الأربعاء، 21 أكتوبر 2020

 

اجتماعيات ():

كيف يختلف العقلاء!؟

بسم الله الرحمن الرحيم
)رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.
رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا، إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(.
قرأتُ أمسِ لأحد الإخوة الحمويين منشوراً، تحدّث فيه عن توبة الدكتور وجيه البارودي، فرأيت من المناسب إعادةَ نشر منشورٍ قديم لي، فيه بعض التوضيح!
في ليلة من ليالي صيف (آب) اللهّاب، سنة (1973) طلبتُ من ابنِ خالنا الوجيه السيّد سليمان الجندليّ؛ أن يتفضّل عليّ بالعشاء معي في مزرعتنا القريبة جدّاً من حيّنا (الفراية) في مدينة حماة، وأن يُحضِرَ معه الطبيب الدكتور هشام عبدالرزاق عدي، والدكتور وجيه البارودي؛ عرفاناً بجهودهما في مساعدتي الطبيّة في مرحلة علاجي، من (الانهيار العصبي) الذي دام أكثر من سنة بعد ذلك!
اعتذر الدكتور وجيه البارودي، بسبب كثرة مواعيده، ووعد إن تسنَّ له الحضورُ أنْ يَحضُر!
ابن خالنا السيّد سليمان، من السادة الجنادلة الحسينية الرفاعية.
والدكتور هشام عبدالرزاق عديّ، من ذريّة عديّ بن مسافر الأمويّ، في أرجح الروايات الواردة في نسب «آل عدي» الحمويين.
والدكتور وجيه البارودي سيّد حسينيّ، من عائلة تعدّ من أضخم وأكبر العائلات الحمويّة المتحضّرة، ومن أكثر عائلات حماة ثقافةً وحضوراً اجتماعياً.
وكثيرٌ من الحمويّين يقولون: إنّ أصولهم نصيريّة، وهذا باطل حتماً!
إنّما أصولهم (مَتاولة) من سهل البقاع في لبنان، والمتاولة: هم الشيعة الجعفرية.
وقد مضى على الجميع قرونٌ في حماة، وغدا الجميع من أهل السنّة والجماعة، ولا علاقة لهم بتلك الأصول!
بل إنّ أكثر أبناء العائلات الحضرية؛ لا يعرفون عن أنسابهم شيئاً، ولو ذكرتَ أمام واحدٍ منهم مثلَ هذا الكلام؛ لغضب أشدّ الغضب، وكأنه يظنّ حمويّته هي النسبَ، وينبغي ألا يُذْكَر مع الحمويّة أي نسب آخر!
حضر السيد سليمان ومعه الدكتور هشام عبدالرزاق في سيارة الأوّل (الشاحنة) والله!
وما هي إلا نصف ساعة، حتى حضر الدكتور وجيه البارودي، ومعه ضيف آخر من لبنان، كأنّ اسمه «حيدر».
تكامل حضورهم في العاشرة والنصفِ ليلاً تقريباً، وكنت حينَها قد بدأت أستطيعُ الوقوف على قدميّ في الصلاة.
توضّأت، وقدّمت الوضوء للحاضرين بإبريق، فتوضّأ الدكتور هشام، والسيد سليمان، وأقمت الصلاة، وطلبتٌ من السيّد سليمان أن يتقدّم إماماً لأنني مريض!
قال الدكتور هشام ضاحكاً: ولماذا لم تَدْعُني إلى الإمامة، أم تعتقد كما يَعتقدُ مشايخكم أننا مشركون كفرة!؟
قلت له: لا والله، إنما خشيتُ أن أحرجَك، فأنا لا أدري عن ثقافتك الدينية شيئاً!
قال: والله لا يصلي بنا أحدٌ غيرك!
قلت: يا دكتور أنا مريض، وأخاف أن أقع؟!
قال: لا تخف! شدّ حيلك عهدي بك بطل، كلمتان ثقيلتان، طرحاك في الأرض؟
تَقدمتُ للصلاة بهم إماماً، فوقف سليمان وهشام والضيف اللبنانيّ، وبقي الدكتور وجيه جالساً، وقال: أنا أصلي بعدين، وقتُ العشاء حتى مطلع الفجر!
حين انتهينا من الصلاة؛ سألني السيد سليمان: هل تجوز صلاة المصلي، وهو مُسبلٌ يديه؟
قلت له: ما سبب هذا السؤال؟
قال: لا!
مجرّد سؤال للفائدة، فأنا رأيت كثيرين في لبنانَ، يُسبلون أيديهم!
قلت لهم: نتحاور على المائدة.
نادت علينا زوجتي الكريمة (أمّ محمود) بطريقتها الخاصّة المتّفق عليها؛ أنّ العَشاء على الخِوان!
كان من قدر الله تعالى أنّ ساقية الماء جارية بغزارة في تلك الليلة، ومن دون تخطيطٍ مني، مثلما كانت الليلة مقمرةً!
كانت المائدة على شفا ساقية الماء، وقد وَضعَتْ أهلي في وسطها بعض الأحجار، فأحدثت صوتَ خريرٍ بديعٍ فعلاً!
غسل الجميع أيديهم من الساقية، وجلسنا على البساط لنأكل على طريقتنا نحن الفلاحين.
قال الدكتور وجيه: ما عندك ثوب زيادة، حتى ألبسه، وأرتاح؟
والله الجوّ شاعري بديع، وبنطالي لن يريحني!
قلت: بلى والله، عندي أثوابٌ لكم جميعاً، إن شئتم!
فلم يقبل ذلك إلا الدكتور وجيه.
في أثناء الطعام؛ أعاد السيد سليمان السؤال عن الإسبال، لكن بالتعبير البلديّ (راخي ايديه).
قلت له: الإسبال والقبض، ووضع اليَدين تحت السرة وفوق السرة، وعلى الصدر وعلى العنقِ؛ كلّها هيئاتٌ فعلية، لم يأمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بشيءٍ منها، إنما نَقل عنه بعض الصحابة ما شاهدوه، من هيئة يديه صلى الله عليه وآله وسلم، في الصلاة.
أما عن حكمها الفقهي؛ فهي هيئة، وعندنا نحن الشافعية: لا بأس بالإسبال، إذا لم يَشغلك عن الخشوع.
فكأن الذين قالوا بقبض اليدين؛ أرادوا أن تنقبض اليدان عن الحركة المشغلة، والتَمثلَ بهيئة التواضع والخشوع بين يدي الله تعالى.
وكأن الذين قالوا بالإسبال؛ أرادوا وِقفةَ الأدب مع الله تعالى باستعدادٍ!
ألا ترى أنّ الذي يَقف بين يدي قاضٍ، أو حاكم؛ يقف وِقفةَ الإسبال هذه، ولا يقبض يديه، ولو فعلَ؛ لأنّبه القاضي؟
ولله المثل الأعلى.
التفت الدكتور هشام إلى صديقه سليمان وقال: تحليلٌ لطيف!
انتهينا من تناول الطعام، وغسلنا أيدينا في الساقية الجارية، وعدنا إلى موضعنا الأول، على كَتفِ الساقية، من طرف المنزل الآخر، فوجدنا القهوة العربية والشاي والفاكهة اليسيرة موضوعةً في وسط المجلس.
ولم يكن شيء من الفاكهة مشترىً من السوق، بل كان الخيار والبطيخ الأحمر والأصفر والعجّور كله من المزرعة، ولم يكن على المائدة فاكهة أخرى!
ابتدأ الحديثَ الدكتور وجيه على عادته، بصفته غالباً هو أكبر الحضور سنّاً، وبدالّته ودلاله على الحمويين جميعاً!
التفت إليّ الدكتور وجيه، وقال: كان شيخك فلان يقول: أكرم الحوراني مرتدّ، وزوجته تعيش معه بالحرام، وكل هؤلاء الحوَش المتابعين له؛ كفّار مثله، فماذا تقولُ أنت؟
طبعاً ستتواضع وتقول لي: لا أستطيع مخالفة شيخي، ومَن أنا أمام ذلك الجبل الأشمّ!
السيد سليمان الجندليّ اشتراكي، بل من فرسان الاشتراكيين العرب، الذين لا يَهابون الموتَ، لكنّه لم يَرَ طرحَ هذا الموضوع مناسباً، ونحن مشاربُ شتى، وتجمعنا دعوةٌ بمناسبةِ عيادة مريضٍ، بدأ يتماثل للشفاء!
فالتفت إلى الدكتور وجيه، وقال له: دكتور ممكن نؤجّل الجواب على هذا السؤال المستفزّ، الله يخلّيك؟!
قهقه الدكتور وجيه، وقال: مُستفزّ، وليش مستفزّ؟ خايف يصيبك طراطيش من لسانِ ابن خالك عداب؟!
تدخّلت أنا وقلت: إذا سمحتم لي أحبابي، بصفتي خادمكم في بيتكم وأصغركم سنّاً، سأردّ على سؤال أستاذنا الدكتور وجيه بهدوء!
قال الدكتور هشام بلهفة وتخوّف: إي والله نريد أن نسمع جوابَ الشيخ (عذاب) على هذا السؤال!
فهو حين كان عندنا مريضاً في المشفى الوطني؛ رأيته غايةً في التهذيب والثقة بالنفس، ويجيب على أي سؤال يُطرَح عليه، مهما بدا مُحرِجاً!
قال سليمان: لا بأس، لكن نريد أن نفتح موضوعاتٍ أخرى، أكثر فائدة لنا، ما دمنا في زيارة الشيخ.
التفتُّ إلى الدكتور وجيه وقلتُ له: أنت أكبر من والدي سنّاً، ومن أصحاب الفضل عليّ منذ صغري وحتى اليوم، وأنا أستحيي أن أجرح خاطرك بكلمة، فهل تسمح لي أن أحاورك على الطريقة الحمشيّة؟!
قال: لا لا لا، إلا الطريقة الحمشيّة، الله يخليك، يعني سيجتمع جيران المزرعة كلّهم على صراخنا، وكلّهم حمشية، وبالتالي (رحنا بداهية!!).
ضحكنا جميعاً، وقلت له: عنيت بالطريقة الحمشية الصراحةَ وعدمَ التكلّف!
جميع آل كنعان، ومنهم آل الحمش، وآل الجندلي، بل جميع أهل البلد يحترمونك غاية الاحترام، بمن فيهم آل الحوراني وآل الحريري وآل عديّ، وآل علّوش، وسائر الاشتراكيين العرب، أليس كذلك يا دكتور هشام؟
قال: أكيد أكيد، نحن الحمويين أصلاً أسرة واحدة، كلنا عمّك خالك، وأنت يا دكتور وجيه أخونا الكبير، وشيخ أطباء حماة، وشيخ شعراء حماة أيضاً.
قال الدكتور وجيه: أشكركم كثيراً، نحن كلنا خدّام لأهلنا في هذه المدينة المعطاءة، صرف اللهُ عنها كيد الكائدين.
تابع: تفضل يا شيخ عداب، وليس (عذاب) مثل ما قال الدكتور هشام.
أقول: حتى هذه اللحظة لم أعرف مَن الضيف اللبناني الذي بصحبة الدكتور وجيه، لكن سؤالَ سليمان أوجد لديّ تحفّظاً من إمكانية أن يكون شيعياً.
التفتُّ تجاه الدكتور وجيه، وقلت له: اسمعني جيداً يا دكتور!
أنا أحترم مشايخي الكرام جميعاً، لكنّي بعد دراستي السنوات الثلاث الماضية في كلية الشريعةِ بجامعة دمشق؛ توسّعتْ مداركي، وصرتُ أنظر إلى المواقف السياسية بنظرٍ، أعمق مما كنتُ عليه قبل ذلك.
الدكتور هشام، والسيد سليمان؛ قد صليا معنا الآن العشاء، وجنابك لم تصلّ معنا، وقلت: إنّك ستصلي فيما بعد، وعهدي بك تصلّي، فقد صلّيت معي غير مرّة!
قبل الشروعِ في الصلاةِ؛ أقمتُ أنا، وردّد المصلون ورائي كلمات الإقامة، فدخلنا في الصلاة مسلمين قطعاً، ولم يصدر عن واحد منا بعدَ ذلك أيُّ ناقض من نواقض الإسلام!
وبالتالي، فنحن نشهد بالإسلام للمصلين جميعاً، لكنّ مَن لم يصلّ؛ لا نحكم عليه بحكم ما، حتى نستجلي حقيقةَ معتقده.
هذا بالنسبة لهذين الفاضلين الدكتور هشام والسيد سليمان، أما بخصوص الفكر الاشتراكي؛ فلا يجوز الإجمالُ، ولا بدّ من التفصيل.
- آل كنعان، بجميع عائلاتهم، وآل الجندلي أخوالنا كلهم اشتراكيون، ومن آل الحمش وهبطة ومرعي والعتال وميلص، قطعاً؛ لا يوجد رجل لا يقيم الصلاة، فجميعهم يقيمون الصلاة، وجميعهم يصومون، وجميعهم يحجبون نساءَهم أتمَّ حجاب.
فإشتراكية هؤلاء ما هي؟
هل هي اشتراكية ماركس (لا إله والحياة مادة)؟
هل هي الاشتراكية الفرنسية الطوباوية الخيالية؟
هل هي اشتراكية (ماو) الملحدة الدموية، التي تتبنى سحقَ المخالف؟
أو إنّ اشتراكيةَ هؤلاء؛ هي تعاون وتكاتف ضدّ ظلمِ الإقطاع، بل بَعضِ الإقطاع في الواقع، أولئك الذين صنعوا الأعاجيب من الظلم والقتل وهتك الأعراض؟
وهل السيد أكرم الحوراني ملحدٌ فعلاً، أو هو إنسان عاصر الظلمَ، فرأى من واجبه رفعَه عن شعبه؟
وأنا شخصيّاً لا يعنيني السيد أكرم في كثير ولا قليل – عفواً - لكن ديني يوجب عليّ العدلَ والإنصاف، حتى مع الخصم!
إذا كان الدكتور هشام، وابن خالي سليمان، وآل كنعان، وآل الجندلي، وآل عدي، وآل علوش، وآل حمدون، وغيرهم من (الاشتراكيين العرب) إذا كانوا يرون (نظامَ الإسلام غيرَ صالح للحياة) فيوضّح لهم ماذا يعني هذا الكلام، وتُزال من أمام أعينهم سائرُ الشبهات المضلّلة، ويُعرَض عليهم أيُّ نظام من أنظمة الإسلام يريدون، عرضاً يَقودُ إلى إقامة الحجة عليهم.
فإن أصرّوا على أنّ الإسلام لا يصلح للحياة بعد ذلك؛ فهم بكلّ تأكيد ليسوا من أهل الإسلام!
والذي يقول: الإسلام لا يصلح لحياتنا، لماذا يغضب إذا قيل له: أنت كافر، ولست بمسلم؟
أليس هو رافضاً لما أمر الله تعالى به، ورضيه لعباده؟
ومِن دون هذا الحوار، ومن دون إزالة الشبهات، ومن دون إقامة الحجة؛ فلا يجوز اتّهامُ مسلم يقيمُ الصلاةَ بالفسق، فضلاً عن الكفر؟!
هَمَد الدكتور وجيه، وقال: كلامٌ لا غبار عليه، لكن ما سمعنا من المشايخ مثلَ هذا الكلام، إنما الذي سمعناه التكفير والتضليل وفراق الأزواج!
قلت له: الإسلامُ دينُ الله تعالى، المتمثل في القرآن العظيم، وصحيح السنة النبوية، وإجماع الأئمة فحسب!
أمّا العلماء، وخصوصاً علماءَ بلدنا هذه؛ فهم متأثرون بظروفنا، وبمواقف بعضِ الاشتراكيين السيئة، ومجاهرون بالمعاصي.
قال السيد سليمان: هذا الكلام وافٍ، وأنا وأخي الدكتور هشام عن جميع «الاشتراكيين العرب» نرضى به تماماً.
قال الدكتور هشام: ابنُ خالك هذا خطير يا أبا محمّد!
قال سليمان: كيف؟
قال: لو التقى بالشبابِ الاشتراكيين؛ لحوّلهم جميعاً إلى إخوان مسلمين!
وضحكنا جميعاً.
قال الضيف اللبناني المجهول الهوية لدينا: ما رأي الشيخ الشابِّ بالمتَاولة؟
قلت له: المتاولة مثل الحوارنة، مثل العلاونة، هي صيغة نسبة معروفة عند العرب، يراد منها الجمع والتعظيم.
فالنسبة إلى علوان: علواني، وجمع النسبة المعظم والمكثّر: العلاونة.
والمتاولة جمع مفرده: مُتَولّي، والمتولي: هو الذي يتولى الإمام عليّاً عليه السلام، ويرى وجوبَ ولاية الأئمة الإثني عشر من أهل البيت عليهم السلام وإمامتهم.
ويقال لهم: الإماميّة، ويقال لهم: الجعفرية أيضاً.
وقد التقيتُ اثنين منهم في معسكر كشفيّ في إربد، عام (1969م) وحضرتُ حفلاً لهم في حيّ الأمين بدمشق، في ذكرى الإمام الحسين، وألقيت قصيدةً ارتجاليّة بالمناسبة، وكان معي أخي الحبيب الشيخ حسن بن حسن فرحات الدمشقيّ، وكانوا معنا في غاية اللطف والأدب!
حاولتُ لفلفةَ الموضوع بهذه الكلمات الصادقة، حتى لا أحرجه في بيتي.
قال الدكتور هشام: حدثني أبو محمّد «سليمان» أنّ لديك معرفة جيدة بأنساب أهل حماة، فهل هذا صحيح؟
قلت: وهل يقول أبو محمد غير الصحيح؟
لكنّ الكلام الدقيق أنّ لديّ معرفة لا بأس بها بأنساب (آل البيت) في حماة، فقد كنت أستفسر من جدي رحمه الله عن العائلات الهاشمية، وكانت ذاكرتي جيّدة جدّاً، فحفظت ما حدثني به، وما حدثني به غيره من أهلنا.
لكنْ ليست لي دراساتٌ علمية حتى في نسبِ أهلنا!
قال: نحن آل عدي ما أصولُنا؟
قلت له: أنتم عائلة مثقفة كبيرة، ليس من المعقول أنك لا تعرف أصولَ عائلتك الكريمة!
قال: قال لي واحد من المرضى المسنين في المشفى: أنتم أصولُكم أكراد؟
وقال لي آخر: أنتم أصولُكم يزيدية!
وأهلنا يقولون: نحن من ذريةِ بني أميّة.
والإنسان يحب أن يعرف الحقيقةَ، لكنْ أكراد يزيديّة، هذه ثقيلة شويّة؟
قلت له: الأقوال الثلاثة صحيحة، وغير متضاربة؟!
قال باستغراب: كيف هذا الكلام؟
قلت له: نصف أكراد سوريا؛ هم من أصول عربية، عاشوا في بيئة كرديّة، فصاروا أكرادَ اللغة والثقافة والهوى، لكن أصولهم عربية!
قال الدكتور وجيه: أوضح لنا بالله هذه النقطة، بعض الشيء؟
قلت له: ماذا تقولون عن (آل البرازي)؟
قال: طبعاً أكراد!
قلت لهم: قبل أقلّ من عامين (1971م) استضافني شيخ شيوخ الجزيرة «شوّاخ البورسان أبو أحمد» في «حويجة شوّاخ» من قرية شمس الدين، القريبة من منبج، وأثنى كثيراً على «أصلان آغا» البرازي، وقال: هؤلاء قحطانيون من أعمامنا، وليسوا من الأكراد بحال من الأحوال، والشيخ لا يزال على قيد الحياة، فيسع المهتمّ أنْ يَسأله.
وأصول «البرازية» من «عين العَرب» وليسوا من «عين الأكراد».
قال الدكتور هشام: هذا والله كلام طيّب، فماذا عن آل عدي، هم أيضاً عرب، عاشوا بين الأكراد، فتكرّدوا؟!
قلت له: المسألة تختلف قليلاً!
فعديّ بن مسافر الهكّاري مختلف في نسبه كثيراً:
فمَن نسبه أمويّاً؛ فلأنه رأى في جدوده اسم مروان، وهو لبنانيّ المولد والنشأة.
ومن نسبه كردياً؛ فلأنه قدم وبعضَ أهله، من (بقاع لبنان) إلى جبال الأكراد في شمال العراق وتزهّد هناك، حتى جرت على يديه من الكرامات، ما فاق حدود عقولِ الأكراد، وعاش طيلةَ حياته الطويلةِ بينهم، فاتّخذه جميع الأكراد شيخاً لهم، وقدسوه غايةَ التقديس، وعدّوه منهم، بل جعلوه أميراً عليهم.
وهو لم يخلّف ذريّةً، لكنّ ابن أخيه، واسمه عديّ أيضاً، هو الذي خلّف، وصارت في ذريّته مشيخةُ الطريقة الصوفية العدوية، وزعامةُ الأكراد هناك!
ومع مرور الزمن؛ نطق أولادُه بالكردية، وصارت ثقافتهم كرديّة، فنسبهم الناس أكراداً.
وأما أنّهم يزيديون، فبحكم كونهم أمويين؛ فقد كانوا يتعصبون لبني أمية، وخصوصاً ليزيد بن معاوية.
لكنْ في بدايات القرن السابع الهجري؛ انحرف أحدُ أمرائهم، واخترع لهم ديناً خاصّاً، ووضعَ لهم كتاباً فيه أوراده وأذكاره، ولاحقه أحدُ سلاطين الأيوبيين يُريدُ قتلَه، فهرب إلى شواهقِ الجبال، ومع مرور السنين؛ ساد الجهل بين قومه، فصار عندهم انحرافاتٌ كثيرة، وكان ذرية عديّ هذا؛ هم شيوخ (اليزيدية) منذ ذلك التاريخ، وحتى اليوم.
فالله أعلم بحقيقة نسبكم، من أيّ ذريّة عديّ أنتم، وأنتم أدرى!
لكن نحن نقول: الحمد لله على أُخُوّة الإسلام، فالإسلام هو الذي يجمعنا: الحنفي والشافعي والجعفري والزيديّ «والزيدي غير اليزيدي».
قال السيد سليمان: استفدنا والله في هذه السهرة، لكن ماذا يقول الشيخ في تَسميع سورة الفاتحة؟
فنحن جميعنا نُصلّي، ولا ندري ما إذا كانت صلاتُنا صحيحةً أم لا؟!
فقد قالوا لنا: إذا ترك المصلّي شدّة من الفاتحة في الصلاة؛ بطلَت صلاتُه.
فقرؤوا جميعاً الفاتحة، وصححتُ أنا ما احتاج إلى تصحيحٍ، وكانت قراءة الدكتور هشام أجودَ الجميع، رحمهم الله تعالى، ورحمنا معهم، وشملنا وإياهم بواسع رحمته.
والله تعالى أعلم.
هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلّمَ تسليماً كثيراً.
)رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ(.
والحمد لله على كلّ حال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق