مَسائِلُ فكريّةٌ (37):
لا تَحزَنْ لمواقِف
الآخَرين!؟
(رَبَّنَا: عَلَيْكَ
تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.
رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا
فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا: افْتَحْ
بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ).
في حِوارٍ مع أحدِ إخواني
الأعزّاء؛ أبدى ألَمَه من انتقاصِ الناس إيّايَ، وتشويه سمعتي، و و و !!
وكان ممّا قال: ألا تتألّم
مما يقوله الناس عنك؟
قلت له: كيف لا أتألّم، وأنا
على يقينٍ جازمٍ أنّهم مفترون كذّابون، عليهم من الله ما يستحقّون!
قال: تكلّم بالمَقبولِِ من
الناس، واجتنب ما ينكرونه؛ تسلمْ!
قلت له: إذا انتهج العلماء
هذا المسلك؛ فلا يبقونَ علماءَ أصلاً، إنما يتنزّلون إلى درجة العوامّ الرعاع،
وطبّقنا ما يصنعه بعض علماء الشيعة (التقيّة من العوام)!
والله تعالى يقول لنبيّه
محمد صلى الله عليه وآله وسلّم: (وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ، إِلَّا
لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ
يُؤْمِنُونَ (64) [النحل].
وقال تعالى للذين أوتوا عِلمَ
الكتاب (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ؛
لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ، وَلَا تَكْتُمُونَهُ، فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ
ظُهُورِهِمْ، وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا، فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (187)
[آل عمران].
وقال لبقيّة الذين يدّعون
الإسلام (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ؛ أَذَاعُوا بِهِ
وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ؛ لَعَلِمَهُ
الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ.
وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ
وَرَحْمَتُهُ؛ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا (83) [النساء].
ألست أنا الفقير من
(الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ)؟
فبدلاً من أن يردّوا إليّ
وإلى أمثالي قضايا اختلافهم؛ يرموننا بالعظائم؟
قال: ولكنّ الذين ينالون
منك؛ هم من أهل العلم أيضاً!
قلت: أبداً، ليسوا من أهل
العلم، وليسوا من أهل الأدب أيضاً!
ولو كانوا من أهل العلم؛
لردّوا بأدب، وفنّدوا بعلم!
وليس بـ«قال فلانٌ من
السلف» و«فلان من الخلف» وقال المذهب الفلاني، فهذا ليس علماً أبداً، ولا يلزم
أحداً من أهل العلم اتّباعُه.
وعلى كلّ حالٍ يا أخي:
الموعدُ الله!
ألا ترى كيف همّش أهل
السنّة قاطبةً علومَ أجدادي من آل البيتِ، وتركوها لمَن ضعّفوهم وكفّروهم من أتباع
آل البيت؟
ألا ترى كيف كفّروا أبا
حنيفة، حتى قال التقيّ الورع سفيان الثوري: استتبناه من الكفر مرّتين؟
ألا ترى كيف فعل «أهل
السنّة» أنفسهم بالإمام الشافعيّ؟
اتّهموه بالرفض، وضربوه
وأهانوه، وكان بعض كبارِهم يقنت عليه في صلاته، وفي بعض الروايات أنهم قتلوه!
ألا ترى ما فعله «أهل
السنّة» أنفسهم بالإمام البخاريّ، سيّد المحدّثين اليوم؟
طردوه من كلّ بلدٍ دخلها، وحكم
عليه الذهليّ المتعصّب بالتجهّم، وتركه أبو حاتمٍ وأبو زرعة!
ألا ترى ما فعله «أهل
السنّة» أنفسهم بالإمام النسائيّ؟
ضربوه على خصيتيه، حتى
ماتَ من ضربهم وسفاهتهم في دمشق!
ألا ترى ما فعله «أهل
السنّة» أنفسهم بالإمام ابن جريرٍ الطبريّ؟
طيّنوا عليه باب بيته،
ومنعوه من الخروج من بيته حتى مات؟
ولمّا مات؛ منعوا من دفنه
في مقابر المسلمين، فدفنوه في بيته، وأحرقوا ما وجدوه فيه من كتبه!
ألا ترى ما فعله «أهل
السنّة» أنفسهم بالإمام ابن حبّان؟
شهدت عليه مائة عمامةٍ سنيّةٍ
من عمائم سجستان؛ بأنه زنديق!
واستصدروا أمراً من
الخليفة المقتدر بقتله على الزندقة، فوافق الخليفة الجاهلُ، وأمر بقتل ابن حبّان
على الزندقة!
ولكنّ ابن حبّان لجأ إلى
الله تعالى؛ أن لا يفضحه، فمات وهو ساجدٌ، ليلةَ تنفيذ حدّ الردّة فيه!
يكفي هذا يا أخي، أم
نستمرّ إلى ابن حزمٍ، وابن القطّانِ، وابن تيمية، وغيرهم وغيرهم؟
أليس أبو محمّد البربهاريّ
يقول: «اللهَ اللهَ فِي نفسك، وعليك بالآثار وأصحاب الأثر والتقليد؛ فإنّ الدينَ
إنّما هُوَ التقليدُ!
يَعني للنَبيّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأصحابه رضوان اللهَ عليهم أجمعين.
ومَن قَبْلَنا لم يَدَعونا
فِي لَبْسٍ، فقلِّدْهم واسْتَرحْ».
هذا ما يدعوني إليه جميعُ
من ينتقدني، وأنا لا أرى أحداً يجب عليّ تقليدُه، سوى الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وآلِهِ وَسَلَّمَ.
هذا ما أمرني الله تعالى
به بقوله: (قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ، فَإِنْ تَوَلَّوْا؛ فَإِنَّ
اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (32) [آل عمران].
فقال الطائعون: (رَبَّنَا آمَنَّا
بِمَا أَنْزَلْتَ، وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ؛ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ
(53) [آل عمران].
وأحتاط لديني، فلا أخالف
حكماً فقهيّاً أجمع عليه المسلمون «السنة
بمذاهبهم، والشيعة بمذاهبهم، والإباضيّة) إن شاء الله تعالى.
فصار الدينُ الذي أدين
الله تعالى به؛ هو:
كتاب الله تعالى، حسب فهمي
أنا الفقير.
وسنّة الرسول صلّى الله
عليه وآله وسلّم، التي تصحّ عندي، وعلى حسب ما أفهمه منها، وليس على حسب ما يفهمه
السلف أو الخلف، أو فلان وعلّان!
والإجماع المتقدّم.
وأنا لا أنكر القياسَ، ولا
أغيّب المصلحة الشرعيّة ومقاصدَ الدين أبداً !
لكنّ نتائج القياس
والمصالح والمقاصد؛ اجتهاداتٌ ظنيّة لا يُلزم أحدٌ من المسلمين أبداً بالتزامها!
ختاماً: سلّمتِ الأمّة
لكثيرٍ من العلماء السابقين اجتهاداتِهم، وعذرتهم في كثيرٍ مما انفردوا به، ولا
يوجد إمام مجتهد، لم ينفرد بمسائل لا يوافقه عليها غيره.
ومن المعلوم لدى طلبة
العلم؛ أنّ هناك كتباً مصنّفةً في «مفردات المذاهب»:
مفردات الحنفية، ومفردات
المالكية، ومفردات الشافعية ومفردات الحنابلة، ومفردات الإمامية!
فلماذا نقبلُ ممن ماتوا؛
ما لا نقبلُ مثلَه من الأحياء؟
والله المستعان وعليه
التكلان ولا حول ولا قوة إلّا بالله العليّ العظيم.
(رَبَّنا: ظَلَمْنَا
أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ
الْخَاسِرِينَ(.
هذا.. وصلّى الله على
سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلَّم تَسليماً.
والحمد لله على كلّ حال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق