مِنْ عِبَرِ التاريخِ (21):
أسماءُ وألقابُ الإمام
عليّ!؟
بسم الله الرحمن الرحيم
(رَبَّنَا: عَلَيْكَ
تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.
رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ
كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا
بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).
كتب إليّ يقول: «هل قرأتم كتاب أسماءِ وألقاب أمير
المؤمنين عليّ بن أبي طالب، وما رأيك بمضمونه»؟
سألتُه: مَنْ مؤلّفُ هذا الكتاب؟
قال: «الكتاب مرفوعٌ على الإنترنيت، لا أتذكّر اسم
مؤلّفه، لكنّه عجْميٌّ إيرانيّ»!
أقول وبالله التوفيق:
بحثت على الإنترنيت، فوجدت الكتاب بهذا العنوان
تماماً، لمؤلّفه «علي أصغر شكوهي قوجاني».
في غرفة المكتبة عندي مكتبةٌ كاملةٌ من كتب الشيعة
الإماميّة، وفي معرض السنة الماضية؛ باعني الأخ الأعلميّ عدداً من الكتب حياءاً،
لم أكن راغباً بشرائها!
قلت في نفسي: ابحث يا عداب، لعلّك تجد هذا الكتابَ
بينها!
فعلاً وجدتُ الكتابَ المذكورَ في مكتبتي، ولم أكنْ
اطّلعتُ عليه من قبلُ!
أمضيتُ ساعاتٍ كثيرةً وأنا أقرأ في هذا الكتابِ،
حتى تتكوّن صورةٌ صحيحةٌ لديّ عنه، وحتى أتمكّن من تقويم الكتاب المذكور!
يقع الكتابُ في (347) صفحة، من القطع الخاصّ (12×
17) وقد زُوّد الكتاب بفهرسٍ لمصادر الكتاب التي بلغت (339) مصدراً (350 - 378)
وجاء بعده فهرس مباحث الكتاب، الذي جاء في (13) صفحة (379 - 392).
عقب قراءة صفحاتٍ كثيرةً، وقراءة مباحثَ عديدةٍ
بتمامها؛ تنفّستُ الصعداءَ، وأغمضت عينيّ، وتركت لخياليَ أن يسرح هنيهةً، فرجع
إليّ عقلي الصغير يقول:
مسكينةٌ يا أمّة الرسولَ الأعظم، كيف تضيعُ أوقاتُ
أبنائك سدىً!
مسكينةٌ يا أمّة الإسلام، كم من الثروة التي تُنفقُ
في طباعةِ كتب لُحْمَتُها وسَداها؛ روايات واهيةٌ ومنكرةٌ وضعيفة، وأقلّ القليلِ
منها المقبولُ!
قال الله تعالى: (وَللهِ الْأَسْمَاءُ
الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) وأسماء الله تعالى في القرآن الكريم (68) اسماً.
وقال الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم: (أَنَا
مُحَمَّدٌ، وَأَنَا أَحْمَدُ، وَأَنَا الْمَاحِي، الَّذِي يُمْحَى بِيَ الْكُفْرُ،
وَأَنَا الْحَاشِرُ، الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى عَقِبِي، وَأَنَا
الْعَاقِبُ، وَالْعَاقِبُ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ نَبِيٌّ) أخرجه البخاري في
المناقب (3532) ومسلم في الفضائل (2354).
ولنقل: إنّ للرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم عشرةَ
أسماء!
فكم تظنّ - أخي القارئ - أسماءَ وألقاب الإمام عليّ
عليه السلام، في هذا الكتاب؟
بلغت أسماءُ وألقاب الإمام عليّ عند علي أصغر
قوجاني (283) اسماً ولقباً!
من أغرب هذه الأسماء والألقاب والكنى (القَصِم -
القَضْم، الأذان، أفضل من العرش، أفضل من الكرسيّ، إليا، هيدار، جنب الله، دابّةُ
الأرض، الدِين، الزيتون، طور سنين، الساعة، شاهنشاه عرب، الصَبيّ، القرآن، المثل
الأعلى، المخلوق من نور النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، المخلوق من نور الله
تعالى، يد الله).
وقد تتبعت توثيقاته الكثيفةِ، فوجدتُه أميناً في
بعض المواضعِ، وغير دقيق في بعضها الآخر!
في تدليلِه على صفة المناجي (ص: 308 - 309) قال:
«قال ابن جرير الطبري: أجمع المفسّرون على أنّه لم يعمل بهذه الآية، غيرَ عليّ بن
أبي طالب».
وبالعودة إلى تفسير الطبريّ؛ لم نجده استعمل جملة
«أجمع المفسّرون» ولا مرّةً واحدةً في تفسيره كلّه، ولم يستعمل جملة «أجمع أهل
التفسير» ولا مرّةً واحدةً في تفسيره كلّه أيضاً!
ووجدناه استعمل جملة «أجمع أهل التأويل» مرّتين في
تفسيره (1: 311) و(6: 503).
فتتبّعنا تفسيرَ قوله تبارك وتعالى (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ
صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ (12) [المجادلة] فوجدناه في (22: 482)
روى عن مجاهدٍ أنه قال: «لَمْ يُنَاجِهِ إِلَّا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ، قَدَّمَ دِينَارًا، فَتَصَدَّقَ بِهِ».
وفي الموضع ذاته أسند إلى مُجَاهِدٍ قَالَ: قَالَ
عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
«إِنَّ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَآيَةً،
مَا عَمِلَ بِهَا أَحَدٌ قَبْلِي، وَلَا يَعْمَلُ بِهَا أَحَدٌ بَعْدِي» وساق
الآيةَ الكريمة.
وليس في تفسير هذه الآيةِ كلمة «أجمع، إجماع،
اتّفق» أبداً.
ومصنّف الكتابِ، عندما يُثبتُ للإمام عليّ عليه
السلام صفةً؛ لا يتحرّى أن يكون دليلها صحيحاً، أو حسناً، ويكتفي بأن يكون الدليل
مذكوراً في كتابٍ ما، حتى يعدّ ما تضمّنه اسماً أو صفةً لعليّ!
ففي باب القاف (ص: 286) تحت عنوان «قسيم الجنة
والنار» عزا هذا الاسم، أو هذا اللقبِ إلى كتاب العلل للدارقطنيّ، وميزان الاعتدال
للذهبي، والبداية والنهاية لابن كثير ولسان الميزان لابن حجر.
وبالرجوع إلى المصادر المذكورة وأمثالها؛ وجدنا
العقيليّ أخرج دليلَ هذا الوصف في ضعفائه (3: 415) وقال: «عَبَايَةُ بْنُ رِبْعِيٍّ
الْأَسَدِيُّ، رَوَى عَنْهُ مُوسَى بْنُ طَرِيفٍ، كِلَاهُمَا غَالِيَانِ
مُلْحِدَانِ».
وسئل الدارقطني عن هذا الحديثِ، كما في علله (6:
273) فقال: «هذا الحديث باطلٌ بهذا الإسناد».
ووجدنا الذهبيّ في ميزان الاعتدال (2: 388) نقل ما
قاله العقيليّ في الضعفاء.
ووجدنا ابن كثير في البداية والنهاية (11: 88) أورد
هذا الحديث، ثم قال: «قَالَ يَعْقُوبُ: وَمُوسَى بْنُ طَرِيفٍ ضَعِيفٌ، يَحْتَاجُ
إِلَى مَنْ يُعَدِّلُهُ، وَعَبَايَةُ أَقَلُّ مِنْهُ، لَيْسَ حَدِيثُهُ بِشَيْءٍ».
وأورد بن حجر في اللسان (4: 417) ونقل كلام
العقيليّ، وأورده في موضع آخر (8: 204) وضعّف الحديثَ أيضاً.
وأنا الفقير أقول: إنّ الإمام عليّاً قسيم الجنة
والنار، لكن ليس استدلالاً برواياتٍ باطلة، إنّما أستدلّ بمثل ما استدلّ به الإمام
أحمد رحمه الله تعالى.
ففي طبقات الحنابلة (1: 320) أسند ابن أبي يعلى إلى إسحاق بن الحسن الحربيّ قال:
سمعت مُحَمَّد بْن منصور يقول: كنا عند أَحْمَد ابن حَنْبَل فقال: له رجل يا أبا
عَبْداللَّه، ما تقول فِي هذا الحديثِ، الذي يُروى أن عليّاً قَالَ: «أنا قسيم
النار»؟
فقال: «وما تنكرون مِن ذا، أليس رُوّينا أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لعليّ: (لا يحبك إلا مؤمن،
ولا يُبغضك إلا منافق) أخرجه مسلم (78) والترمذي (3736) وقال: حسن صحيح.
قلنا: بلى!
قَالَ أحمد: فأين المؤمن؟ قلنا: فِي الجنة!
قَالَ: وأين المنافق؟ قلنا: فِي النار!
قَالَ أحمد: فعليٌّ قَسيم النار».
ختاماً: ليس الكتاب علميّاً، ولا يُركن إلى مضمونه،
فأكثر مروياته من الموضوعات والواهيات والمنكرات!
والله تعالى أعلم
(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ
تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله،
وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً
والحمد لله على كلّ حال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق