قَريباً مِن السِياسَةِ (5):
شيطَنةُ الإخوان المسلمين، لماذا ؟!
بسم الله الرحمن الرحيم
(رَبَّنا: عَلَيْكَ
تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.
رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا،
وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ،
وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ).
في أكثر الدول العربيّة المسلمة، وفي جميع الدول الغربيّة غير
المسلمة؛ ثمّة حملةٌ شرسة من الخاصّة والعامّةِ لشيطنة الإخوان المسلمين، وتحميلِهم
جميعَ أضرب التخلّف والدمويّة في العالم الإسلاميّ!
حتى إنّ كثيراً من القنوات الفضائيّة المأجورةِ والموجّهة؛ تجعل
تنظيم القاعدة، وتنظيم داعش، وتنظيم الجهاد، وغيرها من التنظيمات العنفيّةِ،
انشقاقاتٍ عن الإخوان المسلمين.
ولكي أكون محايداً على الحقيقةِ؛ يجب أن يعرف مَن لا يعرفُ
بأنني لست منتظماً في جماعة الإخوان المسلمين، لا الآن، ولا منذ خمسين سنةً سابقة!
والإخوان المسلمون أيضاً لا يعدّونني منهم، ولا قريباً منهم، بل
ولست في نظر أكثرهم من أهل السنّة!
كنت منتظماً في جماعة الإخوان المسلمين بين عامي (64 – 1969) من القرن الماضي ثمّ أعرضتُ عن الانتماءِ إلى أيّ حزبٍ، أو
جماعةٍ، أو حركة إسلاميةٍ، أو قوميّةٍ، أو وطنيّة؛ لأنني وجدتُ نفسي ووجدتها
مجتمعةً غيرَ مؤهلّة لقيادة أصغر قُطرٍ من أقطار العرب سياسيّاً وعسكريّاً.
ولذلك كنت دائماً أدعو الإخوانَ المسلمين وغير الإخوان المسلمين
ليكوّنوا جمعيّاتٍ خيريّةً اجتماعيّة واقتصاديّة، يعينون مجتمعاتنا العربيةَ
الفاقدة للعدالة الاجتماعيّة، وللتوزيع الشرعيّ المتوازن للثروة.
تعرّفت إلى السلفيّة العلمية، وإلى السلفيّة الجهادية، وإلى
حركات التصوّف، وإلى حزب التحرير، وإلى جماعات العلماء، مثل جماعة مسجد زيد بن
ثابت، وجماعة النور وجماعة الدكتور البوطيّ، وإلى جماعة الدعوة والتبليغ؛ لأتقوّى
على نشر علمي وفكري بالاستنادِ إلى واحدةٍ من تلك الحركات والجماعاتِ والأحزاب،
فلم أفلح أبداً!
ما أريد قولَه: هو أنني عارفٌ بالإخوان المسلمين عن قرب، فهم
جماعة اجتماعية سياسيّة ديمقراطيّة، ليس لها علاقةٌ بالعنف والدم بتاتاً!
وجميع الذين يتّهمون الجماعةَ بذلك، دولاً وجماعاتٍ ومنظّمات؛
ربما كانوا أكثر عنفيّةً من جماعة الإخوان المسلمين بمرّاتٍ ومراحل!
إنّ أمريكا إرهابيّة، وإنّ الغربَ كلّه إرهابيّ، وإنّ الصين
إرهابية، وإنّ روسيا إرهابية!
وجميع الدول العربية دكتاتوريّة تمارس إرهابَ الدولةِ المنظّم
في أخسّ صوره!
وعلى الإعلاميين الغوغاء المطبّلين أن يخبرونا بحوادثَ حقيقيّة
ثابتةٍ عن إرهاب الإخوان المسلمين.
إنّ بعضَ الإخوان المسلمين تأثّروا بالمنهج السلفيّ في الاعتقادات،
والاجتهاد الفقهيّ!
لكنّ الإرهابَ العربيّ «كلّه .. كلّه» مُفرزاتُ
الحركة الوهابيّة التي أنشأها الغربُ، وما زال يدعمها ويقويها حتى هذا اليوم،
ليستخدمها في ضرب الإسلام والمسلمين، وفي القضاء على الحركات الوطنية والتحررية في
العالم العربيّ!
من كان يعرف هذه الحقائق، ثمّ يقوم بشيطنة الإخوان المسلمين؛
فهو بوقٌ منافقٌ وقح، ومن كان لا يعرف هذه الأمورَ؛ فعليه أن يعرف!
لقد انتقدتُ الإخوان المسلمين في مقالاتٍ كثيرةٍ، وخصصتُ
الملحقَ الأوّل من كتابي عن «الشهيد مروان حديد» رضي الله عنه، في نقد الإخوان
المسلمين على المكشوف، كما يقولون، فانظره ثمّة (279 - 312).
ولنَعقِدْ جلسةَ محاكمةٍ غيابيّة عاجلةٍ، لا نسمح للإخوان
المسلمين أن يدافعوا فيها عن أنفسهم، فأقول:
هل الإخوان المسلمون – بصفتهم حزباً إسلاميّاً – يؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر؟
هل الإخوان المسلمون – بصفتهم حزباً إسلاميّاً – يؤمنون بالشهادتين، وبوجوب الطهارة، وفرض الصلوات والصيام والزكاة
والحج، والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
هل الإخوان المسلمون – بصفتهم حزباً إسلاميّاً – يؤمنون بأخلاق الإسلام، من الصدق والوفاء والكرم والشجاعة وإعانة
الفقير وغياثِ الملهوف؟
هل الإخوان المسلمون – بصفتهم حزباً إسلاميّاً – يحرّمون الزنا واللواط والربا والخمرة والدعارة
والمثلية الجنسيّة؟
وهل تزعم جماعةٌ إسلاميةٌ أنها أكثر التزاماً دينيّا معتدلاً من
أفراد الإخوان المسلمين؟
إنّ الإخوان المسلمين – عندما كنت منهم – كانوا
يرفضون تنظيمَ أيّ شخصٍ يتعاطى التدخين، أو يدخل إلى السينما، أو يرتاد مقاهي
اللهو!
فما الذي ينقمه الناس من الإخوانِ المسلمين؟
إنّ نقمةَ الغربيين على الإخوان المسلمين مفهومة عندنا نحن
المسلمين!
(وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ
مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ
مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ
بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109) [البقرة].
(وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى
تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ
اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ
اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (120)[البقرة].
أمّا نقمة المشركين والوثنيين والمنافقين؛ فقد أخبرنا الله
تعالى بدافعها!
(وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً
فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلَا
تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (89) [النساء].
وأما نقمة المنحرفين ممّن يدّعون الإسلام؛ فلأنهم لا يريدون أن
يحاسبهم أحدٌ على فجورهم وتجاوزهم وانحرافهم.
(يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26)
وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ
الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27) يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ
يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (28) [النساء].
الإخوان المسلمون؛ لم يحكموا في أيّ بلدٍ من البلدان، حتى نقول:
إنهم استبداديون، ظالمون، حراميّة....
فهل سألتم أنفسكم لم هذه الحملة الشعواءُ عليهم، إذن؟
قال لي أحدُ الإخوة: إنهم لا يثقون بأحدٍ، ولا يطمئنّون إلى غير
الإخوان المسلمين!
ومع أنني أعرف غير هذا فيهم، لكنني أسأل جميع المعترضين وغير
المعترضين:
كيف تريديني أن أثق
بعلمانيّ، أو ماسونيّ، أو عميل، أو مشترى بمالٍ أو منصبٍ؟
أنا أيضاً لا أثق إلا بمسلمٍ ملتزمٍ بدينه!
ختاماً: الإخوان المسلمون جماعةٌ إسلامية ملتزمةٌ بعقائد أهل
السنةِ، وملتزمة بأحكام الشريعة الإسلاميّة، ويضاهون أكثرَ الجماعاتِ التزاماً
شرعيّاً وسلوكيّاً وأخلاقيّاً.
ولا يوجد جماعةٌ على الإطلاق – في حدود علمي – تتفوّق
عليهم في شيءٍ مما تقدّم!
فمن يعاديهم بعد هذا البيان؛ فهو يعادي الإسلامَ في أوسط صوره!
قد تقولون: هم ضعفاء في الأداء السياسيّ، وربما أوافقكم على
ذلك!
لكنْ أين الجماعةُ المسلمة التي تتمتع بأداءٍ سياسيٍّ أفضل؟
أنا – والله – أدعو الإخوان المسلمينَ إلى ترك السياسةِ نهائيّاً، وليعلنوا عن
حلّ هذه الجماعة الحركيّة السياسيّة، ثم ليتّجهوا إلى ثلاثِ وجهاتٍ رئيسة:
الوجهةُ الأولى: التخصّصات العلمية التي تحتاجها الدولة.
الوجهة الثانية: الوجهة الاقتصادية والاجتماعيّة التي لا
يضاهيهم فيها أيّ جماعةٍ أخرى.
الوجهة الثالثة: الانخراط في الحياةِ العسكريّةِ إلى أعماق
تخصّصاتها.
فبذلك يتركون الناسَ يُلْقونَ اللومَ على غيرهم، ويتفرغون هم
لتحقيق أهدافهم الإسلاميّة الوسطيّة برويّة وزمانٍ طويلٍ!
واللهُ تعالَى أعلَمُ
(رَبَّنا: ظَلَمْنَا
أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ
الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى الله على
سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً
والحمد لله على كلّ حال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق