الأربعاء، 17 أغسطس 2022

  مسائل فكرية (44):

التَصنيفُ الطائفيُّ؛ جَهلٌ مُركّب َ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
(رَبَّنَا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.

رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ).

في حوارٍ مع أحدِ الإخوةِ الأفاضل؛ قال لي:

لا يصحّ أن يكون الإنسان «لا مُنتَمٍ» وقد أجمع علماؤنا على أنه لا يجوز للمسلم أن يدينَ الله على غير المذاهبِ الأربعة!

وأنت تصرّح بأنّك لا تؤمن بشيءٍ من عقائد الشيعةِ، ومع هذا تقول: أنا شيعيٌّ!

وقد قرأت لك مئاتِ المنشوراتِ، فوجدت ثقافتك كلّها سنيّة، أو قل في الحدّ الأدنى (98%) منها سنيّة، ومع هذا تقول: أنا لست سنيّاً!

وتصرّح بأنك تبغض محمد بن عبدالوهّاب، وتحبّ الشيخ عبدالعزيز ابن باز!

وتجاهر بأنك من آل البيتِ، وأنك تقدّم عليّاً على سائر الأمة، ومع هذا تحبّ الشيخ أحمد الخليليّ الإباضيّ، والإباضيّةُ يكفّرون عثمان وعليّاً، رضي الله عنهما!

فما مذهبُك في حقيقةِ الأمرِ، فنحن لا ندري أينَ نضعُك، ولا كيف نصنّفك؟!

أقول وبالله التوفيق:

1- السنيّ يعتقد بعدالة جميعِ الصحابةِ، ويعتقد بأنّ أفضل الصحابةِ أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم عليّ، رضي الله عنهم.

والسنيّ يعتقد بوجود عشرةٍ من الصحابة في الجنة، بل ويعتقد بأن جميع الصحابة في الجنّة، إنما تتفاوت منازلهم فيها.

والسنيّ يعتقد بأنّ من قال بخلق القرآن؛ فهو كافر!

ومن يخالف في هذه المعتقدات؛ فليس بسنيٍّ!

وأنا أخالفُ أهلَ السنة بجميع هذه الاعتقاداتِ، فعندما أقول: أنا لست بسنيٍّ؛ أكون صادقاً صريحاً، لا أمارس التقيّةَ، ولا النفاقَ، ولا المجاملة!

2- والشيعيّ الزيديّ يعتقد بعصمة أهل الكساء «الرسول وفاطمة وعلي والحسن والحسين، صلوات الله وسلامه عليه وعليهم».

ويعتقد بأنّ الإمامَ هو الذي يشهِرُ سيفَه، ويخرج مطالباً بالخلافةِ، محارباً مَن يخالفه في ذلك بالسيف!

والزيديّ يحرّم زواج الهاشميّة بغير الهاشميّ، أو يكره ذلك؛ لانعدام الكفاءة!

والزيديّ يقول بخلق القرآن الكريم، وغير ذلك كثيرٌ مما أخالفهم فيه.

فعندما أقول: أنا لست بزيديٍّ؛ أكون صادقاً صريحاً، لا أمارس التقيّةَ، ولا النفاقَ، ولا المجاملة!

3- والشيعيُّ الإماميّ يقول: بالنصّ والتعيين والعصمة والإمامة والبداء والرجعة والمهديّ، وأنا لا أعتقد بواحدةٍ من هذه العقائد.

والإماميّ يقول: إنّ الساسةَ من الصحابة، مثل أبي بكرٍ وعمر وعثمان والزبير وطلحة وعائشةَ، جميعهم من أهل النار.

وأنا أقول: جميعُهم أخطأوا، لكنني أترضّى عنهم، وأرجو أن يكونوا جميعاً من المغفور لهم، وأنهم من أهلِ الجنّة!

والإماميّ يقول ويقول: وما أكثر المسائلَ التي أخالف المذهب الإماميّ فيها.

فعندما أقول: أنا لست بإماميٍّ؛ أكون صادقاً صريحاً، لا أمارس التقيّةَ، ولا النفاقَ، ولا المجاملة!

4- والإباضيّة يقولون: بخلق القرآن العظيم، وينكرون عذاب القبر، ويوجبون الخلود في النار لمن مات على كبيرةٍ، من دون توبة!

ويقولون بأنّ عثمانَ وعليّاً وطلحةَ والزبير وأضرابهم؛ هم من أهل النار!

وأنا أخالفهم في جميع هذه المعتقداتِ وغيرها، وأرى كتابَهم المعتمدَ «مسند الربيع» لا يساوي من جهة الصناعة الحديثيّة فلساً واحداً!

فعندما أقول: أنا لست بإباضيٍّ؛ أكون صادقاً صريحاً، لا أمارس التقيّةَ، ولا النفاقَ، ولا المجاملة!

5- والوهّابي يقول: من ليس وهّابياً في الاعتقاد؛ فليس من أهل السنّة، فيكون الأشاعرة والماتريدية والظاهريّة - وهم جمهور الأمة الأعظم - ليسوا من أهل السنة، وأنهم هم وحدهم أهل السنة.

ويقولون: من قال بخلق القرآن؛ فهو كافر!

وهم يثبتون لله تعالى من الصفاتِ، ما أحرّم اعتقاده، من مثل الضحك والتبشبش والهرولةِ والحِقوِ، والقعود على العرش، وقعود الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم على يمين الله تعالى على العرش، ويثبتون النزول والصعود لله تعالى.

باختصار: يثبتون لله تعالى صفاتٍ بخبرٍ فردٍ مطلقٍ صحيحٍ وخبرٍ فردٍ مطلق حسنٍ!

وأنا لا أثبت بالحديث الفردِ المطلق الصحيح الإسنادِ حلالاً ولا حراماً، فضلاً عن إثبات عقيدةٍ به!

وأكثر المذاهب استعمالاً لجملة «فإن تاب، وإلّا ضربت عنقه» هم الحنابلةُ، والوهابيّة حنابلةٌ في الجملة.

فعندما أقول: أنا لست بوهّابيٍّ، ولا سلفيٍّ؛ أكون صادقاً صريحاً، لا أمارس التقيّةَ، ولا النفاقَ، ولا المجاملة!

هذا تقريرٌ وجيزٌ جدّاً، يسوّغ كلامي: إنني لست واحداً من أتباعِ هذه المذاهب كلّها وغيرها.

أمّا أنني أحبّ فلاناً من الزيدية، وفلاناً من الإمامية، وفلاناً من الإباضيّة، وفلاناً من الوهابية؛ فلسببين اثنين:

الأوّل: أنني أحترم شيوخي وزملائي وأصدقائي وتلامذتي، من باب الوفاء والعرفان.

والثاني، وهو الأهمّ؛ أنني أعذر أتباعَ جميع هذه المذاهب، على الوجهين كليهما:

- إنْ كانوا مجتهدين؛ فالمجتهد لا يلزمه اتّباعُ أحدٍ.

- أو كانوا مقلّدين؛ فالمقلّد لا رأي له، ومذهبه مذهب مفتيه، وهو لا يحسن الخروجَ من تقليدِ شيخه، أو ما تعلّمه على شيخه.

يُضافُ إلى ما تقدّم؛ أنني أفرّق تفريقاً ظاهراً بين الحكم الفقهيّ والموقف السياسيّ!

فحافظ الأسد مثلاً؛ كان قاتلاً ظالماً انقلابيّاً، قتل من السوريين عشراتِ الألوف؛ لخلافهم السياسيّ معه!

فهو من هذه الجهة السياسيّة؛ مجرم ظالمٌ فاسدٌ!

وهو من جهةٍ ثانيّة؛ حاول انتشالَ طائفته النصيريّة من طائفةٍ مارقةٍ مؤلّهةٍ، إلى فرعٍ من فروع الشيعة الجعفريّة.

وبعد أن لم يكن في جبال العلويين مسجدٌ واحدٌ؛ بنى حافظ الأسد في كلّ مدينةٍ من مدن الجبل مسجداً، ورتّب له إماماً ومعلّماً للقرآن الكريم.    

يضاف إلى هذا؛ أنّ مراكزَ الأسد لتحفيظ القرآن الكريم؛ كانت تخرّج خمس مائة حافظٍ للقرآن الكريم في كلّ عامٍ، منذ افتتحت، وإلى أن مات!

فهو في منظور الحكم الفقهيّ؛ محسن من هذه الجهةِ!

أمّا عن النوايا - التي يحاسب عليها الخصوم السياسيين عادةً - فعلمها عند الله تعالى، ونحن نحاسب الناس على الظاهر، والله يتولى السرائر!

لكنْ لكنْ بحكم المنطلق الطائفيّ والمذهبيّ؛ فأنت إمّا معَ، أو ضدَّ، ولا يجوز أن يكون لك خيارٌ آخر!

وهذا ليس في سوريا وحدها، بل هو فيها وفي العراق، وفي كلّ مكان!

هناك بعضُ الحركات الإسلاميّة، تنهج المنهجَ الحدّيَّ في تعاملها مع السلطةِ الحاكمة القائمة!

ولو أنّ هذه الحركاتِ طمأنت السلطةَ الحاكمةَ بأنها تريدُ الإصلاحَ، ولا تريد السلطةَ؛ لوجدت بعضَ الحكّام الذين يساعدونها في الإصلاحِ، وإعادةِ المسلمين إلى دينهم!

قلت للرئيس صدّام حسين:

يا سيادةَ الرئيس: أنا لا أسعى إلى السلطة - والله - بل لا أصلح للسياسةِ أصلاً، ولا أعرف فيها سوى دراساتٍ نظريّة، إنما أنا طالبُ صلاحٍ وإصلاحٍ، وإنّ شعبك بعيد عن الله تعالى، بعيدٌ عن الدين، وكلّ الذي أرجوه منك أن تعينني على أن نعيد هذا الشعبَ المسلم إلى دينه، وإلى أخلاق الإسلام!

قال رحمه الله تعالى: رضيناكَ مرشداً وموجّها لشباب العراق، في فكره وثقافته وأخلاقه!

هذا العراق أمامَك، فاصنع فيه ما يمليه عليك دينك وضميرك، ونحن جميعاً معك!

لكن انتبه إلى أمرٍ مهمٍّ جدّاً: العراقيّ دينه رقيق، مثل ما يقول إخواننا المصريون: سكّر خفيف، ويجب أن نعيدهم إلى دينهم وأخلاقهم حبّة حبّة، ونبتعد تماماً عمّا يثير الخلاف!

ولأنني جاهل بالسياسةِ، ولأنّ المعارضين كانوا كثيرين لي في مشروعي؛ لم أستطع المحافظةَ على قلب الرئيس صدّام، رحمه الله تعالى.

خِتاماً: ليت إخواني يفهمون وجهةَ نظري، ولا يعاملني كلُّ واحدٌ منهم على أنني قرينُه وصنوه، فهذا غير صحيح البتة!

فأنا رجلٌ أمتلك أدوات الاجتهاد كلّها، منذ أربعين سنةً في الحدِّ الأدنى، ومنها علم النقدِ الحديثيِّ، ولا أعرف واحداً من إخواني وأصدقائي السوريين يمتلك بعضَ ذلك!

والله تعالى أعلم.

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ(.

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلَّم تَسليماً.

والحمد لله على كلّ حال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق