اجتماعيات (٢5):
ذكرى مولد العَداب
عليه الرحمن تاب!؟
بسم الله الرحمن الرحيم
(رَبَّنَا: عَلَيْكَ
تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.
رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا
فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا: افْتَحْ
بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ).
حدّثني والداي رحمهما الله
تعالى، ورزقني وإيّاهما اللُقيا على حوضِ الحبيب المصطفى صلّى الله عليه وآله
وسلّم قالا، واللفظ لوالدتي:
«لقد وَلدتُكَ
عند قول المؤذّن: «الله أكبر، الله أكبر» من فجر يومِ
الجمعةِ السابعَ عشرَ من صفرِ الخير، مِن شهور سنةِ تسعٍ وستّينَ وثلاثِ مائةٍ بعد
الألف، من الهجرة الشريفة» الموافق للتاسع من شهر كانون الأول، من
شهور سنة (1949م).
ومِن لطيفِ الموافقات
ليومنا هذا؛ أنني كنت وصلت في ختمة القرآن العظيم، فجر هذا اليوم، إلى سورة الفجر،
ولم أكن أعرف أنّ هذا اليومَ يوافق يوم مولدي.
ومن جميلِ الموافقات؛ أننا
الآن في يوم جمعة أيضاً.
وهذا يعني أنني قبلَ ساعةٍ
واحدةٍ من كتابةِ هذا المنشور، قد مضى من عمري أربعةٌ وسبعون عاماً هجريّة،
وطَعنتُ في الخامسةِ والسبعين.
في ليلةِ السادس والعشرين
من حزيران، من شهور عام (1975م) رأيت رؤيا طويلةً أفزعتني، فصلّيتُ الظهر في جامع
المَرابط، حتى يعبّرها لي شيخي السيّد نايف النوشي السبسبيّ، رحمه الله تعالى،
لكنّه لم يُصلّ ذلك الظهرَ في مسجده.
عَقِبَ صلاة الظهر؛ رجعتُ
إلى بيتنا، وفي الطريق تذكّرت أنّ الأهل طلبوا مني بعض الأغراض، فتابعت طريقي إلى
دكّان ابن عميّ السيّد أحمد حسين الرجب الهبطة، وإذا بشيخي نايف صاعداً من جهة باب
البلد، وقد وصلَ مقابلَ منزل شيخنا الكبير الجليل محمّد محمود الحامد رحمه الله
تعالى.
ألقيت السلام على الشيخ
نايف، وقبّلت يده، وقصصت عليه الرؤيا، ريثما هدأ صدرُه الشريفُ، من تلاحق أنفاسه،
أثراً من آثار تلك الصَعدَة القاسية، إذ نحن وإياهم نسكن في قمّة «جبل النار» وخليق به أن
يُدعى «جبل النور»!
عقب انتهائي من سردِ
رؤيايَ الطويلةِ على مسامعه؛ تبسّم وقال لي: رؤياك ناقصة حاول أن تتذكّر أكثرَ!
تذكرتُ شيئاً يسيراً منها،
فقلته له، فتبسّم وقال لي: ما زالت رؤياك ناقصةً، لكنّها مع ذلك واضحة!
انظر يا عداب: ستُصيبُك
بلوى قريباً قريباً، وستعيش بقيّة عمرك في الغربةِ، وستكون الخمسون عاماً الأولى من
حياتك صعبةً، ثمّ يفرّج الله كربَك!
وإنْ صدقت رؤياك – وأراها صادقةً جدّاً – فأنت تعيش ستّاً
وسبعين سنةً، وعدّة أشهر!
أنصحك أن تغادر سوريّا
فوراً، إن استطعتَ!
قلت له: حجزتُ لي ولزوجتي
وطفلتي إلى ليبيا يومَ الاثنين، في الثلاثين من حزيران؟
قال رحمه الله تعالى: لو
استطعتَ أن تغادرَ الآن أو غداً؛ فهو خير لك ولأهلك!
أوصلتُه إلى منزله، ورجعتُ
إلى بيتنا، فوجدت سيدتي الوالدة تبكي بحرقةٍ!
سألتها عن سبب ذلك؛ فلم
تجبني، لكنّها قالت: «ليتَ لساني شُكِلَ، يومَ دعوتُ عليك»!
قلتُ لها: أيَّ دعوةٍ
منهنّ؟
سكتَتْ، ولم تُجبْ، وازداد
بكاؤها، حتى خرجت من البيت مرّةً ثانية، وذهبت إلى المقبرةِ القريبة من بيتنا، حيث
زُرتُ قبرَ جدّي السيد إبراهيم، وقبرَ شيخي محمد الحامد، وأحدهما قريبٌ من الآخر،
ومكثت ثمّة طويلاً، أستغفر لي ولهما، وأقرأ القرآن الكريم، وأهبُهما ثوابَه.
كنتُ مدلّلاً على والدتي، فكنت
أرهقها بطلباتي الماليّة، وفي إحدى المرّات، طلبت منها شيئاً يسيراً من المالِ،
فرفضتْ إعطائي، فرفعتُ صوتي ملحّاً، فغضبت، وهي سريعةُ الغضب جدّاً، ثم قالت لي: «رُحْ، إن
شاء الله، مُشتّتٌ في البلاد»!
أنا أعرف أنّ الله
تبارك وتعالى يَغضبُ لغَضبِ والدتي، ويستجيب دعاءها لا محالة!
فعلمتُ أنني سأصاب بمصيبة!
لكنْ انظروا إلى هذه
المصيبةِ والبليّة؛ فقد بدأ شتاتي في البلاد، من تاريخ (30) حزيران، من عام
(1975م) وحتى كتابة هذا المنشور، ولم يتيسّرْ لي أن أعود إلى بلدي لأزورَ قبرَ
والدتي، قبلَ موتي!
فليحذر الإخوة الأصدقاءُ
والشباب، من دعوةٍ قاصمةٍ، تقلب حياتَهم رأساً على عَقب!
اللهم اغفر لنا ولوالدينا
ولمشايخنا وأساتذتنا وزملائنا وتلامذتنا وأصدقائنا وخصومنا، وسائرِ عبادك
المؤمنين.
اللهم قد سترتنا فيما مضى،
فأسبغْ علينا جميلَ سترك في القليلِ الباقي، واستعملنا في طاعتك، ووفقنا إلى خدمة
كتابك وسنّة نبيّك وحبيبك المصطفى محمّد، صلّى الله عليه وآله وسلّم، أزكى صلاة
وأسناها، واجعلنا بالصلاة عليه من الفائزين.
وكلّ عام وأنتم بخيرٍ،
وكلّ ساعةٍ وأنتم إلى الله تعالى أقرب!
]رَبَّنا:
ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ
مِنَ الْخَاسِرِينَ[.
هذا.. وصلّى الله على
سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلَّم تَسليماً
والحمد
لله على كلّ حال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق