قَريباً مِن
السِياسَةِ (10):
أخطاءُ
الإمامِ عَليٍّ عليه السلام (5)!؟
بسم الله
الرحمن الرحيم
(رَبَّنا:
عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.
رَبَّنا:
لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا:
إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا
افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).
يقول
المعترض: «عليّ قَتلَ سبعينَ ألفاً من المسلمين!
قتل سبعين
ألفاً من المسلمين، من أجل كرسيّ الحكم، في حربه معاوية»!
أقول وبالله
التوفيق:
(أ) من
المسلّم به لدى علماء المسلمين؛ أنّ الذين قاتلهم الخليفةُ أبو بكر ابن أبي قُحافة
أجناسٌ متعدّدة من العرب، وليسوا جميعُهم من المرتدّين!
(1) فهو
قاتلَ المرتدّين من بني حنيفة وتغلب، وعنس، ومن تبعهم من العرب.
(2) وهو
قاتل مانعي الزكاةِ من الأعراب، الذين تأوّلوا قول الله تعالى (خُذْ مِنْ
أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا، وَصَلِّ عَلَيْهِمْ؛
إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ، وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) [التوبة].
قال قائلهم
لأبي بكر: «كنّا نعطي الزكاة لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم؛ ليطهّرنا
ويزكّينا بها، ولأنّ صلاته سكنٌ لنا، فهل صلاتك سكن لنا يا أبا بكر»؟
فكان على
أبي بكرٍ أن يرسل إليهم مَن يعلّمهم دلالةَ الآية الصحيحة، بهدوءٍ وسكينة.
كما فعل
الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم حين أرسل الإمامَ عليّاً عليه السلام، إلى
اليمن، فعادَ منها بإسلام أهلها.
(3) وهو
قاتل الذين عَمِلوا بظاهرِ الحديث الصحيح (فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ،
فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ،
تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ، وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ) أخرجه البخاريّ
(1395) ومسلم (19).
احتجّوا على
أبي بكرٍ بهذا الحديث، ولكنّ أبا بكرٍ الذي كان حادّ المزاج، ليس لديه صبرٌ على
الحوار والمخالفة؛ عدّ هذا منهم ردّةً، أو خروجاً على سلطان الدولة الشرعيّ، وقاتلهم،
وقتل منهم عشراتِ الألوف، تحت عنوان الردّة!
أخرج
البخاريّ في المغازي (4367) من حديثِ عَبْدِاللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُمْ
أَنَّهُ قَدِمَ رَكْبٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ.
فَقَالَ
أَبُو بَكْرٍ: أَمِّرْ الْقَعْقَاعَ بْنَ مَعْبَدِ بْنِ زُرَارَةَ.
وَقَالَ
عُمَرُ: بَلْ أَمِّرْ الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ.
قَالَ أَبُو
بَكْرٍ: مَا أَرَدْتَ إِلَّا خِلَافِي!
قَالَ
عُمَرُ: مَا أَرَدْتُ خِلَافَكَ!
فَتَمَارَيَا
حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا، فَنَزَلَ فِي ذَلِكَ «قوله تعالى»:
(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ
وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1) يَاأَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا
تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ
أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2) إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ
أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ
قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3) [الحجرات].
هذا يعني
أنّ أبا بكرٍ؛ لم يحتمل أن يقترحَ أحدٌ خلاف اقتراحه!
وهذا يفسرّ
سرعةَ إقامةِ الحروب التي قادها أبو بكرٍ !
ولم يكتب
لنا التاريخ أنّه أرسل إلى هؤلاء الخارجين عن سلطانه من يُحاورهم، ويجيب على
تساؤلاتهم، كما فعل الإمام عليّ مع الخارجين عليه، الذين كفروه.
(ب) إذا
قيلَ: إنّ عليّاً لم تجتمع عليه الأمّة؛ فإنّ أبا بكرٍ لم تجتمع عليه الأمّة
أيضاً!
وفرقٌ كبير
جدّاً بين الذين رفضوا خلافة أبي بكرٍ، والذين رفضوا خلافة عليّ، رضي الله عنهما.
إنّ الذين
رفضوا خلافة أبي بكرٍ، بنو هاشمٍ سادة المهاجرين، بزعامة الإمام عليّ، والخزرج،
سادة الأنصار، بزعامة الصحابيّ الجَوادِ سعد بن
عباده.
بينما كان معاوية بن صخر
حرباً على الإسلام والمسلمين طيلةَ عشرين عاماً من عُمُرِ الدعوة الإسلامية،
ومعه طغام أهل الشام البهائمُ الذين لا يفرّقون بين الناقة والبعير، على حدّ قول
سيّدهم الطاغية ابن هند !
فلماذا لا
تقولون: إنّ أبا بكر قتل عشرات الألوف من أجل الكرسيّ، وليس هو من بيت السيادة في
قريشٍ، لا من قريبٍ، ولا من بعيد ؟!
ومع هذا؛
فأنتم عددتموه خليفة شرعيّاً بمجرّد بيعة عُمرَ له، أو بيعة عُمَرَ وأبي عبيدة!
وعليٌّ عليه
السلام يقول: إنّ الذين بايعوني؛ هم الذين بايعوا أبا بكر وعمر.
فإذا انعقدت
بيعة أبي بكرٍ باثنين من أهل الحلّ والعقد في الأمّة، أو حتى بواحدٍ، كما يقول بعض
فقهاء الحنفيّة؛ فإنّ عليّاً بايعه من أهل الحلّ والعقدِ كثيرون جدّا، من دون شبهة
الإكراه الذي اتّخذها بعض الصحابةِ، من أمثال طلحة والزبير وابنه عبداللهِ ذريعةً
للخروج على عليّ، ففتحوا على الأمّة فتنة الخروج على الإمام، وسالت الدماء من بعد
ذلك أنهارا !؟
(ج) عمر بن
الخطّاب عندكم؛ هو ذروة سنام السياسية، وهو اختار عليّاً من ضمن الستّة أصحاب
الشورى، فهو إذنْ مؤهّل شرعيٌّ لقيادة الأمة، من قبلِ اختياره خليفةً، ولو اختاره
عبدالرحمن بن عوفٍ بدلَ عثمان؛ لكان هو الخليفةَ.
(د) جميع
فقهاء الإسلامِ، سوى النواصب القُماء، يرون عليّاً خليفةً شرعيّاً، ويرون معاويةَ
وحزبه المنافقَ باغياً على الإمام عليّ، ظالماً له، وأنّ الحقّ مع عليّ في جميع
حروبه في حياة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، وبعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى.
(هـ) أخرج
البخاريّ في الصلاة باب التعاون في بناء المساجد (447) وهذا لفظه ومسلم في الفتن
(2915) من حديث أبي سعيدٍ الخدريّ عن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم: (وَيْحَ
عَمَّارٍ تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ، يَدْعُوهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ،
وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ).
واقتصر مسلم
على شطر الحديث الأوّل، وفي رواية ثانية عند البخاريّ في الجهاد (2812) لفظها
(وَيْحَ عَمَّارٍ تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ، عَمَّارٌ يَدْعُوهُمْ إِلَى
اللهِ، وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ).
قال ابن حجر
في فتح الباري (2: 368) ما نصّه: «رَوَى حَدِيثَ تَقْتُلُ عَمَّارًا الْفِئَةُ
الْبَاغِيَةُ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةٍ مِنْهُمْ:
أبو
قَتَادَةُ «الحارث بن ربعيّ الأنصاريّ» عند مسلم (2915) وَأُمُّ سَلَمَةَ عِنْدَ
مُسْلِمٍ (2916) وَأَبُو هُرَيْرَةَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ (2916) وَعَبْدُ
اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عِنْدَ النَّسَائِيِّ «في الكبرى» (8496)
وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، عند الطبراني في المعجم الصغير (516) وَحُذَيْفَةُ بن
اليمان عند البزار في مسنده «2948» وَأَبُو أَيُّوبَ الأنصاري عند الطبراني في المعجم
الكبير (4030) وَأَبُو رَافِعٍ «أسلم القبطيّ، مولى الرسول صلّى الله عليه وآله
وسلّم» عند الطبراني في الكبير (945) وَخُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ الأنصاريّ، عند
الطبراني في الكبير (3720) وَمُعَاوِيَةُ نفسه، عند الطبراني في الكبير (19: (758)
وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ عند الطبراني في الكبير (19: (758) وَأَبُو اليَسْرِ كعب
بن عمرو الأنصاري، عند الطبراني (19: (382) وَعَمَّارٌ نَفْسُهُ عند أبي يعلى
(1614) وَغَالِبُ طُرُقِها صَحِيحَةٌ أَوْ حَسَنَةٌ، وَفِيهِ «الباب»
عَنْ جَمَاعَةٍ آخَرِينَ، يَطُولُ عَدُّهُمْ ) بتصرّف يسير، وتوضيحات مفيدة!؟
وقال في شرح
الحديث (447): « فَالْمُرَادُ بِالدُّعَاءِ إِلَى الْجَنَّةِ؛ الدُّعَاءُ إِلَى
سَبَبِهَا، وَهُوَ طَاعَةُ الْإِمَامِ، وَكَذَلِكَ كَانَ عَمَّارٌ يَدْعُوهُمْ
إِلَى طَاعَةِ عَلِيٍّ، وَهُوَ الْإِمَامُ الْوَاجِبُ الطَّاعَةِ إِذْ ذَاكَ،
وَكَانُوا هُمْ يَدْعُونَ إِلَى خِلَافِ ذَلِك».
فعليٌّ
إمامٌ واجب الطاعة إذن، وليس مقاتلاً من أجل الكرسيّ !
وقال في شرح
الحديث (3611): «وَفِي قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(تَقْتُلُ عَمَّارًا
الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ) دَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى أَنَّ عَلِيّاً وَمَنْ مَعَهُ
كَانُوا عَلَى الْحَقِّ، وَأَنَّ مَنْ قَاتَلَهُمْ كَانُوا مُخْطِئِينَ فِي
تَأْوِيلِهِمْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ».
قلت: هذا
تلطّف من ابن حجر كعادته مع الناصبة، والصواب: أَنَّ مَنْ قَاتَلَهُمْ الإمامً
كَانُوا على باطل وضلال!
(و) إذا
ثبتَ أنّ عليّاً عليه السلام، ومن معه على الحقّ، وأنّ الذين حاربوه؛ كانوا بغاةً
عليه، وكانوا على الباطل؛ فقد قال الله تعالى:
(وَإِنْ
طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا؛ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا.
فَإِنْ
بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى؛ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى
تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ، فَإِنْ فَاءَتْ؛ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا
بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا؛ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) [الحجرات].
فالإمام
عليّ عليه السلام قام بالواجب الشرعيّ، فقاتلهم حتى يفيؤوا إلى أمر الله تعالى،
سواء قتلَ من البغاة سبعين ألفاً، أم قتل سبعة من الظلمة ! فالنتيجة واحدة!
وقد أخرج
جمع من المحدّثين، منهم ابن حِبّان في صحيحه (6937) وابن أبي شيبة في المصنّف (6:
367) وأحمد في مسنده (11258، 11773) والنسائي في الكبرى (8488) وأبو يعلى (1086)
والحاكم في المستدرك (4621) جميعهم من حديثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءَ عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَانْقَطَعَتْ نَعْلُهُ فَتَخَلَّفَ
عَلِيٌّ يَخْصِفُهَا، فَمَشَى قَلِيلًا ثُمَّ قَالَ: (إِنَّ مِنْكُمْ مَنْ
يُقَاتِلُ عَلَى تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ كَمَا قَاتَلْتُ عَلَى تَنْزِيلِهِ)
فَاسْتَشْرَفَ لَهَا الْقَوْمُ، وَفِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا.
قَالَ أَبُو
بَكْرٍ: أَنَا هُوَ؟ قَالَ: (لَا):
قَالَ
عُمَرُ: «أَنَا هُو» قَالَ الرسول: (لَا، وَلَكِنْ خَاصِفُ النَّعْلِ) يَعْنِي
عَلِيًّا.
وقال:
«هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ» وإسناده
صحيح.
فهو إذنْ لم
يقاتل من أجل الكرسيّ، إنما قال امتثالاً لأمر الله تعالى، وأمر رسوله صلّى الله
عليه وآله وسلم.
ثمّ هل كان
معاوية الطليق ابن الطليق، ابن آكلة الأكباد، يقاتل في سبيل الله تعالى مثلاً؟
قال الذهبي
في النبلاء (3: 157):
«قَالَ
الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: كَانَ مُعَاوِيَةُ أَوَّلَ مَنِ اتَّخَذَ الدِّيْوَانَ
لِلْخَتْمِ، وَأَمَرَ بِالنَّيْرُوْزِ وَالمَهْرَجَانِ، وَاتَّخَذَ المَقَاصِيْرَ
فِي الجَامِعِ، وَأَوَّلَ مَنْ قَتَلَ مُسْلِماً صَبْراً، وَأَوَّلَ مَنْ قَامَ
عَلَى رَأْسِهِ حَرَسٌ، وَأَوَّلَ مَنْ قُيِّدَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ الجَنَائِبُ،
وَأَوَّلَ مَنِ اتَّخَذَ الخُدَّامَ الخِصْيَانَ فِي الإِسْلاَمِ، وَأَوَّلَ مَنْ
بَلَّغَ دَرَجَاتِ المِنْبَرِ خَمْسَ عَشْرَةَ مِرْقَاةً، وَكَانَ يَقُوْلُ: أَنَا
أَوَّلُ المُلُوْكِ.
قال
الذهبيّ: قُلْتُ: نَعَم»!
وأخرج
البخاريّ في المغازي (4108) من حديث عبدالله بن عمر قال:
«خَطَبَ
مُعَاوِيَةُ قَالَ: مَنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي هَذَا الْأَمْرِ؛
فَلْيُطْلِعْ لَنَا قَرْنَهُ، فَلَنَحْنُ أَحَقُّ بِهِ مِنْهُ وَمِنْ أَبِيهِ»
قَالَ
حَبِيبُ بْنُ مَسْلَمَةَ لعبدالله بن عمر: فَهَلَّا أَجَبْتَهُ؟
قَالَ
عَبْدُاللَّهِ: فَحَلَلْتُ حُبْوَتِي وَهَمَمْتُ أَنْ أَقُولَ: أَحَقُّ بِهَذَا
الْأَمْرِ مِنْكَ مَنْ قَاتَلَكَ وَأَبَاكَ عَلَى الْإِسْلَامِ.
فَخَشِيتُ
أَنْ أَقُولَ كَلِمَةً تُفَرِّقُ بَيْنَ الْجَمْعِ، وَتَسْفِكُ الدَّمَ،
وَيُحْمَلُ عَنِّي غَيْرُ ذَلِكَ، فَذَكَرْتُ مَا أَعَدَّ اللَّهُ فِي
الْجِنَانِ».
هذا هو إذن!
«نَحْنُ أَحَقُّ بِهذا الأمر مِنْهُ وَمِنْ أَبِيهِ».
إنّ معاويةَ
وأبا معاويةَ وأمّ معاويةَ؛ ظلّوا أعداءً للإسلام إلى عام فتح مكة المكرمة، سنة
ثمان من الهجرة (20، 21) من البعثة النبويّة، ثم تظاهروا بالإسلام، ليتملّكوا
رقابَ المسلمين، ويعيدوها كسروية قيصريّة؟
وعندما كان
عثمان هو الخليفة؛ صار التخطيط لملك بني أميّةَ على المكشوفِ، ولم يَعُدْ باطناً
في الخفاء.
وهذا ما كان
يرفضه جماهير الصحابةِ، في أواخر عهد عثمان، منهم طلحة والزبير وعائشةَ، والأنصار،
وسائر العرب في سائر الأمصار، لما ظهر من ظلم وجور وحيف بني أميّة، الذين سلطهم
عثمان على رقاب الناس، بدافع العصبيّة القبليّة وحسب!
(ز) ثمّ إنّ
بني أميّةَ، راحوا يُهيّجون العامّةَ طغامَ أهل الشام ضدّ الإمام عليّ، وسنّوا لهم
سنّةَ لعنه ولعن ولديه الحسن والحسين وابن عبّاس، وهم يعلمون حقّ العلمِ أنّ
عليّاً أبرأ منهم، وأبعد عن التحريض على عثمان من جميع بني أميّة، وغير بني أمية.
قال ياقوت
الحمويّ في معجم البلدان (3: 191): « قال أبو الحسن محمّد بن بحر الرُهْنيُّ:
وأجلّ من هذا كلّه – يريد فضائلَ سجستان - أنّه
لُعِن علي بن أبي طالب رضي الله عنه على منابر الشرق والغربِ، ولم يُلْعَن على
مِنْبَرها إلّا مَرّةً، وامتنعوا على بني أميّةَ، حتى زادوا في عهدهم: أنْ لا
يُلعَنَ على مِنْبَرهم أحدٌ.. !
وأيُّ شرَفٍ
أعظمُ من امتناعِهم مِن لَعنِ أخي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، على مِنبرهم،
وهو يُلْعَن على مَنابر الحَرمين مَكّة والمدينةِ».
وربما انبرى
بعضُ النواصبُ، فقال: يا قوتُ الحمويّ غير ثقة، فنقول: بل هو ثقةٌ على الرغم من
أنوفكم!
ومع هذا،
سأسوق كلام العالم الصالح التقيّ الحافظ أبي الفرَج ابن رجبٍ الحنبليّ، في كتابه
الفرق بين النصيحة والتعيير (ص: 25) قال:
«والثاني:
أن يظهر الطعنَ عليه ليتوَصّل بذلك إلى هواه وغرضه الفاسدِ، في قالب النُصح
والذَبِّ عن علماء الشرعِ.
وبمثل هذه
المكيدةِ؛ كان ظلم بني مروانَ وأتباعهم، يستميلون الناس إليهم، وينفِّرون قلوبهم
عن عليِّ بن أبي طالبٍ والحسن والحسين وذريتهم رضي الله عنهم أجمعين.
وأنه لما
قُتِل عثمان رضي الله عنه؛ لم ترَ الأمّةُ أحقَّ من عليٍ رضي الله عنه فبايعوه،
فتَوصّل مَن توصّل إلى التنفير عنه؛ بأن أظهرَ تعظيمَ قتلِ عثمانِ وقُبحِه، وهو في
نفس الأمر كذلك!
ضَمَّ إلى
ذلك أن المؤلِّبَ على قتله، والساعي فيه؛ «على
حدّ افترائهم» علي رضي الله عنه.
وهذا كان
كذباً وبهتاً، وكان علي رضي الله عنه يحلف ويُغلِّظ الحَلِف على نَفيِ ذلك، وهو
الصادقُ البارُّ في يمينه رضي الله عنه.
وبادَروا
إلى قتاله ديانةً وتقرُّباً، ثم إلى قتال أولاده رضوان الله عليهم.
واجتهد
أولئك في إظهار ذلك، وإشاعته على المنابر، في أيام الجُمَع وغيرها من المجامع
العظيمة، حتى استقرَّ في قلوب أتباعهم أنّ الأمر على ما قالوه، وأنّ بني مروان
أحقُّ بالأمر مِن عَليٍّ وولده؛ لقربهم من عثمان، وأخذهم بثأره.
فتوصلوا
بذلك إلى تأليف قلوب الناس عليهم، وقتالهم لعليٍّ وولده من بعده، وثبَتَ بذلك لهم
الملكُ، واستوثق لهم الأمر.
وكان بعضهم
يقول في الخلوة لمن يثق إليه كلامًا ما معناه:
«لم يكن
أحدٌ من الصحابة أكفَّ عن عثمان من علي»!
فيقال له:
لِمَ يسبُّونه إذًا؟
فيقول: «إن
المُلك لا يقوم، إلا بذلك».
ومراده أنه
لولا تنفيرُ قلوب الناس على علي وولده، ونِسبتُهم إلى ظلم عثمانَ؛ لما مالت قلوب
الناس إليهم، لما علموه من صفاتهم الجميلة وخصائصهم الجليلة، فكانوا يسرعون إلى
متابعتهم ومبايعتهم
فيزول بذلك
ملك أمية، وينصرف الناس عن طاعتهم» انتهى المراد من كلام ابن رجب الحنبليّ السنيّ،
لا الحنبليّ الناصبيّ.
ختاماً: قال
ابن حجر في الفتح (2: 369): «وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَمٌ مِنْ أَعْلَامِ
النُّبُوَّةِ، وَفَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ لِعَلِيٍّ وَلِعَمَّارٍ، وَرَدٌّ عَلَى
النَّوَاصِبِ الزَّاعِمِينَ أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَكُنْ مُصِيبًا فِي حُرُوبِهِ».
ملحوظة مهمّة: عاتبني بعض
الناس، بأنني أبجّل الإمام عليّاً وأهل البيت، بقول: عليه، عليهم السلام، بينما
أمرّ على الصحابة، من دون أن أترضّى عليهم؟!
وجوابي أوّلاً: أنّ آل
البيت لا يقاس بهم أحد!
والثاني: أنني أترضّى عنهم
في ختام كلّ منشور، وليس مطلوباً مني أكثر
من ذلك شرعاً، ولا أدباً.
والله تعالى
أعلم.
(رَبَّنا:
ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ
مِنَ الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى
الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً
والحمد لله
على كلّ حال.