الثلاثاء، 23 مارس 2021

مسائل فكرية (8):

الإسْلامُ ليسَ هُوَ الحلَّ!؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.

رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

كان بعض الإخوةِ الأحباب يغضب مني عندما أقول: «إنّ مجتمعاتنا العربيةَ المُعاصرةَ لا ينطبق عليها وصف «مجتمعات إسلامية» إلا انتماءً قبيليّاً صوريّاً، وإنّ غير الملتزمين بالدين؛ هم الأكثرية الساحقة في المجتمعات العربية.

وإنّ كثرةً كاثرةً من غير الملتزمين؛ لا يرون للدين موضعاً في حيواتهم، ومنهم ملاحدة ووجوديون كثيرون!

قبل قليل استمعت وشاهدت مقطعَ «فيديو» يحمل حواراً بين مؤلّف كتابِ «ليس الإسلام هو الحلّ» وكتاب «الكُفر المباح» وبين مذيع محاورٍ، لا يقلّ صفاقةً وحماقةً عن مؤلّف هذين الكتابين!

ولست معنياً في منشوري هذا؛ أن أروّج لهذه الكتب الإلحادية الوسخة، ولا أنْ أقوّم شخصيّات الذين يرتاحون لمثل هذه الطروحات المارقة!

إنما منشوري يُعنى بسؤالٍ أوجّهه إلى إخواني من علماءِ المسلمين، من شتى فرق الإسلام:

أيّ إسلامٍ هو الحلُّ لبعدِ المسلمين عن ربّهم تبارك وتعالى، وما يتبع ذلك من عذاباتِ المسلمين وفقرهم وذلّهم وتناحرهم، وتكفير بعضهم بعضاً؟

ربما كان جوابَ جميع علماء أهل السنة؛ أنّ الإسلام الذي هو الحلّ؛ هو كتاب الله تعالى وسنّة رسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم؟

وربما كان جوابَ جميع علماء الشيعة؛ أنّ الإسلام الذي هو الحلّ؛ هو كتاب الله تعالى وهدي عترة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم.

وأنا شخصيّاً أسلّم تسليماً جازماً بأنّ الحلّ في إسلام الكتاب والسنّة!

لكنْ ما مفهوم السنّة التي تصلح أن تكون ديناً؟ وبأيّ فهم نقتدي؟

أهو بفهم السلف الصالح، أم بفهم العِترة؟

من هم السلف الصالح، ولماذا يكون فهمهم حجةً على فهم المسلم المعاصر؟

من هم العترة، ولماذا يكون فهمهم منذ (1200) سنة حجةً على فهم المسلم المعاصر؟

إذا كان فهم العترة قبل عام (1 250 هـ) واجباً شرعيّاً، فيجب أن يكون لدينا فهوم هائلة الكثرة عن الأئمة عليّ بن أبي طالب، والحسن والحسين، وعليّ السجّاد، وحتى الحسن العسكريّ بن عليّ الهادي، ثمّ ولده القائم بشؤون الكون والزمان!

بينما ليس بين أيدي الشيعة الإمامية، سوى فهومٍ واجتهاداتٍ نادرةٍ، صحيحةِ الصُدورِ عن مثل الحسن والحسين ومحمّد الجواد، والحسن العسكريّ!

أمّا عن الإمام المفترض الحجة القائم بشؤون الكون والزمان؛ فهو متخلٍّ عن وظائفه التشريعية منذ (1200) سنة، هذا على افتراضِ وجوده أصلاً!

وإذا كان إسلامُ الكتاب والسنة، بفهم السلف الصالح؛ هو الإسلامَ الحلَّ؛ فمن السلف الصالح من فَهم بأنّ الله تعالى على صورة إنسانٍ تامِّ الخلقة «كلّ ما كان كمالاً بالنسبة للإنسان؛ فهو كما لله تعالى من باب أولى».

هذه الطائفة تثبت لله تعالى (229) صفةً من صفات الكمال، كما زعموا!

منها:

الإتيان والمجيء.

واستطابة الروائح.

والاستهزاء بالكافرين.

والاستواء على العرش.

والأصابع.

والبشبشة.

والتدلّي.

والجهة.

والحَقْو «الخصر».

وصولاً إلى:

الهبوط إلى السماء.

والهرولة.

واليدان.

واليسار واليمين.

ومما تثبته هذه الطائفة أيضاً؛ قعود الرسول محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم مع الله تعالى على العرش يوم القيامة.

ومَن لا يؤمن بما تؤمن به هذه الطائفة؛ فهو جهميّ ضالٌّ، أو كافر، وهو حلال الدم عند بعضهم!

وهؤلاء أنفسهم عند غيرهم من أهل السنّة مجسمة ضلّال أيضاً، وبعضهم يكفرهم!

نقل أبو بكر الخلّال في كتابه «السنّة» بأسانيده الموافقة على عقيدة «القعود على العرش»

عن عشراتٍ من العلماء أنّ منكرَ هذه العقيدة القبيحة؛ جهميّ!

منهم أحمد ابن حنبل، وأبو داود السجستانيّ!

ونقل عن أحمد بن أصرم المزنيّ (247) و مُحَمَّدَ بنَ إِسْماعِيلَ السُّلَمِيِّ (250) وهَارُونَ بنِ الْعَبَّاسِ الْهَاشِمِيِّ (273) وإِسْماعِيلَ بنِ إِبْرَاهِيمَ الْهَاشِمِيِّ (274) و عَلِيِّ بنِ سَهْلٍ (304) أنّ مُنْكِرَ هذه العقيدةِ الوثنية كافر، أو زنديق؛ يُقتل!

قال الخلّال (304): قالَ سَعِيدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبْزَى: قُلْتُ لِأَبِي:

لَوْ رَأَيْتُ رَجُلًا يَسُبُّ أَبَا بَكْرٍ، ما كُنْتَ صَانِعاً بِهِ؟ قالَ: أَقْتُلُهُ!

قُلْتُ: فَعُمَرَ؟ قالَ:  أَقْتُلُهُ»!

قال سعيد: فَهِيَ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَكَيْفَ بِمَنْ رَدَّ فَضَائِلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»؟

وهل نفهم القرآن العظيم بمثل فهم أبي هريرة مثلاً، لقوله تعالى:

(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا (69) [الأحزاب].

فهم كثير من المفسرين أنّ بعضَ بني إسرائيل اتّهموا موسى بقتل أخيه هارون عليهما السلام، فأمر الله تعالى بني إسرائيل بتوجيه، عرفوا من خلاله براءةَ موسى مما افتروه عليه!

لكنّ لأبي هريرة فهماً عجيباً، نسبه إلى الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم!

فقد أخرج البخاري (3404) ومسلم (4373) من حديث أبي هريرة عن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (إِنَّ مُوسَى كَانَ رَجُلًا حَيِيًّا سِتِّيرًا، لَا يُرَى مِنْ جِلْدِهِ شَيْءٌ اسْتِحْيَاءً مِنْهُ!

فَآذَاهُ مَنْ آذَاهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ: «فَقَالُوا مَا يَسْتَتِرُ هَذَا التَّسَتُّرَ إِلَّا مِنْ عَيْبٍ بِجِلْدِهِ:

إِمَّا بَرَصٌ، وَإِمَّا أُدْرَةٌ، وَإِمَّا آفَةٌ»!

وَإِنَّ اللَّهَ أَرَادَ أَنْ يُبَرِّئَ موسَى مِمَّا قَالُوا!

فَخَلَا يَوْمًا وَحْدَهُ، فَوَضَعَ ثِيَابَهُ عَلَى الْحَجَرِ، ثُمَّ اغْتَسَلَ!

فَلَمَّا فَرَغَ؛ أَقْبَلَ إِلَى ثِيَابِهِ لِيَأْخُذَهَا، وَإِنَّ الْحَجَرَ عَدَا بِثَوْبِهِ!

فَأَخَذَ مُوسَى عَصَاهُ وَطَلَبَ الْحَجَرَ، فَجَعَلَ يَقُولُ: ثَوْبِي حَجَرُ، ثَوْبِي حَجَرُ!

حَتَّى انْتَهَى إِلَى مَلَأٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَرَأَوْهُ عُرْيَانًا، أَحْسَنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ وَأَبْرَأَهُ مِمَّا يَقُولُونَ، وَقَامَ الْحَجَرُ!

فَأَخَذَ ثَوْبَهُ فَلَبِسَهُ وَطَفِقَ بِالْحَجَرِ ضَرْباً بِعَصَاهُ!

فَوَاللَّهِ إِنَّ بِالْحَجَرِ لَنَدَبًا مِنْ أَثَرِ ضَرْبِهِ، ثَلَاثًا، أَوْ أَرْبَعًا، أَوْ خَمْسًا!

فَذَلِكَ قَوْلُهُ تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا).

سبحان الله العظيم!

أيّ مشكلةٍ في نبوة موسى عليه السلام، إذا كان بين رجليه بَرَصٌ، أو أُدْرَةٌ، أو آفَةٌ؟

وهل كونُ خصيتيه سليمتين كأحسن ما تكون الخصى؛ هو الذي جعله عند الله وجيها؟

وهل كان موسى أحمق حقّاً، حتى يخرج عرياناً يجري وراء ثوبٍ حمله الحجر المزعوم؟

أما كان يسعه أن ينادي على أحد مخلصيه ليأتيه بثوبه، أو بثوبٍ غيره؟

وهل حقّاً عاقب موسى الحجر، فضربه بعصاه، حتى أثّر فيه ندوباً؟

إنّ هذا الحديث يذكّرني بحديث أوس بن أوس الثقفيّ مرفوعاً (مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَغَسَّلَ وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ وَدَنَا وَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا أَجْرُ سَنَةٍ صِيَامُهَا وَقِيَامُهَا)

ما وجه اهتمام بعض سلفنا الصالح بالأعضاء التناسلية والجماع، إلى حدٍّ يجعلون صحة الأعضاء التناسلية لموسى عليه السلام وجاهةً عند الله، ويجعلون لمن يجامع زوجته ليلةَ الجمعة لكلّ مواقعةٍ أجرُ (100) سنة (صِيَامُهَا وَقِيَامُهَا) في الحدّ الأدنى، وينسبون ذلك إلى رسول الإسلام؟

سبحانك هذا بهتان عظيم!

ختاماً: أرجو من إخواننا أهل العلم أن يقولوا لنا نحن المسلمين، قبلَ الملحدين وغير الملتزمين:

أيّ إسلاماتِ الأمة هو الحلّ؟

لا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم.

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً

والحَمْدُ للهِ على كلِّ حالٍ. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق