الاثنين، 22 نوفمبر 2021

 اجتماعيات (٣7):

مُفتي سوريّا الجَديدُ !؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنَا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.

رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ).

عددٌ من الإخوة ألحّوا عليَّ، لإعطاء رأيي في المفتي الجديد، وفي ظاهرة انتخاب منصب المفتي.

ترددت كثيراً في إجابتهم، ثم لم أجد مانعاً من إبداء رأيي، فقد أبدى آراءَهم كثيرون غيري.

وقد أعجبني كثيراً ما وجهه الأستاذُ كمال اللبواني، من أسئلة وتساؤلات، إلى سماحة المفتي الجديد، حفظه الله تعالى.

أقول وبالله التوفيق:

ترجع معرفتي بالشيخ السيد أسامة بن عبدالكريم الرفاعي وأخيه الدكتور السيد سارية، إلى عام (١٩٧٠) إذ كنت أسكن في بيت قريبٍ جدّاً، من مسجد زيد بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه.

كان شيخَ هذا المسجد المبارك؛ والدُهما شيخنا السيد عبدالكريم الرفاعي رحمه الله تعالى ورضي عنه.

كنت أداوم على حضور درس الشيخ العام في السيرة النبوية والإرشاد، ليس من أجل الإفادة العلميّة، إذْ كانت دروسه للعوام.

إنما كنت أحضر دروسه لأفيد من روحانيته وتوجيهاته السلوكية والأخلاقية.

وبعد عام (١٩٧٠) غدوتُ معلّماً في مدارس خارج دمشق، فما حضرت عليه شيئاً.

وكنت أحرص على حضور خطب الجمعة للدكتور سارية الرفاعي، وأظنها كانت بعيدةً جدّاً عن هذا المكان، لعلّها في منطقة القَصّاع.

كان الشيخ ساريةُ شابّاً هاشمياً جميلاً شجاعاً متحمّساً، وكانت تستهويني خطبُه وخطبُ تلميذ آخر للشيخ عبدالكريم، قد نسيت اسمه الآن، وهو خطيب بارع مؤثر أيضاً، حفظه الله تعالى.

سماحة المفتي العام الجديد لسوريا، الشيخ الشريف أسامة بن عبدالكريم الحسيني الرفاعي، نشأ في أسرة من أنبل وأعرق العائلات السوريّةِ، نسباً وديناً وأخلاقاً وسلوكاً وأدباً.

وهو يحمل درجة «البكالوريوس» في اللغة العربية، وليس هو من أهل الاختصاص المباشر في الفقه، ولا في علوم الشريعة الإسلامية، بالمعنى «الأكاديميّ».

وكونه درس العلوم العقلية والنقلية على والده، سيدنا وشيخنا عبدالكريم، لا أنازع فيه، لكنّني لم أقرأ له كتاباً أو بحثاً علميّاً، في أي مسألة من مسائل الفقه، أو العلوم الدينية الأخرى، تَدُلُّ على علميّته الفقهية.

زَميلُنا في الحضور على علماءِ مدينة حماة الشيخُ محمد أديب كلكل الحموي، لا أظنه يحمل درجة البكالوريوس في أي علم، بيدَ أنّه ملأ الدنيا علماً ومؤلفات!

وأستاذنا الشيخ السيد عبدالحميد طهماز، حاصل على درجة البكالوريوس في الشريعة من جامعة دمشق، لكنه أخرج مؤلفات تشهد بمعرفته وسعة اطّلاعه، خاصة في المذهب الحنفيّ، رحمهم الله تعالى أجمعين.

لا أقول: ليس للشيخ أسامة كتب أو كتاب أو بحوث، إنما أنا لم أقف له على كتاب علمي، وهذا هو سبب ترددي في الكتابة عن هذه المسألة.

وقد يكون للشيخ الفاضل كتب كثيرة، وأنا جاهل بها.

ورأيي الخاص بمن يتقلد منصب الإفتاء؛ أنه يجب أن يكون مجتهداً، وكلّ مَن يَتقلّد هذا المنصب، وهو غير مجتهد؛ فهو «مُفتي ضَرورة» وليس مفتياً يستحق هذا المنصب الجليل بذاته.

ولو كان سماحة المفتي الجديد مجتهداً؛ لشاع أنّ لديه كتاباً، فيه اختياراتُه الفقهيةُ، وآخرُ هو ترجيحاته العلميّة، في الحد الأدنى من درجات الاجتهاد.

أما عن توليه منصب الإفتاء:

فقد كان سماحته، يرأس مجلسَ إفتاء المعارضة السورية، وكان يرأس المجلس الإسلامي السوري المعارض، من قبل، فلم يطرأ جديد، ولم ولن يتغير شيء على أرض الواقع.

الشيخ أسامة الرفاعي وجيه كبير، ذو شعبية عريضة في سوريّا عامة، وفي دمشق خاصة، وهو رمز من أكبر رموز العلماءِ المناهضين للنظام الظالم الحاكم في سوريا.

فمسألة اختياره مفتيّاً، مسألة رمزية، لا تقدم شيئا في الواقع السوري، ولا تؤخر.

والشيخ أسامة - عافاه الله تعالى - أسن مني بست سنوات، فما عساه يصنع بهذا المنصب الكبير، لو كان ثمة منصبٌ أصلا ؟!

أما مسألة المحافظة على هوية سوريا «الأمويّة» التي يصطرخون من أجلها؛ فليست من أواخر اهتماماتي، ولا تعنيني في كثير أو قليل، فأنا رجل أمقت الطائفية والمذهبية المقلّدة على حدٍّ سواء.

وأتمنى أن يأتي اليوم الذي تلغى فيه هذه الطائفيات، وتلك المذاهب المشتتة والممزقة للأمة، ويكون البديلُ مجلساً علميّاً عالياً، في كل قطر عربيٍّ، في الحدّ الأدنى، يفرز كتباً صغيرة الحجم، تتضمن ما ينفع العامة في الاعتقادات المجمع عليها، وفي الفقه المجمع عليه، بين مذاهب الأمّة كلها.

فليس في المذاهب الأربعة، ولا في غيرها ما هو صواب كله.

وفي مذاهب الزيدية والإمامية والإباضية، الكثيرُ الكثيرُ من الحق والصواب.

وعدم الإفادة من هذه المذاهب؛ أُراه جريمةً علميّةً، نرتكبها عن عمد وسبق إصرار.

ختاما: من المناسب هنا أن أقول: أنا الفقير عداب مطلوب للنظام الحاكم في سوريا، منذ عام (1975) من دون أدنى ذنبٍ ارتكبتُه، سوى زيارة قريبٍ لي كان مطلوباً سياسيّاً للنظام الطاغي!

وأنا منبوذ من هذه المعارضة السورية الهائمة على وجهها، والتي تنتظر أن تحنّ عليها أمريكا بحلٍّ في سوريّا أيضاً !؟

وليس بيني وبين أي جماعة أو حزب، أو عالم أو مفكر أو مفسر؛ تواصل، بسبب هذه الطائفية السخيفة التي يقدسونها، والتي ليس لها لدي أدنى احترام.

أقول هذا، حتى لا يعترض علي أحدٌ بأن المصلحة تقتضي من القول كذا، ولا تقتضي كذا !

فنحن وعلماؤنا ما زلنا منذ عام (١٩٦٣) وإلى هذا اليوم نتجاهل أننا مستعمرون، وأن حكامنا موظفون.

وفي كل برهة من الدهر نثور على الظلم، ونقدم ألوف الضحايا والقرابين، ونتغابى عن أنّ أمورَ بلادنا ليست في أيدي حكامنا، حتى ننتزعها منهم!

والله تعالى أعلم

]رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ[.

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلَّم تَسليماً

والحمد لله على كلّ حال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق