الأحد، 15 يونيو 2025

 مَسائِلُ حَديثيّةٌ:

نموذج من أحاديثِ الوحدان في الصحيحين !؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(الْحَمْدُ للهِ، وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى).

أمّا بعدُ:

فتحت هاتفي على (الفيس) عقب صلاة فجر هذا اليوم (الإثنين) فظهر في وجهي مقال لشيخي المحدّث العلامة «محمود سعيد محمّد محمود» الذي لقّبْتُه (ناصر العترة) منذ دهر، حفظه الله تعالى، ونفع به عباده المسلمين، تحت عنوان (الرواة الوحدان في الصحيحين البخاري ومسلم) وصفني فيه بالشراهة، وشنّع عليَّ فيه تشنيعاً، يُوهم القارئ بأنني عدوّ الصحيحين، وعدوّ «الرواة الوحدان»!

في الوقت الذي دافعت في هذا الكتاب عن الصحيحين، وعن «الرواة الوحدان» ما جعل شيخي العلّامةَ الشيعيّ السيّد «محمد مهدي الخرسان» رحمه الله تعالى ورضي عنه يقول:

«السيّد عداب سُنّي وثلاثةَ أرباع» وحين قابلته؛ قال لي مباشرة - والله الشاهد: «لست أنت سُنيّاً وثلاثةَ أرباع، بل أنت سُنيّان...كتابك الوحدان هذا؛ يَرقى في الدفاع عن الصحيحين، إلى مستوى «فتح الباري» إنْ يكن فوقَه، لست أدري، كيف رفض أولئك الظلمة هذه رسالتك هذه».

وأنا لن أصف شيخي «محمود سعيد» بالشراهة، ولن أصغّر من قدره، فأقول: «باحث مشتغل في الحديث» فللشيخ أن يقول في تلميذه ما شاء!

لكنْ ليس من أدب التلميذ أن يصِف شيخه بغيرِ التوقير والإجلال، خاصّةً إذا كان هو من لقّب شيخه «ناصرَ العترة» وخصوصاً إذا قال شيخُه فيه (أعلم أهل هذا العصرِ بصحيح البخاريّ الدكتور عداب الحمش)!

قال الدكتور محمود سعيد في منشوره هذا: «أمّا الرواة الذين جاء توثيقهم نصّاً، ورأى الباحث أنهم من الوحدان المجهولين؛ فباب آخر، ولا يضرّهم الانفراد عنهم.

فمنهم عند الأخ الباحث (أ) علي بن إبراهيم بغداديّ «مات الواسطيّ» [كذا النصّ] هو شيخ البخاريّ، وقال عنه البخاري: متقن، وهو ثقة، وفي إكمال تهذيب الكمال (9: 277) قال الحافظ أبو بكر السمعانيّ شيخٌ ثقة، ووثقه الذهبيّ في الكاشف، وذكر راوياً آخر عنه، فليس هو من الوحدان الذين يُتوقّف فيهم جزماً».

أقول وبالله التوفيق:

أوّلاً: الدكتور محمود سعيد يَعلم قبلَ غيره؛ أنّ راوياً من الرواة، ليس له إلّا حديثٌ واحدٌ أو حتى خمسةُ أحاديث؛ لا يستحقّ عندي وصف «ثقة» ولو وثّقه عشرةٌ من الحفّاظ، إذْ ما قيمة توثيقهم إذا لم يكن له من الحديثِ ما يُسبَر ويُدرس، ثمّ يُطلَق عليه الحكم الذي يستحقّه، وهذا هو ما يفهمه كلّ باحثٍ من صنيع المتقدّمين، والاحتياطُ في قَبولِ الأحاديثِ وإدخالِها في الدين؛ لا يسمح بغير هذا، وهذا منهجي على كلّ حال.

ثانياً: إليك ترجمةَ هذا الراوي عليّ بن إبراهيم وتخريج حديثِه تامّين، كما هما في كتابي «الوُحدان» واقرأهما بعين قلبك، وحكّم دينَك وعقلك وتساءَل: أكان عداب شرِهاً في وصف هذا الراوي بأنّه من (الوحدان) وكان يريد تضعيفَ حديثِه، أم تصحيحَه والاعتذارَ عن البخاريّ بالتخريج لراوٍ من الوحدان؟

 عليّ بن إِبراهيمَ (خ)([1])

رَوَى عن روح بن عبادة، ورَوَى عَنهُ البُخاريّ في فضائل القرآن، قاله المِزيّ.

قال عداب: اختلفوا في تحديد شخصية هذا الشَّيْخ عَلَى أقوال عديدة؛ فقيل هو:

- عليّ بن إِبراهيمَ بن عَبْدالمَجِيدِ الواسِطيّ (خ احتمالاً) (4686).

- عليّ بن عَبْداللهِ بن إِبراهيمَ البغدادي (خ) ومال إليه الحافِظ (4759).

- عليّ بن الحسين بن إِبراهيمَ، المعروف بابْن إشْكاب العامري (خ احتمالاً د ق).

- عليّ بن إِبراهيمَ الباهِليّ (ز).

قال الفقير عداب: أنت ترى - أخي القارئ - أنّ الرجلَ مُختلف في تعيين شخصيّته فهو داخلُ في (أوهام الجمع والتفريق)!

قال الخطيبُ البغداديُّ: ذكر لنا هبةُ الله بن الحسن الطَّبَريّ أنّ مُحَمَّد بن إسماعيل البُخاريّ رَوَى في صَحيْحه عن عليّ بن إِبراهيمَ.

وقال الخطيب: قال أَبُو عَبْداللهِ ابن البيّع - المعروف بالحاكِم النَّيْسابُوريّ- هو عليُّ ابن عَبْدالمَجِيدِ الواسِطيّ.

وقال أَبُو أَحمَد بن عَدِيّ في أَسْماء من خرّج عنهم البُخاريّ في الجامع: لا يُعرَفُ!

ويشبه أن يكون ابن إشكاب.

ونقل المِزيّ عن هبة الله الطَّبَريّ؛ أنَّ ابن إشكاب، والواسِطيّ كلاهما يرْوي عن روح ابن عبادة، فيشبه أن يكون المترجَمُ أحدَهما، والله أعلم.

أقول: وَقفتُ عَلَى نصوصٍ عديدة في التّارِيخ الكَبِير، ونَصٍّ في التّارِيخ الصَّغِير لعلَّها تُسهم في توضيح شخصيةِ عليّ بن إِبراهيمَ هذا. فقد قال البُخاريُّ:

- حَدَّثَنا عليّ بن إِبراهيمَ قال: حَدَّثَنا روح قال: حَدَّثَنا عليّ بن سويد بن منجوف قال: تعشَّينا مع يزيد بن المهلّب، ومعنا حُضَين بن المنذر فقلت: يا أبا مُحَمَّد..

قال غيره: كنيته أَبُو ساسان الرقاشي، ويقال: حُضَين بن الحارِث بن وعلة([2]).

- وقال البخاريّ أيضاً: قال لنا عليّ بن إِبراهيمَ: حَدَّثَنا مُحَمَّد بن أَبي الشّمال... ويقال: ابن أَبي شباب، ولا يصحّ([3]).

- وقال البخاريّ: قال لي عليّ بن إِبراهيمَ: سَمِعَ يعقوبَ بن مُحَمَّدٍ المَدَنيّ يقول: حَدَّثَنا إسماعيلُ بن مُعَلَّى([4]).

- وقال البخاريّ: قال لي عليُّ بنُ إبراهيمَ: حَدَّثَنا يعقوبُ بن مُحَمَّدٍ قال: حَدَّثَنا مروانُ بن معاويةَ، وساق حَديثاً([5]).

- وقال البخاريّ: قال لي عليّ بن إِبراهيمَ: حَدَّثَنا يعقوب بن مُحَمَّدٍ قال: أَخبَرَنا سبرةُ بنُ عَبْدالعَزِيزِ([6]).

- وقال البخاريّ: قال عليّ بن إِبراهيمَ: حَدَّثَنا روح قال: قال شُعْبة: فحَدَّثَنِي حُضَين عن امرأة عتبة ابن فرقد أنه غزا مع النَّبِيّ صَلّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ غزوتين([7]).

- وقال البخاريّ: قال عليّ بن إِبراهيمَ: حَدَّثَنا يَحيَى بن أَبي بكير([8]).

وهذا يعني أن عليّ بن إِبراهيمَ المُهْمَلَ من النّسب يرْوي عن رَوح بن عبادة، ومُحَمَّد بن أَبي الشّمال، ويَحيَى بن أَبي بكير، ويعقوب بن مُحَمَّدٍ المَدَنيّ، وفي جميع هذه المواضع صرّح البُخاريُّ بسماعه من شَيْخه عليّ بن إِبراهيمَ، فيرجح أنه شَيْخ واحد، لا شُيُوخَ مُتعدددين، رَوَى عن هؤلاء الأربعة «في كتابي: الثلاثة، وهو خطأ».

ومما يزيد في صعوبة البتّ في ترجيح اسمٍ من هذه الأَسْماء؛ عدمُ رِوايَة البُخاريّ «في صحيحه» عن عددٍ ممن ذكروهم في دائرة الترجيح.

وسوف أستعرض الرُّواة الذين ذكروهم في دائرة الاحتمال، ثم نحاول عرض بقية الاحتمالات الممكنة:

- عليّ بن إِبراهيمَ الباهِليّ (ز) لم يذكر في الرُّواة عن روح بن عبادة، ولا عن يَحيَى ابن أَبي بكير، ولا عن يعقوب بن مُحَمَّدٍ المَدَنيّ.

- عليّ بن الحسين بن إِبراهيمَ بن إشكاب (د ق) ذكر في الرُّواة عن روح بن عبادة خارج الكتب السّتة، ولم يذكر في الرُّواة عن يَحيَى بن أَبي بكير، ولا عن يعقوب بن مُحَمَّدٍ المَدَنيّ.

- عليّ بن عَبْداللهِ بن إِبراهيمَ البغدادي، وإليه مال الحافِظُ في التَّقرِيبِ، حيث جزم برمز (خ) ولم يُذكر في الرُّواة عن روح بن عبادة، ولا عن يَحيَى بن أَبي بكير، وذكره المِزيُّ في الرُّواة عن يعقوب بن مُحَمَّدٍ، خارج الكتب السّتّة([9]).

ولم يذكر المِزيّ في تَهْذِيب الكَمال واحداً من هؤلاء في شُيُوخ الإمام البُخاريّ لا في الصَحيح، ولا خارج الصَحيح!؟([10]) فيَتَرجَّح أنه ابن إشكاب، لأنه الوحيد الذي ذكره في شُيُوخه.

فرحم الله البُخاريَّ، لو نسب شَيْخه عليّ بن إِبراهيمَ؛ لأراحنا من عناء بحث طويلٍ، ليس وراءه كَبِير تحصيل.

إن كلَّ هذا الكلام الذي ذكروه في ترجمة عليّ بن عَبْداللهِ بن إِبراهيمَ البغدادي، وما نقله الباجِيُّ وغيرُه؛ مُجرّدُ احتمالات لا تَثبت بمثلها أعيان.

والفصل في ذلك كلّه؛ هو الوقوف عَلَى مرتبة الحَديث النَّقْديّه، باعتباره الحَديثَ الوحيدَ لَهُ عن «رَوحٍ» في كتب السُّنَّة.

(61) وبإِسنادي إِلى الإمام البُخارِيِّ في (69) باب (20) اغتباط صاحب القرآن (4738) قال رَحِمَهُ اللهُ تَعالى : حَدَّثَنا عليّ بن إِبراهيمَ: حَدَّثَنا رَوح: حَدَّثَنا شُعْبةُ عن سُلَيْمان: سَمِعْت ذكوانَ «يروي» عن أَبي هريرة أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قال: (لا حسد إلا في اثنتين: رجل علّمه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل، وآناء النّهار فسمعه جار لَهُ فقال: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان، فعملت مثل ما يعمل.

ورجلٌ آتاه الله مالاً، فهو يهلكه في الحق، فقال رجل: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان، فعملت مثل مايعمل)([11]).

(62) وبه إليه في «التمنيّ» (6805) قال البخاريّ: حَدَّثَنا عُثْمان بن أَبي شيبة: حَدَّثَنا جرير عن الأعمش، عن أَبي صالِح ذكوان، به مثلَه.

(63) وبه إليه في التوحيد (7090) قال: حَدَّثَنا قُتَيْبة: حَدَّثَنا جرير عن الأعمش عن أَبي صالِح ذكوان، به مثلَه.

وأخرج فيه حَديث عَبْداللهِ بن عُمَرَ شاهداً (7091) وأخرج في العلم حَديث ابن مسعود (73) شاهداً أيضاً.

قال عداب: دار حَديثُ أَبي هريرة رضي الله عنه عَلَى سُلَيْمانَ الأعمشِ، رواه عَنهُ عند البُخاريّ وحْدَه: شُعْبةُ بنُ الحجاج، وجريرُ بن عَبْدالحميد.

وللحَديث شاهدان أَخرَجَهما البُخاريّ ومُسلِم وابْن حِبَّانَ من حَديث ابن عُمَرَ وابْن مسعود([12]).

وأقول: إنّ روايتي (التمنيّ) و(التوحيد) متابعتان قاصرتان تجعلان الحَديث في غنىً عن عليّ ابن إِبراهيمَ - شيخ البُخاريّ- نهائياً، ويكون البُخاريّ إنما رَوَى الحَديث مِنْ طَريقه لاعتبارات خاصّةٍ، مِن مثل تنويع الشُّيُوخ، أو الإشادة بذكر مشايخه، أو رغبة عن تكرار الإِسْناد الواحدِ في مواضع متعددة، كما هو معروف من منهجه.

مَرْويَّاتُه خارجَ الصحيحِ: ليس لَهُ في دواوين السُّنَّة سوى ما ذكرنا، والله أعلم.

هذه ترجمةُ هذا الراوي «الوُحدان» وذاك هو تخريج حديثِه في كتابي (ص: 116).

وبقيّةُ دراستي للرواة «الوحدان» على هذه الشاكلة (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلاً) والله المستعان.

ثالثاً: قولُ الشيخ محمود حفظه المولى تعالى: «قال البخاريّ عنه «متقن» حبّذا لو أوقفنا فضيلته على موضعها من كتب البخاريّ، فالبخاريّ لم يستعمل مصطلح «متقن» في كتبِه قطّ.

وزيادةً في ثقتي بما أقول؛ رجعت إلى أطروحةِ الزميل الدكتور محمد بن سعيد حوّى «منهج الإمام البخاري في الجرح والتعديل» (ص: 469) تحت عنوان: ألفاظ مرتبة الاحتجاج، فوجدته قال: «فمن أعلاها: إمام، كان حافظاً، ثقة مأمون، من أوثق من رأيت، من أثبت شيوخنا، ثقة ثبت، ثبت صدوق، ثقة صدوق».

وفي (ص: 479) تحت عنوان: الألفاظ التي أسندها عن الشيوخ:

(8) نقل عن الوليد بن مسلم ثلاث مراتٍ: «وكان الرواةُ ثقاتٍ مُتقنين» وأحال إلى ملحق الرواة الذين أطلق عليهم البخاريّ ألفاظ الجرح والتعديل في كتبه كلّها (400، 1004، 1005) فرجعت إلى حيث أحال؛ فلم أجد لفظة «متقن» البتّةَ!

(400) سعيد بن عبدالعزيز... قال الوليد بن مسلم: ثقة.

(1004) صفوان بن عمرو... قال الوليد بن مسلم: من الثقات.

(1005) عبدالرحمن بن يزيد بن جابر... قال الوليد بن مسلم: من الثقات.

فمن أين أتيت بها يا مولانا الشيخ محمود؟!

  رابعاً: قال الذهبيُّ في الكاشف (3878) ما نصّه «عليّ بن إبراهيم عن روح بن عبادة وعنه البخاريُّ.

قيل: هو الواسطيُّ شيخ النَجادِ وابن السَمّاك.

وقيل: علي بن عبدالله بن إبراهيم بغداديّ.

مات الواسطيُّ سنةَ (274 هـ) وهو ثقة (خ)» انتهى.

قال عداب: الراوي الذي وثّقه الذهبيّ، ماتَ بعد البخاريّ بثمانيةَ عشر عاماً، ومن النادر أن يروي الحفّاظ عن شيوخٍ صغارٍ في مصنّفاتهم.

والأمر الثاني: أنّ الذهبيّ لم يوثّق شيخَ البخاريّ لأنّه عرفه، أو لعلمه الغزير، إذْ إنّ: (قيل، وقيل) من صيغ التمريض!

إنّما وثّقه لموافقته الثقات فيما روى، وهو ما قرّرته في تصحيح حديثِه الوحيد!

رابعاً: ترجمه مُغُلْطاي في إكمال تهذيب الكمال (9: 277) فقال:

(خ) علي بن إبراهيم عبدالمجيد اليشكري الشيبانيّ، أبو الحسين الواسطي، سكن بغداد، كذا ذكره المزيّ!

وقال الحافظ أبو بكر السمعاني في أماليه: شيخٌ ثقةٌ، روى عنه محمد بن إسماعيل البخاري، فيما ذكره الحاكم.

وخرج الحاكم حديثَه في كتابه عن عثمان بن أحمد الدقاق عنه، وقال في " المدخل " عليُّ بن إبراهيمَ عن رَوحٍ.

قيل: إنّه مَروزيّ، وقيل: إنّه الواسطيُّ...

وفي "الزُهرة": عليُّ بن إبراهيم سمعَ رَوحاً؛ مجهول مروزي!

وعن بعضِ أهلِ الحديث: علي بن عبدالله بن إبراهيم بن عبدالمجيد الواسطيّ.

روى عنه البخاريُّ أربعةَ أحاديث، وعرّفه أبو الحسين المُناوي بصاحب يَزيدَ بن هارون.

وفي "تاريخ ابن قانع" و"القَرّاب" مات في رمضان سنة أربع وسبعين ومائتين.

ولم يذكره الدارقطنيُّ في شيوخِ البُخاريِّ، فينظَر» انتهى.

فهل ما بين أيديكم من ترجمةٍ؛ تدلُّ على أنّ هؤلاء الحفّاظ قد عرفوه؟

يا مولانا يا شيخ محمود سعيد: (الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ (التَّقْوَى هَاهُنَا) وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ الشَريفِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ (بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ،  كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ) أخرجه مسلم (2564) هل كان في كلامك أمانةُ نقلٍ وتقوى؟!

يَغفر الله تعالى لي ولك يا شيخ محمود سعيد، لا يسعني تُجاهَكَ سوى هذا!

والحمد لله على كلّ حال.



([1]) مصادر ترجمته: رِجال الكَلاباذِيّ (2: 526) (814) رِجال الحاكِم (150) رِجال الباجِيّ (3: 954) (1061) رجال الصَحيحَيْن (1: 355) (1345) تَهْذِيب الكَمال (20: 315) الكاشِف (2: 35) (3878) التَهذِيب (7: 248) (490) التَقْرِيب (4686) الخُلاصَة (ص: 271).

([2]) التاريخ الأوسط (1: 247) (1201- 1202) وأعاده في الكَبير (3: 128) (431) وانظر تاريخ دمشق (14: 395).

([3]) التارِيخ الكَبير (1: 115) (330).

([4])  التارِيخ الكَبير (1: 374) (1189).

([5])  ما سبق (2: 15) (1529).

([6])  ما سبق (4: 187).

([7])  ما سبق (6: 521) (3185).

([8])  ما سبق (7: 294) (1258).

([9]) تَهْذِيب الكَمال (9: 240- 241) و (31: 247) و (32: 369).

([10]) ما سبق (24: 432 - 434).

([11]) وأَخرَجَه البُخاريّ في خلق أفعال العباد (ص: 119) مِنْ طَريق عُثْمان به، والنَسائيُّ في الكُبْرَى (3: 426) و (5: 27) (5841، 8073) وانظر تحفة الأشراف (9: 348) وأَحمَد في المُسْند (2: 479) والبَيْهَقيّ في السّنَن الكَبير (4: 189).

([12]) حَديث ابن عمر، فأَخرَجَه البُخاريّ في فضائل القرآن في الباب نفسه (4737) وفي التوحيد (7091) وأَخرَجَه مُسلِم في صلاة المسافرين (815) والتِرْمذيّ في البر والصلة، باب ما جاءَ في الحسد (1936) وقال: حَسَن صَحيْح.

وحَديث ابن مسعود أَخرَجَه البُخاريّ في العلم، باب الاغتباط في العلم والحكمة (73) ومُسلِم في صلاة المسافرين (816) وللحَديث شواهد كثيرة، لا حاجة بنا إِلى استقصائها. 

الجمعة، 13 يونيو 2025

        مَسائِلُ حَديثيّةٌ:

نموذج من أحاديثِ المقبولين في الصحيحين !؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(الْحَمْدُ للهِ، وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى).

في المنشور السابق (الرواة المقبولون في الصحيحين) قلت: « في المنشورِ الحديثيّ السابق «منهج الإمام البخاريّ في انتقاء رواةِ صحيحه» اعترضُ أحدُ السفهاء الشتّامين، وقال: إنّ هجرة عدابٍ وتنقّله في البلدان أثّر على عقلِه، وقال أيضاً: «إنه لا يُصَدّق عداباً في الإحصائيّات التي أوردها».

فذهبتُ إلى ثبتِ «فهرس» الرواة المقبولين، وعرضت نماذج من أولّه وآخره، للدلالة على أنّ عداباً لا يكذب، ولا يخدع أمّته، ولا يقبل بأن يلقى الله تعالى، وهو كاذب!

فأرسل إليّ أحدُ الإخوة منشوراً لهذا الوقح نفسه، يوهم الناس بأنّ الفقير عداباً ليس باحثاً علميّاً، وهو يعتمد على «تقريب التهذيب» دون سواه.

وقد ذكرت في المنشور السابق؛ أنني لم أخرّج جميع أحاديثِ المقبولين بعد!

والتنقير وراء الحافظ ابن حجر وغيره؛ إنّما يكون عند البحث العلميّ والتخريج النقديّ، وليس في فهرسٍ مقرّب للبحثّ!

لكنّ الله تعالى علّمنا أنّ أصحاب الهوى لا صلاح لهم ولا فلاح، فقال جلّ شأنه:

(أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) وأصحاب الهوى هم أصحاب الهوى، المؤمن والكافر في الهوى سيّان!

هل رأيت شيعيّاً؛ عاد سنيّاً؟

هل رأيت سنيّاً؛ صار شيعيّاً؟

هل رأيت إباضيّاً؛ غيّر مذهبه؟

هذا أندر من النادر، وجميع الأمة أصحاب هوى، وللأسف!

وصاحب هذا المنشور لا أدري ما الذي يحصّله من الحسنات، وهو يفتري ويكذب ويقلب الحقائق، ويؤذي شيخاً كبيراً، قارب الثمانين من عمره؟

لا والله لا يحصّل حسنةً واحدةً، مهما كانت نيّته سليمة، وما هي بسليمة!

وإنني أسأل الله تعالى أن ينتقم منه، ومن كلّ من يتطاول عليّ بالباطل!

ولبيان شيءٍ من منهجنا في تخريج الحديث وترجمة الرواة؛ اخترت هذا الراوي وروايته، ممّا خرّجناه قبل عمليّة السرطان، عام (2011م) يعني قبل أربعة عشر عاماً!

ولست أدري أين كان هذا المتطاول الظالم؟!

الراوي عبد العزيز بن عثمان بن جَبَلة الأزدي (خ س).

ترجمته:

هو عبد العزيز بن عثمان بن جَبَلة بن أبي رَوَّاد - واسمه ميمون، وقيل: أيمن، وقيل: يمن- بن بَدْر العَتَكي الأَزْدي، أبو الفضل الْمَرْوَزي، مولى الْمُهَلَّب ابن أبي صُفْرة، ولَقَبُه شاذان.

وهو أخو عَبْدان، ووالدُ خلف بن عبد العزيز شاذان، وشاذان وأخوه عَبْدان؛ هما سِبْطا عبدِ العزيز بن أبي رَوَّاد، أخي جَبَلة بن أبي رَوَّاد جدِّهما لأبيهما.

لم يترجمه الذهبيّ في الميزان - وهذا مصطلح عندنا يراد منه أنّه لم يُجْرَح - والغريب أنّ البخاريّ لم يترجمه في شيءٍ من كتبه الرجاليّة، ولم يخرّج له في كتبه الحديثيّة، سوى هذا الحديث!

ذكره أبو حاتم بن حبان في كتاب « الثقات» وقال: كان مولده سنة خمس وأربعين ومئة، ومات سنة إحدى وعشرين ومئتين، وقيل: سنة خمس وعشرين ومئتين.([1])

وقال أبو نصر الكَلاباذي: ولد في المحرم سنة ثمان وأربعين ومئة بعد عَبْدان بثلاث سنين، ومات في المحرم سنة تسع وعشرين ومئتين بعد عَبْدان بثمان سنين، وهو ابن إحدى وثمانين سنة.([2])

ولم يزد ابن حجر عندما ذكره في الفتح (7121) على قوله: « شَاذَانُ أَخُو عَبْدَانَ هُوَ عَبْدُالْعَزِيزِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ جَبَلَةَ، وَهُوَ أَصْغَرُ مِنْ أَخِيهِ عَبْدَانَ وَقَدْ أَكْثَرَ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدَانَ، وَأَدْرَكَ شَاذَانَ، لَكِنَّهُ رَوَى هُنَا عَنْهُ بِوَاسِطَةٍ».

وترجمه أبو نصر الكَلاباذي، وأبو عبد الله الحاكم، وأبو يعلى الخليليّ، وأبو الوليد الباجيّ، وأبو علي الجياني، والصفديّ والمِزِّي والذهبيّ وابن حجر.

روى عن أبيه عثمان بن جَبَلة بن أبي رَوَّاد، عند (خ س)([3]).

روى عنه جمعٌ من الرواة، ذكر المزيّ في تهذيبه (18: 173) منهم أربعة، أحدهم أبو علي محمد بن يحيى بن عبد العزيز المروزي الصائغ، عند (خ س) وهو الذي يعنينا في هذه الدراسة.

رواياته: له في الكتب التسعة روايتان: واحدة عند البخاري في « صحيحه» (3799) وأخرى في «المجتبى» للنسائيّ (3497) وله روايتان عند النسائي في « سننه الكبرى » (8346) و (5691).

وله غيرُ ذلك مما وقفت عليه من كتب السنة: رواية عند النسائي في «جزء فيه مجلسان من إملائه » (14) ورواية عند ابن حبان في « صحيحه » (7141) ورواية عند الطبراني في «معجمه الكبير- قطعة من المفقود » (138) وخمس روايات في « معجمه الأوسط » (6941، 6942، 6952، 6963، 3964) ورواية في « معجمه الصغير » (371) وأخرى في كتاب « الدعاء » له (130) وثلاث روايات عند أبي الشيخ الأصفهاني في « طبقات المحدثين بأصبهان » (3: 162) و (4: 82، 109) ورواية عند ابن مندة في« الإيمان » (938) ورواية عند أبي نعيم الأصبهاني في « تاريخ أصبهان » (463) ورواية عند البيهقي في «سننه الكبير» (6: 371) وأخرى عنده في « دلائل النبوة » (1612) وروايتان عند ابن حزم في «المحلى » (10: 238) و (11: 405) وثلاث روايات عند الخطيب البغدادي في « تاريخه » (1: 294) و (4: 364) و (10: 364) هذا جميعُ ما وقفت عليه من رواياته في كتب السنة التي وقفتُ عليها، ولم أستقرئ؛ لأنّ البحثَ الذي بين يديَّ، يَتناولُ تفسير إخراج البخاريّ له في صحيحه، وهو «مقبول»!

كلام العلماء فيه:

وثقه الدارقطني كما في « سؤالات الحاكم له» وقال الخليلي في «الإرشاد»: « هو ثقة ».

وقد روى عنه جمع من الثقات، وترجمه ابن حبان في « ثقاته» ولم يغمزه بشيءٍ، وأخرج له حديثاً واحداً في صحيحه (7141) فهو ثقة على شرط الصحيح عنده، كما أخرج له البخاري حديثاً واحداً في «صحيحه» أيضاً (3799) فمثلُه يُسبَر حديثُه ويعتبر، فإن لم يوقف له على مناكير؛ فحديثه حسن، إنْ شاء الله تعالى.

هذا لو انفرد بحديثٍ، فكيف وهو دون مدار الحديث، وتابعه على حديثِه هذا ستّة رواة؟

وأما قول الحافظ في « التقريب » عنه: «مقبول » ففيه نظر؛ لأنّ الرجل ليس قليلَ الحديث جدّاً، خارج الكتب التسعة، ولم يُجرَحْ البتّة، و ظهر لي  أنّ ابن حجر لم يراجع توثيقَ الدارقطني والخليلي له، عندما  حكم عليه في التقريب؛ بدليل أنه لما ترجمه في «تهذيب التهذيب» لم يَنْقُل عن أحدٍ من أهل العلم فيه جرحًا، ولا تعديلاً، والله أعلم   ([4]).

تنبيه مهمٌّ: نَقَل أبو الوليد  الباجي، رحمه الله تعالى، في ترجمة عبد العزيز بن عثمان بن جَبَلة بن أبي رَوَّاد هذا، من كتابه « التعديل والتجريح» عن أبي بكرٍ أحمد بن أبي خَيْثَمةَ زهيرِ بن حَرْب الحافظ، قال: حدثنا إبراهيم بن بشار الرَّمادي: سمعت سفيان بن عُيَيْنَة يقول: كان عبد العزيز بن  أبي رَوَّاد من أجَلِّ الناس.

ثم قال لي بعد ذلك: لقد تركني هؤلاء مثلَ الكلبِ الهَرَّار([5])    يعني: أصحاب الحديث([6])  .

قلت: لا أدري ما وجهُ إيرادِ هذا النقلِ هنا في ترجمة عبد العزيز بن عثمان؟! إلا أن يكون الباجي ظنَّ أن عبدَ العزيز بنَ أبي رَوَّاد المذكورَ في هذا الخبر؛ هو عبدُ العزيز بنُ عثمان بن جَبَلة بن أبي رَوَّاد، قد نُسِب إلى جدِّه الأعلى أبي رَوَّاد!

وليس الأمر كذلك؛ فإن عبدَ العزيز بنَ أبي رَوَّاد، الذي نَسب ابنُ عيينة الكلام إليه؛ هو جدِّ متَرجَمنا عبدِ العزيز بن عثمان، وهو أعلى طبقة حتى من سفيان بن عُيَيْنة.

وأما عبد العزيز بن عثمان بن جَبَلة؛ فجميعُ روايته عن أبيه عثمان بن جَبَلة، وطبقته متأخِّرةٌ عن هذه الطبقة.

ويُؤكِّد ذلك أنّ ابن خيثمةَ أوردَ نحوَ هذا الكلام في تاريخه (1: 262) في ترجمة الجدّ عبدالعزيز بن أبي روّاد، الذي يروي عن عكرمةَ وطبقته، كما في تاريخ ابن أبي خيثمة (2: 199) قال: كان عبدالعَزِيْز بْن أبي رَوَّاد من أحلم الناس, ثُمَّ قَالَ لي بَعدُ: لقد تركني هؤلاءَ مثلَ الكلب،يَعْنِي: أصحاب الْحَدِيْث» وأوردها الذهبيّ كذلك في ترجمة عبد العزيز بن أبي رَوَّاد من « تاريخ الإسلام » و «سير أعلام النبلاء » فقال : عن سفيان بن عُيَيْنة قال : كان ابنُ أبي رَوَّاد من أحلم الناس، فلما لزمه أصحابُ الحديث؛ قال: تركوني كأني كلبٌ هَرَّارٌ([7])  .

تخريج رواياته في الصحيحين:

ليس لعبد العزيز بن عثمان في الصحيحين سوى حديث واحد في « صحيح البخاري»:

بإسنادي إلى البخاري في المناقب، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (اقْبَلُوا من مُحسِنهم، وتجاوزوا عن مُسيئِهم ) (3799) قال رحمه الله تعالى: حدثني محمدُ بن يحيى أبو عليٍّ: حدثنا شاذانُ أخو عَبْدانَ: حدثنا أبي: أخبرنا شعبةُبنُ الْحَجَّاجِ عن هشامِ بن زيدٍ قال: سمعتُ أنسَ بن مالكٍ يقول: مَرَّ أبو بكر والعباسُ، رضي الله عنهما، بمَجْلسٍ من مجالس الأنصار وهم يَبْكُون، فقال: ما يُبْكِيكم ؟ قالوا: ذَكَرْنا مجلسَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم مِنَّا» فدخل أنس على النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبَرَه بذلك.

قال: فخرج النبيُّ صلى الله عليه وسلم، وقد عَصَب على رأسِه حاشيةَ بُرْدٍ، فصَعِدَ الْمِنْبَرَ، ولم يَصْعَدْه بعد ذلك اليومِ، فحَمِدَ الله، وأثنى عليه، ثم قال: (أُوصِيكم بالأنصار؛ فإنهم كَرِشِي وعَيْبَتي،([8]) وقد قَضَوُا الذي عليهم، وبقي الذي لهم، فاقبلوا من مُحْسِنهم، وتجاوزوا عن مُسِيئِهم).([9])

تعيين مدار الحديث:

مدار حديث الباب على أنس بن مالك رضي الله عنه، رواه عنه:

(1) ثا بتٌ البُناني عند أحمد في « المسند » (12671) وفي « فضائل الصحابة » (1440) ولفظه عنده: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الأنصارَ عَيْبَتي التي أَوَيْتُ إليها، فاقْبَلُوا من مُحْسِنهم، واعْفُوا عن مُسِيئِهم، فإنهم قد أَدَّوُا الذي عليهم، وبَقِيَ الذي لهم )([10]).

(2)  وحفصُ بن أخي أنس بن مالك، عند البزّار في مسنده المعلل (6451).

(3)  وحميدٌ الطويلُ عند ابن حبان في « صحيحه » (7266، 7271) والنسائي في « سننه الكبرى » (8328) وأحمد في « مسنده » (12973، 13159) وفي « فضائل الصحابة » (1434) وأبي يعلى في « مسنده » (3770، 3798) وابن سعد في « الطبقات الكبرى » (2: 252).

(4) وعليُّ بن زيدِ بن جُدعان، عند الحميديّ في مسنده (1235) وابن أبي عاصمٍ في الآحاد والمثاني (1717) والآجريُّ في الشريعة (1120)

(5) وقتادةُ بن دِعامَةَ السَّدُوسي عند البخاري في « صحيحه » (3801) ومسلم في «صحيحه » (2510) وابن حبان في « صحيحه » (7265) والترمذي في « سننه » (3907) والنسائي في « سننه الكبرى » (8325) وأحمد في « مسنده » (12825، 13906) وفي « فضائل الصحابة » (1464) وأبي يعلى في «مسنده » (2994، 3208).

 (6) والنعمان بن مرّةَ الأنصاريّ، عند الطبراني في المعجم الصغير (1063).

 (7) وهشامُ بن زيد بن أنسِ بن مالكٍ، عند البخاري في « صحيحه » (3799) والنسائي في « سننه الكبرى » (8346) والنسائي في « جزء فيه مجلسان من إملائه » (14) وأبو عوانة في المستخرج (10966) والبيهقي في «السنن الكبرى » (6: 371) وابن حزم في « المحلى » (11: 405) والخطيب البغدادي في « تاريخ بغداد » (1: 294).

قلت: من وراء ما تقدَّم من تخريجِ هذا ا لحديثِ؛ نَلْحظُ أن عبدَ العزيز بنَ عثمان المترجمَ له ليس مداراً للحديث، ولا فوقه، بل تابَعَه على المرفوعِ منه متابعةً قاصرةً عِدَّةٌ من الرُّواةِ الثقات، منهم قتادة بن دعامةَ، عند البخاريّ نفسِه (3801).

ولست - في هذا المنشور - في حاجةٍ إلى ذكر شواهدَ للحديثِ، من حديث عبدالله بن العباس، عند البخاريّ (3800) وأبي سعيدٍ الخدريّ، عند الترمذيّ (3904) وغيرهما، وأترك ذلك إلى حين تصدير الكتاب إنّ شاء الله تعالى.

في الختام: هذا حديث مشهورٌ عن أنس بن مالك رضي الله عنه، ولو زعم أحدٌ أنّه متواتر عنه؛ ما خطّاته.

أمّا مُتَرجَمُنا عبدالعزيز بن عثمان؛ فهو فَضْلةٌ في الإسناد، لم يعتمد عليه الإمام البخاريّ في تخريج هذا الحديث، كما تقدّم - وهو يعرف جميعَ الطرقِ التي أوردناها أكثرَ منّا - ولعلّه أخرج له هذا الحديثَ الواحد؛ لأنّ متن روايته أتمّ من متن رواية  قتادةَ المختصرةَ عن أنس، في الباب نفسه، والله تعالى أعلم.

وأرجو أن يكون في عرضِ هذا الحديثِ دلالةٌ على أننا من العارفين بتخريج الحديثِ ونقده على أوسع نطاق، بيد أنّ (الفيسبوك) ليس مكاناً صالحاً للتطويل، وإن اضطررت إليه أحياناً.

والحمد لله على كلّ حال.



(1) « الثقات » (8: 395) و « تهذيب الكمال » (18: 172).

(2) « رجال صحيح البخاري » (1: 475- 476) و « تهذيب الكمال » (18: 172).

(3) وقال الحافظ أبو يعلى الخليلي في « الإرشاد » (3: 891) : « سمع أباه، وابن المبارك، وغيرهما».

كذا قال الخليليّ، بيد أننا لم نجد له روايةً عن غير أبيه، فيما وقفنا عليه من كتب السنة، ويؤيد صحّة استنتاجنا؛ أن الذهبي قال في ترجمته من « تاريخ الإسلام » (1: 1719) : « روى عن أبيه فقط » والله أعلم. 

([4]) من مصادر ترجمته: « الثقات » لابن حبان (8: 395) و « رجال صحيح البخاري » لأبي نصر الكلاباذي (1: 476) و « تسمية من أخرجهم البخاري ومسلم » (1: 173) و « سؤالات الحاكم للدارقطني » (1: 225) كلاهما لأبي عبد الله الحاكم، و « الإرشاد في معرفة علماء الحديث » للخليلي (3: 891) و « التعديل والتجريح » للباجي (2: 900) و « ألقاب الصحابة والتابعين في المسندين الصحيحين » للجياني (1: 8) و«الوافي في الوفيات » للصفدي (1: 2688) و « تهذيب الكمال » للمزي (18: 172) و « تاريخ الإسلام » (1: 1791) و « الكاشف » (3403) و «المقتنى في سرد الكنى» (2: 15)  ثلاثتها للذهبي، و« تهذيب التهذيب » (6: 311) و « تقريب التهذيب » (4112) و « فتح الباري » (7: 121) ثلاثتها لابن حجر.

([5]) الكلب الهَرَّار: من: هَرَّ الكلبُ يَهِرُّ هَرِيراً، فهو هارٌّ وهَرَّارٌ: إذا نَبَحَ، وكَشَر عن أنْيابه. وقيل : هو صَوْتُه دون نُباحه. «النهاية في غريب الحديث » (5: 590) و « تاج العروس » (1: 3634) و «لسان العرب » (5: 260).

([6]) «التعديل والتجريح » (2: 900).

([7])  تاريخ الإسلام (4: 134) والنبلاء (7: 185).

(2) كَرِشي وعَيْبَتي: أي: بِطانتي، وخاصَّتي، وجماعتي الذين أَثِقُ بهم، وأعتمِدُ عليهم في أُمُوري، وموضعُ سِرِّي، وأمانتي. ضَرَب الْمَثَل بالكَرِش؛ لأنه مُستقَرُّ غِذاءِ الحيِّ الذي يكون به نماؤُه وبقاؤُه.

والعَيْبَةُ - وهي بفتح المهملة، وسكون المثناة، بعدها موحَّدة -: وعاءٌ معروف يَحفَظُ فيه الإنسانُ ثيابَه، وفاخرَ متاعه، ونَفِيسَ أشيائِه، ضربها صلى الله عليه وسلم مثلاً على أنهم موضعُ سِرِّه وأمانتِه، وخَفِيِّ أحوالِه عليه الصلاة والسلام، وانظر تمام شرح الحديث في « فتح  الباري » (7: 121) و «شرح النووي على صحيح مسلم » (16: 68) « والنهاية في غريب الحديث » (4: 296).

(1) من حديث هشام بن زيد، عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أخرجه البخاري في «صحيحه» في كتاب فضائل الصحابة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( اقبلوا من محسنهم، وتجاوزوا عن مسيئهم ) (3799) والنسائي في « السنن الكبرى » في كتاب المناقب، باب ذكر خير دور الأنصار (8346) والبيهقي في « السنن الكبرى » في كتاب قسم الفيء والغنيمة، باب البداية بعد قريش بالأنصار لمكانهم من المسلمين (6: 371) وابن حزم في « المحلى » في التعزير وما لا حد له، مسألة هل يقال ذوو الهيئات عثراتهم؟ وكيف يُتَجاوز عن مسيء الأنصار؟ (11: 405) والنسائي في «جزء فيه مجلسان من إملائه » (14) والخطيب البغدادي في « تاريخ بغداد » (1: 294) وبقية مصادر التخريج تجدها في تعيين المدار.

(1) قلت: كذا رواه أحمد ابن حنبل عن عبد الرزاق، عن معمر، عن ثابت البُناني، به. وهو في « مصنف عبد الرزاق » برواية إسحاق بن إبراهيم الدَّبَري (19911) ومن طريق الدَّبَري رواه الطبراني في « معجمه الأوسط » (2989) فقال فيه: « عن أبي هريرة » بدل: « عن أنس » جعله من مسند أبي هريرة، لا من مسند أنس. ورواية أحمد أرجح، والله أعلم.