المشكلة الشيعيّة (4):
مَصادِرُ العَقائدِ الشيعيَّةِ السِياسيّةِ!؟
بِسمِ اللهِ الرَحْمنِ الرَحيمِ
(رَبَّنَا: عَلَيْكَ
تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.
رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا
فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا
بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ).
أحدُ الإخوةِ المعتدلين من الشيعةِ الإماميّة؛ كتب
إليّ يقول: أنتَ تنكرُ النصَّ والتعيينَ والعصمةَ والإمامةَ والبداءَ والرجعة
والمهديّ، فهل تتوقّع أنْ ليس لدى الشيعةِ رواياتٌ عن أئمةٍ موثوقين لديهم، قالوا
بهذه المعتقدات؟
هل يُعقَلُ أن يكون لدى الشيعةَ أصولُ فقهٍ وفقهٌ
جميلٌ رائقٌ، كما تقول، ويكونون في أبوابِ العقائد ضالّين؟
أرجو أن تُطلعنا على بعضِ مصادر الشيعةِ في
الاعتقاد، وأن تبيّن رأيك في هذه المصادر»!
أقول وبالله التوفيق:
أعني بالمعتدلين من الشيعةِ: الإخوةَ الذين لا
يكفّرون ولا يسبّون صحابةَ الرسولِ صلّى الله عليه وآله وسلّم، ولا يقولون بتحريفِ
القرآن الكريم، وقد يكونون في غير هذين الموضوعين، كبقيّة الروافضِ مغالين!
ثمّ أمّا بعد:
إنّ كتبَ الشيعةِ الإماميّةِ، التي يعدّونها أصول
مذهبهم العقديّ والفقهيّ؛ أربعةُ كتبٍ اعتمدَتْ المنهجَ الحديثيَّ لرواية ما
حَوَتْهُ من رواياتٍ:
الأوّل: كتاب الكافي، للإمام أبي جعفرٍ محمد بن يعقوبَ
بن إسحاقَ الكلينيِّ الرازيِّ (ت: 329 هـ) الموافق (941م) ويُعدّ أهمَّ كتب
الشيعةِ الإماميّةِ الروائيّة، على الإطلاق، حتى إنّ بعضهم يغالي في تعظيمِه،
فيقول: «الكافي المقدَّس»!
الثاني: كتابُ مَن لا يحضُرُه الفقيهُ، للإمامِ أبي
جعفرٍ محمد بن عليّ بن بابَوَيهِ القمّي، المشهور بالشيخ الصدوق (ت: 381 هـ)
الموافق (991م) وكتابه «الفقيه» هذا في نظر الفقير عداب؛ خيرٌ من كتابِ الكافي،
وأقلّ أحاديثَ واهيةً وموضوعة!
الثالث: تَهذيب الأحكامِ في أحاديثِ الحلال
والحرام؛ للإمامِ أبي جعفر محمد بن الحسن بن عليّ الطوسيّ، المشهور بشيخ الطائفةِ،
وإذا أُطلقت كلمة «الشيخ» تنصرف إليه (ت: 460 هـ) الموافق (1067م).
الرابع: الاستبصار فيما اختُلِفَ من الأخبار، للشيخ
أبي جعفرٍ الطوسيِّ نفسه .
وقد أثار الشيخ ماجد ناصر الزبيديّ في صدر كتابه
«الجامع للكتب الأربعة» إشكالاً، حيالَ كتاب الاستبصار هذا، حريّاً بالوقوف عنده،
قال:
«جميعُ رواياتِ الاستبصار؛ موجودةٌ في التهذيب،
وهذا قد يؤدّي إلى بحثٍ مهمٍّ، وهو:
هل كتابُ الاستبصار للشيخ الطوسيّ، أو لا؟!
فإذا كان له، فلماذا ألّفه؟ فهل يُعقل بأنّ الشيخَ
الطوسيَّ رغم أشغاله الكثيرة، يؤلّف كتاباً من كتابه التهذيب، ويسمّيه «الاستبصار
فيما اختُلفَ فيه من الأخبار»؟ وقد أشار إلى ذلك في كتاب التهذيب، وكان الأولى أن
يُسمّيه «مختصر التهذيب».
قال عداب: لا أظنّ الشيخَ الطوسيَّ أشار في خطبة
كتابِه (1: 3) إلى كتاب الاستبصار؛ لأنّه قال: « إذا وفّق اللهُ إلى الفراغِ من
هذا الكتابِ؛ أبتدئُ بشرحِ كتابٍ، يجتمع على جميعِ أحاديثِ أصحابنا، أو أكثرِها،
مما يبلغ إليه جهدي، وأستوفي ما يتعلق بها، إن شاء الله تعالى».
والشيخُ ماجدٌ هذا، ربما كان أخباريّاً، يعتقد أنّ
جميع ما في الكتب الأربعة؛ صحيح، وهذا باطلٌ من دون شكّ، ربما لهذا انتقد الشيخَ
الطوسيَّ لتأليف الاستبصار!
والشيخ الطوسيّ إنّما ألّف هذا الكتاب، في بيان
مختلف الحديث!
وعلم مختلف الحديث؛ علم مستقلٌّ برأسه، صنّف فيه
الشافعيّ وابن قتيبة والطحاويّ وغيرهم، رحمهم الله تعالى.
هذه الكتبُ الأربعةُ؛ هي عمدةُ مذهب الشيعة
الإماميّة، ويغلب على كتبِ الفقيه والتهذيب والاستبصار؛ رواياتُ الفقه.
وينفرد الكلينيّ بثلث كتابه الكافي، يدعوه «أصول
الكافي» وهو في صدرِ كتابه، ويختم الكافي بكتاب آخر يدعوه «روضةَ الكافي».
وفي كتاب «أصولِ الكافي» أصحُّ وأبرزُ أدلّةِ
عقائدِ الشيعةِ الإماميّة، وبيان الإيمان والكفر، يضاف إلى هذا تاريخ الرسولِ صلّى
الله عليه وآله وسلّم، وتاريخ الزهراء، وتاريخ الأئمة الاثني عشر، وأدلّةُ الأخلاق
والسلوك والدعاء، وغير ذلك كثير.
صحيحٌ أنّ ثمّةَ كتباً أخرى كثيرةً في الاعتقاد
والغيبة والمهديّ والرجعة؛ لكنّ مدارها ومحطَّ رحالِها على كتاب «أصول الكافي».
فمن يريد أن يفهم من أينَ توضّع الغلوُّ لدى
الشيعةِ الإماميّة، وأراد أن يعرف من أين جاء النصّ والتعيين والعصمة وانحصار
الإمامة في ذريّة الحسين عليه السلام، والرجعة والمهدي، وتكفير الصحابة، وتكفير
المخالفين في الباطن؛ فعليه أن يقرأ كتابَ «أصول الكافي» منفرداً، من دون تعليقٍ،
ولا تخريجٍ، ولا أحكامٍ على أحاديثه!
فالأخباريّون المغالون؛ يرون جميعَ ما في كتاب
الكافي مقطوعاً بصدوره عن المعصوم، لا يفرّقون بين متواترٍ وآحادٍ، ولا بين متّصل
ومنقطع، ولا بين مرفوع وموقوفٍ ومقطوع!
ثمّ عليه بعد ذلك أن يقرأ المجلّداتِ العشرةَ
الأولى من كتاب «مرآة العقول» للإمام محمد باقر المجلسيّ (ت: 1111 هـ) ثمّ يقرأ
شرحَ الروضة، الذي يبدأ في الجزء العشرين من المرآة (ص: 146) وينتهي في نهاية
المجلّد الحادي والعشرين، وهو نهاية الكتاب، حسبَ طبعة شركة الأعلمي للمطبوعات -
بيروت لبنان (1433 هـ - 2012 م) بتحقيق الشيخ مصطفى صبحي الخَضر.
وهو حين يقرأ كتاب المجلسيّ هذا؛ سيجده ضعّف أكثر
من (70%) من أحاديث الكافي!
لكنّه يشرحُ حتى هذه الرواياتِ الضعيفةَ، ويوضح كيف
فهمها علماء الشيعة، وما بنوا عليها من المعتقدات والأحكام، وهو دقيقٌ وفاهمٌ
ومستقصٍ.
ولو استقبلتُ من أمري ما استدبرتُ؛ لكرّست خمسَ
سنواتٍ من عمري الذي انقضى؛ لتحقيقِ «أصول الكافي» و«وروضة الكافي» وحكمتُ على
أحاديثِهما - وَفق منهاج الشيعة الإماميّة في نقد الحديث - وتعقّبتُ ما أفاده
العلّامةُ المجلسيّ، وما استنبطه من أحكامٍ وعقائدَ، في شرحه على أصول الكافي،
وروضته!
مستفيداً من كتبٍ كثيرةٍ، سطرها علماء الشيعةِ، في
نقد رواتهم وكتبهم، لكنّهم قلّما يأخذون بها في أبواب العقائد والغيبيّات، وللإسف!
لو قدّر الله تعالى لي، منذ عشر سنواتٍ أن أهتدي
إلى هذه الفِكرةِ، وأن أجمع مكتبتي الشيعيّة التي في العراقِ، مع مكتبتي الشيعيّة
التي في الأردّن، إلى مكتبتي الشيعيّة، التي جمعتها هنا في تركيّا؛ لتمكّنت من القيامِ
بهذا المشروع أتمّ قيامٍ!
ولكنتُ خدمتُ الأمة الإسلاميّة خدمةً، قد لا
يستطيعُ القيامَ بها - في عصرنا هذا - أحدٌ من أهل السنّة، ولا من الشيعة، على
حدٍّ سواء!
ولك أن تستغربَ - أخي القارئ الفاضل - أنّني تجاوزت
من العمر خمساً وسبعين سنةً، ولمّا تحتوي مكتبي على كتاب «مرآة العقول» إلّا منذ
خمسةِ أيّامٍ تقريباً!
إذ تبرّع لي بقيمته وقيمةِ غيره من الكتبِ الشيعية؛
أخوان فاضلان من تلامذتي، وسّع الله عليهما، وجزاهما اللهُ خيرَ الجزاء، مع أنّ
نفقاتي الالتزاميّة؛ ألوف الدولارات في كلّ شهر!
ختاماً: يجب أن يتنبّه القارئ الكريم، سنيّاً أم
شيعيّاً، إلى أنّ نظرةَ ابن المذهبِ إلى تراثه؛ تختلف عن نظرته إلى تراث الآخر،
الذي يعدّه خصماً دينيّاً له!
ولذلك يتوجّب على العالم السنيّ؛ الاطّلاع على ما
يوجّهه علماء الشيعةِ إلى تراثِه من انتقاداتٍ، مثلما يتوجّب على العالم الشيعيّ؛
الاطّلاع على ما يوجّهه علماء أهل السنة إلى تراثه من انتقاداتٍ واعتراضات.
ولأنني لست متعصّباً لهؤلاءِ ولا لأولئك؛ فأنا أنظر
بعينٍ واحدةٍ إلى التراثين، ولست معجباً بهذا التراثَ ولا بذاك، إذا استثنينا
كتابَ الله تبارك وتعالى بتمامه، وما صحّ عندي من سنّة الرسولِ صلّى الله عليه
وآله وسلّم، وهو قليلٌ قليل!
واللهُ تَعالَى أعْلَمُ.
(رَبَّنا: ظَلَمْنَا
أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ
الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله،
وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.
والحمد لله على كلّ حال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق