مَسائلُ حَديثيّةٌ (65):
جَزيرةُ العَربِ للمسلمينَ وحْدَهُم!؟
بسم الله الرحمن الرحيم
(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ
أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.
رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ
كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا
بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).
استمعت اليومَ الأحدَ إلى مثقّف خليجيّ دكتور في
علم السياسة؛ يقول: إنّ إعادة اليهودِ العرب، إلى مواطنهم العربية التي كانوا
فيها؛ هو من مصلحةِ المسلمين اليوم!
ويبدو أنّ هذا الرجلَ؛ ينطلق من منطلقٍ عقليّ، من
غير نظرٍ إلى حكمِ الله تعالى، وحكم رسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم بهذه
المسألة!
وإذ إنّ الرجل منظور إليه، لدى شريحة واسعة من
المسلمين، وخاصّةً لدى أهل الخليج؛ فلا بدّ من بيان حكم الشرع في هذه المسألة،
بعيداً عن التجريح والتخوين!
أوّلاً: قال الله تبارك وتعالى: بسم الله الرحمن
الرحيم
(هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ
أَهْلِ الْكِتَابِ، مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ.
مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا، وَظَنُّوا
أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللهِ.
فَأَتَاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا،
وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ!
يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي
الْمُؤْمِنِينَ، فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ (2).
وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ
الْجَلَاءَ؛ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ
النَّارِ(3)
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ،
وَمَنْ يُشَاقِّ اللهَ؛ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (4).
مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ، أَوْ تَرَكْتُمُوهَا
قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا؛ فَبِإِذْنِ اللهِ، وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ(5).
وَمَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ،
فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ!
وَلَكِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ
يَشَاءُ، وَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6).
مَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ
الْقُرَى؛ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى
وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ، كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ
الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ.
وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ؛ فَخُذُوهُ، وَمَا
نَهَاكُمْ عَنْهُ؛ فَانْتَهُوا.
وَاتَّقُوا اللهَ، إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ
(7) [الحشر].
ثانياً: قال الله تبارك وتعالى: (وَأَنْزَلَ
الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي
قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا (26)
وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ
تَطَئُوهَا وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (27) [الأحزاب].
وجه الدلالة من هذه الآيات:
(1) الله تعالى هو الذي أخرج اليهود من الديار التي
كانوا يقيمون فيها، بسبب معاندتهم لله تعالى ولرسوله، وبسبب خيانتهم ونقضهم
العهود.
(2) الله تعالى هو الذي كتب عليهم (الجلاء) وكلّف
الرسولَ صلّى الله عليه وآله وسلم بتنفيذ أمره بإجلائهم.
(3) الله تعالى هو الذي أحلّ لرسوله أموالهم
وديارهم، وجعلها فيئاً لله ولرسوله، يقوم الرسول على توزيعه للطبقات الفقيرة من
الأمة المسلمة.
ثالثاًً: الأحاديث النبويّة الشريفة:
(1) قال الرسولُ صلّى الله عليه وآله وسلّم: (أخرجوا
المشركين من جزيرة العرب) أخرجه البخاريّ في الجهاد (3053) وفي الجزية (3168) وفي
المغازي (4431) وأخرجه مسلم في كتاب الوصيّة (1637) وجمع من المصنفين، وإسناده
صحيح.
(2) قال الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم: (لئنْ
عِشْتُ؛ لَأُخْرِجَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ حَتَّى
لَا أَدَعَ إِلَّا مُسْلِماً).
من حديث عبدالملك ابْنُ جُرَيْجٍ قال: أَخْبَرَنِي
أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِاللهِ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي
عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ: الحديث. أخرجه مسلم في كتاب الجهاد (1767) وأحمد في مسنده
(167) وجمع من المصنّفين، والترمذيّ في كتاب السِيَر (1606، 1607) وقال: حديث حسن
صحيح.
وهو كما
قال، إسناده جميعهم ثقات، وقد صرّح ابن جريج وأبو الزبير بالتحديث!
(3) أخرج البخاريّ في كتاب الجزية (3167) وفي كتاب
الإكراه (6944) وفي كتاب الاعتصام (7348) ومسلم في كتاب الجهاد (1765) من حديث أبي
هريرة قال: بَيْنَا نَحْنُ فِي الْمَسْجِدِ إِذْ خَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: (انْطَلِقُوا إِلَى يَهُودَ) فَخَرَجْنَا
مَعَهُ حَتَّى جِئْنَاهُمْ.
فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَنَادَاهُمْ، فَقَالَ:
(يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا)
فَقَالُوا: قَدْ بَلَّغْتَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ!
فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ذَلِكَ أُرِيدُ، أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا) فَقَالُوا: قَدْ
بَلَّغْتَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ!
فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ذَلِكَ أُرِيدُ)
فَقَالَ لَهُمُ الثَّالِثَةَ: فَقَالَ: (اعْلَمُوا
أَنَّمَا الْأَرْضُ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وَإنِّي أُرِيدُ أَنْ أُجْلِيَكُمْ مِنْ
هَذِهِ الْأَرْضِ، فَمَنْ وَجَدَ مِنْكُمْ بِمَالِهِ شَيْئاً فَلْيَبِعْهُ،
وَإِلَّا فَاعْلَمُوا أَنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ) وإسناده صحيح.
(4) أخرج البخاريّ في المغازي (4028) ومسلم في
الجهاد (1766) من حديث موسى بن عقبةَ عن نافعٍ، عن عبدالله بن عمر قال: حَدَّثَنَا
إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ
عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا قَالَ: (حَارَبَتْ النَّضِيرُ وَقُرَيْظَةُ، فَأَجْلَى بَنِي النَّضِيرِ،
وَأَقَرَّ قُرَيْظَةَ وَمَنَّ عَلَيْهِمْ حَتَّى حَارَبَتْ قُرَيْظَةُ... ثمَّ أَجْلَى
يَهُودَ الْمَدِينَةِ كُلَّهُمْ، بَنِي قَيْنُقَاعَ وَهُمْ رَهْطُ عَبْدِاللهِ
بْنِ سَلَامٍ وَيَهُودَ بَنِي حَارِثَةَ وَكُلَّ يَهُودِ الْمَدِينَةِ) وإسناده
صحيح.
(5) أخرج
الإمام الطيالسيّ في مسنده (226) وأحمد في مسنده (1599، 1602، 1607) وابن زنجويه
في الأموال (422) والدارميّ في مسنده (2498) والبخاريّ في التاريخ الكبير (605)
والفاكهي في أخبار مكة (1751) وغيرهم، من حديث إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْمُونٍ
الفزاريِّ قال: حدّثنا سَعْدُ بْنُ سَمُرَةَ عَنْ أَبِيهِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ،
عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: آخِرُ مَا
تَكَلَّمَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَخْرِجُوا
يَهُودَ الْحِجَازِ، وَأَهْلَ نَجْرَانَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ) وإسناده صحيح.
(6) أخرج البخاريّ في الشروط (2730) وأحمد في مسنده
(86) وأبو داود في الخراج (3007) وغيرهم، مِن حديث نافعٍ عن عبدالله بن عمر قالَ:
لَمَّا فَدَعَ أَهْلُ خَيْبَرَ عَبْدَاللهِ بْنَ عُمَرَ، قَامَ عُمَرُ خَطِيباً،
فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَامَلَ يَهُودَ
خَيْبَرَ عَلَى أَمْوَالِهِمْ، وَقَالَ: (نُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمْ اللهُ،
وَإِنَّ عَبْدَاللهِ بْنَ عُمَرَ خَرَجَ إِلَى مَالِهِ هُنَاكَ، فَعُدِيَ عَلَيْهِ
مِنْ اللَّيْلِ، فَفُدِعَتْ يَدَاهُ وَرِجْلَاهُ، وَلَيْسَ لَنَا هُنَاكَ عَدُوٌّ
غَيْرَهُمْ، هُمْ عَدُوُّنَا وَتُهْمَتُنَا، وَقَدْ رَأَيْتُ إِجْلَاءَهُمْ.
فَلَمَّا أَجْمَعَ عُمَرُ عَلَى ذَلِكَ؛ أَتَاهُ
أَحَدُ بَنِي أَبِي الْحُقَيْقِ، فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ:
أَتُخْرِجُنَا وَقَدْ أَقَرَّنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَعَامَلَنَا عَلَى الْأَمْوَالِ، وَشَرَطَ ذَلِكَ لَنَا.
فَقَالَ عُمَرُ: أَظَنَنْتَ أَنِّي نَسِيتُ قَوْلَ
رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَيْفَ بِكَ إِذا أُخْرِجْتَ
مِنْ خَيْبَرَ، تَعْدُو بِكَ قَلُوصُكَ، لَيْلَةً بَعْدَ لَيْلَةٍ؟
فَقَالَ: كَانَتْ هَذِهِ هُزَيْلَةً مِنْ أَبِي
الْقَاسِمِ، قَالَ: كَذَبْتَ يَا عَدُوَّ اللهِ!
فَأَجْلَاهُمْ عُمَرُ، وَأَعْطَاهُمْ قِيمَةَ مَا
كَانَ لَهُمْ مِنْ الثَّمَرِ، مَالاً وَإِبِلاً وَعُرُوضاً، مِنْ أَقْتَابٍ
وَحِبَالٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ».
(7) أخرج الإمام أحمد في مسنده (26352) والطبرانيّ
في الأوسط (1066) من حديث عبيدالله بن عبدالله المسعوديّ عن أمّ المؤمنين عائشة
قالت: كَانَ آخِرُ مَا عَهِدَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ
قَالَ: (لا يُتْرَكُ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ دِينَانِ) وأورده الهيثميّ في مجمع الزوائد
(5: 325) وقال: «رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، وَرِجَالُ
أَحْمَدَ رِجَالُ الصَّحِيحِ غَيْرَ ابْنِ إِسْحَاقَ، وَقَدْ صَرَّحَ بِالسَّمَاعِ»
قلت: إسناده صحيح.
بيد أنهم اختلفوا في وصله وإرساله.
فرواه أحمد والطبراني موصولاً، كما هو ظاهر.
ورواه البيهقيّ في دلائل النبوة (7: 230) وفي السنن
الكبير (12: 107) و(13: 15) وقال: هذا مرسل.
وانظر إتحاف المهرة لابن حجر (17: 92).
قال الفقير عداب: أمّا حدود جزيرة العرب؛ فقد نقل
ياقوت الحمويّ في معجم البلدان له (2: 138) عن الإمام الأصمعيّ قال: «جزيرة العرب
أربعة أقسام: اليمن ونجد والحجاز والغور،وهي تِهامة:
فمن جزيرة العربِ؛ الحجازُ وما جمعه.
وتهامة واليَمن وسبا والأحقاف واليمامة والشَحَر وهَجَر
وعُمان والطائف ونجران والحِجْر وديارُ ثمود، والبئر المعطّلة والقَصرُ المَشيد
وإرم ذات العماد، وأصحاب الأخدود، وديار كندة، وجبال طيء وما بين ذلك».
ختاماً: تلك الآيات التي تقدمت، وهذه الأحاديث
الكثيرة المستفيضة؛ لا تحتاج إلى شرحٍ ولا توضيح، وكلّها تدلّ على أنّ حكم الله
تعالى، وحكم رسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم، أن (لا يجتمع دينان في جزيرة العرب)
وأنْ لا يُسمح للمشركين من البوذيين والهندوس والملاحدة، واليهود والنصارى
بالإقامة فيها.
وهذا الذي يقتضيه العقل المسلم، من ضرورة الوحدةِ
الفكريّة لشعوب جزيرة العرب؛ لأنها قاعدة الإسلام الأولى والعظمى، وهذا ما تقتضيه
مقاصد الشريعة، من ضرورة استقرار المجتمع وأمنِه.
واللهُ تَعالى أعلمُ.
(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ
تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله،
وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.
والحَمْدُ للهِ على كلِّ حالٍ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق