الجمعة، 3 ديسمبر 2021

 اجتماعيات (41):

تباين الثقافات الاجتماعيّة!؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنَا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.

رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ).

يَعلمُ إخواني جميعاً أنّني من أقلّ الرجالِ قَبولاً  لدعواتِ الإخوة إلى وليمةٍ، أو حتى إلى وجبةِ طعامٍ عاديّة!

وربما كنت من أكثر الرجال «الحَضريّين» ولائمَ وتقديماً للطعامِ حتى من دون دعوة!

وربما كان سببُ ذلك - إضافةً إلى النشأة - أنّ الله تعالى رزقنيّ بزوجتي أمّ محمود، التي أنجبت لي أربعةَ عشر ولداً، ولم تتناول في غضون عشرين سنةً عشتُها معها، سوى حبّةٍ دواءٍ واحدة، ابتلعتها بقسوةٍ، ثمّ تقيّأتها «عفواً».

وإنني لم أرَ في حياتي الطويلة (75 سنة) امرأة تحبّ الضيوفَ وتكرمهم مثلَها، لا والدتي ولا عماتي ولا خالاتي، ولا بقيّة زوجاتي!

كانت تحفظ عن والدها حديثاً (الضيف يأتي برزقه معه، ويذهب بذنوب أهل البيت) وهو ليس بحديثٍ شريف طبعاً!

عندما أَقَمتُ طرابلس الشام؛ دعاني أحدُ الإخوةِ إلى طعام الغداء، فكنت أعتذر، وأعتذر، وأعتذر، خوفاً من إحراج زوجته اللبنانيّة!

وعدتُه في يومٍ من الأيّام أن أتغدّى عنده، واشترطتُ عليه أن يدعوَني وحدي!

لكنّه - غفر الله له - دعا خمسةً أو سبعةً من الإخوة، نسيت!

وعدَتْه زوجتُه أن يكون الغداء جاهزاً في الساعة الثانية والنصف، بعد الظهر، فقلت له: زوجتك لم تنتهي من غدائها، فلننتظر نصف ساعةٍ أخرى!

في الساعة الثالثة والربع؛ فتح باب منزله ودخلنا!

أحضر لنا كؤوس الماء، ثمّ غاب ربع ساعةً، ورجع مُكفهّر الوجه، وناداني!

استأذنت الإخوةَ الحاضرين، وخرجت من غرفة الضيوف، فحدّثني بأنّ زوجته كانت نائمةً، ولم تصنع شيئاً من الطعام!

قال: حدّثتني أنها ظنّت بأنني سأحضر ضيفاً واحداً، فتقوم وتقلي لأجله صحن بيض حارٍّ، وبجانبه حبتان من البندورة وكأس عصير!

قال: قالت لي: أسمع أصواتَ كثيرين، فمِن عندِنا هذا الصوت؟

قال لها: بلى!

قالت: أنتَ خالفت الشرطَ الذي بيننا، والله لا أصنع لهم شيئاً، ثم لبست ثيابها وخرجت إلى بيت أهلها.

قلت له: أين الرزّ والسمن والقدر عندك؟

فأطلعني على بعض مواضع المؤنة والأواني في المطبخ.

ثمّ أخرجت من جيبي نقوداً، ليشتري لنا عدداً من الدجاجات المشويّة واللبن والعصير، فاعتذر وقال: عندي والله نقودٌ كثيرة!

طبخت الرزّ، وريثما نضجَ؛ فرمت ما وجدته في الثلاثة سلطةَ خضار، وحين رجع؛ سكبت الطعامَ، وقدمته إلى الشبابِ، وبعد الغداء؛ نظّفت الأواني، وفتحت شبابيك المطبخ، ومسحت أرضيّته، وقضي الأمر!

هذه ثقافة اجتماعيّة، ألحظُ شواهدها كثيراً على القنوات الفضائيّة اللبنانيّة وللأسف!  

أنا لا أدري عن ثقافة الحلبيّات والدمشقيّات كثيراً، لكنني أقطعُ جازماً أن المرأة الحمويّةَ لو كانت عمياء، أو مشلولةَ إحدى ساقيها، من المحال أن تضع زوجها في مثلِ هذا الموقف الحَرج الخسيس!

وأنا عداب الحمش، لو واجهتني إحدى نسائي بموقفٍ كهذا، فربما لا أضربها، ربما!

لكنها والله لا تبقى على عصمتي ساعةً من ليلٍ أو نهار!

عتب عليّ بعض تلامذتي وأصدقائي في السعودية وفي العراق وفي الأردنّ أنني لم أزوّج بنتاً واحدةً لغير حمويٍّ، وأن يكون مقيماً في مدينة حماةَ أيضاً، لا تعصّباً لحماة ولا للحمويين، فأكثر الحمويين لا يعجبونني أصلاً من قريبٍ ولا بعيد!

إنّما خشيت على بناتي الضيعَةَ في الغربة، وأن تتقطّع الأواصر بين الأخوات من جهة، ومن أجل اختلاف الثقافات الاجتماعيّة، من جهة أخرى.

فأنا أنصح العربيّ بأن لا يتزوّج إلّا عربيّةً، فوالله لقد عانى والدي مع والدتي، وعانت والدتي مع والديّ أمرَّ من الصبر، وأحرَّ من الجمر، فقد كان والدي هاشميّاً صلباً للغاية، وكانت والدتي كرديّةً أيّوبيةً رقيقةً للغاية، فعشنا أقسى حياةٍ بينهما.

وأنصح الفارسيَّ بأن يتزوج فارسيةً وحسب!

وهكذا جميع الأعراق والأجناس والبلدان!

وليس هذا من قبيلِ التكبّرِ أو التمايز الطبقيّ، أو العرقيّ، أو اختلاف الألوان - كما فهمه بعضهم مرّة - كلّا، وإنما من أجلِ اختلاف الثقافات الاجتماعيّة والأخلاق الفرديّة والجماعيّة، بين مجتمع وآخر!

خطبتُ ذات مرّةٍ امرأةً شابّةً أرملةً، واتّفقنا على الزواج، ووافق أهلها.

ذات يوم كنتُ في السوق، فاستوقفتني، فاستغربت وجودَها في السوق، وسألتها ببراءة تامّة: كيف جئت إلى ههنا؟

قالت: حضرتُ مع السائق!

قلت لها: وحدك؟

قالت: ليش هي خلوة؟

قلت لها: لا ليست خلوةً تامّةً !

وأعرضت عنها إعراضاً تاماً، وأرسلت إلى والدها بأنني عدلت عن إتمام الخطوبة!

زارني والدها، وكان لي صديقاً، وسألني بحزنٍ وألم، فقلت له: لا تظنّ شرّاً، استوقفتني بنتك في السوق، وأخبرتني بأنها نزلت إلى السوق وحدها مع السائق، وهذا لا يناسبني أبداً!

قال: طيّب عندما تصبح زوجتك؛ امنعها من ذلك!؟

قلت له: هيهات يا عمّ، هيّأ الله تعالى لها مَن هو خير مني!

أقول أنا الفقير عداب: أنا في سنّ الخامسة والسبعين، وقد تنقّلت بين بلدان كثيرةٍ، لكنّ عقلي لا يمكن أن يستوعب أن يكون في البيت سائقٌ أو خادم رجلٌ، ثم لا تشتهييه بعضُ نساء البيت، أو لا يكون بينه وبينهنّ مزاحٌ ونكاتٌ، إن لم يكن بينه وبينهنّ ما هو أكبر من ذلك!

أقول: عقلي لا يستوعب، ولا أقول: هذا حاصل فعلاً، أو هذا عامٌّ وشامل!

والله تعالى أعلم.

]رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ[.

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلَّم تَسليماً

والحمد لله على كلّ حال.   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق