مسائل فكرية (9):
القول الفصل في أمّ المؤمنين عائشة
عليها السلام!؟
بسم الله الرحمن الرحيم
(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا،
وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.
رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا،
وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
كتبت إليّ تقول: «يا شيخنا القنوات الشيعيّة تشتم بأمّ المؤمنين
عائشة ليلَ نهار، وبعضها تتهمهما بالزنا، وأنت ساكتون، وبعضهم يكتفي بالشتائم؟
الذي يستمع إلى هؤلاء المجرمين، تهتزّ صورة أمّ المؤمنين أمام
عينيه!
وأولادي الصغار غدوا يعتقدون بأنّ عائشة شرّيرة، وغيرُ
أخلاقيّة، بمعزل عن تهمة الزنا، التي برّأها الله تعالى منها!
فماذا أقول لأولادي»...إلخ؟
أقول وبالله التوفيق:
إنّ الزنا لا يثبت على امرأةٍ، حتى يتحّقق فيها قول الله تعالى:
(لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ
يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13)
[النور].
فأين هم الشهود الأربعةُ الذين شاهدوا أمَّ المؤمنين في حالةِ
تلبُّسٍ تامٍّ في تلك العملية المزعومة؟
فإذا لم يوجد رُبعُ شاهدٍ، فضلاً عن أربعةِ شهداء؛ فأولئك
القَذَفةُ المفترون يستحقون العقوبات الآتية:
(وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ
شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً
أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) [النور].
(1) جلدُ ثمانين جلدة!
(2) عدم قَبول شهادته، ما دام متبطّناً هذا الضلال المبين.
(3) اتّصافه بالكذب مدى الحياة.
(4) خروجه من دائرة المؤمنين الأتقياء، إلى درجة الفاسقين، بنصّ
القرآن العظيم!
والله تعالى يقول في الفاسقين:
(وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (80) [التوبة].
(فَلَمَّا
زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ
(5) [الصفّ].
(فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ
الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (96) [التوبة].
ونحن نقول لهؤلاء السفلة الأنجاس: هنيئاً لكم بما قدّمتم
لأنفسكم، وهنيئاً لكم بجعلكم آيات الله هزوا!
(إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ
بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ
اللَّهِ عَظِيمٌ (15) وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا
أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (16) [النور].
(لَوْلَا إِذْ
سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا
وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12) [النور].
أمّا الأحاديثُ
التي تروى عن أمّ المؤمنين عائشة، فأكثرها لا يصحّ على مذاهب نقّاد الحديث!
وما صحّ إسناده
منها، فأكثره مرويٌّ بالمعنى الذي فهمه الراوي، وليست ألفاظ الأحاديث التي بين
أيدينا؛ هي الألفاظ التي نطقت بها أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها.
وعلى افتراض
صحّة جميعها أسانيدَ ومتوناً، لكن ليس في شيءٍ منها ما يشير إلى قيامِ أمّ
المؤمنين بشيءٍ من مقدّمات الفاحشة، فضلاً عن الفاحشة ذاتها.
وأمّ المؤمنين،
وأمهات المؤمنين، ونساء الصحابة رضوان الله تعالى عليهنّ؛ هو نساءٌ من جملة
النساء، قد يصدر عنهنّ اللغط والثرثرة وآثار الغيرة، فما هنّ بمعصوماتٍ، ولا هنّ
بلغنَ درجة الكمال البشريّ (عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ
أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ
عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا (5) [التحريم].
ولا يجوز
الخلطُ بين تصرّفات المرأةِ بما هو دونَ ما يليق بأمثالها، وبين ترتيبِ ظنونٍ
وأوهامٍ شيطانيّة خبيثة على خيالاتٍ مريضة!
كما لا يجوز الحكم
على طبيعة المجتمع في ذلك العصر الذي عاش أكثر أهله بعض أعمارهم في الجاهلية، وبين
مجتمع مرّت عليه قرون من شيوع عادات الحشمة والفضيلة وسموّ الأخلاق.
أخرج البخاريّ
(147) ومسلم (2170) من حديث عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها قالت:
(إنّ أَزْوَاجَ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنَّ يَخْرُجْنَ بِاللَّيْلِ إِذَا
تَبَرَّزْنَ إِلَى الْمَنَاصِعِ، فَخَرَجَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ زَوْجُ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً مِنْ اللَّيَالِي عِشَاءً
وَكَانَتْ امْرَأَةً طَوِيلَةً فَنَادَاهَا عُمَرُ:
(أَلَا قَدْ
عَرَفْنَاكِ يَا سَوْدَةُ)!
هل يحتمل رجلٌ
في عصرنا مثلَ تصرّف عمر الفظِّ هذا؟
ثمّ إنّ ما
حدثَ من اختلاف الصحابة رضي الله عنهم كان قبل (1400) بمعنى أنّنا لو أعرضنا عنه
تماماً؛ فإنّه لن يؤثر على عقيدتنا، ولا على شريعتنا، ولا على أخلاقنا.
بلى علينا أن
لا نكذب على أجيالنا، فنزيّن لهم ذلك الواقع على غير حقيقته أيضاً!
علينا أن ننظر
لأنفسنا وأبنائنا وأوطاننا، فالأمة على وشك الانهيار والدمار.
ولَوْكُ أعراض
أمهات المؤمنين، ونساء المؤمنين؛ لن ينفع بغير مزيدِ سخط الله علينا، وخذلاننا،
وسقوطنا من عين الله تعالى!
أخرج البخاري
وغيره من حديث مِرْدَاسٍ الْأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه قَالَ:
قَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَذْهَبُ الصَّالِحُونَ،
الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ وَيَبْقَى حُفَالَةٌ كَحُفَالَةِ الشَّعِيرِ أَوْ
التَّمْرِ، لَا يُبَالِيهِمْ اللَّهُ بَالَةً!
قَالَ أَبُو
عَبْداللَّهِ «البخاري»: يُقَالُ: حُفَالَةٌ وَحُثَالَةٌ!
(وَمَنْ
أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً؟
أُولَئِكَ
يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ، وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ
كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ، أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18)
فكفّوا ألسنتكم عن أمّهات المؤمنين، أيتها الحثالةُ الحقيرة الخسيسة .
عليكم لعنة الله وملائكته والناس
أجمعين!
(رَبَّنا: ظَلَمْنَا
أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ
الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى الله على
سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً
والحَمْدُ للهِ
على كلِّ حالٍ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق