أفراد الإمام البخاريّ (2):
كِتمانُ العلمِ الذي يستصعبه الناس!؟
بِسْمِ اللهِ الرَحْمَنِ الرَحيمِ
(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ
أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.
رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ
كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا
بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).
بإسنادي إلى الإمام البخاريّ في كتاب العلم، بابٌ
من خصّ بالعلم قوماً دونَ قومٍ كراهيةَ أن لا يفهموا (127) قال رحمه الله تعالى: وَقالَ عَلِيٌّ: حَدِّثوا النّاسَ بِما يَعْرِفونَ،
أتُحِبّونَ أنْ يُكَذَّبَ اللهُ وَرَسولُهُ؟([1]).
حَدَّثَنا([2])
عُبَيْدُاللهِ بنُ موسى عَنْ مَعْروفِ بنِ خَرَّبوذَ([3])
عَنْ أبي الطُّفَيْلِ، عَنْ عَلِيِّ([4])
بِذَلِكَ([5]).
ليسَ للحَديثِ مُكرّراتٌ.
مدار حديثِ الإمام عليّ عليه السلامُ على مَعروفِ
بن خرّبوذَ المكيّ، رواه عنه:
عبدالله بن داود الخُريبيّ، عند آدمَ بن أبي إياسٍ
الخراسانيّ، في كتاب العلم له، كما في فتح الباري (1: 471) وعند الخطيب البغداديّ،
في موضح أوهام الجمع والتفريق (2: 481) ونسبه ثمّة معروف بن أبي معروف، ونصّ
الخطيب هناك على أنّه هو هو.
وعبيدالله بن موسى العبسيّ، عند البخاريّ (127)
والبيهقيّ في المدخل إلى السنن (610) وابن عبدالبَرّ في جامع بيان العلم وفضله (1318)
وأبو عليّ الوَخشيُّ في الجزء الخامس من الوخشيّات (16) والسمعاني في أدب الإملاء
والاستملاء (ص: 59) والحافظ عبدالغني المقدسيّ في نهاية المُرادِ من كلام خير
المراد (168) والمزي في تهذيب الكمال (28: 265).
قال الفقير عداب: كان حقّ مدارِ الحديثِ أن يكون
على عبيدالله بن موسى، رواه عنه البخاريّ، وقرينُه أحمد بن حازم بن أبي غرزة
الغِفاريُّ الكوفيّ، ترجمه ابن حبان في الثقات (8: 44) وقال: «كان متقناً».
إلّا
أننا رفعنا المدار، فجعلناه على معروفٍ؛ لأنّ إسنادَ الخطيبِ في الموضح؛ صحيحٌ إلى
عبدالله بن داود الخُريبيّ، باستثناء الراوي عنه إبراهيمُ بن أحمد بن النعمان
الأزدي.
فقد
ترجمه الخطيب في تاريخه (6: 489) ولم يؤرّخ لوفاته، ولم يذكره بجرح أو تعديل.
وترجمه
الذهبيّ في تاريخ الإسلام (6: 284) وأرّخ وفاته بين (261 - 270) ولم يذكره بجرح أو
تعديل.
وذكره
المزيّ في ترجمتي اثنين من شيوخه في تهذيب الكمال (2: 208) و(17: 70) وفي كلتا
الترجمتين كان من طبقة البخاريّ، بل أقدم منه، فقد روى عن عبدالله بن داود
مباشرةً، بينما البخاريّ لم يروِ عن عنه، إلّا بواسطة، فروى في صحيحه عنه بواسطة
شيخه مسدّد بن مسرهد (132، 712، 3798، 5956) وروى عنه بواسطة شيخه نصر بن علي
الجهضميّ (4552) وروى عنه بواسطة شيخه عمرو بن عليٍّ الفلّاس (6782).
وقد تابعه عن عبدالله بن داود الخريبيّ آدمُ بن أبي إياسٍ، في كتابه «العلم»
كما في فتح الباري (1: 272).
ومثل هذا الراوي المعروف النسبِ، والذي يروي عن
شيوخِ البخاريّ، وعن بعض شيوخ شيوخه، وقد توبع متابعةً تامّة عن شيخه؛ يُقبل في
المتابعات، إن شاء الله تعالى.
أمّا معروف بن خرّبوذ المكيّ، الذي دار عليه
الحديث؛ فقد ترجمه الباجي في التعديل والتجريح (694) ونَقل عن ابن معين قوله:
ضعيف، وعن أبي حاتم الرازيّ قوله: يكتب حديثه.
وترجمه ابن حجر في مقدمة فتح الباري (ص: 444):
«مَعْرُوف بن خَرَّبُوذ الْمَكِّيّ من صغَار التَّابِعين، ضعّفه يحيى بن معِين،
وَقَالَ أَحْمد: مَا أَدْرِي كَيفَ هُوَ، وَقَالَ أَبُو حَاتِم يكْتب حَدِيثه،
وَقَالَ السَّاجِي صَدُوق.
قال ابن حجر: قلت: مَا لَهُ فِي البُخَارِيّ سوى
مَوضِع فِي الْعلم».
قال عداب: لمعروفِ بن خرّبوذَ هذا حديثُ الباب عند
البخاريّ وحده من التسعة.
وله حديث آخر، أخرجه مسلم (1275) وابن ماجه (2949)
وأبو داود (1879) وأحمد في مسنده (22682).
وروى عن خالد بن معدان قصّةً طويلةً، انفرد بها
الدارميّ في مقدمة سننه (91) حدثت بين عبدالله بن الأهتم الشاميّ، وعمر بن
عبدالعزيز، في أيّام خلافته.
ومثل هذا الراوي المُقلّ؛ لا يتسنّى سَبْرُ حديثه؛
ليعرف ضبطه بدقّة، ويمكن أن يكون صدوق اللهجة كما قال الساجي، لكنّه ليس ممّن
يُقبَل ما يتفرّد به!
ثمّ إنّ الحديثَ - في نظري - معارضٌ لقول الله
تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ
لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ، وَلَا تَكْتُمُونَهُ (187) [آل عمران].
ولحديث عائشة أمّ المؤمنين الطويلِ، عند مسلمٍ في
الإيمان (177) وفيه: (قَالَتْ عائشة: لَوْ كَانَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كَاتِمًا شَيْئاً مِمَّا أُنْزِلَ عَلَيْهِ؛ لَكَتَمَ هَذِهِ الْآيَةَ: (وَإِذْ
تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ: أَمْسِكْ
عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهً!
وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ،
وَتَخْشَى النَّاسَ، وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ (37) [الأحزاب].
وإذا كان جميعُ غير المتخصّصين في علوم
الشريعةِ عندنا؛ هم من العوامّ، والمتخصّصون لا تصل نسبتهم إلى (0001%) فهذا يعني
أنْ لا شأنَ للعالم إلّا بالوعظ والإرشاد العامِّ، والعِلْم إنما يُعلَّم
للمتخصّصين في مجالس العلم الخاصّة!
وفي شيوع ذلك؛ استمرارُ جهل الأمّةِ، وعدم ارتقاء
مستواها العلميّ.
وفي الواقعِ المشاهَد؛ وجدنا كثيراً من غير
المتخصّصين الشرعيين؛ أكثرَ فهماً واستيعاباً ومحاكمةً من بعض المتخصّصين.
وعلى الذين لا يستوعبون الكلامَ؛ أن يرتقوا هم
بمداركهم ومعارفهم، لا أن يُكتمَ العلمُ الحقيقيُّ، حتى لا يعرفَه إلّا حفنةٌ
يسيرة من الناس!
ألا تلاحظُ - أخي القارئ - كيف يتعصّب عامّة الشيعة
لكتاب «الكافي» حتى إنهم يقولون
عنه «الكافي
المقدّس» وهو من الناحية العلمية لا يحصل من الصحة على درجة (20%) يعني هو كتابٌ
ساقط الاعتبار علميّاً!
ألا تلاحظ - أخي القارئ - كيف يتعصّب عامَة أهل
السنّة لكتاب البخاريّ، فيقولون: كلّه صحيحٌ، ويحتجّ به «علماؤهم العوامّ» مطلقاً،
من دون النظر في أسانيده ومتونه؟
لهذا وذاك؛ لا أرى أبداً أن يقتصر العلم
التخصّصيّ على دارسي العلوم الشرعيّة، ما دام الناس جميعاً مطالبين بهذا الدين.
ختاماً: حديثُ الباب موقوفٌ، ضعيف الإسنادِ،
منكر المتن، ولو صحّ إسنادُه؛ فيكون وجهةَ نظرٍ للإمامِ عليٍّ عليه السلام، في وسط
مجتمعٍ أميٍّ، كان يتبعون أمراءَ قبائلهم من دون نظر إلى حقٍّ أو باطلٍ.
وقد تطوّرت المجتمعاتُ البشريّةُ، فما عادت
تقبلُ وصايةَ الملوك والأمراء العقليّة، لا في السياسة، ولا في أمور الدين.
واللهُ تَعالى أعلمُ.
(رَبَّنا: ظَلَمْنَا
أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ
الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى الله على
سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً
([1]) قال في «الفتح» (1: 470):
«كذا وقع في رواية أبي ذر، وسقط كله من روايته عن الكشميهني، ولغيره بتقديم المتنِ،
ابتدأ به مُعلَّقاً فقال: وقال علي ... إلخ، ثم عقّب بالإسناد.
وزاد آدم بن أبي إياس الخراسانيّ - شيخ البخاريّ
- في كتاب «العلم» له عن عبدالله بن داود عن معروف في آخره «ودعوا ما
ينكرون» أي: يشتبه
عليهم فهمه، وكذا أبو نعيم في المستخرج على صحيح البخاريّ، وفيه دليلٌ على أن
المتشابه لا ينبغي أن يذكر عند العامة» قال عداب: ستأتي مناقشة ذلك.
([3]) في بعض النسخ بضم
الخاء. انظر السلطانية (1: 37) حاشية (22) فائدة: كذا في الفرع مصروف، وقال
الباجي: بضم الخاء وعياض بفتحها.
([5])
من حديثِ معروفِ بن خرّبوذَ عن أبي الطفيل
الليثيّ، علي بن أبي طالب، موقوفاً؛ أخرجه البيهقي في المدخل للسنن الكبرى، باب لا
تحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم (497) والخطيب في الجامع لأخلاق الراوي وآداب
السامع، باب ذكر ما يستحب في الإملاء روايته لكافة الناس، وما يكره من ذلك خوف
دخول الشبهة فيه والإلباس (2: 107) وفي موضح أوهام الجمع والتفريق (2: 481)
والمزيّ في تهذيب الكمال (28: 265) وغيرهم، و انظر الجمع بين الصحيحين للحميديّ
رقم (138) وتحفة الأشراف [7: 10153] ولم أجده في الإتحاف!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق