مَسائل حديثية (21):
مَعاجمُ الطبرانيّ الثلاثة!؟
بسم الله الرحمن الرحيم
(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ
أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.
رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ
كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا
بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).
كتب إليّ يقول: «لماذا صنّف الطبرانيّ ثلاثةَ
معاجمَ، ولم يجمعها في كتاب واحد، مع العلم بأنّه كثيراً ما يخرّج الحديث الواحد
في المعاجم الثلاثةِ، أو في اثنين منها، وهل يختلف منهجه في المعجم الصغير، عن
المعجم الأوسط، وعن المعجم الكبير؟ وشكراً لكم».
أقول وبالله التوفيق:
الطبرانيّ: هو أبو القاسم سليمانُ بن أحمد بن أيّوب
اللخميّ الطبرانيّ، نسبةً إلى مدينة طبريّة في جنوبيّ سوريّا اليوم.
قال الذهبيّ في تذكرة الحفاظ (3: 85): «الحافظ
الإمام العَلّامة الحجة بقية الحفاظ، مُسند الدنيا!
وقال في النبلاء (16: 119): هُوَ الإِمَامُ
الحَافِظُ الثِّقَةُ الرَّحَّالُ الجَوَّالُ، مُحَدِّثُ الإِسلاَمِ، عَلَمُ
المعمَّرينَ».
ولد سنة ستين ومائتين، بمدينة «عكّا» وكانت أمّه
منها.
وسمع في سنة ثلاث وسبعين، وهلّم جرّاً
وحدث عن ألف شيخ أو يزيدون!
قال أبو نعيم: توفي لليلتين بقيتا من ذي القعدةِ،
سنة ستين وثلاثمائة.
قال الذهبيّ: استكمل مائة عام وعشرة أشهر.
وقال الذهبيّ في التذكرة أيضاً: صنف المعجم الكبير،
وهو المسند سوى مسند أبي هريرةَ، فكأنه أفرده في مصنّف!
وقال
في النبلاء (16: 122): «المُعْجَمُ الكَبِيْرُ: هُوَ مُعْجَمُ أَسمَاءِ
الصَّحَابةِ وَترَاجمِهِم وَمَا رَوَوْهُ، لَكنْ لَيْسَ فِيْهِ مُسْندُ أَبِي
هُرَيْرَةَ، وَلاَ اسْتوعبَ حَدِيْثَ الصَّحَابَةِ المُكثرينَ، فِي ثَمَانِ
مُجَلَّدَاتٍ.
والمعجم
الأوسط في ست مجلدات كبارٍ، على معجم شيوخه، يأتي فيه عن كل شيخ بما له من الغرائب
والعجائب،, فهو نظير كتاب الأفراد للدارقطني بيَّن فيه فضيلته وسَعَةَ روايته، وكان
يقول: هذا الكتاب روحي, فإنّه تعب عليه, وفيه كلُّ نفيسٍ وعزيزٍ ومُنكر، وصنف
المعجم الصغير وهو عن كلِّ شيخٍ له حديثٌ واحدٌ، وصنّف أشياء كثيرةً، وكان من
فرسان هذا الشأن مع الصدق والأمانة» وقال نحو ذلك في تاريخ الإسلام (8: 143).
قال
الإمام الطبرانيُّ في خطبة كتابه «المعجم الصغير» (1: 21):
«هَذَا
أَوَّلُ كِتَابِ فَوَائِدِ مَشَايِخِي، الَّذِينَ كَتَبْتُ عَنْهُمْ
بِالْأَمْصَارِ، خَرَّجْتُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَدِيثاً وَاحِداً،
وَجَعَلْتُ أَسْمَاءَهُمْ عَلَى حُرُوفِ الْمُعْجَمِ».
والفوائد:
يراد منها ما يستفيده المصنّف من هذا الشيخ، دون غيره، ولذلك عدّوها أحياناً
مرادفة لغرائب الشيوخ.
باب
الألف، من اسمه أحمد:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ نَجْدَةَ الْحَوْطِيُّ، أَبُو
عَبْدِالله، بِمَدِينَةِ جَبَلَةَ، سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ:
حَدَّثَنَا جُنَادَةُ بْنُ مَرْوَانَ الْأَزْدِيُّ الْحِمْصِيُّ: حَدَّثَنَا
مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «سَأَلْتُ
رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ ثَلَاثَ خِصَالٍ، فَأَعْطَانِي اثْنَتَيْنِ، وَمَنَعَنِي
وَاحِدَةً.
سَأَلْتُهُ
أَنْ لَا يُسَلِّطَ عَلَى أُمَّتِي عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ؛ فَأَعْطَانِيها.
وَسَأَلْتُهُ
أَنْ لَا يَقْتُلَ أُمَّتِي بِالسَّنَةِ؛ فَأَعْطَانِيها.
وَسَأَلْتُهُ
أَنْ لَا يَلْبِسَهُمْ شِيَعاً، فَأَبَى عَلَيَّ).
قال
الطبرانيُّ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ مُبَارَكِ
بْنِ فَضَالَةَ؛ إِلَّا جُنَادَةُ».
قال
عداب: عندما يقول الطبرانيّ: لم يروه عن مبارك بن فضالة، إلا جُنادة؛ فلا يعني أنّ
هذا الحديث لا يعرف إلّا من حديث جنادة، كلّا!
بل
إنّ رواية مبارك بن فضالة؛ لا تُعرف إلا من هذه الطريق.
وإلّا
فمرسل الحسن نفسه؛ أخرجه الطبري (9: 305) في تفسير قوله تعالى: (قُلْ هُوَ
الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ) الآية
[الأنعام: 65] قال:
حَدَّثَنِي
يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ «الدورقيّ» قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ يُونُسَ
بن عبيد، عَنِ الْحَسَنِ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: (سَأَلْتُ رَبِّي، فَأُعْطِيتُ ثَلَاثًا، وَمُنِعْتُ وَاحِدَةً.
سَأَلْتُهُ
أَنْ لَا يُسَلِّطَ عَلَى أُمَّتِي عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ، يَسْتَبِيحُ
بَيْضَتَهُمْ. وَلَا يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ جُوعًا.
وَلَا
يَجْمَعَهُمْ عَلَى ضَلَالَةٍ، فَأُعْطِيتَهُنَّ.
وَسَأَلْتُهُ
أَنْ لَا يَلْبِسَهُمْ شِيَعاً، وَيُذِيقَ بَعْضَهُمْ بَأْسَ بَعْضٍ؛ فَمُنِعْتُ).
وسئل
الدارقطنيُّ، كما في العلل له (12: 65) عن حديث الحسن، عن أنس قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: (سألت ربي، فأعطاني ثلاثا، ومنعني واحدة)؟
فقال:
يرويه جنادةُ بن مروانَ عن مبارك بن فضالة، واختلف عنه:
فرواه
ابن عوف الحمصي، عن جنادة، عن مبارك، عن الحسن، عن أنس «يعني: مرفوعاً».
وخالفه
الوليد بن مروان، فرواه عن جنادة، عن مبارك، عن الحسن «يعني الحسن عن الرسول صلّى
الله عليه وآله وسلم» مُرْسَلاً.
وَهُوَ
أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ».
وحديث
أنسٍ من طريقٍ أخرى أخرجه الإمام أحمد في مسنده (12129) من طريق بُكير بن عبداللهِ
الأشجِّ عن الضحّاك بن عبدالله القرشيّ، عن أنس مرفوعاً.
ونحوُ
متنه مرويٌّ عن عددٍ من الصحابةِ رضي الله عنهم، أصحّها حديث سعد بن أبي وقّاص،
عند الإمام مسلم في صحيحه (2890) ولفظُه عنده: إنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قتل: (سَأَلْتُ رَبِّي ثَلَاثًا، فَأَعْطَانِي ثِنْتَيْنِ، وَمَنَعَنِي
وَاحِدَةً.
سَأَلْتُ
رَبِّي أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالسَّنَةِ، فَأَعْطَانِيها.
وَسَأَلْتُهُ
أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالْغَرَقِ، فَأَعْطَانِيها.
وَسَأَلْتُهُ
أَنْ لَا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ، فَمَنَعَنِيها).
ولا
يخفى عليكم أنّ اختلاف ألفاظ الأحاديثِ في المسألة الواحدة؛ هو أثرٌ من آثار حفظ
الرواة وضبطهم.
(رَبَّنا:
ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ
مِنَ الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.
والحَمْدُ للهِ على كلِّ حالٍ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق