس بن مالك عند الترمذي (3206) وابن عباس، عند أحمد (2903) وغيرهم.
وعندما يقول الله تبارك وتعالى: (فَمَنْ حَاجَّكَ
فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ
أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا
وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ
(61) [آل عمران].
ثمّ يطبّق الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم هذه
الآية، فنراها تنطبق على أهل الكساء، وفيهم الحسن والحسين.
فقد أخرج مسلم في الفضائل (2404) من حديث سعد بن
أبي وقّاص قال: (لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ؛ دَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا وَفَاطِمَةَ وَحَسَنًا وَحُسَيْنًا فَقَالَ:
(اللهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلِي).
وعندما يقول الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم عن
الحسن: (ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ
فِئَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمِينَ) أخرجه البخاري في صحيحه (3746).
عندما يصدر عن الله تعالى، وعن رسوله صلّى الله
عليه وآله وسلّم ما تقدّم كلّه وغيره؛ فهذا يعني أنّ الحسن والحسين فوقَ كلّ
انتقاصٍ، وأنبل من كلّ إساءة!
وأنّ من يتنقّصهما؛ فهو ناصبيٌّ حقير خبيث!
ثانياً: من المسلّم لدى أهل العلم؛ أنّ أحاديث
الصحيحين مقدّمة على معارضتها في غير الصحيحين، حتى لو كانت في صحيح ابن خزيمة، أو
صحيح ابن حبّان، أو مستدرك الحاكم.
فإذا كان في أحد الصحيحين حديثٌ يثني على الإمام
الحسن؛ وكان في مائة كتابٍ غيرهما، حديثٌ يذمّ الإمام الحسن، أو يتنقّصه؛ فالحديث
الذي في الصحيحين مقدّم!
ثالثاً: من المعروف لدى أهل العلم؛ أنّ ثمّة كتباً
تدعى كتبَ الروايةِ، وهناك كتبٌ تدعى كتب المغازي (التاريخ).
فإذا لم يوجد الحديث في كتب الرواية، ووُجد في كتب
التاريخ؛ فالأصل فيه أنّه ضعيف، من دون النظر في إسناده!
قال الإمام السيوطيّ في جمع الجوامع (1: 44):
«
ورمز العقيلى في الضعفاء (عق) ولابن عدى في الكامل (عد) وللخطيب (خط) فإن كان في
تاريخه أطلقت وإلا بينته، ولابن عساكر في تاريخه (كر).
وكل ما عُزِيَ إلى هؤلاء الأربعة، أو للحكيم
الترمذى في نوادر الأصول، أو الحاكم في تاريخه، أو لابن النجار في تاريخه، أو
للديلمى في مسند الفردوس؛ فهو ضعيف، فيستغنى بالعزو إليها أو إلى بعضها عن بيان
ضعفه».
فروايات كتاب حلية الأولياء، وكتاب أخبار مكة،
وتاريخ الطبريّ، وتاريخ مكة، وتاريخ المدينة، ومعجم الأدباء، والأغاني، وما يلتحق
بها؛ أحاديثها ضعيفةٌ إذا لم تكن أصولُها مخرّجةً في كتب الرواية.
بناء على ما تقدّم: إذا لم يرد في كتب الرواية أنّ
الحسن بن عليّ كان مزواجاً مطلاقاً، وورد في كتب التاريخ؛ فنحن نرفض هذه الروايات؛
لأنها لو كانت في دائرة القَبولِ العامّ؛ لأودعها حفّاظ الحديثِ في كتب الرواية.
رابعاً: من المسلّم به لدى المسلمين أنّ كتب السنن
والمسانيد والمعاجم والمصنفات؛ جمعت الصحيح والحسن والضعيف، والمنكر!
فإذا ورد الحديثُ في كتابٍ منها؛ فيجب دراسة سنده،
ثم دراسة متنه، ثم إعطاءه الحكم اللائق به، من حيث القَبولُ أو الردّ، قبل
الاحتجاج، أو الاستشهاد به!
وقد بحثنا في كتب الصحاح والسنن والمسانيد؛ فلم نجد
فيها روايةً صحيحة تقول: إنّ الحسن كان مطلاقاً، ولا أنّه تزوّج أربعين امرأةً، أو
سبعين امرأةً، أو تسعين امرأة!
إنّما وجدنا أثراً عند ابن أبي شيبة في المصنّف (4:
187) قال:
حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ جَعْفَر
بن محمّد، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
قَالَ عَلِيٌّ: «يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ، أَوْ يَا
أَهْلَ الْكُوفَةِ: لَا تُزَوِّجُوا حَسَنًا، فَإِنَّهُ رَجُلٌ مِطْلَاقٌ».
وأخرجه ابن سعدٍ في الجزء الخامس، المتمم لطبقاته
(1: 302) من طريق الواقدي عن حاتم، به، بأتمّ منه.
وفي حاتم بن إسماعيل؛ كلام كثير، يجعلنا نتريّث
كثيراً في قبول رواياته.
قال مُغلطاي في إكماله (3: 268): «وفي قول المزي:
قال ابن سعد: كان ثقة مأمونا كثير الحديث؛ نظر، من حيث إنّ ابن سعد لم يقل هذا إلا
نَقلاً عن شيخه الواقديِّ.
قال في الطبقة السابعة: قال محمد بن عمر الواقديّ:
أشهدني أنه مولى لبني عبد المدان، وكان أصله من الكوفة، ولكنه انتقل إلى المدينة،
فنزلها حتى مات بها سنة ست وثمانين ومائة في خلافة هارون، وكان ثقة مأمونا كثير
الحديث.
ولما ذكره ابن خلفون في «الثقات» قال: قال أبو جعفر
البغدادي: سألت أبا عبد الله أحمد ابن حنبلٍ عن حاتم بن إسماعيل؟ فقال: ضعيف».
يريد مغلطاي أن يقول: إنّ توثيق الواقديّ؛ لا قيمةَ
له، خاصّةً أمام تضعيف أحمدَ له.
أفلا يمكن أن يكون حاتم بن إسماعيل توهّم بما رواه
عن جعفر الصادق عن أبيه الباقر، عن عليّ عليهم السلام؟
ناهيك عن أنّ الباقر لم يلق جدّه الحسينَ عليه
السلام، فضلاً عن أن يكون لقي الإمام عليّاً، فالرواية ضعيفةٌ بتفرّد حاتم بن
إسماعيل، وبالإرسال أيضاً، بل هي روايةً معضَلةٌ!
وفي منشور تالٍ، إن شاء الله تعالى؛ سأورد الروايات
التي تتحدّث عن هذه المسألة، وأنقدها واحدة واحدة!
(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ
تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله،
وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق