التقريب بين المذاهب الإسلامية:
هذا العنوان خطأ منذ ولادته قبل قرن من الزمان، وكان الشيخ حسن
البنا من أبرز شخصياته.
وهو خطأ اليوم، رغم كثرة المؤتمرات التي عقدت لهذا الغرض في
عواصم عديدة من البلاد العربية والإسلامية.
ذلك أن جميع المؤتمرين من شتى المذاهب؛ يعتقدون أنّ مذهبهم هو
الحقّ، والمذاهب الأخرى كلها فيما تخالفه فيه على باطل.
فإذا كانت هذه القاعدة مترسخة في قلوب المؤتمرين جميعاً، فكيف
يتمّ التقريب؟ هذه واحدة!
والثانية: إنّ جميع المذاهب الإسلامية تعتمد على الروايات الإسنادية
في أدلتها للفروع الفكرية والفقهية، وتكون هذه الروايات نسبة (90%) من أدلة الفقه المنقول.
والإباضية يزعمون أن (مسند الربيع الإباضي) أصحّ كتاب بعد كتاب
الله تعالى.
والزيدية يزعمون أنّ (مسند الإمام زيد بن علي) صحيح النسبة إلى
زيد رضي الله عنه، وهو يمثل فقه آل البيت!
وكتب الشيعة الإمامية الأربعة (الكافي للكليني، ومن لا يحضره
الفقية للصدوق، والتهذيب والاستبصار للطوسي) يعدّها الأخباريون من الشيعة أصح كتب الرواية،
والأصوليون وإن كانوا يضعفون كثيراً من رواياتها نظرياً، لكنهم لا يكادون يميزون رواية
من أخرى في الاستدلال خصوصاً في مواضع خلافهم مع المذاهب الأخرى.
وأهل السنة يعتقدون أن هذه الكتب كلها ليس فيها أسانيد يعتمد
عليها، ويجب أن يعرض جميع ما فيها على الكتب المسندة عندنا فإذا وجد متن الحديث في
صحيح البخاري؛ فهو يأخذ درجة صحيح البخاري وإذا لم يوجد الحديث الوارد فيها إلا في
معجم الطبراني، أو تاريخ بغداد، أو تاريخ دمشق مثلاً؛ فإنه يحصل على درجة الإسناد الموجود
في هذا الكتاب المسند أو ذاك من كتبنا؛ لأنه لا ثقة بأسانيد هذه الكتب كلها عند أهل
السنة كما أسلفت.
فكيف يكون هناك تقارب أو تقريب بين المذاهب وهذه هي منطلقات
الجميع؟
لقد حضرت واحداً من هذه المؤتمرات، واقترحت عليهم المقترحات
الآتية:
المقترح الأول: رصد مواضع الإجماع الفكرية والفقهية بين المذاهب
الإسلامية جميعها وهي كثيرة جداً.
المقترح الثاني: أن يتفق المؤتمرون على منهج لعرض روايات كتب
الحديث عليه؛ إذ لا يمكن أن يتحقق أيّ تقريب ما لم يظهر أن دليل هذا المذهب هو الأقوى
فيأخذ به الجميع، ويتنازل كلّ منهم عن دليله الروائيّ، ويعده ضعيفا لا يصلح للاحتجاج
به.
المقترح الثالث: الوصول إلى نتيجة في موضوعات أصولية أساسية:
أ) عدالة الصحابة.
ب) حجية قول الصحابي.
ج) قبول مرسل الصحابي.
د) حجية قول الفقيه.
هـ) عصمة أئمة الشيعة.
و) حجية قول الإمام الشيعيّ.
ز) حجية الإجماع الطائفيّ.
فقال لي أحد المنظمين لذلك المؤتمر على انفراد: أنت من كلّ عقلك
تظنّ أنّ هذا المؤتمر من أجل التقريب؟
قلت: إذا لماذا تنفقون على المؤتمر كل هذه الأموال؟
قال: هكذا يريد الساسة، والمسألة إعلامية فقط!
أنا أرى أن دعوة التقريب من أساسها فاشلة وكاذبة من جميع الأطراف،
وقد عرضت تجربتي مع الحسينيات حيث أنني زرت أكثر من عشرة منها في بغداد وكربلاء والنجف،
وما رأيت فيها شركاً، ولا سباً للصحابة ولا استغاثة بغير الله تعالى.
أنا ادعو قومي إلى الأدب مع المسلمين، وإلى الشرف في الخصومة
وترك الكذب والافتراء من بعضنا لبعض، ولا أدعو مطلقاً إلى التقريب بين المذاهب،
أنا لا أدعو إلى التشيع الإمامي ولا التشيع الزيدي؛ لأنني لو
كنت أعتقد أنهما أو أحدهما هو المذهب الصحيح؛ لوجب عليّ الانتقال إليه فوراً. لكنني
أدعو إلى الصدق والإنصاف والتوثيق والأدب.
فمن يعتقد ويقول: (لا إله إلا الله محمد رسول الله) هو أقرب
إليّ من كلّ كافر بهذه الشهادة.
أسأل الله الهداية والإنصاف للمسلمين جميعاً والله المستعان