مَسائِلُ عَقديّةٌ:
هلْ أنتَ
تُنكِرُ الصفات !؟
بسم الله
الرحمن الرحيم
أجبتُ أحدَ
الإخوةِ في تفسير آيةٍ من القرآن الكريم، فلم يعجبه تفسيري، وقال:
أليس تفسيرُك
هذا إنكاراً لصفة واردةٍ لله تعالى في القرآن الكريم؟
أقولُ وبالله
التوفيق:
الذي يُنكر
اسماً ثابتاً، أو صفةً لله تبارك وتعالى، ثابتةً في القرآن الكريمِ؛ يُعَلّم
ويفهّم
فإنْ أصرّ على
إنكارِ أنّ لله تعالى اسماً هو (الله - الحيّ - القيّوم) مثلاً.
أو أصرّ على
إنكار أنّ لله تعالى صفة (الإرادةِ - الحياةِ - البقاء) مثلاً؛ فقد أنكرَ اسماً أو
صفةً واردين في القرآن الكريم.
بيد أنّ معاني
هذه الأسماء وتلك الصفات جميعها محكوم بقوله تبارك وتعالى:
(لَيْسَ
كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِير).
(قُلْ هُوَ اللهُ
أَحَدٌ (1) اللهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ
لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ)
(لَا
تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ
الْخَبِير).
وفي ضوء معاني
هذه الآياتِ؛ قال علماؤنا: «كلُّ ما خَطرَ في بالك؛ فالله ليس كذلك».
ورد لله تعالى
في القرآن الكريم سبعون اسماً، وستٌّ وستّون صفة؛ أؤمن بجميعها!
بيد أنّ
معانيها تفهم عندي حسبَ فقه اللغة العربية، وأساليبها في البيان، وفي ضوء سباقِها
وسياقها، الذي وردت هذه الآيةُ لتفسره أو لتنشئه.
وأفهم الصفاتِ
كما يفهم كلّ أدباء العربِ الصفاتِ، إذْ هم الذين يفهمون اللغة حقَّ الفهم، ولا
قيمةَ لفهم العوامّ عندي!
نعم قد يسعُ
العوامَّ فهمُهم لنصوص القرآن الكريم، وقد يعذرون أمامَ الله تعالى، عند من يوجب
عليهم الاجتهاد في المعتقدات، لكنّ هذا لا يلغي أنّ فهمهم المتبادرُ لهم قد يكون
خطأً محضاً!
مثال ذلك، قول
الله تعالى:
(وَاتَّبِعُوا
أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ
الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ
يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ، وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ
السَّاخِرِينَ (56) [الزمر].
فإذا جاء
إنسانٌ - صَغُرَ أو كَبُرَ، تقدّم زمنُه أو تأخرّ؛ فقال:
هذه الآيةُ
يثبتُ ظاهرها لله تعالى جنباً، وإضافةُ الجَنبِ إليه تعالى لا تختلف عن (يدُ
اللهِ) و(وَجَهَ اللهِ).
قلنا له: قبلَ
أن نقبلَ تفسيرك معنى الجنب، أو نُنكرُه؛ فلا بدَّ من استعراض المواضعِ التي
ذُكرتْ فيها كلمة (جَنْب) في القرآن الكريم، ثم نستبعد كلَّ تفسيرٍ لا تجوزُ نسبته
إلى الله تعالى، ثم نختار من بين المعاني التي يجوز إضافتها إلى الله تعالى
الأليقَ منها.
(وَإِذَا مَسَّ
الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا
كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ).
مفهوم الآيةِ
أنّ الإنسانَ دعا الله تعالى ليكشفَ عنه ضُرّه، وليس مفهومها أنّ الإنسانَ دعا
الله تعالى ليقف ماديّاً بجانبه.
وَإِذْ قَالَ
إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ
نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ).
مفهوم الآيةِ
أنّ إبراهيم عليه السلام أرادَ أن يملأ اللهُ تعالى قلبَه وقلوبَ أبنائه بالتوحيدِ
المباينِ لعبادةِ الأصنام الشركية، وليس مقصود الآية أن يُباعِده مكانيّاً من
الأصنام!
فالذي يعبد
صنماً مثل «بوذا» يعبده وهو في أمريكا، ولا يشترط لتحقق عبادته إيّاه؛ أن يكون
مجاوراً له.
والآيةُ موضع
البحثِ (يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ) لا يمكن فهمها على
ظاهرها الوَضعيّ، إذْ كلمة (جنب) موضوعةٌ دلالةً على طرفِ الإنسان.
وإذْ لا معنى
للتفريط في الطرف الأيمن أو الأيسر؛ يجب أن ينصرف المعنى إلى الكنايةِ أو المجاز،
فيكون المعنى المقصود «يا حسرتي على ما قصّرتُ في توحيدِ الله تعالى» أو «في
عبادةِ الله تعالى» أو «في التقرّب إلى الله تعالى».
وما قلته بخصوص
كلمةِ الجنب؛ أقوله بالنسبة للوجه واليد والاستواء والساق والضحك والتبشبش والمشي
والهرولة ...إلخ.
أيُّ آيةٍ في
القرآن الكريمِ توَهّم بعضهم، أو يمكن أن يتوهم بعض آخر منها التشبيه والتجسيم؛
فتفسيرها كما قدّمت هو المقصود، وليس المقصود الدلالةَ الوضعية لكلمة (وجه، يد،
ساق).
فأنا أثبت لله
تعالى سبعين اسماً، وستّاً وستّين صفةً؛ وردت ورد في القرآن الكريم.
وأنزّه الله
تعالى عن كلِّ إضافةٍ توهّم منها بعضُ المتقدّمين أنّها صفات، وليست هي من الصفات
بسبيلٍ، لا في التركيبِ اللغويّ، ولا في التخاطب المتعارفِ عليه بين العرب.
العرب تفهم أنّ
معنى (الوجه) غير معنى (اليد) غير معنى (الساق) غير معنى (الحقو) غير معنى (الجنب)
فإثباتُ صفاتٍ حقيقيّةٍ لله تعالى من إضافة مثل هذه الكلمات؛ لا يعني شيئاً غير
الجسمية والتشبيه، سواء قلتَ: بلا كيف، أو قلت: يليق بالله تعالى.
إذ لا يليق
بالله تعالى مشابهةُ مخلوقاته في شيءٍ البتّة، وأحاديثُ هذه الإضافاتِ التي
يدعونها صفاتٍ؛ كلّها أحاديثُ ظنيّةُ الثبوتِ، تتفاوت درجات ثبوتها تفاوتاً
كبيراً، وما ثبت منها؛ هو ظُنونٌ، تُفهم في ضوء ما تقدّمَ من بيانٍ، وليس شيءٌ
منها صفةٌ ذاتيّةٌ حقيقيّة لله تعالى.
قال ذلك السلف،
أم أنكره الخلف، فليس قولِ أحدٍ منهم حجّةً شرعية يجب التزامها من أحد.
ولا أدلَّ على
سخافةِ إلزام المسلم بقول السلفِ المتقدمين من مسألةِ (الإقعاد على العرش) التي لم
يرد فيها حديثٌ صحيح ولا حسن ولا ضعيف، ومع هذا عدّها كثيرٌ من هذا السلفِ من
فضائل الرسولِ صلّى الله عليه وآله وسلّم، وبدّع هذا السلفُ وضلّل وكفّر من لا
يعتقد بها، مع أنّ اعتقادها ضلال مبين!
استلَلتُ «باب
المقام المحمود» من كتابِ «السُنّة» لأبي بكر الخلّال (ت: 311 هـ) وخرّجتُ رواياتِه،
وتوصلتُ إلى أنّ أكثرَ من (200) محدّثٍ وراوٍ يقولون بهذه العقيدة الوثنية
الضالّة!
فهل كثرتهم
تجعل الباطلَ صواباً؟
يقول هذا الخلّالُ الجليل: قالَ أبو
بَكْرِ بنُ أَبِي طَالِبٍ: «مَنْ رَدَّ حَديثَ مجاهد» فَقَدْ رَدَّ عَلَى اللهِ
عَزَّ وَجَلَّ، وَمَنْ كَذَّبَ بِفَضِيلَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ؛ فَقَدْ كَفَرَ بِاللهِ العَظيمِ».
[ ] (247)
وَأَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بنُ أَصْرَمَ الْمُزَنِيُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ،
وقالَ: «مَنْ رَدَّ هَذَا؛ فَهُوَ مُتَّهَمٌ عَلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، وَهُوَ
عِنْدَنَا كَافِرٌ.
وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ مَنَ قالَ بِهَذَا؛ فَهُوَ
ثَنَوِيُّ؛ فَقَدْ زَعَمَ أَنَّ الْعُلَماءَ وَالتَّابِعِينَ ثَنَوِيَّةٌ، وَمَنْ
قالَ بِهَذَا؛ فَهُوَ زِنْدِيقٌ يُقْتَلُ».
هكذا إذنْ، من
لا يعتقد بهذا الباطلِ؛ فهو كافر بالله العظيم، ومن خطّأ هذا السلفَ المجسّم؛ فهو
زنديقٌ يقتلُ من دون استتابة!
والله المستعان
وعليه التكلان.
والحمد لله على
كلّ حال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق