التَصَوُّفُ العَليمُ (15):
التصوّف الذي
أدعو إليه !؟
بسم الله
الرحمن الرحيم
(رَبَّنَا: عَلَيْكَ
تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.
رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا
فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا
بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).
التصوّف الذي أدعو إليه؛ يحتويه:
- كتاب الله تعالى، مع كلمات القرآن لشيخنا حسنين
محمّد مخلوف.
- كتاب الأذكار «عمل اليوم والليلة»
للإمام النوويّ.
- كتاب رياض الصالحين، للإمام النوويّ أيضاً.
جاء إليّ أحدُ تلامذتي الصادقين، يطلب وِرْداً
من القرآن الكريمِ والعبادةِ والأذكار؟
وأنا لا أقدّم نفسي بأنني شيخ مرشدٌ كاملٌ ولا
ناقص، حتى أعطي أوراداً!
لكنني أحبُّ ذلك الطالب، وأثق بصدقه، فقلت له:
وِرْدٌ بعَهدٍ، أو وِردٌ على المِزاج؟
قال: بل وردٌ بعهد!
قلت له: الورد مع العهد شاقٌّ؟
قال: أنا على يقين أنّك لن تشقّ عليّ!
قلت له: مُدّ يدك للعهدِ؟
مَدّ يده وعاهدني على الالتزام بالورد، ما لم
يمنعه مرضٌ أو سفرٌ أو طارئٌ لا يستطيع ردّه!
أعطيته من مالي «لأنني أثق بحلّه تماماً» ما
يستوهب به مصحفاً جديداً، وكلماتِ القرآن والأذكار ورياض الصالحين، وعيّنت له
الطبعاتِ المفيدة.
فلمّا جاءني بهذه الكتب؛ قرأت معه مقدّمة تحقيق
الأذكار ورياض الصالحين.
ثمّ قلت له:
وِرْدُك هو الآتي:
- تواظِبُ على أداء الفريضةِ بخضوع وخشوعٍ
وتمامٍ، فورَ دخول الوقتِ، ومهما تأخّرتَ؛ فلا تتأخّر أكثر من ساعةٍ!
ما عدا صلاةَ الفجر وصلاة المغرب؛ فلا مجالَ
للتأخّر فيهما أكثر من ربع ساعة!
- تواظب على السنن الرواتب.
- عقب كلّ صلاة؛ تأتي بالورد الثابت بعد
الصلاةِ.
وبعدَ أو قبلَ كلّ صلاةٍ تقولُ، ملتزماً بهذا
الترتيب:
- لا إله إلا الله (33) مرة.
- أستغفر الله وأتوب إليه (33) مرة.
- سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم (33)
مرة.
- اللهم صلّ على محمّد وآله وسلّم وبارك (33)
مرة.
- عقب صلاة الفجر، تقرأ صفحة واحدةً من القرآن
العظيم مرّتين، وتقرأ تفسيرها مرّتين.
- عَقب صلاة المغرب، أو العشاء، تقرأ صفحة
واحدةً من القرآن العظيم مرّتين، وتقرأ تفسيرها مرّتين.
- في الوقت الممكن، تقرأ صفحةً واحدةً من
الأذكار للنووي، مرّتين، وتطبّق ما فيها، إن كان ذكراً، أم صلاةً، أم سلوكاً.
- في الوقت الممكن، تقرأ صفحةً واحدةً من رياض
الصالحين للنووي، مرّتين، وتطبّق ما فيها، إن كان ذكراً، أم صلاةً، أم سلوكاً.
وتستمرّ على ذلك أربعين يوماً، وإنْ انقطعت عن
الورد يوماً واحداً؛ تبدأ العدَّ من الأوّل.
وما يستجدّ معك في غضون الأربعين، من طمأنينةٍ
وسكينةٍ ورؤىً؛ تسجّله على دفترٍ خاصٍّ بالعمليّة التربويّة، ولا تطلع عليه أحداً،
ولا تحدّث أحداً بما يطرأ على أحوالك!
وإذا لم تكتف بشرح الإمام النووي للحديثِ هنا
وهناك، وأردت أن تتوسع؛ فلا بأس!
قال: أستطيعُ أكثرَ من ذلك!؟
قلت له: غير صحيح، أنت لا تستطيع أكثر من ذلك
حتماً!
غاب تلميذي هذا قرابةَ ثلاثةِ أشهر، ثمّ جاء
إليّ ومعه كُرّاستُه.
قلت له: تأخّرت عليّ، ظننت أنّك ستغيب شهرين!؟
قال: الالتزام صعب جدّاً يا شيخي، والشيطان
يتسلّط على الإنسان أكثرَ من ذي قبل!
قلت له: حدّثني كيف أحوالُك؟
قال: أنا الآن أعلم بكتاب الله تعالى، وأعلم
بالسنّة، وأكثر التزاماً بالسنن والمأثورات، وأكثر خضوعاً وخشوعاً في الصلاة،
وأكثر قياماً بالليل، و و و!
قلت له: هل تريد زيادةَ أورادٍ وتكاليفَ؟
قال: كما ترى يا شيخي!
قلت له: أنت الآن في أوّل الطريق الصحيح، أكمِلْ
على هذا المنوال، على العهد ذاته، حتى تنتهي من تلاوة القرآن الكريم مرّتين،
وقراءةِ تفسير الكلمات المستغربة مرتين، وتقرأ رياضَ الصالحين مرّتين، وتقرأ كتاب
الأذكار مرّتين، ثمّ تعالَ إليّ!
لكنْ من جملة العهد عليك؛ أن تدعوَ لي بصلاح
القلب والحال، والوفاةِ على الإيمان، مرّةً واحدةً في اليومِ على الأقلّ!
غابَ الرجلُ ستّةَ أشهرٍ أخرى، ثمّ عاد إليّ
والنورُ يَسعى بين يديه، ويشرق على كلّ جارحةٍ لديه!
أعطاني كرّاستَه، فقرأت فيها مما فتحَ الله
تعالى به عليه، حتى بكيتُ، رحمه الله تعالى ورضي عنه.
هذا هو التصوّف العليم الذي أدعو إليه!
أمّا الدعاوى الفارغةُ، والتشبّعُ، وحكاياتُ
الصوفيّةِ، ومقاماتُ الأولياءِ، وخيالاتُ السالكين، وأحلام الوصول والكشف والفتح
والعروج لديهم؛ هذا كلّه لا يعنيني في كثير ولا قليل، وأكثره لا يثبتُ أصلاً!
بماذا يفيدني ابن عربي حين يزعم أنّ «فصوص
الحكم» المارق؛ لقّنه إياه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم؟
وبماذا يفيدني عندما يزعم أنّه خطب في الملأ
الأعلى أمام الملائكة والأنبياء والأولياء؟
صدقاً كان كلامه، أم كذباً وخيالاً ووهما؟
وبماذا يفيدني ما ينسبونه كذباً وزوراً إلى
سيّدي وجدّي الإمام عبدالقادر الجيلاني؛ أنّه قال: (قدمي على رقبة كلّ وليٍّ لله
تعالى)؟
وبماذا يفيدني ما ينسبونه كذباً وزوراً إلى
سيّدي وجدّي الإمام أحمد بن الرفاعي؛ أنّه قال: الخلافة الباطنية في ذريتي إلى يوم
القيامة، بعزّ عزيزٍ أو بذلّ ذليل؟
وبماذا يفيدني قراءةُ حكايات الصوفيّةِ،
وتناقضاتهم التي لا تقف عند حدٍّ، ولا تنتهي أبداً.
التصوّف الذي أدعو الناسَ إليه؛ هو العبادةُ
والسلوك والأخلاق الإسلاميةُ، بصورتها الكُملى!
والله تعالى أعلم.
(رَبَّنا: ظَلَمْنَا
أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ
الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى الله على نبيّنا
محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.
والحمد لله على كلّ حال.