الخميس، 11 أغسطس 2022

        مَسائلُ حَديثيّةٌ (46):

جانبٌ من صُلحِ الإمام الحَسنِ مع مُعاوية ابن هند!؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.

رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

كتب إليّ أحدُ الإخوة الأصدقاء، يسألُ عن لقاء عبدالله بن عامر بن كُريز القرشيّ مع الإمام الحسن، أصحيح هذا الحديث؟

أقول وبالله التوفيق:

بإسنادي إلى الإمام البخاريّ في كتاب الصلح من صحيحه (2704) قال رحمه الله تعالى: حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ «الجُعفيُّ»: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ «بن عيينة» عَنْ أَبِي مُوسَى «إسرائيل بن موسى البصريّ»قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ «البصريَّ» يَقُولُ:

اسْتَقْبَلَ وَاللهِ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ مُعَاوِيَةَ بِكَتَائِبَ أَمْثَالِ الْجِبَالِ!

فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: إِنِّي لَأَرَى كَتَائِبَ لَا تُوَلِّي حَتَّى تَقْتُلَ أَقْرَانَهَا؟!

فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ، وَكَانَ وَاللهِ خَيْرَ الرَّجُلَيْنِ: أَيْ عَمْرُو، إِنْ قَتَلَ هَؤُلَاءِ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ هَؤُلَاءِ، مَنْ لِي بِأُمُورِ النَّاسِ؟ مَنْ لِي بِنِسَائِهِمْ؟ مَنْ لِي بِضَيْعَتِهِمْ؟

فَبَعَثَ إِلَيْهِ رَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ عَبْدَالرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ، وَعَبْدَاللهِ بنَ عَامِرِ بْنِ كُرَيْزٍ، فَقَالَ: اذْهَبَا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ، فَاعْرِضَا عَلَيْهِ، وَقُولَا لَهُ، وَاطْلُبَا إِلَيْهِ!؟

فَأَتَيَاهُ، فَدَخَلَا عَلَيْهِ، فَتَكَلَّمَا، وَقَالَا لَهُ، فَطَلَبَا إِلَيْهِ!

فَقَالَ لَهُمَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ: إِنَّا بَنُو عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، قَدْ أَصَبْنَا مِنْ هَذَا الْمَالِ، وَإِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ قَدْ عَاثَتْ فِي دِمَائِهَا!

قَالَا: فَإِنَّهُ يَعْرِضُ عَلَيْكَ كَذَا وَكَذَا، وَيَطْلُبُ إِلَيْكَ، وَيَسْأَلُكَ!

قَالَ: فَمَنْ لِي بِهَذَا؟ قَالَا: نَحْنُ لَكَ بِهِ!

فَمَا سَأَلَهُمَا شَيْئاً، إِلَّا قَالَا: نَحْنُ لَكَ بِهِ، فَصَالَحَهُ!

قَالَ الْحَسَنُ «البصريُّ»: وَلَقَدْ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرَةَ «نُفيعَ بن الحارثِ االثقفيّ» يَقُولُ:

رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ إِلَى جَنْبِهِ، وَهُوَ يُقْبِلُ عَلَى النَّاسِ مَرَّةً، وَعَلَيْهِ أُخْرَى، وَيَقُولُ: (إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ).

قَالَ أَبُو عَبْداللهِ البخاريُّ: قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِاللهِ: إِنَّمَا ثَبَتَ لَنَا سَمَاعُ الْحَسَنِ مِنْ أَبِي بَكْرَةَ، بِهَذَا الْحَدِيثِ!

وأعاد البخاريّ الحديث بطوله في كتاب الفتن (7109) وأعاد الطرفَ المرفوع منه في كتاب المناقب (3629، 3746).

 وأخرج الطرف المرفوعَ منه فحسب؛ الإمامُ أحمد في مسنده (20392، 20448، 20499، 20516) وأبو داود (4662) والنسائيّ في المجتبى (1410) و الترمذي (3773) وقال: حسن صحيح.

قال الفقير عداب:

مدار حديث الباب على الحسن البصريّ، رواه عنه:

إسرائيل بن موسى البصري، عند البخاري (2704، 3629، 3746) ومواضع.

والأشعث بن عبدالملك الحمراني، عند الترمذي (3772).

وعلي بن زيد بن جُدعان، عند أحمد (20499) وأبي داود (4662).

ومبارك بن فضالة، عند أحمد (20448، 20516).

وقد اتّفق الرواة  الأربعةُ على الحديثِ المرفوعِ، وانفرد إسرئيل بن موسى البصري وحده، بالقصة التي حدّث بها عن الحسن البصري.

وإسرائيل هذا قد وثّقه عددٌ من العلماء، لكن:

قال أحمد: مقارب الحديث، كما في موسوعة أقوال أحمد في الجرح والتعديل (143).

وقال الذهبي في الميزان (819) وثقه أبو حاتم وابن معين، وشذّ الأزديّ، فقال: فيه لين، زاد في التاريخ (3: 815): وهو مُقلّ.

وانتصر ابن حجر لتوثيقه، فقال في مقدمة الفتح (ص:390): وثّقه ابن معين وأبو حاتم والنسائي وغيرهم، وقال أبو الفتح الأزدي: "فيه لين"، والأزدي لا يُعتمَد إذا انفرد، فكيف إذا خالف؟

وقال في موضع آخر منه (ص: 461): ضعفه الأزدي بلا حجة!

قال الفقير عداب: لم يشذّ الأزديّ أبداً، فقد يكون الرجل فاضلاً صالحاً، لكن هو مقلٌّ، ليس له عند البخاريّ سوى هذا الحديث، وليس له في الكتب التسعة، سوى هذا الحديث، وحديثٌ آخر.

فهل يتأتّى سبرُ حديثِه من روايته حديثين أو ثلاثة؟

وتوثيق ابن معين وغيره؛ مبنيٌّ على قَبولهم لحديثه هذا، إذ فيه ثناء على معاوية حبيب المحدثين، وإلّا فهم ليسوا معاصرين له!

وأنا لا أريد أن أثير مسألةَ عدالةِ أبي بكرة الثقفيّ، إذ ردّ عمر بن الخطابِ شهادته طيلةَ حياته، ناهيك عن أنّ عدداً من أولاده كانوا ولاةً وأعوانا لظلمة بني أمية!

ختاماً: الحديث المرفوع يحتاج إلى وقفة نقدية، نؤجّلها، أما قصة الحديث؛ فضعيفةٌ غير صحيحة؛ لتفرد أبي موسى البصري بها.

والله تعالى أعلم.

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.

والحَمْدُ للهِ على كلِّ حالٍ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق