اجتماعيات (50):
التِلاوَةُ والخَطابةُ والشِعْرُ والنَشيدُ
والغناءُ!؟
بسم الله الرحمن الرحيم
(رَبَّنَا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ
أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.
رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ
كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا
بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ).
في حوارٍ هادئٍ، قال لي: هل استمعتَ في حياتِكَ إلى
الغِناءِ، وهل يستهويكَ غِناء المُغنّين، أم غناءُ المغنّياتِ، بصراحة!؟
أقول وبالله التوفيق:
التِلاوَةُ والخَطابةُ والشِعْرُ والنَشيدُ
والغِناءُ، جميعُها من فنون الأدب العربيّ!؟
والقرُآن العظيمِ أعلى الكلامِ العربيّ وأبلغه
وأفصحه، وتلاوته الصحيحة هي غذاء الروح الحقيقيّ!
وفي هذا المنشور؛ لن أتحدّثَ عن الحكمِ الفقهيّ، في
الشِعْرِ والغِناءِ والنَشيدِ، إنّما سأتحدّث عن تجربتي مع هذه الفنون، بكلّ وضوحٍ
وصدقٍ وصراحة، فأنا لم أدّع أمامكم يوماً أنني من أولياء الله الصالحين، أو من
أصحاب الورع في الدين!
على أنَّ الشِعْرَ والغِناءَ والنَشيدَ؛ ليست من
كبائر الأعمال بحدّ ذاتها، إنّما يحوط بها ما يخرجها عن دائرة الصغائر إلى ساحةِ الكبائر،
في بعض الأحيان.
) الصوتُ:
أرى أنا الفقيرَ عداباً صوتيَ جميلاً في تلاوةِ
القرآن العظيم، وفي الخطابةِ، وفي إلقاء الشعرِ، وفي إلقاء المحاضرةِ، وفي النشيد،
وفي الغناء، على حدٍّ سواء!
) الأداء:
إنّ تأثير الأداء في السامع؛ مزيج بين جمال الكلام،
وبين التناسق الفنيّ الذي يؤدَّى به، وبين جمال الصوت!
وأنا الفقير لا أعرف عن المقامات شيئاً، فأدائي ليس
منضبطاً بالموازيين الموسيقيّة!
- أدائي القرآنيّ؛ ممتاز، وَفْقَ قراءة عاصم بن أبي
النَجود الكوفيّ، وأعرف أصولَ القراءات السبع، وفرشَ البقرة، فحسب، لكنّ الوقفَ
والابتداءَ لديّ إبداعيّ، فلا أعرف أحداً من القرّاء المشهورين الكبار، أو مَن
دونهم، يعرف ما أعرفه في ساحة الوقف والابتداء، اللهم إلّا الحمويَّ الكرنازيّ،
الشيخَ حسين خالد عشيش الخالديّ البصير، حفظه الله تعالى لنا، فهو آيةٌ في الأداءِ
والوقفِ والابتداء، وهو مجازٌ في القراءات العشر!
- أدائي الخَطابيّ: تكلّمت في منشور سابقٍ أنني
خطيبٌ مجيد، وأنني تعلّمت فنَّ الخطابةِ من الكتب الأدبيّة المتخصّصة، وأفدتُ من
عددٍ من المتقنين، وفي طليعتهم أستاذي الشيخ الأديب الخطيب محمود بن شيخنا محمد
الحامد الحمويّ، والشيخ سارية الرفاعي، والشيخ جمال السيروان، حفظهم الله تعالى
أجمعين.
ولي في الخطابة لمساتٌ مبتكرة، يمكن مراجعة طلّابي
لسماع بعضها.
وقد دَرّستُ الخطابةَ في المعهد الشرعيّ في حماة، عام
(1974م) ودرّستها في سلطنة عمان، عام (2003م) وصنّفت فيها كتاباً رضيتُ عنه،
علّمتُه للطلبة هناك، ثم أنا لا أدري أين هو اليوم؟!
- أدائي في إلقاء الشعر: هناك شعراءُ كثيرون جدّاً
أجملَ شعراً منّي وأبلغ.
منهم أساتذتي في الأدب: الدكتور وجيه البارودي،
والأستاذ وليد قنباز، والأستاذ عبدالقادر أحمد الحدّاد، والأستاذ عبدالغني أحمد
الحدّاد، وغيرهم.
ومنهم تلامذتي: الدكتور عمر خير الدين الأيّوبي،
والدكتور فراس عبدالرزاق السودانيّ، وغيرهما.
بيد أنني أمتاز عن أكثر الشعراء بثلاثةِ أمور:
الأمر الأوّل: النقد الأدبيّ، فأنا ناقد بصيرٌ
بعيوب الشعر، وليس كلّ شاعرٍ ناقداً.
والأمر الثاني: إلقاء الشعر، فأنا لم أسمع إلّا
قليلين من الشعراء الذين يحسنون الإلقاء!
وقد كان الدكتور وجيه البارودي، في صيف عام (1973)
يزورني أحياناً بعد الثانية عشرةَ ليلاً؛ لأسمعه من شعري اليوميّ الجديد، فكان
يطربُ لإلقائي، كما يقول، بل كان يصرخ في ذاك الليل الصامت: الله الله!
والأمر الثالث: غزارة الشعر، فلا أعرف أحداً ممّن
عاصرتهم من الشعراء أسرعَ كتابةً وارتجالاً للشعر مني.
كنت أقول لبعض زملائي: هذه ورقة وقلم، صِفْ لي هذا
الطبقَ من الورق نثراً، وأنا أصفه لك شعراً، فأنا أكتب مِلْءَ الصفحة شعراً، قبل
أن تنتهي منها أنت نثراً!
ومجموع ما كتبته من شعرٍ، يزيد على خمسةَ عشر ألفَ
بيت شعريّ، صادرت المخابرات السوريّة نصفَها في عام (1975م) وصادرت المخابرات
الأردنية ألفي بيتٍ أيضاً.
وما تبقّى، وما نظمته بعد ذلك؛ يحتاج إلى جمعٍ
وتصنيفٍ ومراجعة؛ لأنْ ليس لديّ أدنى اهتمام بشعري!
- أدائي في النشيد: جمال النشيد الدينيّ لأهل
حلَبٍ، عندنا في سوريّا، وفي أيّام شبابي كنت أنشد في حضرات الذكر أحياناً، وبين
الأصدقاء، ولنفسي، وأنا في أداء النشيد مُقلّد، واعتمادي بعد التقليدِ في الأداء؛
على نغمات حنجرتي!
- أدائي في الغناء: مذ كنت طفلاً صغيراً، كنت أغنّي
الموّال والعتابا والميجانا، كسائر الشباب عندنا في مدينة حماة، ولم يكن أحدٌ من
أهلي يرى ذلك خطأً أو عيباً، ولم ينهني عنه أحدٌ منهم أو من غيرهم!
لكنني لم أكن أستمع إلى الغناءِ مع الموسيقى البتّة،
إذ كنّا نعتقد بحرمته، تبعاً لشيخنا الورع الجليل الشيخ محمد الحامد الحمويّ.
وأوّل مرّةٍ استمعتُ إلى الغناء مع الموسيقى - على
غالب الظنّ - كانت سنة (1968م) كنت ابنَ ثمانيةَ عشرَ عاماً.
كنتُ أستمع إلى أمّ كلثومٍ وسعاد محمّد وفايزة
أحمد، من المذياع في المقهى، إذ لم يكن في تلك الأيّام تلفزيون أو فيديوهات، وبيتنا
بالذات لم يكن فيه كهرباء أصلاً!
ثم تركت الاستماعَ إلى الغناء منذ العام (1969)
وحتى عام (1994) أو السنة التي تليها، والأمور تقريبيّة!
بعد ذلك رجعتُ أستمع إلى الغناء مع الموسيقى،
قليلاً قليلاً!
والذي تبيّن لي من تجربتي الخاصّة؛ أنّ استماعَ
الغناء مُطّردٌ عكساً مع القرآن العظيم!
فمتى كنتَ تُكثرُ من تلاوة القرآن العظيم وسماعه؛
تنفر روحُك من الاستماعِ إلى الغناء مع الموسيقى.
ومتى هَجرتَ تلاوةَ القرآن العظيم، أو ضعُفت همّتك
في تلاوته وسماعه؛ حلا لك الاستماع إلى الأغاني.
وأنا الفقير، عندما أتجاوزُ تلاوةَ جزءٍ من القرآن
العظيم في كلِّ يومٍ؛ من المحالِ أن أتقّبل سماعَ الغناء أو الموسيقى في ذلك
اليوم.
وهذا بالنسبة لي أنا؛ معيارٌ مطّردٌ، أزِنُ به
صلاحَ روحي، وصلةَ قلبي بالله تبارك وتعالى.
وعندما أستمع إلى الغناء أحياناً - كما قلت - أستمع
إلى المغنّيات، ولا أستمع إلى المغنّين، إلّا نادراً، فأنا عرفت مقرئين ومنشدين
مجيدين كثيرين، مع جمال الصوت.
لكنني ما رأيتُ رجلاً مغنّياً جميلَ الصوتِ على
الإطلاق، أو قل: لا يستهويني أنا غناء الرجال البتّة.
العراقيّون مولعون بناظم الغزالي وكاظم الساهر، ولا
ريب أنّ أداء كاظم الساهر أفضلُ مائة مرّةٍ من ناظم الغزالي، بيد أنّ كليهما لا
يمتلك صوتاً جميلاً أبداً!
وأكثرُ المغنّياتِ يؤدّين على وجه جيّد، لكنّ أكثر
هؤلاء النسوة، لا يمتلكن أصواتاً في جميلةً في حقيقة الأمر!
ويبدو لي أنّ أكثرَ الناسَ يخلطون بين جَودةِ
الأداء المتّسقةِ، مع أنغام الموسيقى الجميلة البديعة، مع المقامات الموسيقيّة
المعروفة، وبين رخامةِ الصوت وجماله.
وإذا استمعتُ أنا إلى قرّاء القرآن الكريم؛ فأكثرمن
أستمع إليه؛ هو المقرئ الشيخ محمّد صدّيق المنشاوي، ثمّ الشيخ محمّد رفعت.
وإذا استمعتُ إلى الغناء؛ فأكثر من أستمع إليه؛ هي
أمّ كلثوم «فاطمة بنت إبراهيم السيّد البلتاجي، الشريفة الحسنيّة» وللأسف!
في أغانيها: نهج البردة، وسلوا قلبي، وحديث الروح،
ومن النادر أن أستمع إلى غيرها، وأحبّ أغنية «ستّ الحبايب» للمغنية السوريّة الأصل
فايزة أحمد، وأغنية «مظلومة ياناس» للمغنية المصرية سعاد محمّد، وأكرر الاستماع
إليهما في أيّام الاكتئاب!
]رَبَّنا: ظَلَمْنَا
أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ
الْخَاسِرِينَ[.
هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله،
وعلى آله وصحبه وسلَّم تَسليماً
والحمد لله على كلّ حال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق