الثلاثاء، 23 مارس 2021

 مسائل حديثيّة (11):

فَضْلُ الاغتسال يوم الجمعة!؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنَا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.

رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

كتب إليّ أحد الإخوة الأفاضل يقول:

«قال صلّى الله عليه وآلِه وسلّمَ: (مَنْ غَسَّلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ، وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ، وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ، وَدَنَا مِنَ الْإِمَامِ، وَأَنْصَتَ وَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ؛ كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا أَجْرُ سَنَةٍ صِيَامُهَا وَقِيَامُهَا).

معنا أخٌ يقول: هذه مبالغاتٌ لا أصدقها وإن صحّ الحديث، فما قولكم»؟

أقول وبالله التوفيق:

الحديث الذي أوردتموه في فضل اغتسال يوم الجمعةِ؛ أخرجه كثيرٌ من المصنّفين، منهم أحمد في مسند المكثرين من الصحابة (6660) والدارميّ في سننه (1547) وابن ماجه في سننه (1087) وأبو داود في سننه (345) والنسائيّ في المجتبى (1381) وصححه ابن خزيمةَ في صحيحه (1758) وابن حبان في صحيحه (2781) والحاكم في المستدرك (1042) وأخرجه الترمذيّ في جامعه (496) وقال:

قَالَ مَحْمُودُ بن غيلان: قَالَ وَكِيعٌ: .اغْتَسَلَ هُوَ وَغَسَّلَ امْرَأَتَهُ».

وَيُرْوَى عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: (مَنْ غَسَّلَ وَاغْتَسَلَ) يَعْنِي: غَسَلَ رَأْسَهُ وَاغْتَسَلَ.

قَالَ الترمذيّ: حَدِيثُ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ؛ حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَأَبُو الْأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيُّ راويه عن أوسٍ، اسْمُهُ شَرَاحِيلُ بْنُ آدَةَ، وَأَبُو جَنَابٍ يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْقَصَّابُ الْكُوفِيُّ.

وَفِي الْبَاب عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَسَلْمَانَ وَأَبِي ذَرٍّ وَأَبِي سَعِيدٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي أَيُّوبَ.

وقد رمز المزيّ في تحفة الأشراف (2: 3) وابن حجر في إتحاف المهرة (1: 835) إلى مظانّ تخريجاتِ أحاديث أوسٍ القليلة، وسيأتي!

قال الفقير عداب:

(1) مدار حديث الباب على أبي الأشعث شراحيل بن آدةَ الصنعانيّ، رواه عنه:

حسّان بن عطيّة، عند أحمد (16962، 16963) وابن ماجه (1087) وأبي داود (345).

راشد بن داود الصنعاني، عند أحمد (16176).

عبدالرحمن بن يزيد بن جابر، عند أحمد (16172، 16175، 16961) وابن ماجه (1636) والنسائي (1384) والحاكم في المستدرك (1040) .

عثمان بن خالد الشامي، عند أحمد (6954).

يحيى بن الحارث الذِماريّ الشاميّ، عند أحمد (16178) والدارمي (1547) والترمذيّ (496) والنسائيّ (1381، 1398).

ورواه محمد بن سعيد الأسدي الدمشقي المصلوب بالزندقة عن أوس بن أوس به مرفوعاً، عند أحمد (15574) وهذه روايةٌ باطلة لا ترفع المدار.

(2) اختلاف الرواة عن المدار:

الأكثرون من الرواة، روَوا هذا الحديث عن أبي الأشعث الصنعاني، عن أوس بن أوس، عن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم.

لكن رواه الْحَسَنُ بْنُ ذَكْوَانَ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْحَارِثِ الذِّمَارِيِّ، عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيِّ، عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، عَنِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وآلِه وسلّمَ قَالَ: (مَنْ غَسَّلَ وَاغْتَسَلَ، وبكر وابتكر، ومشى ولم يركب) الحديث.

أخرجه الدارقطنيّ في العلل (1: 246) وقال:

فَقَالَ: هكذا يَرْوِيهِ الحسن بن ذكوان.

وَخَالَفَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الشَّامِيِّينَ وَغَيْرُهُمْ، فَرَوُوهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ، عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وآلِه وسلّمَ.

لَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ أَبَا بَكْرٍ، وَهُوَ الصَّوَابُ».

قال عداب: هو الصواب؛ لأنّ الحسنَ بنَ ذكوان صدوق يخطئ، كما قال ابن حجر في التقريب (1240) وهو هنا خالف جماعةُ من الثقات الذين رووه عن يحيى بن الحارث، وعن حسان بن عطية، وغيرهما ممن ذكرنا في تعيين المدار.

وأشار المزيّ في تحفة الأشراف (2: 3): إلى رواية عبيدالله بن تمّام عن الحسن بن ذكوان، وعدّها من الزوائد.

ورواه عُثْمانُ بن خالدٍ الشَّامِيِّ عن أبي الْأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيَّ، عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ الثَّقَفِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، عَنِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وآلِه وسلّمَ، عند أحمد.

قال الحاكم في المستدرك (1043): عثمان مجهول، فالحديث ضعيف به.

وقال البيهقي في السنن الكبير (5866، 5932): «هَكَذَا رَوَاهُ جَمَاعةٌ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عُثْمَانَ الشَّامِيّ، وَالْوَهْمُ فِي إِسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ مِنْ عُثْمَانَ الشَّامِيِّ هَذَا».

وأشار المزيّ في تحفته (2: 3) إلى حديث أوس بن أوس عن عبدالله بن عمرو، وقال: «هو» في رواية ابن الأحمر، ولم يذكره أبو القاسم بن عساكر.

كما خالف أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِالْحَمِيدِ الْحَارِثِيُّ في روايته عن  حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجُعْفِيُّ ثلاثةً من الرواة في متن الحديث.

فقد أخرج الحاكم في المستدرك (1040) والبيهقيّ في فضائل الأوقات (269) من حديث أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِالْحَمِيدِ الْحَارِثِيُّ عن حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجُعْفِيُّ، عن عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيِّ، عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وآلِه وسلّمَ: (مَنْ غَسَلَ وَاغْتَسَلَ، وَغَدَا وَابْتَكَرَ، وَدَنَا، وَأَنْصَتَ وَاسْتَمَعَ؛ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ، وَزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَمَنْ مَسَّ الْحَصَى فَقَدْ لَغَا).

بينما أخرجه ابن خزيمة من حديث مُحَمَّدِ بْنِ الْعَلَاءِ بْنِ كُرَيْبٍ، وَمُحَمَّدِ بْنُ يَحْيَى بْنِ الضُّرَيْسِ وَعَبْدَةَ بْنِ عَبْدِاللَّهِ الْخُزَاعِيُّ، ثلاثتهم عن حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيِّ، عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلّى الله عليه وآلِه وسلّمَ،قال: (مَنْ غَسَّلَ وَاغْتَسَلَ، وَغَدَا وَابْتَكَرَ، فَدَنَا وَأَنْصَتَ، وَلَمْ يَلْغُ، كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ، كَأَجْرِ سَنَةٍ صِيَامُهَا وَقِيَامُهَا).

وهذا يعني أنّ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِالْحَمِيدِ الْحَارِثِيُّ خالفَ في روايته عن  حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجُعْفِيُّ ثلاثةً من الرواة.

والحارثيّ هذا، قال فيه الدارقطنيّ: ثقة، كما في سؤالات الحاكم له (2).

وترجمه الذهبي في النبلاء (12: 508) ووصفه بالمحدث الصدوق!

وسواءٌ كان صدوقاً، أم كان ثقةً، فهو ههنا قد وهم وخالفَ ثلاثةً من أقرانه.

وحديث (زيادة ثلاثة أيام) ليس هو من حديث أوس بن أوس.

إنما هومن حديث أبي هريرة، أخرجه أحمد ومسلم (1419) وابن ماجه وأبو داود والترمذيّ (498) وقال: حديث حسن صحيح!

(3) ترجمة أعمدة الإسناد:

إذ دار الحديث على أبي الأشعث شراحيلَ بن آدةَ الصنعانيّ، عن أوس بن أوسٍ الثقفيّ، فلم يبق لدينا ممن يحتاج إلى ترجمة سواه والصحابيّ أوس بن أوس!

(أ) ترجمة مَدار الحديث شراحيل:

هو شراحيلُ بن آدةَ الصنعانيّ، وقيل: شراحيلُ بن شُرَحْبيلَ بن كُليبٍ، وآدةُ جدّ أبيه.

قال ابن حجر في التقريب (2761): ثقةٌ من الثانية يعني من كبار التابعين شهد فتح دمشق (بخ م 4).

وترجمه ابن حبان في المشاهير (866) وقال: كان متقناً.

وقال ابن عساكر في ترجمته (22: 442): قال أحمد بن صالح أبو الأشعث الصنعانيّ، صنعاء دمشق، شاميٌّ تابِعيٌّ ثقةٌ» ونقل عن ابن سعدٍ أنّ وفاته في زمان معاوية.

وفي تهذيب الكمال (12: 409): قَال أَحْمَد بْن عَبد اللَّهِ العجلي: شامي، تابعي، ثقة.

ونقل مغلطاي في إكماله (6: 227) عن ابن عبد البرّ توثيقه.

وقال محمد بن سعد: توفي في زمان معاوية، يعني قبل (60 هـ).

قال الذهبيّ في النبلاء (5: 209)ُ: تُوُفِّيَ بَعْدَ المائَةِ, وَلَمْ يُخَرِّجْ لَهُ البُخَارِيُّ، وَلاَ لأَبِي سَلاَّمٍ؛ لأَنَّهُمَا لاَ يَكَادَانِ يُصَرِّحَانِ بِاللِّقَاءِ، وَهُوَ لاَ يَقْنَعُ بِالمُعَاصَرَةِ.

وقال في تاريخ الإسلام (2: 942): «أَمَّا ابْنُ سَعْدٍ فَقَالَ: تُوُفِّيَ زَمَنَ مُعَاوِيَةَ، فَوَهِمَ! لِأَنَّ هَذَا الرَّجُلَ رَوَى عَنْهُ: عَبْدُ الرحمن بن يزيد بْنِ جَابِرٍ، وَيَحْيَى بْنُ الْحَارِثِ الذِّمَّارِيُّ، وَطَبَقَتُهُمَا.

وأرّخ الذهبيّ وفاته في الكنى من تاريخه (3: 184) بين (101 - 110) بينما أرّخ وفاته في الأسماء (2: 942) بين (81 90 هـ) ورجّح الثاني.

بينما قال في تذهيب تهذيب الكمال (4: 260): وأبو الأشعث تابعي أراه أدرك خلافة الوليد بن عبد الملك، والله أعلم».

والوليد الظالم هذا وَلِيَ الخلافة سنة (86 هـ) وهلك سنة (96 هـ) كما أرّخه السيوطيّ في تاريخ الخلفاء (ص: 168، 169).

وهو موافق لصنيع البخاريّ، فقد ترجمه في تاريخه الأوسط (913) فيمن توفي بين الثمانين والتسعين.

وتعقّب مُغلطايُ الذهبيَّ فقال: «زعم بعض المصنفين من المتأخرين أنه أدرك خلافةَ الوليد بن عبد الملك، وينبغي أن يُتَثَبّتَ في هذا، حتى يُعْلَمَ قائِلُه أوّلاً، والله تعالى أعلم».

فيظهر أنّ مغلطاي لم يتنبّه إلى تأريخ البخاريّ إياه في ذاك الزمان.

قال الفقير عداب:

فأنت ترى أنّ حالَ أبي الأشعثِ تحيطها جهالاتٌ!

فهو لا يُدرى ما إذا كان من صنعاء اليمن، أم من صنعاء دمشق!

وهو لا يُدرى أم العرب هو، أم من أبناء الفرس؟

ولا يدرى أوفاته قبل (60 هـ) أم بين (80 - 90) أم بين (91 - 100) أم بعد المائة؟

ولا يخفى على المبتدئين من طلبة العلم كم يدخُل ويخرج من الرواة عن أبي الأشعثِ نتيجةَ هذا الاختلاف الكبيرِ في تاريخ وفاته!

وسيقال لك: ليس هذا مهمّاً، إنّما المهمّ تصريح الرواة عنه بالسماع منه!

وأقول كما قال ابن حجر في الفتح والتهذيب قد يكون التصريح من بعض الرواة الذين لا يرون فرقاً بين التحديث والعنعنة، فنعود إلى نقطة البداية!؟

(ب) ترجمة الصحابيّ أوس بن أوس الثقفيّ:

قال المزيّ في تهذيب الكمال (3: 387): «أوس بن أوس الثقفي، لَهُ صحبة.

نزل الشام، وسكن دمشق، ومات بها، وداره ومسجده بها فِي درب القلي.

رَوَى عَن: النَّبِيّ صلّى الله عليه وآلِه وسلّمَ، فِي فضل يوم الجمعة والاغتسال فيه.

رَوَى عَنه: عُبادةُ بنُ نُسَيٍّ (د) وعبد اللَّه بْن محيريز، وأبو أسماء الرحبي، وأبو الأشعث الصنعاني (4) .

قال عباس الدُّورِيُّ عن يَحْيَى بْن مَعِين: أوس بْن أوس، وأوس بْن أَبي أوس، واحد.

قيل: إن يَحْيَى أخطأ فِي ذَلِكَ؛ لأنّ أوسَ بنَ أَبي أَوْسٍ؛ هُوَ أوسُ بنُ حذيفة، والله أعلم.

روى له الأربعة، هَذَا الْحَدِيث الواحد» انتهى كلام المزيّ بتمامه.

يلاحظُ هنا أنّ المزيّ جعل حديثي الجمعةِ عن أوس بن أوس حديثاً واحداً، بينما جعلهما حديثين في تحفة الأشراف (2: 2) ويحملان الرقمين (1735، 1736).

نقل البغوي في الصحابة (51) عن ابن معين قوله: «أوس بن أوس، وأوس بن أبي أوس واحد»!

وقال فيه (50): حدثنا يزيد بن هارون: أخبرنا شعبةُ عن النعمان بن سالم قال: سمعت عمروَ بن أوس يُحدّث عن أوسِ بن أبي أوس: أنه رأى رسول الله صلّى الله عليه وآلِه وسلّمَ (توضّأ، فاستوكفَ ثلاثاً).

ونسبه ابن قانع في معجم الصحابة (1: 26) فقال: «أَوْسُ بْنُ أَوْسِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ عَوْفِ بْنِ قَيْسِيٍّ وَهُوَ ثَقِيفُ بْنُ مُنَبِّهِ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ».

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْهَيْثَمِ الْبَلَدِيُّ: نا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ: نا قَيْسٌ عَنْ عُمَيْرِ بْنِ عَبْدِاللهِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ: أَقَمْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وآلِه وسلّمَ نِصْفَ شَهْرٍ (فَرَأَيْتُهُ يُصَلِّي وَعَلَيْهِ نَعْلَانِ مُتَقَابِلَتَانِ).

وقال في (1: 28): حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مُكْرَمٍ، نا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ قَالَ: أَنْبَأَ شُعْبَةُ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ سَالِمٍ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ يُحَدِّثُ عَنْ جَدِّهِ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ أَنَّهُ «رَأَى النَّبِيَّ صلّى الله عليه وآلِه وسلّمَ تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا فَاسْتَوْكَفَهُ ثَلَاثًا» يَعْنِي غَسَلَ يَدَيْهِ ثَلَاثًا.

وأسند حديث الباب فيه (1: 27) ثم قال:

حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْخَزَّازُ: نا شُجَاعُ بْنُ أَشْرَسَ: نا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ، عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وآلِه وسلّمَ بِنَحْوِهِ

فزاد البغويّ في الرواة عن أوسٍ: عَمرو بن أوس، وابن عمرو بن أوس، وعَبْدَالْمَلِكِ بنَ الْمُغِيرَةِ،

ومن المتّفق والمفترق عند أهل الحديث: أوس بن أوس، وأوس بن أبي أوس، وأوس بن حذيفة، جعل البخاريُّ الثلاثةَ وحداً، فقال في تاريخه الكبير (2: 15):

«أَوسُ بنُ حُذَيفة الثَّقَفيّ، والد عَمرو بْن أَوس.

ويُقال: أَوس بْن أَبي أَوس.

ويُقال: أَوس بْن أَوس، لهُ صُحبةٌ.

وروى الدوري عن ابن معين قوله: أَوْس بن أَوْس وَأَوْس بن أَبي أَوْس وَاحِدٌ» تاريخ الدوري (158).

وقال في موضع آخر منه (5334): «قلت ليحيى بن معِين: أَوْس بن أَوْس وَأَوْس بن أبي أَوْس وَاحِد؟

فَقَالَ: نعم هُوَ وَاحِدٌ، وَلَكِنّ بَعضَهم يَقُول: ابن أبي أَوْس، وبَعْضهمْ يَقُول: ابن أَوْس، وَهُوَ وَاحِد».

قال عداب: وهذا يتطلّب بحثاً واسعاً في أوهام الجمع والتفريق بين المحدّثين، يكون من أهم مقاصده دراسةُ مدى صحة رواية أولئك الرواة الكثيرين عن أوس هذا؟

وهو يعني أيضاً جهالةَ عين أوسِ بن أوسٍ، فضلاً عن حاله، على مذهب من لا يرى عدد الرواة يزيل جهالة العين!

والرجل كما يصرّح في بعض حديثه؛ صحب الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم خمسةَ عشر يوماً فحسب!

بيد أنّ أهلَ السنة يقولون بعدالةِ جميع جيلِ الصحابةِ، بمن فيهم الوحدان، والمجهولون، ومجهولوا الصحبة، والأعراب، ولهذا فهم يصححون مثل هذا الحديث!

ونحن في هذه العُجالةِ لن نناقش  مسألة عدالة الصحابة، فذاك نقاشٌ عقيم!

لكنني نناقش ضبط هذا الصحابيّ «أوس بن أوس» الذي أتى بالعجائب!

إذْ جعلَ فضيلة اغتسال الرجلِ هو وزوجته من جماعٍ يومَ الجمعة خاصّة فضيلةً سامقة (له بكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا إلى المسجد أَجْرُ سَنَةٍ صِيَامُهَا وَقِيَامُهَا)!

فلو كان بين بيتِه والمسجدِ (100) خطوة مثلاً؛ فيكون له بهذا الاغتسالِ أجرُ (100) سنة (صِيَامُهَا وَقِيَامُهَا)!

فو واظب هذا الرجل على إمتاع زوجته في كلّ ليلة جمعة، والاغتسالِ بعد ذلك سنةً واحدة فحسب؛ لكان له من الأجر عبادةُ (50 × 100) = أجر (5000) سنة (صِيَامُهَا وَقِيَامُهَا)!

ولست أدري أكان رواة هذا الحديث النواصبُ يتندّرون عندما رووه، أم كانوا يسخرون؟

ولماذا يُعنى الله تبارك وتعالى كثيراً بمن يجامع زوجته ليلةَ الجمعة، فيعطيه هذه المثوبةَ الهائلة التي لا يمنحها لغيره من المسلمين أجمعين؟

وحديث الباب كما تقدّم ليس في الصحيحين، وبذلك يكونُ لدى الناقد فسحةٌ ليحرّك عقلَه وعقولَ المتسرّعين الذين يصححون مثل هذا الحديثِ العجيب!

ولا يخفى على طلبة العلم أنّ من أماراتِ وَضع الحديثِ، أو نكارته؛ ترتيبُ ثوابٍ جزيلٍ على عملٍ قليل!

ومن أمارات وضع الحديث، أو نكارته؛ مخالفتُه للأحاديث الصحيحة في الباب نفسه!

وفي متن هذا الحديث يتجلّى الأمران معاً: ثوابٌ جزيلٌ على عمل قليلٍ، ومخالفة متن هذا الحديث للأحاديث الصحيحة الواردة في فضل الاغتسال ليوم الجمعة عيدِ المسلمين، ولصلاة الجمعة، مجتَمَعِ المسلمين!

أخرج البخاري (881) ومسلم (1403) من حديث أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ، ثُمَّ رَاحَ «إلى المسجد» فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً!

وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ؛ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً!

وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ؛ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشاً أَقْرَنَ!

وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ؛ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً!

وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ؛ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً!

فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ؛ حَضَرَتْ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ).

ومعلوم أنّ الذي يقرّب لله تعالى قرباناً جملاً أو بقرةً؛ لا يحصّل ثوابَ (100) سنة (صيامها وقيامها).

وأخرج البخاري (910) من حديث عبدِالله بنِ وَدِيعَةَ الأنصاريّ عن سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَتَطَهَّرَ بِمَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ، ثُمَّ ادَّهَنَ، أَوْ مَسَّ مِنْ طِيبٍ، ثُمَّ رَاحَ «إلى المسجد» فَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ اثْنَيْنِ!

فَصَلَّى مَا كُتِبَ لَهُ، ثُمَّ إِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ، أَنْصَتَ؛ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى).

وأخرج مسلم (1418) من حديث سُهَيْل بن أبي صالحٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(مَنْ اغْتَسَلَ، ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ، فَصَلَّى مَا قُدِّرَ لَهُ، ثُمَّ أَنْصَتَ حَتَّى يَفْرُغَ «الإمام» مِنْ خُطْبَتِهِ، ثُمَّ يُصَلِّي مَعَهُ؛ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى، وَفَضْلُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ).

وقد بيّن أبو داود في السنن (343) أنّ جملة (وَفَضْلُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) إدراجٌ من كلام أبي هريرة!

ختاماً: قارن أخي القارئ الكريم بين تخريجِنا هذا الحديثَ «اللازورديّ» وتخريجِه لدى كلّ من الشيخين ناصر الألباني وشعيب الأرناؤوط، فقد صححه كلاهما.

ولا تنس التخريج العبقريَّ العميق لشيخنا الدكتور محمود سعيد ممدوح في تخريجاته على مجمع الزوائد (9: 260) إذ قال أعلى الله مقامَه: «وعليه فالحديث صحيحٌ، والاعتماد في تصحيحه على حديث أوس بن أوسٍ، لا سيما وقد صححه كلٌّ من ابن خزيمة وابن حبّان والحاكم».

وشيخنا الدكتور محمود يزعم لنفسه العُمقَ والتنقير، ويتّهم مخالفيه بالسطحية والتسرّع.

والله المستعان!

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً

والحمد لله على كلّ حال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق