الأربعاء، 21 أبريل 2021

مسائل حديثيّة (13):

ترجمة عكرمة البربريّ مولى ابن عبّاس!؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.

رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

نقلَ إليّ أحدُ الإخوة الأفاضل أنّ أحد الفاجرين في الخصومة، قال عني: زنديق!

لأسباب متعددة، منها أنني ضعّفت أحدَ أحاديث البخاريّ بعكرمة البربريّ الخارجيّ مولى عبدالله بن عبّاس، تخرّصاً وظنّاً وتخميناً، والله تعالى يقول:

(وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ).

ولا يخفى على طالبِ علمٍ مثل هذا لفاجر في الخصومة؛ أنّ علمَ الحديثِ من أوّله إلى آخره؛ هو علم اجتهاديّ، لم يتّفق المتقدّمون على جميعِ قواعده، كما لم يتفقوا على تطبيقاتِ هذه القواعد!

قال البيهقيّ في المدخل إلى السنن الكبير (803)

والأحاديث المروية على ثلاثة أنواع:

- نوع اتفق أهل العلم به على صحته.

- ونوع اتفقوا على ضعفه.

- ونوع اختلفوا في ثبوته، فمنهم من يضعِّف بعضَ رواته، لجرح ظهر له، خفيَ على غيره، ولم يظهر له من عدالته؛ ما يوجِبُ قَبولَ خبره، وقد ظهر لغيره، أو عرف منه معنىً ما؛ يوجبُ ردَّ خبره عنده وذلك المعنى لا يوجبه عند غيره.

أو عَرف عِلّة حديثٍ، ظهر بها انقطاعُه، أو انقطاعُ بعضُ ألفاظه، أو إدراج لفظٍ من ألفاظِ مَن رواه في متنه.

أو دخول إسناد حديثٍ، في حديث آخر، خفيت تلك العِلّةُ على غيره».

وهذا الكلام يعني في أيسر ما يعنيه؛ أنّ من الأحاديث المختلف في تصحيحها وتضعيفها؛ ما كان سببُ هذا الاختلاف فيه اختلافَهم في جرح أو تعديل أحد رواة هذا الحديث.

وعكرمة البربريّ مولى ابن عبّاس؛ اختلف المتقدّمون في توثيقه وتضعيفه، كما اختلفوا في قَبول رواياته، أو ردّها كلّها أو بعضها.

فانظر إلى البخاريّ مثلاً، فقد روى لعكرمة (139) روايةً في جامعه الصحيح، منها ما انفرد عكرمة بروايته، ومنها ما كان منه مقروناً، أو متابَعاً عليه.

بينما لم يخرّج له مسلمٌ سوى روايتين (2103، 2104) هما في الحقيقة حديثٌ واحدٌ هو حديثُ ضُباعةَ بنتِ الزبير بن عبدالمطلب، في مسألة الاشتراط في الحجّ.

مقروناً في الأولى بطاوس بن كيسان، ومقروناً في الثانية بسعيد بن جبير.

ولم يخرّج له مالك في موطّئه سوى روايةٍ واحده، وافق في معناها فقهَ شيخِ مالكٍ، ربيعةَ بنِ عبدالرحمن  المدني، المعروف بربيعةَ (الرأي).

وأخرج له الترمذيّ (94) رواية، صحّح له، أو حسّن كلَّ رواية كان هو أضعف راوٍ في إسنادها.

فمما صححه له، بقوله: «حسن صحيح» (65، 145، 331، 549، 575).

ومما حسّنه واستغربه «حسن غريب» (410، 816، 905، 945، 1185).

ومما حسّنه «لغيره» (669، 1259، 3030، 3281) وهذا يعني أنه معتمد عند الترمذيّ، بوجهٍ عامٍّ.

أما بقية أصحاب الصحاح؛ فقد أخرج له ابن الجارود (25) رواية، وأخرج له ابن خزيمة (47) رواية، بينما أخرج له ابن حبان (110) روايات.

فمَن صححّ مفاريدَ عكرمة؛ فيكون قد تابع البخاريَّ وابنَ الجارود وابنَ خزيمةَ وابن حِبّان من أصحاب الصحاح، أو بعضهم، فيما اعتمدوه من حديثه.

ومَن صَحّحَ لعكرمة بعض ما توبع عليه؛ فيكون قد تابع مالكاً ومسلماً، فكلّ منهما لم يخرّج لعكرمة سوى حديث واحدٍ، على الطريقة المتقدمة، من جملة أحاديث عكرمة البالغة (1017) في الكتب التسعة، وهذا يعني أنّ عكرمةَ ليس محتجّاً به عند مالك ومسلم!

وَمن رَدّ أحاديث عكرمةَ كلّها؛ فيكون قد تابعَ سعيدَ بن المسيّب وعليّ بن عبدالله بن عبّاس، وعطاء بن أبي رباح، ويحيى بن سعيدٍ الأنصاريّ، ومحمد بن سيرين، وعبدالرحمن بن أبي ذئب، فهؤلاء جميعاً رَمَوْه بالكذب، فيما نقله الذهبيّ في الميزان فحسب!

فإذا استفرغ الباحثُ وُسعَه في ترجمة عكرمة، وفي دراسة أحاديثِه، وكيفيّة تعامل أصحاب الصحاح معها، ثمّ توصّل إلى أنْ يَحتجَّ بعكرمة مطلقاً!

أو توصّل إلى أنّه يَعتبر بعكرمةَ، إذا توبع على حديثِه، أو كان مقروناً.

أو توصّل إلى رفضِ حديث عكرمة جملةً وتفصيلاً؛ فلا يجوز اتّهامه بدينه، أو بعلمه، ما دام  لم يبتدع قولاً شاذّاً أو منكراً، خالف فيه علماءَ الأمة قاطبةً.   

وإذا كانت أحاديث عكرمة في الكتب التسعة قد بلغت (1017) أخرج أحدُ أصحاب الصحاح حديثاً واحداً منها، وأخرج الثاني (25) روايةً، وأخرج الثالث (47) رواية، وأخرج الرابع (110) روايات منها، وحتى لو أخرج البخاريّ (139) فهذا لا يعني أبداً أنّ هؤلاء يحتجّون بعكرمة على الإطلاق!

إذ رواية (323) روايةً مكرّرة، لا تشكلّ نسبة (20%) من رواياته.

وهذا يعني أنّ أصحاب الصحاح قد أعرضوا عن (80%) من أحاديث عكرمة!

فإذا خرّج باحثٌ متخصّص مثلي حديثاً من صحيح البخاريّ، أعرض عنه مسلم وابن خزيمة وابن الجارود، وابن حبّان.

أو أعرض عنه مالك ومسلم وابن حبّان.

أو أعرض عنه مسلم وابن خزيمة؛ فهذا يعني أنّ الحديثَ ردّه أئمّةٌ قبلي، ولست أنا أوّلَ من ردّه!

غاية ما هنالك أنّ اجتهادي وافقَ اجتهادَ هؤلاء الأئمة الذين اشترطوا الصحة في كتبهم الروائيّة!

ولماذا أكون أنا زنديقاً، ولا يكون مَن ردّ أحاديث عكرمةَ كلّها، مثلَ سعيدِ بن المسيّب وعليّ بن عبدالله بن عبّاس، وعطاء بن أبي رباحٍ، ويحيى بن سعيدٍ الأنصاريّ، ومحمد بن سيرين، وعبدالرحمن بن أبي ذئب، من الزنادقة وحاشاهم رحمهم الله تعالى.

وهؤلاء جميعاً رموه بالكذب، وتركوا حديثَه!

ونحن لو سلّمنا بصحة جميع ما أخرجه البخاري (ت: 256 هـ) وابن الجارود (ت: 307 هـ) وابن خزيمة (ت: 311 هـ) وابن حبّان (ت: 354 هـ) فتكون هذه الروايات (323) رواية مكرّرة، لا أظنها تصفو (150) رواية من دون تكرار!

فيبقى (80%) من أحاديث عكرمة غيرَ محتجٍّ بها، لعلل شتّى في أسانيدها أومتونها.

فلا يليق بمن يعدّ نفسه متخصّصاً في الحديثِ النبويّ أن يتنزّل إلى مرتبة الجهّال، فيتّهم مخالفيه بدينهم وعلمهم، بل يرميهم بالزندقة، والعياذ بالله تعالى!

هذا على افتراض أنني فعلاً، أردّ أو رددتُ أحاديثَ عكرمة البربريّ هذا!

وليس هذا منهجي أبداً؛ فأنا أقبل أحاديث عكرمة عن ابن عبّاس، إذا صرّح بسماعها منه.

وأقبل أحاديث عكرمة إذا توبع عليها، كما فعل مسلم.

وأقبل أحاديث عكرمةَ التي لا تؤيّد بدعته، فقد كان الرجل خارجيّاً، والخوارج يستحلّون دماء مخالفيهم في المذهب!

وأخيراً:

ألم يقرأ هذا الفاجر في خصومته قول الله تبارك وتعالى:

(وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً، ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً؛ فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا)؟

ألم يقرأ هذا الفاجر قولَ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم:

(أَيُّما رَجُلٍ قَالَ لِأَخِيهِ: يَا كَافِرُ؛ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا) أخرجه البخاري (6104) ومسلم (92) وهذا من أصح أحاديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما.

وأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأنّ محمداً عبدالله ورسوله، ولست بمشركٍ ولا منافق ولا زنديق جزماً، وبدون استثناء!

ختاماً: إنّ الكتابَ الذي تشنّج منه هذا الفاجر، والذي ظنّ أنّ آراء مؤلّفه التي انفرد ببعضها؛ قد تابعني على آرائي فيه؛ قد عرضه مؤلّفه الفاضلُ النبيلُ عليّ فعلاً، قبل أنْ يطبَعَه، حُسنَ ظنّ منه بي، وهو في غنىً عني وعن غيري.

قرأت الكتابَ كاملاً كلمةً كلمة، وأرشدتُ مؤلّفه إلى بعض الأخطاء الطباعيّة، وصوّبتُ له ما رأيتُه غيرَ مصيبٍ فيه، وقسوتُ عليه في بعض العباراتِ، قسوةً احتملها مني، لحسن خلقه وأدبه، وسعة صدره لمن يخالفه الرأي!

وختمت ملاحظاتي بهذا التقرير:

«قال الفقير عداب: هذا البحث لا يصلح للنشر في نظري بتاتاً!

فلا أنا أوافق على طريقة المعالجة، ولا أوافق على النتائج، والله تعالى أعلم

نجزت قراءة هذا البحثِ، بين العشاءين، من ليلة الأحد (6/ 12/ 2020)        والحمد لله رب العالمين». 

أرأيت سوءَ ظنّك أيهاالأحمق، كيف أوصلك إلى سخط الله تعالى.

لا سامحك الله تعالى، ولا حيّاك، ولا بارك بك ولا بأمثالك من الجهّال، المتنطّعين بالباطل!

إنّا لله وإنا إليه راجعون.

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً

والحمد لله على كلّ حال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق