مِنْ عِبَرِ التاريخِ (12):
تاريخُ عدابِ الحَمش في
صفحات (1)!؟
بسم الله الرحمن الرحيم
(رَبَّنَا: عَلَيْكَ
تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.
رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ
كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا
بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).
ذكرتُ سابقاً أنني لستُ من المتواضعين أبداً، ولم
أكنْ متواضعاً في حياتي، ولا أحبّ كلمة «التواضع» إلا إذا
توجّه بها صاحبها إلى الله تعالى (مَن تواضع لله تعالى؛ رفعه الله).
إنّما أنا أخفض جناحي لإخواني الذين أحبّهم،
وأتحمّل خشونة بعضهم إلى أقصى المدى!
أمّا الفسقةُ والمعرضون عن طاعة الله تعالى؛
فأنا سيف مسلطٌ على رقابهم!
فما تقرؤه في هذا المنشور؛ هو عداب الحمش، من
دون تزيّد ولا تواضع!
(1) والدي: هو السيد محمود (1920 - 2012م) بن السيد إبراهيم (1867 - 1968م) بن الشريف الوليّ
الصالح «محمّد الحَمش» (1813 - 1936م) آل كنعان الحسيني، الرضويّ نسباً، النُعيميّ
قبيلةً، الحموي.
ووالدتي: هو الخاتون خديجة (1929 - 1981م) بنت محيي
الدين بن فارس، آل الأمير مغني باشا النشتر الأيوبيّة.
كان سيدي الوالد أمّيّاً، حضر على جدّه الحمش طيلةَ
حياته، ثمّ حضر على الشيخ سعيد الجابي ثلاثةَ عشر عاماً، إلى آخر أيّامه، كما
حدّثني.
أمّا سيدتي الوالدة؛ فدرست أكثرَ الصفّ الأوّل
الابتدائيّ في المدرسة الرسميّة، ثم صار الجنودُ الفرنسيون (السنغال) يخطفون
النساء الكبيرات، والبنات الصغيراتِ، في حيّ المَدينة القريب من معسكرات
الفرنسيين، فتركت هي وجميع بنات النشتر المدرسة، فليس في ذلك الجيل بنت متعلمة!
وبقيَت في كتّاب الشيخ محمد النبهان، حتى حفظت كتاب
الله تعالى، ومنحها إجازة بالقراءة والإقراء، على رواية حفصٍ عن عاصمٍ، في سنّ
الثالثة عشرة.
وحصلت على إجازة من شيخٍ ثان من حيّ باب القبلي،
نسيتُ اسمه.
ثمّ تابعت دراستها الشرعيّة على والدتها الشيخة
سكينة بنت أحمد بن مصطفى الوليّ العمريّ، وعلى الشيخ صالح النعمان.
كان والدي وجدي لوالدي وعمي الوحيد، وعمّتاي،
جميعهم أميين.
وكانت والدتي ووالدها وخالي الوحيد، وخالاتي
الأربع، جميعهم أمّيين.
(2) نسبة (الحمش) ليست نسبية اسميّة ولا عشائريّة
ولا مناطقيّة!
في أسرتنا (آل كنعان) يسمون أكثر الأولاد باسمين،
يتقدم الاسم الأصلي اسم الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم.
فأنا محمد فيصل.
وابن عمي محمد سعيد
وابن عمتي محمد رجب.
وكان اسم جدّنا الحمش (محمّد) ولقبه الحمش، قال لي
جدّي: لقّبوه الحمش حتى لا ينادى باسم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فيساء إلى
الاسم العظيم.
وقال لي عمّي محمد حمشو، الذي أدرك (23) سنةً من
حياته: إنما لقّب الحمش لجماله، فقد كان وجهه يضيء كالمصباح!
ولقب فرع عائلتنا من آل كنعان (أولاد الشيخ خضر)
البو هبطة، أو الهبطة.
لأنّ جدّنا الشيخ خضر الكنعان في زمان العثمانيين
كان شيخَ الهبطة، وكان شيخ النقارنة، وشيخ آل كنعان.
والهبطة: سوق المواشي خاصّة، وقد يضمّ سوق المواشي
جميعَ ما يحتاجه (العيد).
ولا تزال المهنة الأشهر لأولاد الشيخ خضر؛ هي مهنة
الزراعة، ومهنة تربية الماشيَة والاتّجار بها.
هذا هو الوسط العائليّ الذي نشأت فيه خمساً وعشرين
سنةً من حياتي.
(3) ولدتُ أنا الفقير عداب، عند أذان فجر يوم
الجمعةِ، السابع عشر من شهر صفر الخير، من شهور سنة (1369 هـ) الموافق (9/ 12/
1949) كما حدّثتني والدتي، والمسجّل في جواز سفري (11/ 12/ 1949).
واسمي في دائرة الأحوال المدنيّة، وفي هويتي
الشخصيّة، وفي جواز سفري (عداب) وباللغة الانجليزية (aadab) وكلّ من يزعم أنني قلت له: إنّ جدي سماني (عذاب) فهو كذّاب،
كائناً من كان.
ولدتُ كما يولَد جميع أطفال بني آدم، من دون
خوارقَ، ولا كراماتٍ، بل على العكس تماماً، فقد حدّثتني والدتي أنّ حملَها بي كان
أقسى من حمل إخواني وأخواتي التسعة الآخرين.
وحدّثتني والدتي أنّ صراخي حين وُلدتُ كان مخيفاً
مرعباً، لم ينقطع، حتى حُملت إلى جدي السيد إبراهيم، فأذن في أذني، وقرأ علي شيئاً
من القرآن الكريم والأدعية، حتى هدأتُ.
(4) كانت العلاقةُ بين والدي ووالدتي سيّئةً
للغاية، فهما على طرفي نقيضٍ، ولا يشتركان في أيّ صفةٍ، سوى صفةِ الالتزام
بالعبادات.
كانت والدتي رقيقةَ البنية، وكانت تتقن عدّة مهن
كالتطريز وحياكة الصوف والسجّاد العجمي، لكنها لم تعجن في حياتها السابقة قبضةً من
طحين، ولم تخبز رغيفاً واحداً على (الصاج) أو على (التنور) ولا دخلت حظيرةَ دوابٍّ
قطّ.
وأراد والدي أن يلزمها بكلّ ما في حياة نساء آل
الحمش من قسوة فائقة، من اليوم التالي لزفافهما؛ لأن الرجولة تقتضي هذا.
قالت والدتي: كلّفوني بعجن طبقٍ من الطحين، يزيد
على ثلاثين كيلو غراماً، فتسلّخ كفّاي وساعداي، فأخذني والدي وعالجني أكثرَ من
أربعة أشهر.
وكان الأسوأ من هذا أنني كنت حاملاً بشقيقتك فاطمة
الكبرى، عليها رحمة الله.
قال عداب: حياتنا كانت جحيماً لا يطاق، فقد كنّا
نحن الصغار نرعب من والدنا أكثر مما نرعب من الأسد!
(5) كان لآل النشتر بقايا من أوقاف الأيوبيين
الذريّة، فكان يأتينا من هذه الأوقاف في كلّ يوم جمعةٍ عددٌ من سلالِ الخضار
والفاكهة الموسمية، على مدار العام.
وكانت تستلم والدتي في كلّ شهر (59) أو (69) ليرة
سورية من هذه الأوقاف.
فكانت توزّع من الخضار والفاكهة لجميع من ينتسب إلى
(الحمش) في حيّ الفرّاية.
كانت والدتي يسيرة الشخصية ظاهرها كباطنها، فكانت
ربما فخرت على بنات «الحمش» وعلى
نسائهم بأنها أميرة، وأنهن فلاحاتٌ بدويات جاهلات، وأنّ النسبَ لا ينفع شيئاً مع
الجهل!
كانت بنية والدتي ضعيفةً جدّاً، فكانت تقوم
إحدى بنات الحمش، وتبطحها في الأرض، وتضربها ضرباً مبرّحاً، حتى تشفيَ غيظَ غيرتها
منها!
وعندما يأتي والدي في المساء؛ تخبره أخواته بما
فعلت خديجة، فتنال جزاءها الأقسى!
وهكذا مضت حياتنا كلّها تعاسةً وشقاءً وقسوة!
(6) لأنّ والدتي كانت تعدّ عالمةً في آل (الحمش)
ولأنها كانت غنية؛ استطاعت أن تقنع والدي بأن تسجلني في (روضة الأطفال) وكانت تدفع
قسطَ الروضة الزهيد منها، إذ رفض والدي ذلك.
فكانت والدتي تشتري لي أجمل الثياب، وتحضّر لي
أطايب الطعام، لآخذها معي إلى الروضة.
كانت معلمتي في سنتي الروضة أستاذةً جميلةً أنيقةً
جدّاً من آل (الملي) كانت تعنى بي كثيراً، وكانت مديرتنا الفاضلة (أمّ خلدون
الأحدب).
عقب دخولي الروضة بأيام، وربما بأسبوعين؛ اختصمت
والدتي مع والدي، فضربها بقسوة؛ لأنها لم تنجز تنظيف حظيرة الدوابّ، ولم تستطع
إكمال طحن العلف، وانشغلت بتهيئة الطعام له وللأسرة!
فقرّرَت الانفصالَ عنه، فأوصلتني إلى الروضة،
وقبّلتني كثيراً، وبكت، ثم ذهبت إلى أهلها، وبقيت عندهم سنتين!
كانت تزورني مرّةً في كلّ أسبوعٍ في الروضة، وكنت
أؤنّبها لأنها تركتني وأخواتي، فكانت تقول لي دائماً: أخاف على نفسي من الكفر يا
حبيبي!
ولم أكن أفهم عليها ماذا تعني!
حتى دخلتُ في المدرسة الابتدائيّة، فرجعَتْ إلى
والدي، ولا أعلم كيف ولماذا؟
(7) عندما أخذتني والدتي إلى مدرسة (العهد الجديد
الابتدائيّة) طلبَتْ منهم أن يُجروا لي امتحاناً؛ لأنني أحمل شهادة نجاحٍ من
الروضةِ إلى الصفّ الثالث؛ لأنّ الموادّ التي كانوا يدرسوننا إياها في الروضة؛ هي
ذاتها موادّ الصف الأوّل والثاني.
فقرّر المدير الفاضل النبيل السيّد (مصباح
العلواني) أن يضعني في الصفّ الثالث الابتدائيّ، وطلب من والدتي أن ترسل والدي
إليه.
عندما ذهبت مع والدي إلى المدرسة؛ تحدّثا بأشياء
كثيرة، لكنّ والدي أصرّ أن يعيدوني إلى الصفّ الأوّل الابتدائيّ، فأعادوني، وسمعت
المدير يقول لوالدي:
«الله يكون بعون عداب على
أبو عداب».
والله تعالى أعلم
(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ
تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله،
وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً
والحمد لله على كلّ حال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق