مَسائل حديثية (68):
تصحيح الحديثِ بتعدّد الطرق؛
إلزامُ المخالفِ بما لا يلزم!؟
بسم الله الرحمن الرحيم
(رَبَّنا: عَلَيْكَ
تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.
رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا
فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا
وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).
أرسل إليّ أحدُ الإخوةِ
العلماءِ مقالاً بعنوان «إلزامُ طه الدليميّ وعداب
بإثبات منقبة النوم في فراش النبوّة لأمير المؤمنين أبي تراب» عليه السلام.
وصفني فيها كاتبُ المقال -
هداه الله تعالى - بأنني متشيّع وتشيّعي مشوبٌ بنوعٍ من الرفض!
ثم قال في صدر مقاله: «ونحن
نسوق ما وقفنا عليه من طرقِه - حديث النوم في فراش النبيّ صلّى الله عليه وآله
وسلم - بما يظهر معه إكذابُ الدليميّ وعداب».
ثمّ ساق للحديثِ اثنتي
عشرةَ روايةً وطريقاً، وختم مقالَه هذا بقوله:
«وهذه الرواياتُ كما ترى؛
لا تخلو من مقالٍ، لكنّ مجموعها ينتهضُ دون ريبٍ لتصحيح ثبوتِ هذه المنقبةِ
والكرامةِ لأمير المؤمنين عليه السلام، بمجموع هذه الطرق الاثني عشر، التي لم يسمع
بها الدليميّ وعداب، وثبت خلافُ ما قالاه، وسقط كلامهما، ولاح لكلّ عاقلٍ منصفٍ
تهافتهما وقلّةُ اطّلاعهما على الحديثِ، وإطلاقُهما الكلامَ جزافاً، دون علمٍ أو
ورع» انتهى كلامه.
أقول وبالله التوفيق:
أنت عندما تريد أن تصف
إنساناً بالرفضِ - وهو يأبى هذا الوصفَ، ويتبرأ منه - عليك أن تسوق أدلّة كافيةً
لإثبات تهمةٍ أنت تعدُّ الموصوفَ بها كافراً، أو على شفير الكفر، لا أن تستنبط ذلك
استنباطاً وفقَ ظنونك الطائفيّةِ المريضةِ!
في منشوراتي التي يطّلع
عليها كاتب هذا المنشور، ويتعلّم منها بالتأكيد - مع الإنكار والنكران - عرّفت
الرافضيَّ بأنه (الذي يعتقد بالنصّ والتعيين والعصمة وانحصار الأئمّة في ذرية
الحسين، والبداء والرجعة والمهديّ) وأنا لا أعتقد بشيءٍ مما تقدّمَ ظاهراً ولا
باطناً!
والرافضيّ يسبّ أبا بكرٍ
وعمر ولا يتورع عن لعنهما، ويبغض أصحاب الرسولِ صلّى الله عليه وآله وسلّم، بل
ويبغضُ أبا بكرٍ وعمرَ أكثر مما يبغض معاويةَ وعمرَو بنَ العاص!
ولا يستطيع هو ولا غيره؛
أن يقيم دليلاً واحداً على أنني أقول بشيءٍ ممّا تقدّم.
فكاتب المقال إذنْ هو
الكذاب المفتري، وليس الفقير عداباً.
ثم إنّ كاتب هذا المقالِ
يناقضُ نفسَه بنفسه، تناقضاً صارخاً مُشيناً لأمثاله!
هو من جهة يقول: «إنّ طرق
الأحاديثِ والروايات؛ لا تخلو من مقالٍ - يعني كلّ طريقٍ على حدتها؛ ضعيفةٌ»!
ثم يقول: إنّ هذه الطرقَ
يشدُّ بعضُها بعضاً، فتُثبت هذه المنقبة لأمير المؤمنين!
وصاحب المقالِ ليس جاهلاً
بعلومِ الحديثِ، لكنّه أنباريٌّ صلفٌ وقح مكابر!
إذْ من المسلّماتِ في علوم
الحديثِ، وفي أصول الفقهِ، وحتى في علم الكلامِ؛ أنّك تلزمُ خصمك بما يلتزم به،
وبما تشترك وإيّاه على القول به.
وكتبي ومقالاتي ومنشوراتي؛
تصرخُ صراخاً بأنني لا أذهب مذهبَ الترقيع «تقويةُ الضعيفِ بمثله».
ولست أنا وحدي من لا يعتدّ
بتقويةِ الضعيف بمثلِه، فهذا مالكُ بن أنسٍ وسفيان الثوريّ وشعبةُ بن الحجّاج
ويحيى بن سعيدٍ القطّان وعبدالرحمن بن مهديٍّ وسفيانُ بن عيينةَ، جميعهم لا يعتدّ
بهذه النظريّة المهترئةِ من أساسها!
وقد قام باحثٌ جادٌّ
بتجليةِ هذه المسألةِ، وتتبّع أقوال العلماء فيها، فوصل إلى أنّ الإمامَ الترمذيّ
نفسَه «لم يكنْ يقوّي الضعيفَ بمثيله، كما أنّ التحسين عنده كان على أنواعٍ، ليس
من بينها الاصطلاحُ المتعارَف عليه بين متأخّري أهل الحديثِ، وهو «الحسن لغيره»
المعروف بشدّ الحديثِ بطرق كلها ضعاف...».
انظر موقف علماء الحديث من
نظرية الاعتبار بالضعيف ومثيله للدكتور أسامة عبدالرحيم العَطيانيّ (ص: 198) وانظر
خاتمةَ الكتاب (ص: 395) فما بعد.
أنت أيها المتطاول
المفتري: لو كنتَ تجهلُ ما قدّمتُ؛ لعذرتُك؛ لأنّ عذْرَ الجهّال لا مناصَ من
تفعيلِه، وإلّا أصبنا أمّة الإسلامِ بحرجٍ كبير!
لكنّك تعرفُ أنّ ما أقوله
أنا من عدم الاعتداد بتقوية الضعيف بمثيله؛ هو مذهب المتقدّمين من أهلِ الحديثِ
بوجهٍ عامٍ، وأنا أتبنّى موقفَهم هذا؛ لأنّه الأحوطِ في الدين.
أليس عيباً على وجهِك أن
تتّهم مسلماً بالكذبِ والجهل وقلّة الورع، وأنت تعلمُ في قرارَة نفسك أنّك مفترٍ
كذّابٌ، تتّهم الناسَ بما تعلم أنّهم بريئون منه؟
وأمّا اتّهامك إيّاي
بالجهل؛ فأنا أشرفتُ عمليّاً على أطروحة الزميل نهاد عبدالحليم عبيد (1985 - 1987)
الأحاديث المرفوعة الواردةُ في فضل الإمام عليّ، التي ربما استقيتَ منها أكثرَ طرق
حديثك هذا، قبل أن تفطمك أمّك!
وحسبنا الله ونعم الوكيل!
(رَبَّنا: ظَلَمْنَا
أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ
الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى الله على سيّدنا
محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.
والحَمْدُ للهِ على كلِّ حالٍ.