الأربعاء، 11 يونيو 2025

         التصوّفُ العليم:

ما علاقة التصوّف بعيدِ الغدير؟!

بسم الله الرحمن الرحيم

(الْحَمْدُ للهِ، وَسَلامٌ عَلَى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطفَى).

أمّا بعد:

إنّ ممّا يجبُ العِنايةُ به، والتعرّف به على الدوام؛ أنّ الاختلاف بين البشر؛ ليس محموداً أبداً، على خلاف ما يقوله كثيرون، بيد أنّه شرٌّ لا بدَّ منه!

اختلفَ الصحابة رضي الله عنهم؟ نعم اختلفوا وقتل بعضهم بعضاً.

اختلف التابعون، اختلف الأئمة المتبوعون، ومنهم زيدُ بن عليٍّ وجعفر الصادق وأبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وأتباعهم وغيرهم، رحمهم الله تعالى؟ نعم  اختلفوا، وخطّأ بعضهم بعضاً، وشنّع بعضهم على بعض!

فنأتي نحن في زمان الجهل والقتل والفتن؛ نرفضُ الخلاف والاختلاف، ولا نقبل إلّا قولاً واحداً ورأياً واحداً، فهذا عبث وقباحة!

بيد أنّ هذا شيءٌ، واتّهام النوايا والأهداف، واتّهام الولاء والتبعيّة الدينية؛ فهذا هو القبح بعينه.

عندما تتّهمني بأنني شيعيٌّ، أو تابع للنظام الإيرانيّ القبيح الظالم، أو لأيّ جهة شيطانيةٍ تتخيّلها، ألك دليلٌ على ذلك؟

ألم تسمع قول الله تبارك وتعالى: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا).

(وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) والله يشهد أنني بريءٌ من عقائد الرافضةِ، ومن معرفة أيّ إيراني في هذا الوجود، بل ما زلت أنتقد النظام الإيرانيَّ منذ عام (1979) وحتى ساعتنا هذه!

ألا تستحيي - أيها المسلم - من افترائك وقلّة أدبك وسوء أخلاقك، عندما تتهم عالماً من علماء هذه الأمة - على الرغم من أنفك العَفن - بالتبعية والصغار، لمجرد أنّه يخالف جهلك وجهل من ربّاك وعلّمك؟

يجب الإقرار بأنّ في المجتمع المسلم الواحدِ؛ صوفيّةٌ وسلفيّةٌ وسُنيّة وشيعيّةٌ وظاهريّة وتيميّة وإباضيّة وظاهريّة!

ويجب الإقرار بأنّ بين هذه المجتمعات جميعها حمولاتٌ من (آل بيت الرسول) صلّى الله عليه وآله وسلّم، له رؤاهم وتطلّعاتُهم ومظلومياتهم فيما يرون!

ليس من حقّ أهل السنّة، ولا من حقّ الشيعةِ، ولا من حقّ غيرهم؛ أنْ يلزمونا بجميع أفكارهم، ما دمنا نعيش بينهم، فهذا ليس من العدل في شيء البتّة!

السنيُّ يحبُّ (فلاناً) من الصحابة رضي الله عنه؛ لفضائل يراها فيه!

أنا من آل البيت - مثلاً - قد لا أقرّ بهذه الفضائل من جهةٍ، ولا أرى في هذا (الفلان) أهليّةً للقيادةِ، ولم يثبت لديّ شيءٌ من نصرته لهذا الدين، إبّان الحاجة إلى نصرته، فلماذا يجب علي حبُّه وتقديسُه، وأنا لا أراه أهلاً لهذا التقديس؟

في المقابل: أهل السنّة يروون في فضائل جدّنا الإمام عليٍّ مئاتِ الأحاديث، منها أكثر من خمسين حديثاً صحيحاً، منها حديث (مَن كنت مولاه؛ فعلي مولاه) المتواتر.

وليس لأحدٍ من الصحابةِ مثلُ هذه الفضيلةِ، ومع ذلك هم يقدّمون عليه أبا بكر وعمر وعثمان، رضي الله عنهم، فلماذا يجوز لهم ذلك دوننا؟

نحن - أهلَ البيتِ - نرى هذا الحديث مقروناً بواقعته التاريخية وظروف نُطق الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم دليلاً ظاهراً على تولية جدّنا الإمام عليّ إماماً للمسلمين بعد الرسولِ صلّى الله عليه وآله وسلّم، وهذا فخر لنا من دون شكٍّ!

أمّا عن جوازِ عدّه عيداً، من عدم جوازه؛ فإليك بيان ذلك:

أوّلاً: قال الراغب الأصبهاني في المفردات (ص: 594) ما نصّه: (العِيدُ: ما يُعَاوِدُ مرّةً بعدَ أخرى، وخُصّ في الشّريعةِ بيومِ الفِطر ويوم النّحر.

ولمّا كان ذلك اليوم مجعولاً للسّرور في الشريعة  -كما نبّه النّبيّ صلّى الله عليه وسلم بقوله: (أيّام التشريقِ؛ أيّام أكلٍ وشُربٍ وذكرٍ لله) أخرجه مسلم (1141) صار يُستعمل العِيدُ في كلّ يومٍ، فيه مَسرّةٌ!

وعلى ذلك «يُفهَم» قوله تعالى: (قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ: اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ، تَكُونُ لَنَا عِيداً لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ، وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ).

وقال أبو البقاء الكفويّ في كلّياته (ص: 597): «كلُّ يَوْمِ مَسَرَّةٍ؛ فَهُوَ عيدٌ وَلذَا قيل: «عيد وَعِيد وَعِيد، صِرن مَجتَمِعاً ... وَجهَ الحبيب، وَيَوْمَ الْعِيد وَالْجُمُعَةْ».

فكلامُ الراغبِ الأصبهانيّ والكَفَويّ؛ واضح في جواز تسمية كلِّ يومِ فرحٍ وسرور عيداً.

وأهلُ البيتِ - ومعهم الصوفيّة المتّصلةُ طرائقُهم بالإمام عليّ - يعتقدونَ أنّ يومَ الغديرِ؛ هو اليوم الذي نَصَبَ فيه الرسولُ صلّى الله عليه وآله وسلّم الإمامَ عليّاً خَلَفاً له على هذه الأمّة، والحديث المتواتر، الذي صحَّحَ وحَسّنَ الذهبيّ ثمانيةَ أحاديثَ منه (مَن كنت مولاه؛ فعليّ مولاه) لا يفيد عند من لديه بعضُ فقهٍ بالعربية، سوى منح الإمام عليّ وظائفَ الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، سوى النبوّة، وهي مستثناةٍ من وظائف هارون عليه السلام بحديثٍ نبويّ مشهورٍ أيضاً.

سواءٌ أوّلتموه، أو رددتموه؛ فهذا هو دليلنا، فأين دليلُك أنت على أنّ عيد الغدير لا يرتبط بالإمام علي؟

غايةَ ما نقول لكم، حسماً لمادّةِ الخلاف: إذا تشنّجتم من عدّ يوم الغدير عيداً دينيّاً؛ فلا بأس، عُدّوه عيداً اجتماعيّاً وانتهى الأمر !

وقد كان عندنا في بلاد الشام عيدٌ يسمّى (عيد المشايخ) و(عيد الربيع) وفي مصر (عيد شمّ النسيم) فليكن يوم الغدير واحداً من هذه الأعياد الاجتماعية، فكان ماذا؟

وافق الرافضةَ، خالفَ الرافضة، أغضب أهل السنة أرضى أهل السنّة، نحن الصوفيّة لا نتدخّل في الصراعات السياسيّة أبداً؛ لأنّ السياسةَ نقيضَ الزُهدِ في الدنيا!

وفي هذا يقول جدّنا عليٌّ إمام الزاهدين.

(وَاللهِ لَوْ أُعْطِيتُ الاَقَالِيمَ السَّبْعَةَ بِمَا تَحْتَ أَفْلاَكِهَا؛ عَلَى أَنْ أَعْصِيَ اللهَ فِي نَمْلَة أَسْلُبُهَا جِلْبَ شَعِيرَة مَا فَعَلْتُهُ، وَإِنَّ دُنْيَاكُمْ عِنْدِي لأهْوَنُ مِنْ وَرَقَةٍ فِي فَمِ جَرَادَة تَقْضِمُهَا!

مَا لِعَلِيّ وَلِنَعِيم يَفْنَى، وَلَذَّة لاَ تَبْقَى؟! نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ سُبَاتِ الْعَقْلِ، وَقُبْحِ الزَّلَلِ، وَبِهِ نَسْتَعِينُ.

قَدْ حَقَّرَ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم الدُّنْيَا وَصَغَّرَهَا، وَأَهْوَنَ بَهَا وَهَوَّنَهَا، وَعَلِمَ أَنَّ اللهَ تعالى زَوَاهَا عَنْهُ اخْتِيَاراً، وَبَسَطَهَا لِغَيْرِهِ احْتِقَاراً، فَأَعْرَضَ عَنِ الدُّنْيَا بِقَلْبِهِ، وَأَمَاتَ ذِكْرَهَا عَنْ نَفْسِهَ، وَأَحَبَّ أَنْ تَغِيبَ زِينَتُهَا عَنْ عَيْنِهِ، لِكَيْلاَ يَتَّخِذَ مِنْهَا رِيَاشاً، أوْ يَرْجُوَ فِيهَا مَقَاماً.

بَلَّغَ عَنْ رَبِّهِ مُعْذِراً،  وَنَصَحَ لاُِمَّتِهِ مُنْذِراً، وَدَعاَ إِلَى الْجَنَّةِ مُبَشِّراً، وَخَوَّفَ مِنَ النَّارِ مُحَذِّراً) ونحن على منهاجه سائرون، على قدر توفيق الله لنا، وعونه إياناً.

والله تعالى أعلم.

والحمد لله على كلّ حال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق