مسائل فكريّة (18):
الهُيامُ بالتكفير !؟
بسم الله الرحمن الرحيم
(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ
أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.
رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ
كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا افْتَحْ
بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).
كانت ليلتي هذه؛ من أسوأِ
الليالي التي مرّت عليَّ، في مرضي الذي لم أتعافَ منه بعد!
كان أحدُ الحاضرين يُصرُّ
على أنّه لا يجوز التوقّفُ في تكفير الفرق الباطنيّة المنبثقة عن الإماميّة «الإسماعيليّة
والدروز والعلويين «النصيريّة» لماذا؟
«لأنّ هذه
ثقافةٌ سائدةٌ لدى أهل السّنة، لا يجوز تغييرها ممّن لم يبلغ درجة الغزالي وابن
الصلاح وابن تيمية وأضرابهم، حتى لا يتشكّك بعض أهل السنّة بكفر هؤلاء» هكذا قال!
أقول وبالله التوفيق:
علماءُ أهل السنّة؛ أكثر
الفِرَق الإسلامية تكفيراً لمخالفيهم؛ لأنّهم أدواتٌ بأيدي الحكّام الظالمين على
مدار تاريخهم، وعلماء السعودية أمامكم.
الحاكم المجرم، الذي لا
يعنيه من الإسلام سوى أنّه حصانٌ يمتطيه ليصلَ إلى أهدافه الدنيويّة من الملك
والسلطان؛ هو الذي يحتاجُ إلى فتاوى العَلَماء بأنّ هذه الجماعة كافرةٌ ليستحلَّ
دماءَها، وهذه الجماعةُ خارجيّة؛ ليستحلّ قتالها.
إنّ من المتّفق عليه بين
أهل السنّةِ والشيعة الزيديّة والشيعة الإماميّة؛ أنّ الباطنيّة كفّار خارجون من
الملّة.
وعند أهل السنّة، كلّ
مرتدٍّ يستتاب، فإن رجعَ إلى الإسلام، وإلا قُطعَت عنقه!
أمّا أنا الفقير عداب، فأقول
في الباطنيّة جميعهم «الإسماعيليّة بفروعها، والدروز، والنصيريّة» ما يأتي:
كلّ من نطق بالشهادتين
وآمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر؛ فهو مؤمن.
وكلّ من اعتقد بفرضية
الطهارةِ والصلاة والصيام والزكاة والحجّ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
والجهاد في سبيل الله تعالى؛ فهو مسلمٌ معصوم الدم.
سواءٌ في ذلك من أنكر
القدرَ منهم!
أو آمن بولاية الإمام
عليّ عليه السلام وأهل الكساء!
أو آمن بالأئمة
السبعة!
أم آمن بالإثني عشر
إماماً.
وما وراء ذلك نقول: كلّ من
أتى بناقضٍ حقيقيّ لظاهر القرآن العظيم؛ فهو كافر!
فمَنْ أنكرَ أنّ الطهارةَ
عبادةٌ مخصوصةٌ، تحصل بالماء الطَهور، أو بالتيمّم عند فقده، وقال: إنّ الطهارة
ليست عبادةً بدنيّة، وإنما هي سلامة القلبِ عن الصفات الذميمةِ فحسب؛ فهذا كافر؛
لمخالفته ظاهر القرآن العظيم والسنة النبويّة.
ومَن زعم أنّ مقصودَ الله
تعالى بقوله: (إنّ
الله يأمركم أن تذبحوا بقرة) عائشة أمّ المؤمنين؛ فهو كافر.
وهكذا هو حكم من يزعم أنّ
الخمرةَ حلالٌ والربا حلالٌ والزنا حلالٌ وغزو المسلمين حلالٌ، وقتلَ المسلمِ لخِلافِه إيّاه حلالٌ!
ومن المصائبِ التي التصقت
بتاريخنا العلميّ؛ أنّ القتلَ قرينُ الكفر!
فأنت متى حكمتَ بكفر
فلانٌ؛ يعني أنّك أبحتَ دمَه!
ومسألة قتل المرتدّ، أمرها
إلى السلطان الشرعيّ، ولا يجوز قتلُ حاكم غير شرعيّ لمرتدٍّ ولا لغير مرتّد، إذ
ربما كان هذا الحاكم ذاته؛ هو يستحقّ القصاصَ، فقلّما يوجد حاكم في التاريخ
الإسلاميّ، لم يَقْتُلْ مسلماً، بل مسلمين عمداً من أجل سلطانه!
وليس بعد الخلفاء الراشدين
الأربعةِ حاكمٌ شرعيّ طوعيّ، إنّما هناك حكّام متغلّبون جهّال، أُعطاهم العلماء
الشرعيّة رغباً ورهباً.
فهؤلاء قديماً، وأمثالُهم حديثاً؛ لا يجوز لهم أن
يقيموا حدودَ الله تعالى، حتى يمكّنوا من تنفيذ أحكام الله تعالى فيهم!
هذه فتوايَ اليوم، فإنْ
مُتُّ هذه الليلةَ؛ فأنا على هذه الفتوى، وإن أعشْ؛ فقد يتبيّن لي أمورٌ أخرى،
والرجوعُ إلى الحقِّ؛ خيرٌ من التمادي في الباطل.
ختاماً: يجب على علماء
المسلمين؛ أن يفصلوا بين أحكام الدين الشرعيّة، وبين واقع حال المسلمين، ببعد
جميعهم عن دين الله تعالى، وسيطرة الحكام المتغلّبين الجاهلين الحريصين على الحكم
والعلوّ والسيادة عليهم، فلا يُطلقوا حكم «الكفر» على جماعةٍ
بتمامها، قد يكون فيها المؤمن والمسلم، وفيها الكافر والمنافق والفاسق!
وفي أهل السنة جميعُ
هذه الأصناف الخمسة بيقين!
وإنّ الحروبَ التي
قامت، ولا تزال قائمة في سوريّا والعراق وليبيا ولبنان واليمن، جميعها ليس لها
علاقةٌ بالدين على الإطلاق!
هذه الحروبُ نشبت لأنّ
الذين أوقدوها يرغبون بتحقيق أهدافٍ من وراء اشتعالها، وثار معهم العامّةُ والرعاع
والغوغاء حميّةً وحماسةً، وليس «لتكونَ كلمة الله هي العليا».
إنّ حزبَ الإصلاح
يقاتل الحوثيين، وإنّ الحوثيين يقاتلون حزبَ الإصلاح في اليمن!
وأنا سمعتُ علماءَ من
الطرفين - قبل نشوب الحرب - يُثني بعضهم على بعض!
هل يَقتلُ الحوثيون
عناصر حزب الإصلاح وقادتهم، دفاعاً عن الإسلام؟
هل يقتلُ الإصلاحيّون
عناصر حزب أنصار الله الحوثيين وقادتهم، دفاعاً عن الإسلام؟
يَكذب قائل ذلك،
كائناً مَن كان، إنّما يقتل بعضهم بعضاً على السيادة والملك والنِفطَ!
والشأن ذاته في ليبيا
وسوريا ولبنان والعراق.
والله تعالى أعلم.
(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا،
وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى الله على
سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.
والحَمْدُ للهِ على كلِّ
حالٍ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق