السبت، 25 سبتمبر 2021

مَسائل حديثية (23):

مُعْجَمُ الطبرانيّ الأوسط!؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.

رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

معجم الطبرانيّ الأوسط؛ واحدٌ من كتب الغرائبِ والمنكرات والعلل، شأنُه في ذلك شأنُ المعجم الصغير، صنّفه الطبرانيّ «على معجم شيوخه، يأتي فيه عن كل شيخ بما له من الغرائب والعجائب, فهو نظير كتاب الأفراد للدارقطني بيَّن فيه فضيلَتَه وسَعَةَ روايته، وكان يقول: هذا الكتاب روحي؛ فإنّه تعب عليه, وفيه كلُّ نفيسٍ وعزيزٍ ومُنكر» كما قال الإمام الذهبيّ.

وفائدةُ هذا النوعِ من المصنّفاتِ؛ كبيرةٌ جدّاً، في ساحة النقد الحديثيّ، قبل إصدار الباحثِ حكمَه الأخير على الحديثِ، الذي يقوم بتخريجه!

إذ إنّ علم العلل، يبحث عن خفايا في أسانيد الأحاديث ومتونها، مع أنّ ظاهرها الصحّة!

وقد يوجد في هذه الكتب توضيحاتٌ وأسانيد مفيدةٌ؛ لا توجد في الكتب المشهورة، وقد تفيد الباحث في حكمه على الحديث.

وأوّل طبعة لهذا الكتاب؛ كانت بتحقيق الدكتور محمود الطحّان الحَلَبيّ، وجاءت في عشرة مجلدات، سوى الفهارس.

وطبع بتحقيق الشيخ طارق عوض الله المصريّ، وصدرت طبعته الأولى عن دار الحرمين في القاهرة، عام (1415 هـ).

وطبع في مصر بتحقيقٍ ثالثٍ آخر، لم أطّلع عليه.

ويبدأ الكتاب، من دون مقدّمة للمؤلّف، بشيخ الطبراني أحمد بن عبدالوهّاب بن نجدة الحَوطيّ، وقد روى عنه في المعجم الصغير حديثاً واحداً، كما تقدّم في المنشور السابق، بينما روى عنه في المعجم الأوسط هذا (1- 34) حديثاً.

أمّا شيخه عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ السَّدُوسِيُّ، فقد روى من طريقه عشرةَ أحاديث (3691 3700).

وينتهي الكتاب بشيخ الطبرانيّ يعقوب بن مجاهد البصريّ، الذي روى عنه سبعة أحاديث (9483 9489) وبه ينتهي الكتاب.

وهذا يعني أنّ الطبرانيَّ لا يلتزم بتخريج عددٍ متساوٍ من الأحاديثِ، عن كلِّ واحدٍ من شيوخه.

وقد ذهب بعض الكاتبين إلى أنّ الكتاب ناقصٌ من آخره كثيراً، اعتماداً منه على قول السيّد محمد بن جعفر الكتّاني، في الرسالة المستطرفة (ص: 135): «ويقال: إنّ فيه ثلاثين ألف حديث».

والذي يترجّح لديّ أنّ النقصَ من آخره، ليس بهذا القدر الكبير، إذا ما قارنّا بين خاتمة كتابه «المعجم الصغير» وخاتمة «المعجم الأوسط».

فقد كان آخرَ من روى عنه الطبرانيّ في المعجم الأوسط، يَعقوبُ بن مجاهد البصريّ، وقد روى عنه سبعةَ أحاديث (9483 9489) كما تقدّم!

بينما روى في المعجم الصغير في حرف الياء عمّن اسمه يعقوب، بدءاً من الحديث (1134) ثم عمّن اسمه يحيى (1156) وعمّن اسمه يزيد (1183) وعمّن اسمه يونس (1187) وعمّن اسمه يُسر، ثم روى عمّن عرف بالكنى (1189) ثمّ من روى عنهن من النساء (1192 - 1198).

فربما كان النقص في حدود (100- 200) حديثاً يجد طالبُها الزوائد منها، في مجمع الزوائد، أو في مجمع البحرين في زوائد المعجمين، كليهما للهيثميّ.

أمّا أن يكون النقصُ في حدود عشرين ألف حديثٍ؛ فهذا مستبعَدٌ جدّاً!

وقد أخرج الطبراني في الأوسط هذا، من طريق البخاريّ أربعة أحاديث (1289، 5972، 6043، 6044).

قال في الأول منها (1289): حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ الْمَخْزُومِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ دِينَارٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا مُحَمَّدُ، إِذَا رَأَيْتَ النَّاسَ يَقْتَتِلُونَ عَلَى الدُّنْيَا فَاعْمَدْ بِسَيْفِكَ عَلَى أَعْظَمِ صَخْرَةٍ فِي الْحَرَّةِ، فَاضْرِبْ بِهَا، حَتَّى يَنْكَسِرَ، ثُمَّ اجْلِسْ فِي بَيْتِكَ حَتَّى تَأْتِيَكَ يَدٌ خَاطِئَةٌ أَوْ مَنِيَّةٌ قَاضِيَةٌ» فَفَعَلْتُ مَا أَمَرَنِي بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»

قال الطبرانيّ: لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عُبَيْدِاللَّهِ إِلَّا مُحَمَّدٌ، تَفَرَّدَ بِهِ: مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ المَخزوميُّ».

قال عداب: لم يخرّج البخاريُّ هذا الحديث في صحيحه.

وخرّج لمحمّد بن مسلمة الأنصاريّ ثم الحارثيّ حديثاً آخر (6906) في دية إجهاض جنين المرأة.

وأخرج حديث الباب في ترجمة محمد بن مسلمة، في التاريخ الكبير (1: 11).

وقال في الثاني منها (5973): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَحْمَرُ النَّاقِدُ قَالَ: حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ بِلَالٍ قَالَ: حدّثنا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ بنِ جُندَبٍ قَالَ: (نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا، أَوْ عَلَى خَالَتِهَا).

ثمّ قال: «لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ قَتَادَةَ، إِلَّا هَمَّامٌ، وَلَا عَنْ هَمَّامٍ إِلَّا مُحَمَّدُ بْنُ بِلَالٍ، تَفَرَّدَ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ».

قال الفقير عداب: وقد خرّج البخاريّ هذا الحديث في كتاب النكاح من صحيحه (5108) من حديث جابر بن عبدالله.

ومن حديث أبي هريرة (5109، 5111) رضي الله عنهم.

ولم يخرّجه من حديث الحسن عن سمرة، مع أنّه يثبت سماع الحسن من سمرة.

ففي كتاب العقيقة (5472) قال: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْأَسْوَدِ: حَدَّثَنَا قُرَيْشُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ قَالَ: أَمَرَنِي محمّدُ بْنُ سِيرِينَ أَنْ أَسْأَلَ الْحَسَنَ البصريَّ مِمَّنْ سَمِعَ حَدِيثَ الْعَقِيقَةِ؟ فَسَأَلْتُهُ؟ فَقَالَ: «مِنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ».  

وأخرج البخاريّ حديث الحسن عن سمرة، في التاريخ الكبير (1: 43) وقال: لا يصحّ فيه سمرة!

وقال الطبرانيُّ في الحديث الثالث (6043): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ الْعُصْفُرِيُّ قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ قَالَ: ثَنَا أَيُّوبَ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، عَنِ «صالح» بنِ كَيْسَانَ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.

ونَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّهُمَا عبدالله بن عمر وأبو هريرة - حَدَّثَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ».

ثم قال: «لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ نَافِعٍ إِلَّا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، تَفَرَّدَ بِهِ أَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبَى بَكْرِ بْنِ أَبَى أُوَيْسٍ».

قال عداب: والحديث بنصّه أخرجه البخاري في مواقيت الصلاة من صحيحه (534).

قال في فتح الباري، في شرح هذا الحديث: «ونافعٌ: هو بالرفع معطوف على الأعرج، والحديث من رواية صالح بن كيسان عن نافع».

وقال في الموضع الرابع الأخير (6044): حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ الْعُصْفُرِيُّ قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ قَالَ: نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَحْيَى الشَّجَرِيُّ قَالَ: نا أَبِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَفَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا دَنَا مِنَ الْمَدِينَةِ؛ قَالَ: «آيِبُونَ، تَائِبُونَ، عَابِدُونَ، لِرَبِّنَا حَامِدُونَ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ، وَكَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ، وَسُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ».

قال الطبراني: «لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، إِلَّا عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، وَلَا عَنْ عَاصِمٍ إِلَّا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، تَفَرَّدَ بِهِ يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ الشَّجَرِيُّ».

قال عداب: لم يخرّج البخاريّ، ولا واحدٌ من أصحاب الكتب التسعة هذا الحديثَ، من طريق جابر بن عبدالله، إنما أخرجه البخاريّ في المغازي (4116، 6085) من حديث عبدالله بن عمر، وفي اللباس (5968، 6185) من حديث أنس بن مالك.

مع أنّه أخرج  لعاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ حديثين (450، 5683).

ولم أقف عليه في شيءٍ من كتب البخاري المطبوعة.

بينما أخرجه أبو عبدالله المَحامليُّ في كتاب الدعاء (86) من طريق شيخه البخاريّ، بمثل إسناده عند الطبراني في الأوسط.

ومن طريق المحامليّ؛ أخرجه أبو طاهر السِلَفيُّ في الأربعين البلدانية (ص: 46).

ومن طريق أبي طاهرٍ؛ أخرجه أبو الفضل المقدسيّ في الأربعين على الطبقات (ص: 286).

ثمّ قال: «رواتُه بعدَ البخاريّ، إلى النبيِّ صلّى اللهُ عليه وسلّم، كلّهم مدنيون».

فكتاب المعجم الأوسط؛ من الكتبِ المفيدة، ولا يستغني عنه طالب علم البتّة!

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.  

والحَمْدُ للهِ على كلِّ حالٍ. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق