مسائل فكريّة (19):
موقف الزيديّة مِن ظهور المهدي
المنتظر!؟
بسم الله الرحمن الرحيم
(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ
أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.
رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ
كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا افْتَحْ
بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).
سألني أحدُ الإخوة الأكارم
عن مصدر كلامي الذي ذكرته في مواضع من كتابي «المهدي المنتظر في روايات أهل السنة
والشيعة الإمامية» الذي أنجزته في أواخر عام (2000م) وطبع الطبعة الأولى عام
(2001م) يعني منذ عشرين سنةً تقريباً.
فقلت له: أظنّ الذي نقل
ذلك؛ الإمامَ ابن الوزير في العواصم والقواصم، أوالمقبلي في العلم الشامخ.
وحين تحسّنت صحّتي قليلاً؛
راجعت كتابي أوّلاً لأرى ماذا قلت بهذا الصدد؟
فوجدت
في الصفحة (20) قولي: « والذين يُنكرون ظهورَ
مهديٍّ بعينِه في آخر الزمان؛ هم قلّة من علماء المسلمين، من شتى الفرق الإسلامية،
فيهم علماءُ من أهل السنّة، ومن الإباضية والزيدية، بل ومن علماء الإمامية أيضاً».
وفي
الصفحة (39) قولي: « قلت: في نقل دعوى الاتفاق
نظر كبير، فالخوارج بجميع فرقهم لا يقولون بالمهدي، والزيدية لا يقولون به، وبعض
أهل السنة في القديم والحديث لا يقولون به كذلك، وسيأتي بيانُ ذلك».
وفي
الصفحة (663) في خاتمة الكتاب قولي: « حادي
عشر: بعد الذي توصّلنا إليه في هذا البحث؛ لم يَعُدْ ثمّة حاجةٌ إلى التشنيع على
الزيديّة والإباضية، ولا على من يُنكرُ من أهل السنّة أن تكون مسألةُ ظهور المهدي
عقيدةً واجبةَ التصديق».
وكلامي
هذا غير متّسق، ففي البداية قلت: «بعض الزيديّة» ثم عمّمت في الموضعين الثاني
والثالث، وهذا كلام غير دقيق!
ومن
الضروريّ قوله هنا؛ أنني رجعت في تأليف هذا الكتابِ إلى أكثر من (100) كتابٍ وبحث،
ليس لديّ منها اليوم كتابٌ واحد!
ومن
المؤكّد أنّ عبارةَ «بعض الزيديّة» علقت في ذهني من أحد هذه الكتب، وفاتني تَوثيقها
أثناء تأليف هذا الكتاب.
وقد
بحثت طويلاً في الموسوعة الشاملة، وعلى الانترنيت؛ فلم أجد مصدراً يمكن الوثوق به،
نصّ على أنّ أحدَ الزيديّة يقول بعدم ظهور المهديّ!
ويمكن
- والحالة هذه - أن أقول: هذا العزو إلى الزيدية أو بعضهم؛ خطأٌ من جملة أخطاء
الفقير عداب، فليس هذا بأوّل سهوٍ أقع فيه، ولكن يكون الأخيرَ، وأستغفر الله
العظيم!
بيد
أنني أنقل ملخّصاً وجيزاً عن حوار مطوّل جرى بيني وبين زميلي الفاضل النبيل الشهيد
الدكتور الشريف المرتضى بن زيد المحطوريّ، بعد اطّلاعه على كتابي المعنيّ بهذا
المنشور، عندما زارنا في عمّان!
قال
لي: أنت خطير يا عذاب يا ابن الحِمِش، خطير للغاية!
تبسّمت
وقلت: لمَ يا مولانا الشريف؟
قال:
أيّ إنسانٍ يقرأ كتابك هذا؛ سيتشكّك في مسألة المهدي المنتظر حتماً!
قلت
له: أنا لا يعنيني تشكّك العامّة والمثقفين، أنت رجل عالم ومحدّث وأديب!
ويهمّني
رأيُك والله!
قال:
كم سنةً بقيت في كتابة هذا الكتاب؟
ضحكت
وقلت له: أقلّ من سنة!
قال:
أنا أحتاج إلى سنة حتى أقرأ كتابك هذا قراءة فاحصة، ثم أجيبك يا عذاب يا ابن
محمود!
قلت
له: أنت زيديّ متعصّب إلى مشاشك، صحيح؟!
قال:
صحيح، وأنت والله زيديٌّ، من دون أن تعرف نفسَك!
قلت
له: هل تأخذ عقيدتك من أخبار الآحاد؟
قال:
قطعاً لا، لكنّ عدداً من العلماء ادّعى أن أحاديث المهديّ متواترة!
قلت
له: أيهما أصحّ مذهب الأصوليين في المتواترِ، أم مذهب المحدّثين، مع اتّفاقنا على
أنّ العلماء قالوا: الحديث المتواتر ليس من علوم الحديث!؟
قال:
لا شكّ في أنّ منهج المحدّثين في قبول الخبر؛ أصحّ من جميع المناهج!
قلت
له: جميل، بكم يثبت لديك التواتر على مذهب المحدّثين؟
قال:
أنت أشدّ من البخاري وأبي حاتم الرازي، فبكم يثبت عندك التواتر الحديثيّ؟
قلت
له: إذا صحّ متن حديث مرفوع أو حَسُن لذاته، عن سبعة من الصحابة؛ أعدّه متواتراً!
قال:
والله لست بمتشدّدٍ في هذا إذن، لكن ما دليلك على السبعة؟
قلت:
القرآن متواتر عن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، أم غير متواتر؟
قال:
بلى! ولكنّ القرآن رواه عن الرسول المئات، وعن المئات الألوف، بل عشرات الألوف!
قلت
له: يا سيدنا الشريف: هذا كلام إنشاء، ليس له قيمةٌ عند المحاققة!
اقرأ
ماذا قال الذهبي في صدر كتابه طبقات القرّاء!
وأحضرتُ
كتاب طبقات القرّاء من مكتبتي، وفتحنا إلى الصفحة (9 - 20) فوجدنا الذهبي ذكر
الصحابةَ السبعة، أوّلهم عثمان، وآخرهم أبو الدرداء رضي الله عنهم.
،
ثمّ قال (ص: 20): «فهؤلاء الذين بلغنا أنهم حفظوا القرآن في حياة النبيّ صلّى الله
عليه وآله وسلّم، وأُخِذ عنهم عَرضاً، وعليهم دارت أسانيدُ قِراءَة الأئمةِ
العَشرة.
وقد
جَمع القرآنَ غيرُهم من الصحابةِ، كمعاذ بن جبلٍ، وأبي زيدٍ الأنصاريّ، وسالمٍ
مولى أبي حذيفة، وعبدالله بن عُمَر، وعتبةَ بن عامرٍ، ولكنْ لم تَتّصلْ بنا قِراءتُهم.
فلهذا
اقتصرتُ على هؤلاء السبعة رضي الله عنهم واختصرت أخبارهم».
فقلت للشريف: لو سلّمنا
حقّاً أنّ معاذاً ومن بعده جمعوا القرآن العظيم وحفظوه؛ فيكون التواتر في الطبقة
الأولى وحسب، إذ لم تصل أسانيدهم إلى طبقة التابعين، أصحيح هذا؟
قال: هذا ملحظ قويٌّ
جدّاً، وهو دليل على أنك لست متشدّداً!
قلت: يا سيدنا الشريف: هذه
الأحاديث التي بين يديك؛ هي أصحّ الأحاديث عند النقّاد، ولم يسلم منها حديث واحد،
فأين التواتر المزعوم؟
ثمّ ما علاقة الأصوليين
والفقهاء بعلم ثبوت الحديث؟
أعطني أصوليّاً واحداً أو
فقيهاً بعد الشافعيّ وأحمد لا يقلّد في علوم الحديث!
ناهيك عن أنّ المحدثين
أنفسهم - فضلاً عن الأصوليين والفقهاء - يدخلون الحسن في الصحيح، وأكثر صحيح
البخاري ومسلم هو من قبيل الحسن!
قال رحمه الله تعالى ورضي
عنه: ليس لديّ كلام، لكن أسألك: في قرارة نفسك، هل تنكر ظهور المهديّ في يوم من
الأيّام؟
قلت له: ثمّة فرقٌ بين
الإنكارِ، وبين عدم الثبوت، والتصحيح والتضعيف اجتهاد، وفي اجتهادي لا يصحّ أيّ
حديث!
لكنني أتمنى أن نصنع نحن
مهديين كثراً، فنحن نحتاج إلى ألف مهديّ، بل إلى ألوفٍ كثيرة، وإذا كنّا نعتقد أنّ
ضعفنا وهواننا وفسادنا وظلمنا وجورنا، لا نهاية له إلّا على يد قائدٍ يأتينا من
الغيب؛ فهذا يقودُ إلى أنّ تعاليم ديننا وحدها؛ لا تصلح لإقامة حكم إسلامي رشيد!
قال رحمه الله تعالى:
سأنقل كلامك هذا إلى مشايخ اليمن، فزوّدني بعددٍ من نسخ كتابك هذا ليطّلعوا عليه،
وأوافيك بأقوالهم!
ضحكت كثيراً، وقلت له: وهل
في الزيدية أعلم منك بالحديث؟!
وضحكنا، وانتهى الحوار.
والله المستعان وعليه
التكلان.
(رَبَّنا: ظَلَمْنَا
أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ
الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى الله على
سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.
والحَمْدُ للهِ على كلِّ حالٍ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق