السبت، 13 أغسطس 2022

         بَعيداً عن السياسةِ (29):

ديمقراطيّةُ العَرَبِ!؟

بسم اللهِ الرحمن الرحيم

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.

رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

الديمقراطية بجميع تجاربها - في نظري - ضَحِكٌ على العوامّ من الناس، وهي في جميع صورها؛ حُكْم النُخبَة!

ومع كونها ضحكاً على العوامّ؛ إلّا أنها خيرٌ من الحكم الفرديّ الاستبداديّ!

ومَفهوم الشورى الإسلامي؛ ليس متماشياً مع النظام الديمقراطيّ، وليس مقابلاً له، ولا بَديلاً عنه.

قال الله تعالى:

(وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ؛ أَذَاعُوا بِهِ!؟

وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ، وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ؛ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ (83) [النساء].

فمنطوق هذه الآية الكريمةُ؛ يكادَ يكون نصّاً في (نظرية النخبة) المجتمعية!

ففي جميع ظروف الأمن وظروف الخوف؛ القادرون على الاجتهاد (النخبة) هم الذين يقررون نيابةً عن العامّة، الذين لا يحسنون توجيهَ الأمة ولا إدارتها.

قال الله تعالى:

(وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ، وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ، وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (38) [الشورى].

الله تعالى ذكر من صفات المؤمنين في هذه الآية الكريمة الاستجابة لأوامر الله تعالى، وإقامةَ الصلاةِ كنايةً عن الطاعة في العبادات، والإنفاق في سبيل الله، والشورى!

لكنّ آليّة الشورى مطلقة «مبهمة»:

فلو شاور صاحبُ الأمر الشعبَ كلّه؛ فقد طبّق مفهوم الشورى!

ولو شاور صاحبُ الأمر أصحابَ الاختصاص؛ فقد طبق مفهوم الشورى!

ولو شاور صاحبُ الأمر رجلاً واحداً من الشعبَ كلّه؛ فقد طبق مَفهوم الشورى!

ولهذا؛ فإنّ تطبيقَ مفهوم الشورى في الإسلام؛ تحكمه المصلحة الشرعية ومقاصد التشريع!

وبجميع الصور الممكنة؛ فإنّ النخبة هي التي تتحكم بالسلطة والحكم والشورى!

قال الله تعالى:

(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) [آل عمران].

ومن سيرة الرسولِ صلّى الله عليه وآله وسلّم؛ يتبيّن لنا أنه كان يشاور الواحد والاثنين والرهط من أصحابه، ولم يكن يجمع أهل المدينة رجالاً ونساءً، ممّن بلغوا الثامنةَ عشرةَ، أو الحاديةَ والعشرين؛ ليأخُذَ آراءهم فيمن يولّيه على هذه السريّة، أو على هذه القرية!

ممّا يعني أنّ الشورى؛ هي استطلاعُ آراء النخبةِ في الأمور المهمّة!

وفي شبابي كتبت بحثاً مُطوّلاً بعنوان «الشورى بين الإلزام والاختيار» فما وجدتُ نصّاً صريحاً يدلّ على وجوب التشاور مع جميع النخبة، ولا وجدت نصّاً أو حدَثاً ثابتاً يدلّ على إلزاميّة الامتثال لنتيجةِ الشورى!

ومع هذا رجّحت يومَها وجوبَ الالتزام بنتيجة التشاور، بدعوى قلّة العلم وقلة التقوى، في عصرنا، بخلاف العصور السابقة!

وهذا كلام إنشائيّ؛ لا يساوي بصلة!

لكنْ قولوا لي بالله عليكم: كيف يصلح النظام الديمقراطيّ في مجتمع عشائريٍّ، أو في مجتمع دينيٍّ يرى طاعةَ المرجع من طاعة الله تعالى، أو في مجتمع طبقيٍّ، يقدّس الزعيم الفلانيّ، ويأتمر بأمره حتى الموت؟!

بمعنى أوضح:

هل يختلف غوغاءُ التيّار الصدريّ، عن غوغاء الإطار التنسيقيّ؟

هؤلاء يصدرون عن رأيٍ واحدٍ، هو رأي السيّد مقتدى!

وهؤلاء يصدرون عن رأي كبير الإطار التنسيقيّ، وهو نوري المالكيّ!

فتكون الديمقراطية قد طارت مع الريح، إنما هو رأيُ واحدٍ في مقابل رأيِ واحدٍ، أو عشرة!

والشعوبُ بوجهٍ عامٍّ؛ لا تعرفُ في السياسة شيئاً - وأنا منهم - لأنّ في السياسةِ أسراراً، هي التي تحكم سياسةَ البلد، وتُوَجِّهها، ويكتمها الساسةُ عنِ الشعب، رحمةً به، أو تآمراً عليه، ولا يعرف العامّة عنها شيئاً!

فمن أين سيكون موقفي السياسيّ صحيحاً، ومتوافقاً مع مصلحة الأمة في اللحظة الحاضرة، وأنا جاهلٌ بأسرار الدولة تلك ؟

إنّ أمتنا العربية جاهلة بدينها، وجاهلة بما يُصلحها ويَصلح لها من أنظمة الحكمِ المعاصرة، وشعوبنا منافقةٌ تطبّل للحاكم الذي تخافُ منه، وكلّما كان الحاكم أظلمَ؛ كان النفاق أكبرَ!

لهذا أقترح على شعوبنا العربيّة؛ النظامَ الرئاسيّ، الذي يمنح الحاكمَ كثيراً من الصلاحيّات، ويسمح له باتّخاذ القرارات المهمة، بعدَ أن يكون من أهلِ الدينِ والعلم والأخلاق، ويكون متخصّصاً بالشؤون السياسيّة.

ريثما تنضج شعوبنا، وتعرف دينها - وهيهاتَ هيهاتَ، فهي في كلّ يوم تبتعد عن الدين خطواتٍ - ومن ثمّ تختار نظاماً يتلاءم مع واقعها الحقيقيّ، بعيداً عن النظام القبلي، والنظام الطبقيّ، والنظام الاستبداديّ، والنظام المشيخيّ المرجعي!

والله تعالى أعلم

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى اللهُ على سيّدنا محمّد بن عبداللهِ، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.

والحمد لله على كل حال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق