مَسائلُ حَديثيّةٌ (66):
ثلاثٌ جِدّهن جدّ، وهزلهنّ جدّ!؟
بسم الله الرحمن الرحيم
(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ
أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.
رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ
كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا
بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).
أفتيتُ أحدَ الإخوةِ بعدم وقوعِ طلاقِه على زوجته؛
لعدم توفّر شروطِ النيّةِ والإشهادِ والتوازنِ النفسيّ، عند تلفّظه بالطلاق، فقال
لي أحد السامعين: كيف تقول هذا، والرسول يقول: (ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ،
وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ، وَالرَّجْعَةُ).
قلت له: هذا حديثٌ ضعيف!
قال: ولكنّ الفقهاء عملوا به، وحسّنه الترمذيّ؟!
أقول وبالله التوفيق:
هذا الحديث بهذا اللفظ؛ مداره على عبدالرحمن بن حبيب
بن أردَك، رواه عن عطاء بن أبي رباح، عن يوسف بن ماهك، عن أبي هريرة قال: قال رسول
الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.. الحديث.
وجميع من أخرجه، إنما أخرجه من هذه الطريق، منهم
ابن ماجه في كتاب الطلاق (2039) وأبو داود في كتاب الطلاق (2194) والترمذيّ في
الطلاق (1184) وقال: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ» وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا
عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ.
وحكمه في المطبوع «حسن غريب» مطابق لما في تحفة
الأشراف (10: 425).
وفي إتحاف المهرة (15: 731) أخرجه ابن الجارود
والطحاوي والدارقطنيّ والحاكم، جميعهم من طريق عبدالرحمن بن حبيب به.
وعبدالرحمن بن حبيب بن أردك؛ ترجمه ابن حبّان في
الثقات (7: 77) ساكتاً.
وفي سؤالات ابن أبي شيبة لعلي ابن المديني، قال
عليّ: كان ضعيفاً.
وترجمه في المزي في تهذيبه (17: 52) ونقل أنّ ابن
حبّان ترجمه في الثقات، وأنّ النسائيّ قال: منكر الحديث، ونصّ على أنْ ليس له في
الكتب الستّة، سوى هذا الحديثِ الواحد، وساقه بإسناده.
وترجمه الذهبيّ في الميزان (2: 555) وقال: صدوق،
وله ما ينكَر، ونقل كلام النسائيّ: منكر الحديث!
وفي تلخيص المستدرك (2800) قال الذهبيّ: فيه لين.
وقال ابن القطّان في الوهم والإيهام (3: 509): «يَنْبَغِي
أَن تعرف الْعلَّة الْمَانِعَة لَهذا الحديثِ من الصِّحَّة، وَذَلِكَ أَنه من
رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن حبيب بن أردك، فهوَ وَإِن كَانَ قد روى عَنهُ جمَاعَة؛
إلّا أنَّهُ لَا تعرف حَاله».
وتعقّب الذهبيُّ قولَ ابن القطّان هذا (لا تُعرفُ
حاله) فقال في بغية النقاد النقلة (42): «قلت: قد قال النسائيّ منكر الحديث» يريد
الذهبيّ: بل حاله معروفة، فهو منكر الحديث!
وقال ابن حجر في تلخيص الحبير (3: 449): «قَالَ
الْحَاكِمُ: صَحِيحٌ، وَأَقَرَّهُ صَاحِبُ الْإِلْمَامِ، وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ أَرْدَكَ وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ:
قَالَ النَّسَائِيُّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ،
وَوَثَّقَهُ غَيْرُهُ - يعني الحاكم - فَهُوَ عَلَى هَذَا حَسَنٌ».
قلت: هذا كلامٌ واهٍ، فإذا قال عليّ ابن المديني:
كان ضعيفاً، وقال النسائيّ: منكر الحديث؛ فلا يعود لكلامِ الحاكم معنىً البتة!
خلاصة الكلام: هذا حديث فردٌ مطلقٌ، ضعيف، لا يحتجّ
به على بصلة، فضلاً عن أن يحتجّ به في قضيّةٍ من أخطر قضايا المجتمع، وهي الطلاق!
أمّا قول المعترِضِ: إنّه احتجّ به الفقهاء؛ فهذا
صحيح، وهو أحدُ الشواهدِ على ضعفِ الفقهاءِ في علم الحديثِ، وهو أحد الأدلّة على
قولي: إذا كان دليل المسألة نقليّاً؛ فلا قيمةَ لأقوال الفقهاء فيها، ما لم يكن
موافقاً لأحكام نقّادِ الحديث!
واللهُ تَعالى أعلمُ.
(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ
تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله،
وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.
والحَمْدُ للهِ على كلِّ حالٍ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق