إلى سوريّا من جديد (3)!؟
لماذا تُهملُ الشأنَ
السوريَّ؟!
بسم الله الرحمن الرحيم
(رَبَّنَا عَلَيْكَ
تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.
رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ
كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا، إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا
بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ).
ذَكرتُ عشراتِ المرّاتِ، على هذه الصفحةِ؛ أنني لست
رجلَ إعلامٍ، إنما أنا طالب علمٍ شرعيّ.
والفرقُ بين طالب العلم الشرعيّ، وبين الإعلاميّ في
المسألةِ الواحدةِ، أو الحدَثِ الواحدِ؛ أنّ طالبَ العلم يبلّغ الحكمَ الفقهيَّ الذي
أوصله إليه اجتهاده، مرّةً واحدة!
أمّا الإعلاميّ، فيكرّر ذِكْرَ الحدثِ أو الواقعة،
مرّةً في كلّ يوم، وربما خمس مرّات، وربما أربعاً وعشرين مرّة، في كلّ يوم!
وأنا قلتُ وجهةَ نظري في المسألة السوريّة، فماذا
عسايَ أن أقول مرّةً أخرى؟
لماذا تريدون أن تجعلوا من العالم إعلاميّاً، وما
هو بإعلامي؟
نزولاً عند رغبتكم؛ سأعيد نشرَ ما قلتُه قبلَ مدّةٍ
من الزمان، في هذا العام (2022م).
فربما كان في الإعادةِ إفادة، بيد أنني سأغيّر كلمةَ
«احتلالٍ» إلى كلمة
نفوذٍ، في بعض فقراتِ المنشور؛ نظراً لأنّ أهل السنّة يرحّبون بالتدخّل التركيّ في
شؤون سوريّا، وأنّ العلويين والشيعةَ في سوريّا، يرحّبون بتدخّل إيران في سوريّا،
ولا يرون ذلك احتلالاً، بمقتضى وحدة العقيدةِ والمذهب!
إنّ من المحزنِ الاعترافَ بأنّ سوريّا محتلَةٌ احتلالاتٍ
متعدّدةً، وليست محتلةً من دولة كبرى واحدة!
- جزءٌ من سوريّا تحت النفوذ الإيرانيّ، وهو النفوذُ
الأكثرُ امتداداً أفقيّاً، والأدنى تأثيراً سياسيّاً.
ويشمل هذا النفوذُ النظامَ الإيراني بامتداده،
والنظام العلويّ بامتداده، ونظام حزب الله، والفصائل الشيعية المستوردة من مشارق
الأرض ومغاربها.
- وجزءٌ من سوريّا تحت الاحتلال الروسيّ، وهو الاحتلالُ الأقلُّ من
الاحتلال الشيعيّ امتداداً أفقيّاً، لكنّه أقوى سياسيّاً وعسكريّاً من الاحتلال
الإيرانيّ!
- وجزءٌ من سوريّا تحت النفوذِ الكرديّ، وهو نفوذٌ علمانيّ لا
دينيٌّ، متموضِع في خاصرة سوريّا الشماليّة الشرقية، وينتهز الفرصَ للتمدّد
والوصول إلى الساحل السوريّ، طمعاً في إقامة دولته العنصريّة العرقيّة.
- وجزءٌ من سوريّا تحت النفوذ الوهّابيّ الدمويّ، وهو نفوذٌ دينيٌّ
إقصائيّ متمثّل بجبهة النصرة، وبقية الفصائل الوهّابية المقاتلة.
- وجزءٌ من سوريّا تحت سلطة الجيش الوطني السوريّ الحرّ، المدعوم من
تركيّا، وهو ذو وزنٍ عسكريّ مهمٍّ!
- وجزءٌ من سوريّا تحت الاحتلال الأمريكيّ، وهو الاحتلال الأدنى
امتداداً جغرافيّاً، لكنّه الاحتلالُ الأقوى سياسيّاً وعسكريّاً واقتصاديّاً،
خصوصاً إذا عددنا دولةَ الصهاينةِ أحدَ أذرعه في سوريا والمنطقة!
وأنا خارجَ هذه الدوائر كلّها، فمِن أين لي أن أعرفَ
حقائقَ عن الواقع السوريّ، أو يكون لي أثرٌ في تغيير هذا الواقع؟
نحن لا نعرف إلّا ما تَقيؤه وسائلُ الإعلامِ على
أسماعنا، ومضمونُه لا يمكن حمله، إلا على سبيل الظنّ والتخمين؟
بيد أنّ الاحتلالين الأكبرين، الأمريكيّ والروسيّ -
فيما أحسب - مُتّفقان على أنّ بقاءَ وضع سوريّا على هذه الحال؛ ليس في صالح أحد،
واستمرارُ هذه الحال سنواتٍ أكثرَ من السنواتِ العشر التي انقضت؛ سينتج شعباً
سوريا متوحّشاً جاهلاً، مريضاً بشتى الأمراض الاجتماعية والنفسيّة!
وأيّ فصيلٍ من الفصائل المسلّحة، سيأتي ليحكم
سوريّا؛ لن يكون بالتأكيد عميلاً لأمريكا وروسيا وإيران وتركيا وقسد وداعش والنصرة
معاً؛ لأنّ هذا محالٌ عقليّ، حتى لو وُجد من المخبولين مَن يمكن أن يفكّر كهذا
التفكير، ويجاهر به!
بيد أنّ من اليقين العقليّ؛ أنّه لن يصل إلى
السلطةِ، إلّا بمباركةٍ أمريكية أصالةً، وروسيّة إلى حدٍّ ما!
إنّ من الضروريّ جدّاً معرفتُه؛ أنّ الشعبَ
السوريّ، ليس شعباً متديّناً!
وذلك بتأثير خمسين سنةً من العلمانية والطائفيّة
والتشجيع على الفواحش والتحلّل من الأديان، وخاصّةً من الدين الإسلاميّ!
فنسبة المتديّنين من أهل السنة.
ونسبة المتدينين من العلويين.
ونسبة المتدينين من الدروز.
ونسبة المتديّنين من الإسماعيليّين.
ونسبة المتديّنين من المسيحيين.
لا تتجاوز (10%) من مجموع أعدادِ هذه الطوائف كلّها،
والرباط الطائفيّ الذي يربط بين أبناء الطائفة الواحدة؛ ليس رباطاً دينيّاً، بقدر
ما هو رباطٌ اجتماعيّ، أقربَ إلى العشائريّةِ، منه إلى الدين!
وهذا يعني أنّ الشعبَ السوريّ؛ شعب غير ملتزمٍ، لا
بأحكام الإسلام السنيّ، ولا بأحكام الإسلامِ الشيعيّ، ولا بأحكام المسيحية!
فالبديلُ الذي يُمكن أن تَرضى عنه طوائفُ الشعبِ
السوريّ؛ لا يصحّ في المرحلة الانتقاليّة خاصّةً، أن يكون بديلاً دينيّاً «جماعة
الإخوان المسلمين» أو «حزب التحرير الإسلاميّ» أو حتى «جماعة مسجد زيد بن ثابت»
لأنّ المسيحيين بطوائفهم، والشيعة بطوائفهم، والأكراد باتّجاهاتهم؛ لن يقبلوا بحكم
دينيّ، مهما تظاهرَ بالتسامحِ واللطفِ!
كما لا يمكن أن تتوافق القوى المستعمرةُ سوريّا على
فصيلٍ دينيٍّ، يكون تهديداً حقيقيّاً لأمن دولة الصهاينة، أكبرِ بابِ ارتزاقٍ
للشرق والغرب!
إنّ البديلَ الممكنَ التصوّرِ؛ هو بديلٌ غير طائفيّ،
لا يؤمن بالعنف، ولا بالتغيير الدمويّ، ويؤمن بتداول السلطة، وليس لديه حساسيّةٌ
دينية أو فكرية أو نفسيّة، تجاهَ أيّ مكوّنٍ من مكوّنات الشعب السوريّ!
إنّ أمريكا في سوريّا تريد!
وإنّ روسيا في سوريّا تريد!
وإنّ إيران في سوريّا تريد!
وإنّ حزبَ الله يريد.
وإنّ «قسد» تريد.
وإنّ الوهابية الجهادية تريد.
وإنّ الشعب السوريّ يريد!
وأنا شخصيّاً أعلم هذا كلّه، وأعلم أنّ رضا أيّ
فصيل لأن يكون بديلاً عن النظام الحاكم في سوريّا؛ سيحترق تماماً في المرحلةَ
الانتقاليّةِ، التي لن تتجاوز أربعَ سنواتٍ، أو خمساً!
لكنّ تضحيته ستكون محلّ تقدير الشعب السوريّ، ومن
الممكن أن تنتشله من هذا التفاني المجّاني، وأن تؤسس لنظام وطنيّ توافقيّ تصالحيّ،
يُسمح فيه لكلّ الطوائفِ أنْ تمارس دينها، وتدعو إلى فكرها، إلا الفكر الإلحاديّ،
والفكر العسكريّ الاستبداديّ.
إنّ المشرّدَ، والمغتربَ، والمريضَ، والجائعَ من
جماهير الشعب السوريّ الجاهل بدينه؛ لن يكون مَعنيّاً أبداً بوجودِ نظامٍ حاكمٍ
يطبّق الحدودَ الشرعية، أو لا يطبّقها!
ولن يكون معنيّاً بأن يكون هذا النظام ديمقراطيّاً،
أو فرديّاً، إنما يعينه تأمين حاجياته، ودفع الضرر بصوره وأشكاله عنه!
يضافُ إلى هذا؛ أنّ جميع السوريين، بمن فيهم النظام
الحاكم؛ لا يملكون من أمرِ التغيير في سوريا شيئاً، إنما الذي يملك ذلك على
الحقيقةِ هو أمريكا، بعد شيءٍ من الترضية لروسيا!
ويجب أن ننظر بجديّةٍ إلى موقفِ الكيان الصهيونيّ،
من تغيير النظام الحاكم في سوريّا.
لا من جهة أنّه نظامٌ عميلٌ لإسرائيل، فهذا شيءٌ لا
أمتلك الدليلَ عليه، ومن السخف العقليّ أن أتابعَ وسائلَ الإعلام!
إنّما من جهة أنّ النظامَ الحاكم في سوريا؛ ظلّ
محافظاً على تطبيق شروطِ اتّفاق وقف إطلاق النار على الحدود بين سوريّا والكيان الصهيونيّ
الغاصب، كأحسن ما يكون الالتزام والتطبيق، وهذا يريح نظام الكيان الغاصب بكلّ
تأكيد، وهو أحدُ مقاصد أمريكا!
والله تعالى أعلم
(رَبَّنا: ظَلَمْنَا
أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ
الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى الله على
سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً
والحمد لله على كلّ حال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق