أفراد الإمام البخاريّ (4):
ضَعفُ حالِ أصحابِ الصُفَّةِ !؟
بِسْمِ اللهِ الرَحْمَنِ الرَحيمِ
(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ
أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.
رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ
كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا:
افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).
بإسنادي
إلى الإمام البخاريّ في كتاب الصلاةِ، باب نوم الرجال في المسجدِ (442) قال رحمه الله تعالى: حَدَّثَنا يُوسُفُ بْنُ
عِيسَى «المَرْوَزيُّ» قَالَ: ثَنا «محمّد» بنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ «فُضيلِ بن
غزوانَ الضَبيِّ» عَنْ أَبي حَازِمٍ «سلمانَ مولى عزّةَ الأشجعيّة» عَنْ أَبي
هُرَيْرَةَ قَالَ:«رَأَيْتُ سَبْعِينَ مِنْ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ، مَا مِنْهُمْ
رَجُلٌ عَلَيْهِ رِدَاءٌ، إِمَّا إِزَارٌ، وَإِمَّا كِسَاءٌ، قَدْ رَبَطُوا في
أَعْنَاقِهِمْ([1])
فَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ نِصْفَ السَّاقَيْنِ، وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ
الْكَعْبَيْنِ، فَيَجْمَعُهُ بِيَدِهِ، كَرَاهِيَةَ أَنْ تُرَى عَوْرَتُهُ»([2]).
مدار حديثِ أبي هريرةَ في هذا الباب على فُضيلِ بن غَزوانَ،
رواه عنه:
الفضلُ بن موسى، عند ابن حبّان (682).
ومالكُ بن مِغوَلٍ، عند الحاكم في المستدرك (4292).
ومحمّد بن فُضيلٍ، عند البخاريّ (442) والبزار (9771) وابن
خزيمة في صحيحه (764) الطبراني في الأوسط (3268) وغيرهم.
و وكيع بن الجرّاح، عند ابن أبي شيبة في المصنّف (3192) وأحمد
في الزهد (32) وأبي نعيم في الحلية (1: 340) وغيرهم.
قال الفقير عداب: هذا
الأثر، لم يروه عن أبي هريرة، سوى أبي حازمٍ الأشجعي - وقد أجمعوا على أنّه ثقة -
تفرّد به فُضيل بن غزوانَ، لم يترجمه الذهبيّ في الميزان، وترجمه المزيّ في تهذيب
الكمال (23: 301) ونقل توثيقه عن أحمد ابن حنبلٍ ويحيى بن معين.
وقد أخرج له البخاريّ في صحيحه أحاديثَ، منها حديث الباب
(442) ومنها (1739، 2613، 3798، 4889).
وأخرج له مسلم أحاديثَ، منها (158، 1013، 1055، 1224، 1538).
وحسب تعريفِ الحديث الصحيح، عند المحدّثين؛ فهذا الأثر فردٌ
مطلقٌ غريبٌ صحيح.
وإذْ إنني لا أصحّحُ الأحاديثَ الأفرادَ المطلقة؛ فالحديثُ حسن
غريب، وهو منسجمٌ مع طبيعةِ أبي هريرةَ، التي كانت موغلةً بأثر الفقر والحاجة
عليها!
وقد روَّج الحكّامُ الطغاةُ لأحاديثِ الزهدِ والفقر، حتى
يخدّروا بها جماهيرَ شعوبهم الجاهلة؛ ليتنعّموا ويبطروا هم بمال الأمّة، وقد انطلى
تحبيذ الفقر على الغنى، حتى جعله الصوفيّةُ منهاجاً لحياتهم!
قَالَ
الْحَاكِمُ النيسابوريّ معقّباً على أثر الباب هذا: «تَأَمَّلْتُ هَذِهِ
الْأَخْبَارَ الْوَارِدَةَ فِي أَهْلِ الصُّفَّةِ، فَوَجَدْتُهُمْ مِنْ أَكَابِرِ
الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، وَرَعاً وَتَوَكُّلاً عَلَى اللهِ عَزَّ
وَجَلَّ، وَمُلَازَمَةً لِخِدْمَةِ اللهِ، وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ.
اخْتَارَ
اللهُ تَعَالَى لَهُمْ مَا اخْتَارَهُ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مِنَ الْمَسْكَنَةِ وَالْفَقْرِ، وَالتَّضَرُّعِ لِعِبَادَةِ اللَّهِ
عَزَّ وَجَلَّ، وَتَرْكِ الدُّنْيَا لِأَهْلِها.
وَهُمُ
الطَّائِفَةُ الْمُنْتَمِيَةُ إِلَيْهُمُ الصُّوفِيَّةُ، قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ،
فَمَنْ جَرَى عَلَى سُنَّتِهِمْ وَصَبْرِهِمْ عَلَى تَرْكِ الدُّنْيَا وَالْأُنْسِ
بِالْفَقْرِ، وَتَرْكِ التَّعَرُّضِ لِلسُّؤَالِ؛ فَهُمْ فِي كُلِّ عَصْرٍ
بِأَهْلِ الصُّفَّةِ مُقْتَدُونَ، وَعَلَى خَالِقِهِمْ مُتَوَكِّلُونَ».
والحقُّ
أنّ الرسولَ صلّى الله عليه وآله وسلّم؛ لم يكن فقيراً قطُّ، بل كان يعطي عطاءَ مَن
لا يخشى الفقر!
أخرج
الإمامُ ابن حبّانَ حديثَ أنس بن مالك (3579) أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (لَا تُوَاصِلُوا) قَالُوا: إِنَّكَ تُوَاصِلُ؟
قَالَ
الرسول: (إِنِّي لَسْتُ كَأَحَدِكُمْ، إِنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى) وأخرجه البخاري
(1961) ومسلم (1104).
قال
ابن حبّان معلّقاً على حديث أنس:
«هَذَا
الْخَبَرُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأَخْبَارَ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ وَضْعِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَجَرَ عَلَى بَطْنِهِ؛ هِيَ
كُلُّها أَبَاطِيلُ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهَا الْحُجَزُ، لَا الْحَجَرُ، وَالْحُجَزُ:
طَرَفُ الْإِزَارِ!
إِذِ
اللهُ جَلَّ وَعَلا كَانَ يُطْعِمُ رَسُولَه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَيَسْقِيهِ إِذَا وَاصَلَ، فَكَيْفَ يَتْرُكُهُ جَائِعاً مَعَ عَدَمِ الْوِصَالِ،
حَتَّى يَحْتَاجَ إِلَى شَدِّ حَجَرٍ عَلَى بَطْنِهِ، وَمَا يُغْنِي الْحَجَرُ
عَنِ الْجُوعِ»؟
وقد
كتب أخونا الدكتور السيّد عبدالفتّاح السمّان الدمشقي أطروحته للحصول على درجة
الدكتوراه بعنوان (كان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم مليونيراً، ولم يكن
فقيراً) وهي رسالةٌ ماتعةٌ، جزاه الله بها خيراً.
واللهُ تَعالى أعلَمُ.
(رَبَّنا: ظَلَمْنَا
أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ
الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى الله على
سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً
([1]) معاني الغريب في هذا الحديثِ: الرِداء: ثوبٌ
سابغٌ يستر أعلى جسم الإنسان، والإزار: ثوب يستر نصفَ الإنسان الأسفلَ، ولا يزال
يستعمل هذه النوع من الثياب في اليمنِ خاصّةً، ويُدعى «الوَزْرة» بإبدال
الهمزة واواً، والكساء: هو الثوب الذي يُلبَس، أو يلفّ على هيئة الملبوس، والمقصود
هنا: ثوبٌ قصير لا يستر سائرَ الجسم، وربطوا: أي الأكسيةَ.
([2])
من حديث فُضيلِ بن غزوان عن أبي حازمٍ الأشجعيّ، عن أبي هريرةَ انفرد به البخاري عن بقيّة التسعةِ، وأخرجه وابن
أبي شيبة في مصنفه (1: 348) وأحمد في الزهد (ص: 13) والبزّار في مسنده (17: 159) وابن
خزيمة في الصلاة، باب عقد الإزار على العاتقين إذا صلى المصلي في إزار واحد ضيق
(764) وابن حبان في الرقائق، باب الفقر والزهد والقناعة، ذكر الإخبار عن وصف أصحاب
الصفة (682) والطبراني في الكبير (19: (626) وفي «الأوسط» (3269) والحاكم في
الهجرة (3: (4292) وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وأبو نعيم في
الحلية (1: 340) والبيهقي في السنن الكبير (4: (3447) والبغوي في شرح السنة (4081)
وانظر التحفة [10: 13424] والإتحاف [15: 18824].
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق