قريباً من السياسةِ (27):
الشيطانُ الأكبَرُ مَنْ هُوَ؟
بسم اللهِ الرحمن الرحيم
(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ
أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.
رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ
كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا
بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).
عَقِبَ المنشور السابقِ؛ تواصَلَ
معي أحدُهم، يُرَجّحُ الوقوفَ بجانِبِ أمريكا، ضِدّ روسيا؛ لأنّ روسيا شيوعيّةٌ،
بينما أمريكا مسيحيّةٌ، ورئيسُها يذكر اللهَ في خُطبِه، ويقول: «إن شاءَ الله» و
«الحمد لله»؟!!
أقول وبالله التوفيق: إنّ الشعوبَ
غيرُ المسلمة - مهما كانت انتماءاتُها الدينيّة والفكريّة - ليس لديها حلالٌ ولا
حرامٌ!
فالملحد والشيوعيّ والوجوديُّ
والعلمانيّ؛ يرتكِب ما يحلو له من الموبقاتِ؛ لأنّه لايعتقد بالأديان، ولا يُقِرُّ
بوجود الحاكم الأعظم والمشرّع الأكبر «الله» تبارك وتعالى.
وأتباعُ الديانَة المسيحيّة،
بشتّى مذاهبِها؛ يرتكبون ما يحلو لهم من الموبوقاتِ، بدعوى أنّ المسيح المخلّص
فَداهم بجسدِه المقدّس، فرفع عنهم عقوبات الجرائم، بمجرّد الإيمان بأنّه المخلّص،
وأقصى عقوبةٍ دنيويّةٍ في الديانة المسيحيّةِ؛ هي خَجَلُ الاعترافِ!
فمن زنا من الجنسينِ مثلاً؛ قُصارى
ما يُطلَبُ به أن يعترفَ لدى الكاهن بما فعل؛ ليمنحه الكاهن صكَّ براءةٍ وتطهير!
وأتباعُ الديانةِ اليهوديّة، إذا
ارتكتبوا الجرائم الفَرديّة فيما بينَهم؛ فلا يُعاقبُهم الله تعالى عليها في
الآخرة؛ لأنهم (أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ).
أمّا إذا ارتكبوا جرائمهم تجاهَ
غيرِ اليهود؛ فلا يُسأَلون عنها في الدنيا ولا في الآخرة.
(ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ
قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ
وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) [آل عمران].
وليس في منطقتنا العربيّة مجوسٌ
ولا هندوس ولا بوذيّون، فلسنا في حاجةٍ لبيان مواقِفِهم من الحلال والحرام، في
منشور سياسيّ!
قرأتُ منذ دهرٍ؛ أنّ إمامَ إيرانَ
روحَ الله الخمينيّ، أطلق على أمريكا لقبَ «الشيطان الأكبر»!
وهذا لقبٌ خاطئٌ من وُجهة النظر
الإسلاميّة؛ لأنّ الشياطين الكبارَ «أصحاب النوويّ» جميعُهم من جنود الشيطان
الأكبر «إبليس» وهم جميعهم من (شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي
بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا).
وليس ذلك فحسب، بل إنّ الشيطان الأكبرَ إبليسَ، أوْكَل
بكلّ واحدٍ من الشياطين الكبار، شيطاناً يُناسبه ويُشاكِلُه من الجنّ!
(وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ؛ نُقَيِّضْ
لَهُ شَيْطَانًا، فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ
السَّبِيلِ، وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37) [الزخرف].
ونسب الله تعالى تقييضَ القرينَ إلى نفسه؛ لأنّه
ربّ كلّ صنعةٍ وصانعها فحسب!
قال الله تعالى حكايةً عن إبليس:
(إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا
وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا (117) لَعَنَهُ اللَّهُ.
وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا
مَفْرُوضًا (118) وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ
فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ
اللَّهِ.
وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ
اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا (119) يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا
يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (120) أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ
وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا (121) [النساء].
فالله تبارك وتعالى هو الذي خلقَ الشيطانَ،
والشيطان هو الذي يباشر هذه الأعمال بنفسه وبأعوانه من شياطين الإنس والجنَّ!
إنّ إدارة أمريكا البشريّة؛ شيطان!
وإنّ إدارة الصين؛ شيطان!
وإنّ إدارة روسيا؛ شيطان!
وإنّ إدارة كوريا الشماليّة؛
شيطان!
وإنّ إدارة بريطانيا؛ شيطان!
وإنّ إدارة فرنسا؛ شيطان!
وإنّ إدارة ألمانيا؛ شيطان!
وإنّ إدارة الهند؛ شيطان!
وإنّ إدارة باكستان؛ شيطان!
كلّ إدارَةٍ سياسيّة، تمتلك
السلاح النوويّ، وتعطي لنفسها الحقَّ في استعمالِه؛ فهي شيطان مَريدٌ، يفعل ما
يحلو له، ولا يقوم بما يريد الله تعالى!
وهذا لا يَعني أنّ مَنْ لا يمتلك
السلاح النوويّ؛ مَلاكٌ طاهر، أبداً أبداً، قال اللهُ تعالى: (إِنَّ
لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (34) أَفَنَجْعَلُ
الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36)
[القلم].
أجَلْ أيها الإخوة المؤمنون، كلّ إنسانٍ غيرِ مسلمٍ؛
فهو مُجرم، قولاً واحداً!؟
لكن لماذا؟
لأنَّ من خصائصِ الله تعالى؛ الوحدانيّةُ
والحاكميّة والتشريع، ومنه الحلال والحرام!
فمن يعطي نفسَه من الحقوق ما اختصَّ الله تعالى به
ذاتَه المقدّسة؛ فهو مجرم، لأنه جعل من نفسه ندّاً لله تعالى، يُحلّ ويحرّم، سواء
كان فرداً، أم كان مجلسَ النوّاب!
وكُلّ إنسانٍ غيرِ مسلمٍ اليوم؛ هو منافق، لأنّه
يلقاك بوجه، ويكون في غيبتك بوجهٍ آخر مغايرٍ!
يُظهر لك البِشرَ والإنسانيّة، فإذا خشي منك أدنى
خشيّة؛ هاجَ وماجَ عليكَ، وقتلَ من قومِك ما يشاء أن يقتل، حتى تخضع له وتذلّ!
ليس لأمريكا في الشرق العربيّ
والإسلاميّ شِبرٌ من الأرض، لكنّها تزعم أنّ مصالحَها تمتدّ على امتداد هذا
العالَم، وحيثما أحسّت باحتمال تهديد مصلحةً لها في أيِّ مكانٍ؛ تغيّر ذلك الوجه
الحضاريّ الباسمُ، إلى وجه وحشٍ كاسر، ذي أنيابٍ ومخالبَ قاطعة، وهذا هو النفاق
الأكبر، وأمريكا وغيرها في هذه الشيطنة سواء!
(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ
لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَباللهِ وَآيَاتِهِ
وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65).
لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ
إِيمَانِكُمْ، إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ؛ نُعَذِّبْ طَائِفَةً
بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66).
الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ
بَعْضٍ، يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ، وَيَقْبِضُونَ
أَيْدِيَهُمْ، نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ، إِنَّ
الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67).
وَعَدَ اللهُ
الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ
فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ، وَلَعَنَهُمُ اللهُ،
وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68) [التوبة].
خِتاماً: يجب على المسلم أن
يتولّى ويُحبَّ المسلمين فحسب، دون غيرهم من أهل الأديان، قال الله تعالى:
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا
وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ
بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ.
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ
مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا.
وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ؛
فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ.
وَ اللهُ
بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ
بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ (73)
[الأنفال].
وقال جلّ اسمه الأعظم:
(لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ باللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ
حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ
إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ.
أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ
وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ، وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا
الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللهُ
عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللهِ،
أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ
الْمُفْلِحُونَ (22) [المجادلة].
وحُبّ المسلمين وموالاتُهم؛ لا يعني ظلمَ الآخرينَ
واضطهادَهم واستضعافَهم أبداً أبداً، فهذا ليس من دين الإسلام في شيءٍ!
قال الله تعالى:
(عَسَى اللهُ
أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الذينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً، وَ اللهُ قَدِيرٌ وَ
اللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (7).
لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ
عَنِ الذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ، وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ
دِيَارِكُمْ؛ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللهُ
عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ
وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ؛ أَنْ تَوَلّوْهُمْ.
وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ؛ فَأُولَئِكَ هُمُ
الظَّالِمُونَ (9) [الممتحنة].
والله تعالى أعلم.
(رَبَّنا: ظَلَمْنَا
أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ
الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى اللهُ على
سيّدنا محمّد بن عبداللهِ، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.
والحمد لله على كل حال.