مَسائل حديثية (21):
أضياف أمّ المؤمنين عائشة!؟
بسم الله الرحمن الرحيم
(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا،
وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.
رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا،
وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ،
وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).
استمعتُ أمسِ إلى أحدِ المتنوّرين «الجهلة» هو يستنكر بالطول
والعرضِ أحاديثَ في الصحيحين، وصفها
بالأحاديث الجنسية المنسوبة إلى أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
فقلت في نفسي: أنت لا تقدّس صحيحَ البخاريِّ، ولا صحيحَ مسلمٍ،
فراجع تخريجك لهذا الحديث، وأضف إليه ما يتناسب مع النشر على الانترنيت!
فإن كان الحديث ضعيفاً؛ فقل: إنّه ضعيف، فهذا خيرٌ من أن
يُنسَبَ إلى أمّ المؤمنين ما نستنكر صدورَه عن أمهاتنا، وعائشة صحابية عالمة، وهي
زوج الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، فأين أمهاتنا منها؟
وإن كان الحديث صحيحاً؛ فحاولْ البحثَ عن تفسيرٍ مقنعٍ لما
تضمّنه متنه الغريب البعيد!
جاء هذا الحديثُ عن عائشةَ من ثلاثِ طرق:
أوّلاً: حديث همّام بن الحارث النخعيّ عن عائشة.
بإسنادي إلى الإمامِ مسلمٍ في الطهارة، باب حكم المنيّ (288)
قال رحمه الله تعالى:
وحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ عَنْ خَالِدٍ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ
عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ؛ أَنَّ رَجُلًا نَزَلَ بِعَائِشَةَ فَأَصْبَحَ يَغْسِلُ
ثَوْبَهُ!
فَقَالَتْ عَائِشَةُ: إِنَّمَا كَانَ يُجْزِئُكَ - إِنْ
رَأَيْتَهُ أَنْ تَغْسِلَ مَكَانَهُ فَإِنْ لَمْ تَرَ نَضَحْتَ حَوْلَهُ وَلَقَدْ
رَأَيْتُنِي أَفْرُكُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَرْكًا فَيُصَلِّي فِيهِ.
و حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا أَبِي
عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ وَهَمَّامٍ «بن الحارث
النخعيّ» عَنْ عَائِشَةَ، فِي الْمَنِيِّ!
قَالَتْ: كُنْتُ أَفْرُكُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ
يَعْنِي ابْنَ زَيْدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ (ح).
وحَدَّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ
بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ جَمِيعًا عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ (ح).
وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا
هُشَيْمٌ عَنْ مُغِيرَةَ (ح)
وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ مَهْدِيِّ بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ وَاصِلٍ
الْأَحْدَبِ (ح)
وحَدَّثَنِي ابْنُ حَاتِمٍ حَدَّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ مَنْصُورٍ
حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ مَنْصُورٍ وَمُغِيرَةَ.
كُلُّ هَؤُلَاءِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ
عَائِشَةَ فِي حَتِّ الْمَنِيِّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَحْوَ حَدِيثِ خَالِدٍ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ.
وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ حَدَّثَنَا ابْنُ
عُيَيْنَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ هَمَّامٍ «بن الحارث» عَنْ
عَائِشَةَ، بِنَحْوِ حَدِيثِهِمْ.
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ بِشْرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ سَأَلْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ
عَنْ الْمَنِيِّ يُصِيبُ ثَوْبَ الرَّجُلِ، أَيَغْسِلُهُ، أَمْ يَغْسِلُ الثَّوْبَ؟
فَقَالَ: أَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَغْسِلُ الْمَنِيَّ، ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى
الصَّلَاةِ فِي ذَلِكَ الثَّوْبِ، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى أَثَرِ الْغَسْلِ فِيهِ؟!
وحَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْوَاحِدِ يَعْنِي ابْنَ زِيَادٍ ح و حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ أَخْبَرَنَا
ابْنُ الْمُبَارَكِ وَابْنُ أَبِي زَائِدَةَ كُلُّهُمْ عَنْ عَمْرِو بْنِ
مَيْمُونٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ.
أَمَّا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ فَحَدِيثُهُ - كَمَا
قَالَ ابْنُ بِشْرٍ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كَانَ يَغْسِلُ الْمَنِيَّ.
وَأَمَّا ابْنُ الْمُبَارَكِ وَعَبْدُ الْوَاحِدِ، فَفِي
حَدِيثِهِمَا: قَالَتْ: كُنْتُ أَغْسِلُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال عداب: يلاحَظ أنّ مسلماً ساق إسناد حديث همّام بن الحارث،
ولم يسق متنَه بتمامه، إنما اقتصر على موضع الشاهد منه: قَالَتْ «عائشة»: «كُنْتُ
أَفْرُكُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» وكأنه
استهجن تلك القصّةَ مثلنا.
وأخرجه مختصراً كذلك، النسائيُّ في المجتبى (297، 298، 299) وابن
ماجه (537) والشافعيّ (24) وعلي بن الجعد (179) وأحمد (25034، 25035، 25612، 25614،
26266) وأبو نُعيم في مستخرجه على صحيح مسلم (661).
أما رواية متن الحديثِ مع قصّته؛ فقد أخرجه الطيالسيّ في مسنده
(1504) قال رحمه الله تعالى: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ
إِبْرَاهِيمَ؛ أَنَّ هَمَّامَ بْنَ الْحَارِثِ كَانَ نَازِلًا عَلَى عَائِشَةَ،
فَاحْتَلَمَ، فَأَبْصَرَتْهُ جَارِيَةٌ لِعَائِشَةَ يَغْسِلُ أَثَرَ الْجَنَابَةِ
مِنْ ثَوْبِهِ، فَأَخْبَرَتْ عَائِشَةَ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ عَائِشَةُ «فقالت
له»: «لَقَدْ رَأَيْتُنِي، وَمَا أَزِيدُ أَنْ أَفْرُكَهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» هكذا رواه الحكم بن عتيبة عن إبراهيم بن يزيد
النخعيّ.
بينما رواه الْأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ هَمَّامِ «بن
الحارث» قَالَ: نَزَلَ بِعَائِشَةَ ضَيْفٌ، فَأَمَرَتْ لَهُ بِمِلْحَفَةٍ لَهَا
صَفْرَاءَ، فَنَامَ فِيها، فَاحْتَلَمَ، فَاسْتَحيى أَنْ يُرْسِلَ بِهَا، وَفِيهَا
أَثَرُ الِاحْتِلَامِ.
قَالَ: فَغَمَسَهَا فِي الْمَاءِ، ثُمَّ أَرْسَلَ بِهَا!
فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لِمَ أَفْسَدَ عَلَيْنَا ثَوْبَنَا،
إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَفْرُكَهُ بِأَصَابِعِهِ!
لَرُبَّمَا فَرَكْتُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَصَابِعِي» أخرجه أحمد (24158، 24939، 24940) وابن ماجه في
الطهارة (538).
ومن هذه الطريق أخرجه الترمذيُّ في الطهارة (116) وقال: حديث
حسن صحيح.
قال الفقير عداب: إسناد هذا الحديثِ؛ صحيح صحيح؛ لا يسعنا
توجيهُ أيّ نقدٍ إليه.
وسنأتي إلى نقد متنه في نهاية التخريج.
ثانياً: حديث علقمةَ بن قيس النخعيّ عن عائشة.
إسنادي إلى الإمام مسلم في كتاب الطهارة، باب حكم المنيّ (288)
قال رحمه الله تعالى: وحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ
عَبْدِالله «المزني» عَنْ خَالِدٍ «بن مهران الحذّاء» عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ «زيادِ
بن كليبٍ الحنظليّ» عَنْ إِبْرَاهِيمَ «بن يزيد النخعيّ» عَنْ عَلْقَمَةَ «بن قيسٍ
النخعيّ» وَالْأَسْوَدِ «بن يزيد النخعيّ» أَنَّ رَجُلًا نَزَلَ بِعَائِشَةَ، فَأَصْبَحَ
يَغْسِلُ ثَوْبَهُ!
فَقَالَتْ عَائِشَةُ: إِنَّمَا كَانَ يُجْزِئُكَ - إِنْ
رَأَيْتَهُ - أَنْ تَغْسِلَ مَكَانَهُ، فَإِنْ لَمْ تَرَ؛
نَضَحْتَ حَوْلَهُ وَلَقَدْ رَأَيْتُنِي أَفْرُكُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرْكًا، فَيُصَلِّي فِيهِ.
قال عداب: مدار رواية علقمةَ والأسود على أبي معشرٍ الحنظليّ،
رواه عنه جماعةٌ.
وأبو معشر وصفه بالحفظ جماعةٌ من المحدثين، ووصفه بالثقة أكثر
منهم!
وقال أبو حاتم الرازيّ: صالحٌ، ليس بالمتين في حفظه.
لكنّ قولَ أبي حاتمٍ لا يضيره هنا، فقد توبع على روايته ها هنا،
فزالَ خوف قلّة حفظه على ما قال أبو حاتم.
فإسناد هذه الرواية؛ صحيح لغيره، لا غبار عليه.
ثالثاً: حديث عبدالله بن شهاب الخَولانيّ عن عائشة.
بإسنادي إلى الإمام مسلم في الطهارة، باب حكم المنيّ (290) قال
رحمه الله تعالى:
وحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَوَّاسٍ الْحَنَفِيُّ أَبُو عَاصِمٍ:
حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ شَبِيبِ بْنِ غَرْقَدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ شِهَابٍ الْخَوْلَانِيِّ قَالَ: كُنْتُ نَازِلًا عَلَى عَائِشَةَ،
فَاحْتَلَمْتُ فِي ثَوْبَيَّ، فَغَمَسْتُهُمَا فِي الْمَاءِ، فَرَأَتْنِي
جَارِيَةٌ لِعَائِشَةَ، فَأَخْبَرَتْهَا فَبَعَثَتْ إِلَيَّ عَائِشَةُ، فَقَالَتْ:
مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ بِثَوْبَيْكَ؟ قَالَ: قُلْتُ
رَأَيْتُ مَا يَرَى النَّائِمُ فِي مَنَامِهِ!
قَالَتْ: هَلْ رَأَيْتَ فِيهِما شَيْئاً؟ قُلْتُ: لَا !
قَالَتْ: فَلَوْ رَأَيْتَ شَيْئاً؛ غَسَلْتَهُ، لَقَدْ
رَأَيْتُنِي وَإِنِّي لَأَحُكُّهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَابِسًا بِظُفُرِي».
وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه (288) وقال: «مِنْهُمْ مَنِ
اخْتَصَرَ الْحَدِيثَ، وَمِنْهُمْ مَنْ ذَكَرَ نُزُولَ الضَّيْفِ بِهَا،
وَغَسْلَهُ مَلْحَفَتَهَا» والبيهقيّ في السنن الكبير (5: (4226) بتمامه.
قال الفقير عداب: إسنادُ الحديث ثقاتٌ عن آخرهم، سوى عبدالله بن
شهابٍ الخولانيّ، راويه عن عائشةَ.
ترجمه الذهبيّ في الكاشف (2778) ولم يذكر رتبته.
وترجمه ابن حجر في التقريب (3386) وقال: مقبول، يعني حيث
يتابَع.
وقال الدكتور بشار عواد في تعليقه على التقريب (3386) معقّباً
على قول ابن حجر: «مقبول»: «بل صدوق، فقد روى عنه ثلاثةٌ، ووثّقه ابن حبّان، وأخرج
له مسلم في صحيحه، ولا نعلم فيه جرحاً، وحديثه الواحد الذي أخرجه مسلم عنه، عن
عائشة (290) معروفٌ، روي متنه ومعناه، من طرقٍ صحيحةٍ كثيرة.
ومن عجبٍ أنّ المصنّف «ابن حجر» قال قبل قليل في ترجمة عبدالله
بن سلمان الأغرّ المدنيّ: «صدوق» وقد روى عنه اثنان فقط، ولم يوثقه سوى ابن حبّان،
ورى له مسلمٌ حديثاً واحداً فقط، ليس بقوة متن هذا الحديث» انتهى.
قال عداب: لي على هذا الكلام ملاحظاتٌ عديدة:
الأولى: ليس لعبدالله بن شهاب الخولانيّ في الكتب التسعةِ، سوى
هذه الرواية الواحدة، عند مسلم (290) أخرجها عقب روايةِ همّام بن الحارثِ عن عائشة
في الموضوع ذاته، فهي إذنْ متابعةٌ لرواية همّام، وليست عمدةً في بابها.
وليس لعبدالله بن سلمانَ في الكتب التسعة، سوى حديثٍ واحدٍ
أيضاً، أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب الريح التي تكون قُربَ القيامة (117).
وهذا يعني أنّه اعتمد على عبدالله بن سلمان، دون عبدالله بن
شهاب، الذي اعتبر به اعتباراً.
الثانية: ذكر المزيّ في ترجمة عبدالله بن شهابٍ ثلاثةَ رواة
عنه، كما قال الدكتور بشار.
لكنني لم أجد روايةَ الشعبيّ عنه، في شيءٍ من كتب الرواية.
ووجدتُ له روايةً واحدةً من حديثِ خيثمة بن عبدالرحمن عنه، عن
عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، أخرجها عبدالرزاق في مصنفه (6: 494) وسعيد بن منصور
في سننه (1: 327) والسنن الكبير للبيهقيّ (7: 558).
أمّا عبدالله بن سلمان الأغرّ؛ فقد ترجمه المزيّ في تهذيبه (15:
49) وذكر له راويين:
(1) صفوانَ بن سُليم، عند مسلم (117) وأبي عوانة في مستخرجه
(369) وعند كثيرين.
(2) وعَبْدَاللهِ بنَ عثمانَ بنِ خُثَيم، عند أبي عروبة
الحرانيّ في الأوائل (175).
لكنني وجدتُ عدداً من الرواة الآخرين رووا عنه، فروى عنه:
(3) عبدالعزيز بن محمد الدراورديّ، عند الطبراني في المعجم
الكبير (17: (952) تحقيق حمدي السلفي، مكتبة ابن تيمية.
(4) ومحمّد بن عجلان، عند الخرائطيّ في اعتلال القلوب (375)
مكتبة نزار مصطفى الباز، تحقيق حمدي الدمرداش.
وفي مساوئ الأخلاق
للخرائطيّ ذاته رقم (292) مكتبة السوادي، بتحقيق مصطفى الشلبي.
(5) ومحمد بن عَمرو بن علقمة، عند ابن القيسراني، في أطراف
الغرائب (5: 204 (5161) طبعة دار الكتب العلمية.
(6) وموسى بن عقبة، عند ابن خزيمة في صحيحه (1143) وابن حبان
كما في الإحسان (3247) وهو في التقاسيم
(225) وقال هنا: «لسلمان الأغرّ ابنان:
أحدهما عبدالله، والآخر عبيدالله، جميعاً حدثا عن أبيهما، وهذا
عبدالله» والبيهقي في السنن الصغير (813) وانظر إتحاف المهرة (4372) فقد نصّ على
أنّه عبدالله.
قال عداب:
وأحاديث عبدالله بن سلمان هذا، تزيد على عشرة أحاديث:
فقد أخرج له مسلم (117) وابن خزيمة (1143) والسرّاج (1150) وأبو
عوانة (301، 369) والطحاوي في معاني الآثار (4697) والخرائطي في اعتلال القلوب
(375) وفي مساوئ الأخلاق (280) وابن الأعرابي في معجمه (1581) وابن حبان (225) والحاكم
في المستدرك (8406) والداني في الفتن (539) والبيهقي في السنن الصغير (813) وغيرهم.
سوى الأحاديثِ التي اختَلَفتْ فيها طبعات الكتب، أهي من حديثه، أم
من حديثِ أخيه عبيدالله بن سلمان.
فقد أخرج أحمد في مسنده (10009) حديثاً من طريق مالك عنه، فلم
أعدَّ مالكاً في الرواة عنه، لهذا الخلاف.
ثالثاً: إذا عددنا كيفيّة تخريجِ مسلمٍ للراوي تقويماً له في
ميزان فقه الجرح والتعديل؛ فهو أخرج له متابعةً.
يضافُ إلى هذا؛ أنّ مَن روى عنه ستةٌ من الرواة؛ أقوى ممن روى
عنه ثلاثةٌ.
ويكون مَن رُويَ عنه عشرةُ أحاديثَ؛ أقوى في الجملة ممن وجدنا
له حديثين.
ويكون من احتجّ به مسلمٌ؛ أقوى ممن اعتبر به.
فيكون حكمُ ابن حجر على عبدالله بن شهابٍ بأنه مقبول، وأنّ
عبدالله بن سلمان صدوق؛ عين الصواب.
ناهيك عن أنّ متنَ الحديثِ الذي رواه عبدالله بن شهابٍ عن عائشةَ؛
غريب غريبٌ، ولولا روايةُ همّام بن الحارثِ، وعلقمة والأسود عن عائشة نحوَه؛ لحكمت بنكارة الحديث!
أضف إلى هذا أمرين:
الأوّل: أنّ روايةَ عبدالله بن شهاب عند مسلم (290) قَالَ: «كُنْتُ
نَازِلًا عَلَى عَائِشَةَ، فَاحْتَلَمْتُ فِي ثَوْبَيَّ».
أخرجه أحمدُ بعينه من حديثِ همّام بن الحارث قال: إنَّهُ كَانَ
نَازِلًا عَلَى عَائِشَةَ، فَاحْتَلَمَ، فَأَبْصَرَتْهُ جَارِيَةٌ لِعَائِشَةَ،
وَهُوَ يَغْسِلُ أَثَرَ الْجَنَابَةِ مِنْ ثَوْبِهِ» ومن النادر أن يتطابق متن حديثين، إلا كان أحدهما سرقةً عن الآخر، وهماً أم تعمّداً.
الأمر الثاني: ساق الخطيب البغداديّ في كتابه «الأسماء المبهمة»
الحديث (196) من ثلاث طريق عن عائشة:
الطريق الأولى: طريق همّام عنها.
الطريق الثانية: طريق علقمة عنها.
الطريق الثالثة: طريق عبدالله بن شهاب عنها، ثم قال:
«هَذَا الحديث إنَّما يحفظ بالإسناد الأول، وضيف عائشة هو همّام
بن الحارث، وقيل: عَبْدُاللهِ بْن شهاب الخولاني».
فجزم باسم همّام، ومرّض اسم ابن شهاب.
فعبدالله بن شهابٍ هذا؛ مجهول العين في حقيقة أمره، بينما هو في
الاصطلاح مجهول الحال، إذ روى عنه اثنان.
ومجهول الحال؛ يُقبل في المتابعات في إطار الحسن لغيره، عند
المحدّثين، وهذا هو حدّ المقبول، وهو ما فعله مسلم.
ومع صحة إسناده؛ فأنا أستبعد صدورَ أقلَّ منه عن أمّ المؤمنين
عائشة رضي الله عنها!
- تدخّلها مباشرةً بمعاتبة الضيف على صنيعه!
- قولها: «أفرك المنيَّ، أحكّه، أحتّه، أقرص دم الحيضة، أمصّه،
أمجّه) فإنّ قلبي لا يتقبّل هذا أبدا، ولا حرج في ذلك، فأثرها هذا من فعلها، وليس منسوباً إلى الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم!
أمّا جملة (كنت أفرك الجنابةَ) أو (أفرك المنيّ من ثوب رسول
الله صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقد أخرجها أبو داود في الطهارة (372) وأحمد في
المسند (24064، 24659، 24936، 25778) من طريق الأسود بن يزيد النخعيّ عن عائشة.
والنسائيّ في الطهارة (296) وأحمد في المسند (24378، 26395) من
طريق الحارث بن نوفل عن عائشة.
وأخرجه أحمد في مسنده (26265) من طريق القاسم بن محمد عن عمّته
عائشة.
فهذا القدرُ؛ لا سبيلَ إلى دفعه، وتأويلُه سائغ لدى جماهير
العلماء، وهو أنّ عائشة رضي الله عنها أمّ المؤمنين، وهذه المسائل الدقيقة؛ تعرف
من بيت الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، بأفضلَ ممّا تُعرف من خارجه.
أمّا نزولُ الأضياف على عائشة رضي الله عنها؛ فليس من المعقولِ
أن يكون الأضيافُ معها في غرفتها، كما حاول أن يفهم بعض السفلة!
إذ هي قد تركت غرفتها التي فيها ضريح الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، بعد دفن عمر بن الخطّاب فيها.
ولو افترضنا - جدلاً - أنّ عائشةَ ترى جوازَ ذلك لأنها أمّ المؤمنين؛
فمن المحال أن يرضى الصحابة رضوان الله عليهم بذلك، والله تعالى يقول:
(وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً؛ فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ
وَرَاءِ حِجَابٍ، ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ (53) [الأحزاب].
فإذا كان سؤال شيءٍ من حاجات الدنيا لإحدى أمّهات المؤمنين؛
يستدعي وجود الحجاب الساتر بينها وبين السائل، فهل يَتصوّر مسلمٌ عاقلٌ أن يبيت رجلٌ
منزلِ إحدى أمهات المؤمنين، دون أن تكون في مأمنٍ تامّ منفردةً في حجرتها؟
أمّا رؤيةُ الجاريةِ للضيف، وهي تستدعي أن يكون الضيفُ في دار
عائشة ذاتها؛ فقد كان منزلها بين بيوت الصحابة رضوان الله عليهم، وما كان لأحدٍ من
المنافقين الجرأةُ على أذى نساء الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم.
وقد يكون بيتُ الأضيافِ غرفةً مجاورةَ لمنزل عائشة، وتكون
الجاريةُ تخدم الأضياف، كما هو معروف لدى جميع العرب البدو في ذلك الزمان، بل حتى في
زماننا هذا، فالناس الذين لديهم خادمات، هن يقمن بتقديم الضيافة للضيوف والزوّار.
فمن الضروريّ أن يستحضرَ القارئُ طبيعةَ المجتمع البدويّ والريفيّ البدائيّ، في ذلك الزمان، قبل أن تدعَ الشيطانَ يملأ قلبك شكّاً وسوء ظنّ.
في جوار منزلنا في حيّ الفرّاية، ورقمه (55) ركامٌ من التراب
برقم (54) كنّا ندعوه «خربة» الشيخ خالد، جدّنا الرابع (1795 - 1908م).
وهي قطعةُ أرضٍ كانت مَضافةً معروفةً باسمه، ولم يكن لها أيّ
مدخلٍ إلى منزل الأسرة، وكان الأضياف ينزلون فيها، ويقوم أناس على خدمتهم.
فربما تكون دارُ عائشةَ، التي كان ينزل بها الأضيافُ، على هذا
النحو.
إنّ بيوتَ أمّهات
المؤمنين؛ حصونٌ حصينةٌ، بما جعل الله تعالى لهنّ من المكانة الساميةِ، التي لم يكن
يجرؤ مخلوقٌ أن يتطاول عليها، أو يخدش سموّها.
وكان الصحابة رضوان الله عليهم يُفْدون أمهاتِهم بالغالي
والنفيس، فلا يَتصوّر الشرَّ في أمّهات المؤمنين، إلا سافلٌ مريضُ القلبِ، غيرُ موقّرٍ
للرسولِ صلّى الله عليه وآله وسلّم.
والله تعالى أعلم
(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا
وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه
وسلّم تسليماً
والحَمْدُ للهِ على كلِّ حالٍ.