المشكلة الشيعيّة (5):
مِرآةُ العُقول في شرحِ أخبار آل الرسول!؟
بِسمِ اللهِ الرَحْمنِ الرَحيمِ
(رَبَّنَا: عَلَيْكَ
تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.
رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا
فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا
بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ).
كتابُ مِرآةُ العُقول في شرحِ أخبار آل الرسول
للإمام محمد باقر المجلسيّ (ت: 1111 هـ) يُعَدُّ عمدةً لدى الأصوليين من علماء الشيعة
الإماميّة، وهو عمدةٌ في شرحه كتابَ الكافي، لدى طائفةِ الأخباريين، دون أحكامِه
على كتب الكافي؛ لأنّ الأخباريين يذهبون إلى أنّ جميعَ ما في كتاب الكافي من
رواياتٍ؛ مقطوع بصدوره عن المعصوم عليه السلام!
ومن الضروريّ التأكيدُ هنا؛ على أنّ جميعَ علماءِ
الشيعةِ الإماميّة المتقدمين؛ لا يُعنَون بنقد الرواياتِ التي تخصّ العقائدَ
الشيعيّة؛ لأنهم يعدّونها متواترةً، والمتواترُ من الرواياتِ لا يحتاجُ إلى بحثٍ
في أسانيدها.
والذي يريد أن يخدمَ أمّةَ الإسلامِ كلّها سنّتها
وشيعتَها؛ فلا بدَّ من نقد جميع رواياتِ الكافي، إذ لا يوجد فيها متواترٌ، ولا
مشهورٌ من الأساس!
ونَقدُ جميع رواياتِ الكافي، بمعزلٍ عن دعوى
تواترها؛ قام به الإمام المجلسيّ، فحكم على جميع أحاديثِ كتاب الكافي تقريباً، بأحكام
متفاوتةٍ (صحيح، حسن، موثّق، مجهول) وغيرها من الأحكام.
ينقسم كتاب الكافي إلى ثلاثةِ أقسام:
القسم الأوّل من الكتاب: الأصول، ويحتوي على كتب
عديدةٍ، تبدأ بكتاب العَقل، ثمّ كتاب فضل العلم، ثم كتاب التوحيد، وتنتهي بكتاب
فضلِ القرآن الكريم، ثمّ بكتابِ العِشْرَة.
وقد ضمّ كتابُ أصول الكافي (313) باباً من أبواب
العلم، جمعت ألوفَ الرواياتِ المنسوبةِ إلى أئمة أهل البيت، عليهم السلام.
القسم الثاني: هو الفروع، والمقصود بالفروعِ؛
الكتبُ والأبواب الفقهيّة.
ويبدأ من أوّل كتاب الطهارةِ، وينتهي بكتاب الأيمان
والنذور والكفّارات.
وقسم الفروع هذا؛ هو القسم الأكبر من الكتاب.
القسم الثالث: هو الروضة، وهو أصغر أقسام الكتابِ
الثلاثةِ، وقد شمل أكثرَ المجلّد الثامنِ، من طبعة دار المرتضى [240] صفحةً (1933
- 2173).
وأكثرُ كتاب الروضةِ؛ خُطبٌ مختارةً لأمير المؤمنين
عليّ بن أبي طالبٍ عليه السلام.
وقد حكمَ الإمامُ المجلسيّ على أحاديثِ الأقسامِ
الثلاثةِ من كتاب الكافي، وشرح أكثرَ أحاديثها في (21) مجلّداً، بخطّ صغيرٍ (بنط
14).
ولكي تتوضّح أهميّة كتاب «مرآة العقول» أخي القارئ
الكريم؛ فعلينا أن نستعرضَ أحكامَه على أحاديثِ أوّلِ كلِّ بابٍ مِن أبوابِ الأقسام
الثلاثةِ: (الأصولِ، الفروع، الروضة).
أوّلاً: قسم الأصول:
بدأ الكلينيُّ كتابه الكافي بــــــ«كتاب العَقل
والجهل» ولم يجعل تحته أبواباً، وأودع تحته (34) روايةً عن المعصومين، كانت أحكام
المجلسيّ عليها على النحو الآتي:
الأحاديث الصحيحة، ذوات الأرقام (1، 10).
والأحاديث الموثّقة (4، 5، 32)
والأحاديث المرسلة (3، 11، 12، 15، 23، 28، 30، 33)
والأحاديث الضعيفة، ذوات الأرقام (2، 6، 7، 8، 9، 13،
14، 16، 17، 20، 21، 22، 24، 25، 26، 29، ضعيف)
والأحاديث التي تشتمل أسانيدها على راوٍ مجهول (19،
27، 31).
فأنت ترى أنّ الحديثين (1، 10) من جملة (34)
حديثاً؛ هما الصالحان للاحتجاج بهما، حسب مباني الشيخ المجلسيّ.
ثانياً: قسم الفروع: بدأ أبو جعفرٍ الكلينيُّ قسمَ
الفروع بكتاب الطهارة، وهو يقابلُ بدايةَ المجلّد الحادي عشر من مرآة العقول، وكان
الباب الأوّل من كتاب الطهارة «باب طهور الماء» أخرج الكلينيّ تحته (5) أحاديث،
كانت أحكام المجلسيّ عليها على النحو الآتي:
الأحاديث الصحيحة رقم (4).
الأحاديث الموثّقة (5).
الأحاديث المرسلة (2 )
الأحاديث الضعيفة (1)
الأحاديث المجهولة (3)
فأنت ترى أنّ الحديثَ الوحيدَ الصالحَ لبناءِ فقه
عليه؛ هو الحديث (4).
ثالثاً: قسم الروضة.
ذكرت قبل قليلٍ أنّ كتاب روضة الكافي يشتمل على [240]
صفحةً (1933 - 2173) من طبعة دار المرتضى، وهو يشمل الصفحات (146) إلى نهاية
المجلّد العشرين، صفحة (469) ويشمل المجلّد الحادي والعشرين أيضاً، من مرآة العقول
للمجلسيّ.
وكتاب الروضة؛ ليس تحته أبواب أيضاً، إنّما سردَ
الكلينيّ رواياتِه سرداً متوالياً، فكانت (597) روايةً، كما في مرآة العقول (21:
496).
وإذ إنّ الأمر كذلك؛ فنحن سنرصد أحكامَ المجلسيّ
على الروايات العشر الأولى، من كتاب الروضة، والتي كانت على النحو الآتي:
الأحاديث الصحيحة (2).
الأحاديث الحسنة (7).
الأحاديث المرسلة (9)
مجهول كالحسن (1) قال المجلسيّ (20: 146): «رواه
بثلاثةِ أسانيد:
أوّلها: مجهولٌ، وثانيها ضعيف، والسند الثالث ضعيف،
والمجموعُ في قوّة مجهولٍ كالحسن»!!
كانت هذه الروايةُ المرويّة بثلاثة أسانيدَ «مهلهلة!»
عند الكلينيّ، عن أبي عبدالله جعفر الصادق عليه السلام، وهي روايةٌ طويلةٌ، شملت
الصفحات (146 - 168) من المجلّد العشرين.
الأحاديث المجهولة (3، 8) وقال المجلسيّ في الحديث
الثامن: «مرفوعٌ مجهولٌ موقوفٌ» ولم يفسّر المجلسيّ هذا الحكم، ولا فسّره محقّق
الكتاب!
ويُفترض أنّه حديث قدسيّ؛ لأنّ متنه خطابٌ من الله
تعالى لموسى عليه السلام.
الأحاديث الضعيفة (4، 5، 6، 10) وقال المجلسيّ في الحديثِ
الخامس: «ضعيفٌ على مصطلح القوم، لكنّ بلاغةَ الكلام، وغرابةَ الأسلوب والنظام؛
تأبى صدورَه عن غير الإمام».
وكلام المجلسيّ هذا، وكلام محقّق الكتاب على الحديث
(12) من أحاديث العقل (1: 87): «وضعفُ الخبرِ بحسبِ الإسنادِ؛ لا يضرّ بصحة
مضمونه؛ لاشتماله على علومٍ عقليّة، وحكم برهانيّة، وآثارٍ إلهيّة، ودلائل
وحدانيّة، وشواهد ربوبيّة، ومواعظ لقمانيّة» لا يفيد في الإثباتِ شيئاً البتّة،
والذي يشير إليه؛ أنّ الجلسيّ والمحقق كليهما يصححان بالعقل، وهذا يلغي الحاجةَ
إلى علم السند أصلاً!
نحن لا ننكر أنّ في الأحاديثِ الضعيفةِ والمنكرة
والمرسلة والمجهولةِ حكماً وعبراً وعظات جميلة!
لكنّ ثمّة فرقاً بين عدّ هذه الحِكم والعظاتِ
ثابتةً عن المعصوم، فتدخل في الدين!
وبين أن تكون ثابتةً عن أحدِ العلماء، دون المعصوم؛
فتكون كلماتٍ إرشادية!
يضافُ إلى هذا؛ أنّك عندما تروي ألفَ رواية عن
الإمام جعفرٍ الصادقِ، ثمّ لا يصحّ منها سوى (100) رواية؛ فلا يجوز أن تقول: انظر
إلى عظمة علوم جعفر الصادق، وإلى الألوف من الروايات العلمية عنه؛ لأنّ الثابتَ هو
العُشْرُ فحسب، وهذا العشر؛ لا يعطي الصورةَ المهولةَ التي تعطيها ألف رواية!
فعلماء أهل السنة عندما يقولون: كان جعفر الصادق عالماً
صادقاً عابداً، لكنه لم يكن بالمكثرِ من الرواية، وغيره من أقرانه أكثرُ روايةً
منه؛ فهم لا يتحاملون على الإمام الصادق أبداً، ولا ينتقصون من قدره، إنّما
يتحدّثون عن العُشر الذي صحّ عن الإمام جعفر، وليس عن (900) رواية، لا يصحّ عنه
منها شيءٌ، وَفقَ مناهج المحدّثين.
وفي منشورٍ تالٍ؛ سأشرح مصطلحاتِ الإماميّة، في
الحكم على الروايات، إن شاء الله تعالى.
واللهُ تَعالَى أعْلَمُ.
(رَبَّنا: ظَلَمْنَا
أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ
الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله،
وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.
والحمد لله على كلّ حال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق