أفراد الإمام البخاريّ (6):
حَديثٌ إسرائيليٌّ صَميمٌ!؟
بِسْمِ اللهِ الرَحْمَنِ الرَحيمِ
(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ
أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.
رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ
كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا
بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).
بإسنادي إلى الإمام البخاريّ في مواقيتِ الصلاةِ، باب مَن أدرك ركعةً من العصر قبل الغروب (558) قال رحمه الله تعالى: حَدَّثَنا أَبُو كُرَيْبٍ «محمّد بن العلاء» قَالَ: ثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبي بُرْدَةَ، عَنْ أَبي مُوسَى، عَنِ النَّبيِّ e: (مَثَلُ الْمُسْلِمِينَ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ قَوْماً، يَعْمَلُونَ لَهُ عَمَلاً إِلَى اللَّيْلِ، فَعَمِلُوا إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ، فَقَالُوا: لاَ حَاجَةَ لَنَا إِلَى أَجْرِكَ، فَاسْتَأْجَرَ آخَرِينَ، فَقَالَ: أَكْمِلُوا بَقِيَّةَ يَوْمِكُمْ، وَلَكُمُ الَّذي شَرَطْتُ([1])، فَعَمِلُوا حَتَّى إِذَا كَانَ حِينَ صَلاَةِ الْعَصْرِ قَالُوا: لَكَ مَا عَمِلْنَا. فَاسْتَأْجَرَ قَوْماً، فَعَمِلُوا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمْ حَتَّى ([2])غَابَتِ الشَّمْسُ، وَاسْتَكْمَلُوا أَجْرَ الْفَرِيقَيْنِ).
وأَعادَهُ البخاريّ في كتاب الإجارة، باب الإجارة من العصر إلى الليل (2271) قال:
حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بنُ الْعَلاَءِ: ثَنا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ
أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى t عَنِ
النَّبِيِّ e قَالَ:
(مَثَلُ الْمُسْلِمِينَ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى؛ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ
قَوْماً يَعْمَلُونَ لَهُ عَمَلاً يَوْماً إِلَى اللَّيْلِ، عَلَى أَجْرٍ
مَعْلُومٍ، فَعَمِلُوا لَهُ [أ: 173] إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ، فَقَالُوا: لاَ
حَاجَةَ لَنَا إِلَى أَجْرِكَ، الَّذِي شَرَطْتَ لَنَا، وَمَا عَمِلْنَا بَاطِلٌ!
فَقَالَ
[لَهُمْ] ([3]): لاَ
تَفْعَلُوا، أَكْمِلُوا بَقِيَّةَ عَمَلِكُمْ، وَخُذُوا أَجْرَكُمْ كَامِلاً،
فَأَبَوْا وَتَرَكُوا!
وَاسْتَأْجَرَ أَجِيرَيْنِ([4])
بَعْدَهُمْ، فَقَالَ([5])
لَهُمَا: أَكْمِلاَ بَقِيَّةَ يَوْمِكُمَا هَذَا، وَلَكُمَا([6])
الَّذِي شَرَطْتُ لَهُمْ مِنَ الأَجْرِ.
فَعَمِلُوا، حَتَّى إِذَا كَانَ حِينُ صَلاَةِ
الْعَصْرِ قَالاَ([7]):
لَكَ مَا عَمِلْنَا بَاطِلٌ، وَلَكَ الأَجْرُ الَّذِي جَعَلْتَ لَنَا فِيهِ.
فَقَالَ لَهُمَا: أَكْمِلاَ([8])
بَقِيَّةَ عَمَلِكُمَا، فَإِنَّ مَا بَقِي مِنَ النَّهَارِ شَيءٌ يَسِيرٌ،
فَأَبَيَا([9])
وَاسْتَأْجَرَ([10])
قَوْماً أَنْ يَعْمَلُوا لَهُ بَقِيَّةَ يَوْمِهِمْ، فَعَمِلُوا بَقِيَّةَ
يَوْمِهِمْ، حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ، وَاسْتَكْمَلُوا أَجْرَ الْفَرِيقَيْنِ
كِلَيْهِمَا.
فَذَلِكَ مَثَلُهُمْ، وَمَثَلُ مَا قَبِلُوا مِنْ
هَذَا النُّورِ) ([11]).
مدارُ حديثِ أبي موسى الأشعريِّ في الباب، على
حمّاد بن أسامة، رواه عنه:
إبراهيم بن سعيد الجوهري عند
البيهقي (11756).
ومحمد بن العلاء، أبو كريب
عند البخاري (558، 2271) وأبي يعلى (7313) وابن حبان (7218) والبيهقي (11756).
وموسى بن عبدالرحمن المسروقي
عند البيهقي (11756).
ويوسف بن موسى القطان عند
البيهقي (11756).
وأبو بردةَ: ترجمه المزيّ في تهذيبه (33: 66 - 70)
ونقل ثناء جمع من العلماء عليه، وتوثيقهم إيّاه، على الرغم من ناصبيّته، وقال ابن
حجر في التقريب (7952): «ثقة».
ولنكتفِ بذلك، من دون التنبيش عن النصب، فليس النصب
مكروهاً لدى أكثرِ المحدّثين، وما ضعّفوا به أحداً!؟
أمّا حفيده بريد بن عبدالله بنِ أبي بُردةَ، راوي
الحديثِ عن جدّه: ترجمه المزيّ في تهذيب الكمال (4: 50) ونصّ على روايتِه عن جدّه،
وشكّك في روايته عن أبيه عبدالله!
نقلَ المزيُّ توثيقه عن يحيى بن معين والعجليّ،
وترجمه ابن حبّان في الثقات (6: 116) وقال: «كان يخطئ».
وقالَ النسائيّ: ليس به بأسٌ، بينما نقل ابن عديّ
في الكامل (2: 245) عن النسائيّ قوله: « ليس بذاك القوي».
ونقل قول أبي حاتم: ليس بالمتين، يكتب حديثه.
وَنقَل عن عَمْرو بْن عَلِيٍّ الفلّاس قوله: لم
أسمع يَحْيَى القطّان ولا عَبْد الرَّحْمَنِ بن مهدي، يحدثان عَنْ سفيان الثوريّ،
عنه بشيءٍ قط!
قال الفقير عداب: الفلّاس لم يسمع، ولا ريب في أنّه
ثقة صادق!
لكنّي وجدت عبدالرحمن بن مهديّ، روى عن سفيان، عن
بريدٍ حديثاً، أخرجه النسائيّ الزكاةِ من المجتبى (2560).
ووجدتُ يحيى بن سعيدٍ القطّان، روى عن سفيان، عن
بريدٍ حديثاً أيضاً، أخرجه أحمد في مسنده (18836) والنسائي في الزكاة من المجتبى
(2556).
وفي ضعفاء أبي زُرعةَ الرازيّ (2: 361): شيخ، ليس
بالقويّ!
وفي ضعفاء العقيلي (1: 157) عن أحمد ابن حنبل:
بريدٌ يروي أحاديثَ مناكيرَ.
وترجمه ابن عديّ في كامله (2: 244) ونقل عن شيخه
ابن حمّاد قال: لَيْسَ بذاك القويّ، أظنه ذكره عَن الْبُخَارِيّ.
وختم
ابن عدي ترجمته بقوله: «وَبُرَيْدُ بْنُ عَبد اللَّهِ هَذَا، قَدْ رَوَى عَنْهُ
الأَئِمَّةُ وَالثِّقَاتُ مِنَ النَّاسِ، وَلَمْ يَرْوِ عَنْهُ أَحَدٌ أَكْثَرَ
مِمَّا رَوَاهُ أَبُو أُسَامَةَ عَنْهُ، وَأَحَادِيثُهُ غَيْرُ مُسْتَقِيمَةٍ،
وَهو صَدُوقٌ وَقَدْ أَدْخَلَهُ أصحاب الصحاح في صحاحهم».
قال
عداب: سواء كان قول ابن عديّ (أَحَادِيثُهُ غَيْرُ مُسْتَقِيمَةٍ) يعود على حمّاد
بن أسامةَ، أم كان يعود على بريدٍ؛ فالنتيجةُ واحدةٌ.
-إذ
أخرج البخاري من رواية أبي أسامةَ عن بريدٍ (46) رواية، منها (79، 92، 196، 567،
651).
-
وأخرج مسلم من رواية أبي أسامةَ عن بريدٍ (51) روايةً منها (42، 100، 641، 662،
779).
وأخرج
له ابن حبّان الذي قال: «إنّه يخطئ» في صحيحه (31) حديثاً، منها (3، 231، 531،
558، 561).
ومِمّا
لا أشكُّ فيه أنّ كثيراً من رواياته توبع عليها، لكنّ جمهرة كبيرةً منها، كأنها
نسخة يرويها عن جدّه أبي بردةَ، عن أبي موسى!
وحديثُ
الباب فردٌ مطلقٌ من لدُن حمّاد بن أسامةَ إلى أبي موسى الأشعريّ.
وقد
ظهر من كلام العلماءِ في بريدٍ أنّه ليس ممن يُحتمل تفرّده، وهو لم يتابَع على
حديثِه هذا، فيكونُ الحكم على هذا الحديثِ؛ أنّه ضعيفٌ لضعف بُريدٍ هذا!
هذا
عن إسناد الحديث، فماذا عن متنه؟
يلاحظ
أنّ الحديثَ قد اختصره البخاريّ، فأخلَّ في اختصاره، على النحو الآتي:
من المشاهد في هاتين الروايتين؛ أنّهما معاً
بإسنادٍ واحدٍ، من لدن أبي كُريب محمد بن العلاء، إلى أبي موسى الأشعريّ، فمن أين
جاء الاختلاف بين الروايتين إذن؟
إنّه من اختصار البخاريّ، من دون ارتيابٍ!
وعلينا أن نتعرّف إلى أوجه الاختلاف بين الروايتين،
وماذا صنع البخاريّ بهما!
أوّلاً: الرواية الأولى (558) خمسة أسطر، بينما
الرواية الثانية (2271) اثنا عشر سطراً، وهذا يعني أنّ البخاريَّ اختصر الرواية
الأولى إلى النصف!
ثانياً: في الرواية الأولى (558) فَقَالُوا: لاَ حَاجَةَ لَنَا إِلَى أَجْرِكَ.
بينما في الرواية الثانية (2271) فَقَالُوا: لاَ
حَاجَةَ لَنَا إِلَى أَجْرِكَ، الَّذِي شَرَطْتَ لَنَا، وَمَا عَمِلْنَا بَاطِلٌ.
فَقَالَ لَهُمْ: لاَ تَفْعَلُوا، أَكْمِلُوا
بَقِيَّةَ عَمَلِكُمْ، وَخُذُوا أَجْرَكُمْ كَامِلاً، فَأَبَوْا وَتَرَكُوا) ففيها
زيادةٌ من قوله (وَمَا عَمِلْنَا بَاطِلٌ ) إلى قوله: (فأبوا وتركوا).
ثالثاً: في الرواية الأولى (558): (فَاسْتَأْجَرَ آخَرِينَ، فَقَالَ: أَكْمِلُوا بَقِيَّةَ يَوْمِكُمْ،
وَلَكُمُ الَّذي شَرَطْتُ([12])،
فَعَمِلُوا حَتَّى إِذَا كَانَ حِينُ صَلاَةِ الْعَصْرِ قَالُوا: لَكَ مَا
عَمِلْنَا.
بينما في الرواية الثانية
(2271): (وَاسْتَأْجَرَ أَجِيرَيْنِ بَعْدَهُمْ، فَقَالَ لَهُمَا:
أَكْمِلاَ بَقِيَّةَ يَوْمِكُمَا هَذَا، وَلَكُمَا الَّذِي شَرَطْتُ لَهُمْ مِنَ
الأَجْرِ.
فَعَمِلُوا، حَتَّى إِذَا كَانَ حِينُ صَلاَةِ
الْعَصْرِ قَالاَ([13]):
لَكَ مَا عَمِلْنَا بَاطِلٌ، وَلَكَ الأَجْرُ الَّذِي جَعَلْتَ لَنَا فِيهِ.
فَقَالَ لَهُمَا: أَكْمِلاَ بَقِيَّةَ عَمَلِكُمَا،
فَإِنَّ مَا بَقِي مِنَ النَّهَارِ شَيءٌ يَسِيرٌ، فَأَبَيَا!
رابعاً: في الرواية الأولى (558): (فَاسْتَأْجَرَ قَوْماً، فَعَمِلُوا بَقِيَّةَ
يَوْمِهِمْ حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ، وَاسْتَكْمَلُوا أَجْرَ الْفَرِيقَيْنِ).
بينما في الرواية الثانية (2271): (وَاسْتَكْمَلُوا
أَجْرَ الْفَرِيقَيْنِ كِلَيْهِمَا، فَذَلِكَ مَثَلُهُمْ، وَمَثَلُ مَا قَبِلُوا
مِنْ هَذَا النُّورِ).
وبهذا فيمكن أن تكون الرواية الثانيةُ هي
المعتمدَةَ، واختصار الأولى؛ كان قاصراً ومُخلّاً، لو صحَّ إسنادُ الحديث!
وإذْ
لم يصحّ إسنادُ الحديثِ، ولم يستقم لنا متنُه، فما علينا إلّا أن نبحث له عن شاهدٍ
صحيح، أو حسن لذاتِه، نقوّيه به!
(1)
بإسنادي إلى الإمام البخاريّ في مواقيت الصلاةِ، باب من أدرك ركعةً من العصر قبل
الغروب (557) قال رحمه الله تعالى: حَدَّثَنا
عَبْدُالْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِاللهِ([14])
قَالَ: حَدَّثَني إِبْرَاهِيمُ([15])
عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِاللهِ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّهُ
أَخْبَرَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ e يَقُولُ: (إِنَّمَا بَقَاؤُكُمْ
فِيمَا سَلَفَ قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَمِ، كَمَا بَيْنَ صَلاَةِ الْعَصْرِ إِلَى
غُرُوبِ الشَّمْسِ، أُوتِيَ أَهْلُ التَّوْرَاةِ التَّوْرَاةَ، فَعَمِلُوا بها،
حَتَّى إِذَا انْتَصَفَ النَّهَارُ؛ عَجَزُوا، فَأُعْطُوا قِيرَاطاً قِيرَاطاً.
ثُمَّ أُوتِيَ أَهْلُ الإِنْجِيلِ الإِنْجِيلَ، فَعَمِلُوا
إِلَى صَلاَةِ الْعَصْرِ، ثُمَّ عَجَزُوا؛ فَأُعْطُوا قِيرَاطاً قِيرَاطاً.
ثُمَّ أُوتِينَا الْقُرْآنَ، فَعَمِلْنَا إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ؛
فَأُعْطِينَا قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ!
فَقَالَ أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ([16]):
أَيْ رَبَّنَا! أَعْطَيْتَ هَؤُلاَءِ قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ، وَأَعْطَيْتَنَا
قِيرَاطاً قِيرَاطاً، وَنَحْنُ كُنَّا أَكْثَرَ عَمَلاً؟!
قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ
أَجْرِكُمْ، مِنْ شَيْءٍ؟ قَالُوا: لاَ !
قَالَ: فَهْوَ فَضْلي، أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ)([17]).
(2)
وأعاده البخاريّ في كتاب التوحيد، بابٌ في المشيئةِ والإرادة (7467) قال:
حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بنُ نَافِعٍ: أَنا
شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بنُ عَبْدِاللهِ أَنَّ
عَبْدَاللهِ بنَ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عَنهُما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ e وَهْوَ قَائِمٌ عَلَى
الْمِنْبَرِ([18]):
(إِنَّمَا بَقَاؤُكُمْ فِيمَا([19])
سَلَفَ قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَمِ، كَمَا بَيْنَ صَلاَةِ الْعَصْرِ إِلَى غُرُوبِ
الشَّمْسِ.
أُعْطِيَ
أَهْلُ التَّوْرَاةِ التَّوْرَاةَ، فَعَمِلُوا بِهَا حَتَّى انْتَصَفَ النَّهَارُ،
ثُمَّ عَجَزُوا؛ فَأُعْطُوا قِيرَاطاً قِيرَاطاً.
ثُمَّ
أُعْطِيَ أَهْلُ الإِنْجِيلِ الإِنْجِيلَ، فَعَمِلُوا بِهِ حَتَّى صَلاَةِ
الْعَصْرِ، ثُمَّ عَجَزُوا؛ فَأُعْطُوا قِيرَاطاً قِيرَاطاً.
ثُمَّ
أُعْطِيتُمُ الْقُرْآنَ، فَعَمِلْتُمْ بِهِ حَتَّى غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَأُعْطِيتُمْ
قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ.
قَالَ
أَهْلُ التَّوْرَاةِ: رَبَّنَا! هَؤُلاَءِ أَقَلُّ عَمَلاً([20])
وَأَكْثَرُ أَجْراً([21]).
قَالَ:
هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ أَجْرِكُمْ([22])
مِنْ شَيْءٍ؟ قَالُوا: لاَ.
فَقَالَ:
فَذَلِكَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ)([23]).
(3) وأعاده البخاريّ في كتابِ
التوحيدِ، باب قوله تعالى: (قُلْ: فأتوا بالتَوراة، فاتْلوها) رقم (7533) قال:
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ: أَنا عَبْدُاللهِ: أَنا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَخْبَرَنِي
سَالِمٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عَنهُما؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ e قَالَ:
(إِنَّمَا
بَقَاؤُكُمْ فِيمَنْ سَلَفَ مِنَ الأُمَمِ، كَمَا بَيْنَ صَلاَةِ الْعَصْرِ إِلَى
غُرُوبِ الشَّمْسِ.
أُوتِيَ
أَهْلُ التَّوْرَاةِ التَّوْرَاةَ فَعَمِلُوا بِهَا حَتَّى انْتَصَفَ النَّهَارُ،
ثُمَّ عَجَزُوا؛ فَأُعْطُوا قِيرَاطاً قِيرَاطاً.
ثُمَّ
أُوتِيَ أَهْلُ الإِنْجِيلِ الإِنْجِيلَ، فَعَمِلُوا بِهِ، حَتَّى صُلِّيَتِ
الْعَصْرُ، ثُمَّ عَجَزُوا؛ فَأُعْطُوا قِيرَاطاً قِيرَاطاً.
ثُمَّ
أُوتِيتُمُ الْقُرْآنَ، فَعَمِلْتُمْ بِهِ حَتَّى غَرَبَتِ([24])
الشَّمْسُ، فَأُعْطِيتُمْ قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ.
[أ:
589] فَقَالَ أَهْلُ الْكِتَابِ: هَؤُلاَءِ أَقَلُّ مِنَّا عَمَلاً، وَأَكْثَرُ
أَجْراً.
قَالَ
اللهُ: هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ حَقِّكُمْ شَيْئاً؟ قَالُوا: لاَ! قَالَ: فَهْوَ
فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ).
(4) وأعاده البخاريُّ في كتاب الإجارةِ، باب الإجارة إلى
نصف النهار (2268) قال: حَدَّثَنا سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ: ثَنا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ،
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، عَنِ النَّبِيِّ e قَالَ: (مَثَلُكُمْ
وَمَثَلُ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ؛ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ أُجَرَاءَ.
فَقَالَ:
مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ غُدْوَةَ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ؟
فَعَمِلَتِ الْيَهُودُ.
ثُمَّ
قَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إِلَى صَلاَةِ الْعَصْرِ عَلَى قِيرَاطٍ؟
فَعَمِلَتِ النَّصَارَى.
ثُمَّ
قَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنَ الْعَصْرِ إِلَى أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ عَلَى
قِيرَاطَيْنِ؟ فَأَنْتُمْ هُمْ!
فَغَضِبَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى،
فَقَالُوا: مَا لَنَا أَكْثَرَ([25])
عَمَلاً، وَأَقَلَّ([26])
عَطَاءً؟!
قَالَ:
هَلْ نَقَصْتُكُمْ مِنْ حَقِّكُمْ؟ قَالُوا: لاَ. قَالَ: فَذَلِكَ فَضْلِي
أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ).
(5)
وأعاده في كتاب الأنبياءِ، باب ما ذُكِرَ عن بني إسرائيلَ (3459) قال: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ: ثَنا لَيْثٌ([27])
عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَنْ رَسُولِ اللهِ e قَالَ: (إِنَّمَا
أَجَلُكُمْ، فِي أَجَلِ مَنْ خَلاَ مِنَ الأُمَمِ؛ مَا بَيْنَ صَلاَةِ الْعَصْرِ
إِلَى مَغْرِبِ الشَّمْسِ.
وَإِنَّمَا
مَثَلُكُمْ وَمَثَلُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، كَرَجُلٍ اسْتَعْمَلَ عُمَّالاً.
فَقَالَ:
مَنْ يَعْمَلُ لِي إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ؟ فَعَمِلَتِ
الْيَهُودُ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ.
ثُمَّ
قَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إِلَى صَلاَةِ الْعَصْرِ، عَلَى
قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ؟
فَعَمِلَتِ
النَّصَارَى مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إِلَى صَلاَةِ الْعَصْرِ، عَلَى قِيرَاطٍ
قِيرَاطٍ.
ثُمَّ
قَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ صَلاَةِ الْعَصْرِ إِلَى مَغْرِبِ الشَّمْسِ، عَلَى
قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ؟ قالَ([28]):
أَلاَ فَأَنْتُمُ الَّذِينَ تَعْمَلُونَ مِنْ صَلاَةِ الْعَصْرِ إِلَى مَغْرِبِ
الشَّمْسِ، عَلَى قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ، أَلاَ لَكُمُ الأَجْرُ مَرَّتَيْنِ.
فَغَضِبَتِ
الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَقَالُوا: نَحْنُ أَكْثَرُ عَمَلاً [أ: 275] وَأَقَلُّ
عَطَاءً.
قَالَ
اللهُ: هَلْ([29])
ظَلَمْتُكُمْ مِنْ حَقِّكُمْ شَيْئاً؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ:
فَإِنَّهُ فَضْلِي أُعْطِيهِ مَنْ شِئْتُ)([30]).
(6)
وأعاده في كتاب الإجارة، باب الإجارة إلى صلاة العصر (2269) قال: حَدَّثَنا
إِسْمَاعِيلُ ابنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ
دِينَارٍ، مَوْلَى عَبْدِاللهِ بنِ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ عُمَرَ بنِ
الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ e قَالَ:
(إِنَّمَا مَثَلُكُمْ وَالْيَهُودُ
وَالنَّصَارَى؛ كَرَجُلٍ اسْتَعْمَلَ عُمَّالاً.
فَقَالَ:
مَنْ يَعْمَلُ لِي إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ؟ فَعَمِلَتِ
الْيَهُودُ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ.
ثُمَّ
عَمِلَتِ النَّصَارَى عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ، ثُمَّ أَنْتُمُ الَّذِينَ تَعْمَلُونَ
مِنْ صَلاَةِ الْعَصْرِ إِلَى مَغَارِبِ الشَّمْسِ عَلَى قِيرَاطَيْنِ
قِيرَاطَيْنِ.
فَغَضِبَتِ
الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، وَقَالُوا: نَحْنُ أَكْثَرُ عَمَلاً، وَأَقَلُّ عَطَاءً؟!
قَالَ:
هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ حَقِّكُمْ شَيْئاً؟ قَالُوا: لاَ! قَالَ: فَذَلِكَ فَضْلِي
أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ).
(7) وأعاده البخاريّ في كتابِ فضائلِ القرآن، باب فضلِ
القرآن على سائر الكلام (5021) قال: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ عَنْ
يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ: حَدَّثَنِي عَبْدُاللهِ بنُ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ
ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عّنْهُما عَنِ النَّبِيِّ e قَالَ: (إِنَّمَا
أَجَلُكُمْ فِي أَجَلِ مَنْ([31])
خَلاَ مِنَ الأُمَمِ، كَمَا بَيْنَ صَلاَةِ الْعَصْرِ وَمَغْرِبِ الشَّمْسِ.
وَمَثَلُكُمْ
وَمَثَلُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى؛ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَعْمَلَ عُمَّالاً،
فَقَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ؟ فَعَمِلَتِ
الْيَهُودُ.
فَقَالَ:
مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إِلَى الْعَصْرِ، على قيراطٍ؟
فَعَمِلَتِ النَّصَارَى.
ثُمَّ
أَنْتُمْ تَعْمَلُونَ مِنَ الْعَصْرِ إِلَى الْمَغْرِبِ بِقِيرَاطَيْنِ
قِيرَاطَيْنِ.
قَالُوا:
نَحْنُ أَكْثَرُ عَمَلاً وَأَقَلُّ عَطَاءً؟! قَالَ: هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ
حَقِّكُمْ؟ قَالُوا: لاَ!
قَالَ:
فَذَاكَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ شِئْتُ)([32]).
قال
الفقير عداب:
مدار
حديثِ عبدالله بن عمر عليه، رواه عنه عند البخاريّ وحده:
ابنه
سالم بن عبدالله بن عمر.
وتلميذه
المكثر عنه نافعٌ مولاه.
وتلميذه
المكثر عنه أيضاً عبدُالله بن دينارٍ مولاه.
وقد
صرّح ابن عمر بسماعِه الحديثَ من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، في رواية
ابنه سالمٍ عنه.
أمّا
في رواية نافعٍ وعبدالله بن دينارٍ؛ فليس فيهما تصريح ابن عمر بالسماع!
ومدارُ
رواية سالمِ بن عبدالله على محمد بن مسلم ابن شهاب الزهريّ:
ففي
مواقيت الصلاة (557) من روايةِ إبراهيم بن سعدٍ الزهريّ عن ابن شهابٍ، عن سالم، عن ابن عمر أنّه سمع رسول
الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال.
وفي
التوحيد (7467) من رواية شُعيبِ بن أبي حمزة عن ابن شهابٍ الزهريّ، عن سالم، عن
ابن عمر قال: سمعتُ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وهو قائمٌ على المنبر
يقول:
وفي
التوحيد (7533) من رواية يونسَ بن يزيدَ الأيليّ عن ابن شهابٍ الزهريّ، عن سالم،
عن ابن عمر؛ أنّ رسولَ الله قال.
والزهريُّ
من كبار الحفّاظ، النواصب من دون شكٍّ، وقد ترجمه المزيّ في تهذيبه (26: 419) ونقل
ثناءَ الأئمّة عليه، كما نقل في غمزه خَصلتين:
الخصلة
الأولى: قَال أنس بن عياض عن عُبَيد الله بن عُمَر العمريّ: كنت أرى الزُّهْرِيّ
يُعطي الكتابَ، فلا يَقرؤه «على المعطَى» ولا يُقرأُ عليه، فيُقال له: نَروي هذا
عنك؟ فيقول: نعم.
وَقَال
إبراهيم بن أَبي سفيان القيسراني: عن الفريابي: سمعت سفيان الثوري يقول: أتيت
الزُّهْرِيّ فتثاقل علي، فقلت له: لو أنك أتيت أشياخنا، فصنعوا بك مثل هذا - يعني
كيف سيكون موقفك؟ - فقال: كما أنت، ودخل فأخرج إليّ كتاباً، فقال: خُذْ هذا
فارْوِهِ عنّي، فما رَويتُ عَنْهُ حرفاً» يعني كان يجيز الروايةَ بالمناولةِ، من
دون تحديثٍ.
قال
الفقير عداب: أجل لم يرو الثوريُّ عن الزهريّ شيئاً!
والخصلةُ
الثانية: «قَال سفيان بن عُيَيْنَة عن الزُّهْرِيّ: إعادة الحديث أشدُّ من نقل
الصخر».
قلت:
كان الزهريّ لا يحدّث من كتابه، وإنما يحدّث من حفظه، فإذا طُلبَ منه إعادةُ
الحديثِ، فربما غيّر بعضَ ألفاظه؛ لأنّه ممّن يجيز الرواية بالمعنى!
ونقّاد
الحديث يقولون: إذا اتّفق الرواة عن شيخٍ على لفظٍ واحدٍ، وظهر أنّ هذا اللفظَ
خطأٌ؛ فيكون الخطأُ من الشيخِ.
أمّا
إذا اختلفوا؛ فيكون الخطأُ من قِبَلهم.
وفي
هذا الكلام نظر عندي، إذ ليس بين أيدينا ما يثبتُ أنّ هؤلاء الرواة الثلاثةُ حضروا
معاً مجلس الزهريّ، عندما حدّث بهذا الحديث!
بل
هناك ما هو أهمّ، وهو أنّهم ثلاثتهم رووه عن الزهريّ بالعنعنة!
فإذا
تصوّرنا أنّ الزهريّ حدّث كلَّ واحدٍ منهم على حدَته، وهو يستثقل إعادةَ الحديثِ،
ويجوّز الرواية بالمعنى؛ فيمكن أن يكون تغاير ألفاظ صيغة قول الزهريِّ منه، وليس
من تلامذته.
خصوصاً
وأنّ تلميذه يونسَ وافق نافعاً وعبدالله بن دينار في عدم تصريح ابن عمر بسماعه هذا
الحديثَ، من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.
ويبدو
لي أنّ هذا الحديثِ من لَدُنْ أبي موسى الأشعريّ الذي كان نصرانيّاً، فأسلم.
وكان
قبلَ إسلامه من علمائهم، ولعلّ أبا موسى حكاه لبعضِ تلامذته من أمثال ابنه أبي بردةَ
وصِهْره عبدالله بن عمر، وهم نقلوه على سبيل العبرة إلى تلامذتهم، ثمّ وَهم فيه
مَن وهم، فجعله حديثاً عن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، ثمّ نقلوه بالمعنى،
فمنهم من طوّل، ومنهم من قصّر.
وأصل ذلك كلّه نصٌّ في إنجيل متّى، الإصحاح
العشرين الآيات (1 - 16) وإليك هو:
(1)
فَإِنَّ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ؛ يُشْبِهُ رَجُلاً رَبَّ بَيْتٍ، خَرَجَ مَعَ
الصُّبْحِ لِيَسْتَأْجِرَ فَعَلَةً لِكَرْمِهِ.
(2)
فَاتَّفَقَ مَعَ الْفَعَلَةِ عَلَى دِينَارٍ فِي الْيَوْمِ، وَأَرْسَلَهُمْ إِلَى
كَرْمِهِ.
(3)
ثُمَّ خَرَجَ نَحْوَ السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ وَرَأَى آخَرِينَ قِيَامًا فِي السُّوقِ
بَطَّالِينَ.
(4)
فَقَالَ لَهُمُ: اذْهَبُوا أَنْتُمْ أَيْضًا إِلَى الْكَرْمِ فَأُعْطِيَكُمْ مَا
يَحِقُّ لَكُمْ، فَمَضَوْا.
(5) وَخَرَجَ أَيْضًا نَحْوَ السَّاعَةِ
السَّادِسَةِ وَالتَّاسِعَةِ وَفَعَلَ كَذلِكَ.
(6) ثُمَّ نَحْوَ السَّاعَةِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ
خَرَجَ وَوَجَدَ آخَرِينَ قِيَامًا بَطَّالِينَ، فَقَالَ لَهُمْ: لِمَاذَا
وَقَفْتُمْ ههُنَا كُلَّ النَّهَارِ بَطَّالِينَ؟
(7) قَالُوا لَهُ: لأَنَّهُ لَمْ
يَسْتَأْجِرْنَا أَحَدٌ.
قَالَ
لَهُمُ:اذْهَبُوا أَنْتُمْ أَيْضًا إِلَى الْكَرْمِ فَتَأْخُذُوا مَا يَحِقُّ
لَكُمْ.
(8)
فَلَمَّا كَانَ الْمَسَاءُ قَالَ صَاحِبُ الْكَرْمِ لِوَكِيلِهِ: ادْعُ
الْفَعَلَةَ وَأَعْطِهِمُ الأُجْرَةَ مُبْتَدِئًا مِنَ الآخِرِينَ إِلَى
الأَوَّلِينَ.
(9)
فَجَاءَ أَصْحَابُ السَّاعَةِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ وَأَخَذُوا دِينَارًا دِينَارًا.
(10)
فَلَمَّا جَاءَ الأَوَّلُونَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ أَكْثَرَ. فَأَخَذُوا
هُمْ أَيْضًا دِينَارًا دِينَارًا.
(11)
وَفِيمَا هُمْ يَأْخُذُونَ تَذَمَّرُوا عَلَى رَبِّ الْبَيْتِ قَائِلِينَ:
(12)
هؤُلاَءِ الآخِرُونَ عَمِلُوا سَاعَةً وَاحِدَةً، وَقَدْ سَاوَيْتَهُمْ بِنَا
نَحْنُ الَّذِينَ احْتَمَلْنَا ثِقَلَ النَّهَارِ وَالْحَرَّ!
(13)
فَأجَابَ وَقَالَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ: يَا صَاحِبُ، مَا ظَلَمْتُكَ! أَمَا
اتَّفَقْتَ مَعِي عَلَى دِينَارٍ؟
(14)
فَخُذِ الَّذِي لَكَ وَاذْهَبْ، فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُعْطِيَ هذَا الأَخِيرَ
مِثْلَكَ.
(15)
أَوَ مَا يَحِلُّ لِي أَنْ أَفْعَلَ مَا أُرِيدُ بِمالِي؟ أَمْ عَيْنُكَ
شِرِّيرَةٌ لأَنِّي أَنَا صَالِحٌ؟
(16)
هكَذَا يَكُونُ الآخِرُونَ أَوَّلِينَ وَالأَوَّلُونَ آخِرِينَ، لأَنَّ كَثِيرِينَ
يُدْعَوْنَ، وَقَلِيلِينَ يُنْتَخَبُونَ)([33]).
خلاصةُ
الحكمِ على حديث ابن عمر:
إسناد
حديث ابن عمر؛ صحيح مستفيض عنه، لكنّ متنه - فيما يبدو لي - منقول عن أهل الكتابِ،
مع مزيدٍ مِنَ التعديل والتبديل فيه؛ ليتناسبَ أن يكون من ثقافة المسلمين، ومتنه في
إنجيل متّى؛ يُشير إلى سعة كرم الله تعالى على عباده، فوقَ العدل
ولا
علاقةَ له باليهود والنصارى والمسلمين، وإن جعله المسلمون كذلك!
ومع
أنّ نتيجةَ بحثي هنا مغايرة لما خلصتُ إليه قبل ثلاثٍ وعشرين سنةً، يوم كتبت كتابي
«محاضرات
في تخريج الحديث ونقده» إلّا أنّ على القارئ الكريم الرجوعُ لزاماً إلى هذا الكتاب
(ص: 243 - 273) لتطلّع على كثيرٍ من مطالب هذا البحثِ، التي لم أذكرها هنا، حتى لا
يَطولَ البحث كثيراً.
واللهُ تَعالى أعلَمُ.
(رَبَّنا: ظَلَمْنَا
أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ
الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى الله على
سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً
والحَمْدُ
للهِ على كلِّ حالٍ.
([11]) مِن حَديثِ أبي أسامة حمّاد عَنْ بُرَيْدٍ،
عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، مرفوعاً؛ انفرد
به البخاري عن بقيّة التسعة، وأخرجه وأبو يعلى في مسنده (7312) وابن حبان في
صحيحِه - كتاب إخباره e عن مناقب الصحابة، باب فضل الأمة (7218) والدارقطنيّ في أربعين حديثاً من
مسند بُريدٍ (87) والبيهقيُّ في الخلافيّات (1053) و في السنن الكبير (12: (11756)
والبغويُّ في شرح السنّة (14: (4018) وانظر «التحفة» [9070] و«الإتحاف» [12345].
([17]) من حديث عبدالله بن عمر e: أخرجه أحمد في مسند المكثرين من الصحابة (8: (4508) (10: (5902،
5903، 5904، 5911، 5966، 6029، 6066، 6133، 6173) وابن حبان في كتاب التاريخ، باب
إخباره e عما يكون في أمته من الفتن والحوادث (6639) وكتاب إخباره e
عن مناقب الصحابة، باب فضل الأمة، ذكر تمثيل المصطفى e أجل هذه الأمة في آجال من خلا قبلها من الأمم (7217) وذكر إعطاء
جل وعلا الثواب لهذه الأمة على يسير العمل أضعاف ما يعطي على كثيره لغيرها من
الأمم (7221) والحاكم في التفسير (3656) وقال: «حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه»
والترمذي في الأمثال عن رسول الله e، باب ما جاء في مثل ابن آدم وأجله وأمله (2871) وقال: «حسن صحيح».
انظر التحفة [5: 6799] والإتحاف [8: 9642].
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق