الخميس، 24 أبريل 2025

       مَسائلُ حديثيّةٌ:

هَل النارُ والنورُ: حِجابُ اللهِ تعالى عن خلقه!؟

بإسنادي إلى الإمام أبي داود الطياسيّ، في مسنده (493) قال رحمه الله تعالى:

حَدَّثَنَا شُعْبَةُ بنُ الحجّاجِ وَالْمَسْعُودِيُّ «عبدُالرحمنِ بنُ عبدالله» عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ الجَمَليِّ؛ سَمِعَ أَبَا عُبَيْدَةَ «عامرَ بنَ عبدِالله بن مسعودٍ» يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَنَامُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ، يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ، يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ بِالنَّهَارِ وَعَمَلُ النَّهَارِ بِاللَّيْلِ)

قال الطيالسيّ: زَادَ الْمَسْعُودِيُّ «بإسناده إلى الرسولِ صلّى الله عليه وآله وسلم أنّه قال»: (حِجَابُهُ النَّارُ، لَوْ كَشَفَها؛ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ كُلَّ شَيْءٍ أَدْرَكَهُ بَصَرُهُ) ثُمَّ قَرَأَ أَبُو عُبَيْدَةَ «عامرٌ»: (بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ، وَمَنْ حَوْلَها، وَسُبْحَانَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [النمل: 8].

وبإسنادي إلى الإمام مسلمٌ في الإيمان، بابٌ في قوله: (إنّ الله لا ينام) (179) قال رحمه الله تعالى: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ عَمْرِو بنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى قَال: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ e بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ، فَقَال:

(إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لا يَنَامُ، وَلا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ، يَخْفِضُ القِسْطَ، وَيَرْفَعُهُ، يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ، حِجَابُهُ النُّورُ).

- وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرِ بنِ أبي شيبةَ: (النَّارُ، لَوْ كَشَفَهُ؛ لأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ).

- وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرِ «ابن أبي شيبةَ»: عَنِ الأَعْمَشِ، وَلَمْ يَقُلْ: حَدَّثَنَا «الأعمش»!

- حَدَّثَنَا إِسْحَقُ بنُ إِبْرَاهِيمَ: أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، قَال: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ e بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ، ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ، وَلَمْ يَذْكُرْ «جرير»: مِنْ خَلْقِهِ! وَقَال: (حِجَابُهُ النُّورُ).

- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى قَال: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ e بِأَرْبَعٍ:

(إِنَّ اللهَ لا يَنَامُ، وَلا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ، يَرْفَعُ القِسْطَ وَيَخْفِضُهُ، وَيُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ النَّهَارِ بِاللَّيْلِ، وَعَمَلُ اللَّيْلِ بِالنَّهَارِ).

مَدارُ حَديثِ البابِ على عَمرِو بنِ مُرّةَ المُراديِّ، رَواهُ عَنهُ:

- سفيانُ الثوريُّ، عِندَ الآجريُّ (659،761) وابنِ مندهْ (779) وَالبيهقيِّ في الأسماء والصفاتِ (391).

- وسليمانُ الأَعمشُ، عِندَ مسلمٍ (263) وَأَحمدَ (19632) وَابنِ ماجهْ (195) والآجريِّ (760) وابنِ مندهْ (775، 777).

- وَشعبةُ بنُ الحجاجِ، عِندَ مسلمٍ (263) وَأَحمدَ (19530) وَأَبي نُعيمٍ في المستخرجِ (450) وَالبزارِ (3018) وَالبيهقيِّ في الصفاتِ (671).

- وَعبدُالرحمنِ المسعوديُّ، عِندَ الطيالسيِّ (493) والرويّانيِّ (584) وَالبيهقيِّ في الأَسماءِ والصفاتِ (671).

- والعلاءُ بنُ المسيبِ، عِندَ ابنِ حبّانَ (266) وَابنِ مندهْ في الإيمانِ (778).

اختلافُ الرواةُ عن مدارِ الحديث:

اتّفق الرواةُ عن شعبةَ بن الحجّاج على أنّ لفظ الحديثِ من طريقه: (قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَرْبَعٍ: (إِنَّ اللهَ لَا يَنَامُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ، يَرْفَعُ الْقِسْطَ وَيَخْفِضُهُ، وَيُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ النَّهَارِ بِاللَّيْلِ، وَعَمَلُ اللَّيْلِ بِالنَّهَارِ) فحسب!

وكأنّ شعبةَ اقتصرَ على هذا القَدْرِ من الحديثِ، وحذف باقيه، وحُقَّ له!

واتّفق الأعمشُ والثوريّ والمسعوديُّ والعلاءُ بن المسيّبِ على أنّ لفظَ الحديثِ من طريقِ عمرو بن مرّة: (إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لا يَنَامُ، وَلا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ، يَخْفِضُ القِسْطَ، وَيَرْفَعُهُ، يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ، حِجَابُهُ النُّورُ، لَوْ كَشَفَهُ؛ لأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ).

واتّفاقُ هؤلاء جميعاً على هذا اللفظِ؛ يوجب صناعيّاً قَبولَ زيادتِهم على حديثِ شعبة!

وعَمرُو بن مرّةَ المراديّ ثقةٌ ثبتٌ لا يُسألُ عن مثله.

وأبو عبيدةَ بن عبدالله بن مسعودٍ؛ لم أقفْ على جرحٍ فيه، إلّا ما نُسبَه مُغلطاي في إكماله (7: 143) وابن حجر في تهذيبه (5: 76) إلى البخاريّ من قوله فيه: «هو كثير الغلط»!

وقد ترجمه المزيّ في تهذيبه، والذهبي في تاريخ الإسلام والنبلاء، ولم يذكر جملة «هو كثير الغلط» ثمّة!

رجعتُ إلى كتاب «العلل الكبير» للترمذيّ (173) فوجدته قال: «سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: رَوَاهُ شَرِيكٌ عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ, عَنْ أُمِّهِ, عَنْ «أبيه» عَبْدِاللَّهِ «بن مسعود» قَالَ.

قال الترمذيّ: قُلْتُ لَلبخاريّ: أَبُو عُبَيْدَةَ مَا اسْمُهُ؟ فَلَمْ يَعْرِفِ اسْمَهُ.

وَقَالَ: هُوَ كَثِيرُ الْغَلَطِ».

وأبو عبيدةَ؛ لم يترجمه الذهبي في كتب الضعفاء له، ولم يترجمه أصحاب كتب الضعفاء أيضاً.

قلت في نفسي: كيف يكون كثيرَ الغلط عند البخاريّ، ثم لا يترجمه الذهبيّ في الميزان؟

ثمّ وقفتُ قدَراً على جملةٍ للأستاذ الدكتور بشار عوّاد معروف العراقي، عند تعليقه على ترجمة أبي علبدةَ، في تهذيب الكمال (3038): «قال الترمذي في العلل الكبير: قلت لمحمّد البخاريّ: أبو عبيدة ما اسمه؟ فلم يعرف اسمه، وقال: هو كثير الغلط».

قال الدكتور بشّار: «قلت: كذا قال، وهو وهم من الحافظ ابن حجر، في فهم النصّ، فقول البخاريّ: «هو كثير الغلط» إنما يعود على شريك بن عبدالله النخعيّ... وممّا يُقوّي ما ذهبنا إليه؛ أنّ عبارةَ كثير الغلط قالها الترمذي في شريكٍ في مكان آخر من كتابه...فضلاً عن أنّ أبا عبيدةَ هذا؛ لم ينسبه أحدٌ إلى الغلط، والله تعالى أعلم» وهي التفاتة جميلةٌ، شكر اللهُ له.

تابعتُ البحثَ في ترجمة أبي عبيدة، فوجدتُ الترمذيّ في العلل الكبير (100) قال: «شَرِيكُ بْنُ عَبْدِاللهِ؛ كَثِيرُ الْغَلَطِ وَالْوَهْمِ» وفي كتابه الجامع (46) قال: «هَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ شَرِيكٍ... وَشَرِيكٌ كَثِيرُ الْغَلَطِ».

وقد ترجمه البخاريُّ في التاريخ الكبير (9: 52) ونقل عن معاصر له قولَه:

«كَانَ أبو عبيدة أشبه صلاة بعبدالله بن مسعودٍ، رأيتُه يُصلّي وما يُحرّك شيئاً، وما يَطْرَف» ولم يطلق عليه جملة «كثير الغلط» ولا غيرها، ولم يترجمه في كتابه الضعفاء.

أقول: لم أقف لأبي عبيدةَ على روايةٍ في موطّأ الإمام مالك، ولو كان أبو عبيدةَ حجازيّاً؛ قلنا: هذا إعراضٌ من مالكٍ عن رواياته، بيد أنّه كوفيّ، والإمام مالك كان لا يحتجّ بحديثِ أهل العراق، كما ذكره الزركشيّ في نكته (1: 152).

وقد أخرج البخاريّ لأبي عبيدةَ حديثين (1466، 4965) وافقه مسلم على الأوّل (1466) وأخرج له مسلم أربعة أحاديث أخرى انفرد بها عن البخاري (179، 864، 1000، 2355، 2759) فهو من المقلّين لدى الشيخين.

والبخاريُّ لم يخرّج لأبي عبيدةَ عن أبي موسى شيئاً، وجملةُ أحاديثه عن أبي موسى، عند مسلم ثلاثة أحاديثَ (179، 2355، 2759).

ظاهرُ إسناد الحديثِ؛ الصحةُ، إذ ليس في رواته من مداره حتى نهايته مجروح!

بيد أنّ علماء الحديث يقولون: علمُ العلل يبحثُ في أحاديثِ الثقات!

والتفرّد إحدى أكبرِ علل الحديث!

يقولون: إذا كان المتفرّد حافظاً؛ قبل تفرّده، وإن كان دون ذلك، ولم يأت بمتنٍ منكرٍ؛ قُبِلَ تفرّده في مرتبةٍ أدنى، وإذا كان في مرتبة «صدوق» عُدّ ما تفرّد به منكراً!

وإذا كان كثيرَ الرِحلَة في طلب العلم، كثير الرواية؛ قُبِلَ تفرّده!

وإذا كان كثيرَ الملازمة لشيخِه، كثيرَ الرواية عنه؛ قُبِلَ تفرّده أيضاً!

وقد روى عن أبي موسى الأشعريّ في صحيح مسلم اثنان وعشرون راوياً، سوى أبي عُبيدةَ، منهم أبو بكر وأبو بُردة ابنا أبي موسى!

وقد أخرج مسلم من طريق أبي بردة «عامر» عن أبيه أبي موسى أكثرَ من خمسينَ حديثاً، أوائلها (42، 100، 104، 154، 254) وأواخرها (2627، 2628، 2686، 2767، 3001) بينما لم يروِ أبو عبيدةَ عن أبي موسى، عند مسلمٍ ثلاثةَ أحاديث!

فأين كان تلامذة أبي موسى وولداه عن هذا الحديث الغريب؟

خلاصة القول: إنّ إسنادَ الحديثِ فردٌ مطلقٌ غريب، ومتنه منكَر!

ووجهُ نكارته؛ جملةُ (حِجَابُ وجهِ الله تعالى: النَّارُ أو النور).

وظاهرُ هذا الكلامِ أنّ الله تعالى يستره عن خلقه خَلْقٌ من النارُ أو النور!

ومقتضى هذا؛ أنّ وجهَ اللهِ تعالى مادّةٌ قابلةٌ للحجبِ الماديّ، وهو مماسٌّ للنارِ، أو مقاربٌ لها، أو مفارقٌ لها، ومقتضاه أنّ هذا الحجابَ أعظمُ من وجه اللهِ تعالى.

إذ هو يَستره عن عباده، وهذا تجسيم ظاهرٌ، لا يجوز إطلاقه على الله تعالى.

وسبحاتٌ: جمع سُبْحةٍ وبالفتح، وفسّرها ابن فارس في المقاييس (ص: 411) بأنها جلالُ اللهِ جلّ ثناؤه وعظمتُه، وبنحو ذلك فسّرها أبو عبيدٍ في غريبه (3: 173) وقال: «وهَذَا الْحَرْف قَوْله: (سُبُحات وَجهه) لم نَسْمَعهُ إِلَّا فِي هَذَا الحَدِيث».

أجلْ ونحن أيضاً لم نقف عليه في أيّ كتابٍ بلاغيّ أو معجميّ، إلّا في هذا الحديث!

وقال الخطّابي في غريبه (1: 685): «سُبُحاتُ وَجْهه): اشتِقاقُه مِن اللُّغَةِ: من قولك: سبَّحْتُ اللهَ: أي نزّهْتُهُ من كُلّ عَيْبٍ، وبرّأتُه من كل آفةٍ ونَقْص».

ويبدو أنّ الخطّابيَ رأى هذا المعنى لا يتّسقُ مع دلالةِ الوضع اللغويّ ولا مع الاشتقاقِ، ولا يَتساوق مع الحرق الهائلِ، الذي تحدثه سبحات وجه الله تعالى، إذا أزال اللهُ حجابَه من النار أو النور، عن وجهه؛ فقال:

«(سُبُحاتُ وَجْهه): جَلالُه ونُورُه، هكذا فسّرُوهُ، واللهُ أعلمُ بمعناه».

أجلْ: اللهُ أعلم بمعناه؛ لأنّ معناه غير مفهومٍ وغير معقولٍ أبداً.

هل جمالُ وجه الله تعالى وجلاله المعنويُّ؛ نارٌ محرقة، ولماذا تكون ناراً تحرق الكون كلّه، ولا تكون رأفةً ورحمةً ولطفاً؟!

وكيف ينسجم هذا مع عددٍ من الأحاديث التي صحّحوها، من أنّ رؤيةَ الله تعالى في الآخرة؛ أروَح من الجنة وأنهارها ورياضها وجميع معالم السعادة فيها؟

أمّ إنّ سبحاتِ وجهِ الله تعالى تحرقُ في الدنيا، دون الآخرة؟

جاء في القرآن الكريم قوله تعالى: (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُون) وحملها الشافعيّ وغيره على أنّ الكافرين لا يرون الله تعالى يوم القيامة، وقد وردَ في بعض كتب السنن؛ أنّ الله تعالى يحتجب يوم القيامة مِن العبدِ يجحَدُ ولَده، ويحتجب من الوالي، إذا احتجب عن رعيّته ولم ينصح لهم، ونحو ذلك.

وظاهرٌ أنّ معنى (احتجب) أعرض عنهم إعراضاً معنويّاً، بمعنى لم يشملهم برحمته وعفوه ولطفه!

ختاماً: عندما نقول: (الله تعالى نور) نعني أنّه هادٍ رشيدٌ منيرٌ، لا أنّ ذاتَه العليّة جرمٌ من النورِ؛ لأنّ كتلةَ النور تتنافى مع قوله الحكيم (ليس كمثله شيء).

وإذْ نحن لا ندري معنى «سبُحاتٍ» أصلاً، فليس لله تعالى سبحات، وليس لله تعالى حُجبٌ ماديّةٌ من نارٍ أو من نورٍ، إنّما الحُجُبُ عن الله تعالى؛ ذنوبُ العبادِ، التي أظهرها الشرك بالله تعالى، والقتلُ، وعقوقُ الوالدين.

والله تعالى أعلم.

والحمد لله على كلّ حال.

الأحد، 13 أبريل 2025

      مَسائِلُ عَقديّةٌ:

هل خُلِقت الملائكةُ مِن نورٍ!؟

بسم الله الرحمن الرحيم

لم يَرِدْ في القرآن الكريم شيءٌ عن ذَوات الملائكةِ، ممّ خُلِقَتْ، إنما قال الله تبارك وتعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً، فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً، فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا، فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا، ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ، فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14) [المؤمنون].

(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (26) وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ (27) [الحِجر].

(خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (14) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ (15) [سورة الرحمن].

وذكر الله تعالى كلمةَ دابّة عامّةً، تشمل كلّ من يدبُّ على الأرض، ومنها الإنسان، فقال: (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ؛ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ، وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى (61) [النحل].

والمقصودُ بكلمة (دابّة) هنا؛ هو الإنسان، لأنّ الظلم المُفْسِدَ للمجتمع يقع منه، إذْ هو يتصرّف بإرادته، بينما تتصرّف بقيّة الدوابِّ بغرائزها.

أمّا الدوابُّ بمعنى أحياءِ الدوابِّ من الأنعام والبقر والخيل والبغال والحمير والطيور والزواحف، وأجناسها؛ فقد خلقها الله تعالى من ماء.

قال تباركت أسماؤه: (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ:

فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ.

وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ.

وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ.

يَخْلُقُ اللهُ مَا يَشَاءُ، إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (45) [النور]. 

بينما وردت كلمة (ملائكة) منكّرةً ومعرّفةً بــ(أل) ثمانياً وستّين مرةً، في القرآن الكريم، لم تذكر أيُّ آيةٍ منها، من أيّ عنصرٍ خُلقت منه الملائكةُ، إنما جاء في القرآن الكريم أنهم على مظاهر خَلقيةٍ متعددة، فقال تقدست أسماؤه: (الْحَمْدُ اللهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ، يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ، إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) [فاطر].

ونفى أن تكون الملائكة إناثاً، فقال جلّ وعزّ: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا، أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ؟ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ (19)[الزخر tف].

 وذكر أنّ الملائكةَ يتبرّؤون من دعوى الكافرين، أو بعضهم بأنهم كانوا يعبدون الملائكة، فقال تبارك وتعالى: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا، ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ: أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40) قَالُوا: سُبْحَانَكَ، أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ، بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ، أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (41) [سبأ]

إنّما وردَ في كتب الروايةِ حديثٌ مرفوع، وأثر موقوفٌ، وروايتان مقطوعتان.

والذي يعنينا الحديثُ؛ لأنّه القولُ الذي يُحتجُّ به، دون غيره!

بإسنادي إلى الإمام مسلم في كتاب الزهدِ والرقائق من صحيحه، باب أحاديثِ متفرّقةٍ (2996) قال رحمه الله تعالى: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ رافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ قالَ عَبْدٌ: أَخْبَرَنا، وقالَ ابْنُ رافِعٍ: حَدَّثَنا عَبْدُالرَّزّاقِ: أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْريِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: قالَ رَسولُ اللهِ e:

(خُلِقَتِ المَلائِكَةُ مِنْ نُورٍ، وَخُلِقَ الجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ، وَخُلِقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ) ([1]).

قال البيهقيُّ في شُعَبِ الإيمان (141): « وَفِي فَصْلِهِ صلّى الله عليه وآله وسلّم بَيْنَهُمَا فِي الذِّكْرِ؛ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ نُوراً آخَرَ غَيْرَ نُورِ النَّارِ، وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ».

قال عداب: ستأتي مناقشةُ البيهقيِّ.

مدار حديث الباب على معمر بن راشد، رواه عنه:

سفيان بن سعيدٍ الثوريّ، عند أبي الشيخ الأصبهانيّ، في كتاب العظمة (2: 725)

وعبدِالرزاق الصنعاني في جامع معمر بن راشد في آخر المصنف (20904) و وإسحاق بن راهويه في مسنده (786) وأحمدَ ابن حنبلٍ في مسنده (25194) ومسلم بن الحجاج في صحيحه (2996) وأبي عبدالله ابن منده في كتاب التوحيد (70) وفي كتاب الردّ على الجهميّة (ص: 49) وقال هنا: «وَهَذَا حَدِيثٌ ثَابِتٌ بِاتِّفَاقٍ».

وعبدُالله بن المبارك، عند إسحاق بن راهوية في مسنده (787) وعند أبي الشيخ في كتاب العظمة (2: 725) وأبي عبدالله المحامليّ في أماليه (379) وفي مشيخةِ ابن قاضي المارستان (357).

وفي علل الدارقطنيّ (3574) أنّه سُئِلَ عَنْ حَدِيثِ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، قال: (خلقت الملائكة من نور، وخُلق الجانُّ مِن مارجٍ من نار، وخُلق آدمَ مما تَعلمون).

فقال: يرويه مَعْمَر، واختلف عنه:

فرواه عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عن معمر، عن رجل لم يُسمّه، عن عروة، عن عائشة.

وقال غيره: عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائشة.

قاله عبدُالرزاق عن ابن المبارك، عن معمر» انتهى.

قال عداب: فلم يقضِ الدارقطنيُّ فيه بشيءٍ!

وفي معجم شيوخ ابن عساكر (368) قال عبدالرزّاق: «أنا أفدت ابن المبارك هذا الحديث عن معمر».

قال الفقير عداب: حتّى لو صحّ أنّ عبدالرزّاق أفادَ ابنَ المبارك هذا الحديثَ عن مَعْمَر؛ فهذا لا ينفي أن يكون رجعَ ابن المبارك بعد ذلك إلى شيخه معمر، وتحمّل عنه هذا الحديثَ؛ لأنّ أبا أسامةَ حمّادِ بن أسامة؛ روى هذا الحديثَ عن ابنِ المباركِ، عن معمر، عن الزهريّ، عند إسحاق بن راهوية في مسنده (787) وعند أبي الشيخ في كتاب العظمة (2: 725) وأبي عبدالله المحامليّ في أماليه (379) وفي مشيخةِ ابن قاضي المارستان (357) كما تقدّم. 

ولأنْ لا خِلاف في أنّ عبدالله بن المبارك من تلامذته معمرٍ والرواة عنه.

فقد أخرج البخاريّ من طريق ابن المبارك عن معمر، عن الزهري ستّة أحاديث (1418، 1695، 2361، 4015، 6084، 6725) وأخرج مسلم بهذا الإسنادِ ثلاثةَ أحاديث أيضاً (607، 1402، 2629) ليس لعبدالرزاق ذِكْرٌ في واحدٍ منها.

ممّا يؤكّد أنّ لابن المبارك روايةً مباشرةً عن شيخه معمر بن راشد، وإن كان روى عن رجلٍ، عنه أيضاً.

- ومعمر بن راشدٍ الأزديّ: ثقة إمامٌ، من أثبت الناس في الزهريّ، ومثلُه لا يحتاج إلى ترجمة!

- أمّا محمدُ بن مسلمِ بن عبيدالله الزهريُّ: فهو ثقةٌ إمامٌ عند المحدّثين، والملحوظاتُ التي يأخذها عليه بعضُ أهل الحديثِ، من مثلِ ملازمته لظلمةِ بني أميّة، وعدِم روايته حديثاً في فضل عليٍّ عليه السلام، مع توافرها لديه؛ لا صلة لهذا الحديثِ بها، وهو من أخصِّ أصحابِ عروةَ بن الزبير به.

-وأمّا عروةُ بن الزبير: فهو علمٌ فقيه - على نصبه وبغضه الإمامَ عليّاً - وللناس عليه مأخذٌ آخرُ، وهو أنّه بعدما قُتلُ أخوه عبدالله؛ حملَ بيت مال المسلمين بمكّة، وخبّأه بالمدينةِ، وسافر إلى الشامِ، والتقى بعبدالملك بن مروان، فطيّبَه له، فاستحلّ عروةُ هذا المالَ، وبنى ببعضه قصرَه بالعقيق، وكان يتألّف قلوبَ طلّابِ العلمِ ببعضه أيضاً!

وكأنّ العلماءَ في ذلك الوقت كانوا يرون للحاكم المتغلّبِ التصرفَ بمال الأمة!

فلو نحن طبّقنا على عروةَ الميزانَ الذي نعتقده؛ ما قبلنا منه حديثاً رواه قطّ؛ لأنّه فاقدُ العدالةِ، وفق ذلك الميزان، ولو كان أعلمَ الناس!

لكنّ العلماءَ على مدارِ قرونِ الروايةِ؛ لم يعيبوه بهذا، بل تجنّب أكثرُ علماء الجرح والتعديل ذكرَ حادثة استحواذِه على المال، ومسألةَ نصبه!

خلاصةُ القول: إنّ سَندَ الحديثِ غريبٌ صحيح، لم يُرْوَ بلفظه أو معناه عن الرسولِ صلّى الله عليه وآله وسلّم حديثٌ ظاهرُ إسنادِهِ الصحّةُ غيرُه.

وهو حديثٌ لم يروه عن الرسول سوى عائشةَ أمِّ المؤمنين، ولم يروه عن عائشة سوى عروة، ولا عن عروة سوى الزهريّ، تفرّد به معمر بن راشدٍ، فالحديث فردٌ مطلق غريبٌ في أربعِ طبقاتٍ!

- وفي مثلِ هذا الحديث يقال: إنّ الرواةَ عن عائشةَ في الكتبِ الستّة؛ مائةٌ وأربعةٌ وتسعون راوياً، الذين رووا عنها في صحيحي البخاريّ ومسلم منهم؛ واحدٌ وثمانون راوياً، كيف نقبَل غفلةَ ثمانين راوياً عن هذا الحديث، ونقبلُ ضبطَ واحدٍ منهم؟

- ومثل ذلك يقالُ في الرواة عن عروة، فقد روى عنه في الكتب الستّة؛ واحدٌ وخمسون راوياً، روى عنه في الصحيحين منهم؛ واحدٌ وثلاثون راوياً، أين هم عن حديثِ شيخهم عروة؟

وهكذا نقول في الرواةِ عن الزهريّ أيضاً.

لما تقدّم أقول: إنّ القرآنَ الكريم أخبرنا عن خلقِ الجانِّ من نارٍ، وأخبرنا عن خلق الإنسانِ من طينٍ، وجاء ذكر الملائكةِ في القرآن الكريم كثيراً، وفي جميعها لم يَذْكُرْ ممّ خلقوا؟

والملائكةُ ليسوا من جنس الطينِ؛ لأنّنا عرفنا بالشاهد أنّ جميع بني البشر يخطؤون، والأنبياء قد يرتكبون خلافَ الأولى في حقّ أمثالهم، فيعاتَبون، ويصحّح الوحيُ لهم!

وليسوا أمثالَ الدوابِّ الذين خُلقوا من ماءٍ؛ لأنّ أوصافَ الملائكة في القرآن؛ تدلُّ على عقلٍ واعٍ، وعبادةٍ قويمةٍ، وطاعةٍ للرحمن الرحيم، ولديهم رأفة ورحمةٌ على المؤمنين، حتى عندما يخطؤون (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ).

بل إنهم يستغفرون لمن في الأرضِ من جميع المخلوقات (وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ).

والنار والنور يشتركان في خصائص كثيرة، منها الإضاءةُ، ومنها الحرارةُ، ومنها حياةُ الأحياء، ومنها التدمير!

والضياءُ الذي يسطعُ في النهارِ؛ لا نرى له علينا ذلك الأثرَ المدمّرَ، وإنْ كان هو أثراً من آثار الشمس، التي تبلغ حرارتها (5500) درجة مئويّة!

فإنْ كان الله تعالى خلقَ الملائكةَ من هذا الضياء اللطيفِ؛ فيرجع هذا الضياءُ إلى نار الشمس ذاتها، والكون خلق قبل خلق الشمس، والمخلوقاتُ خُلقت بعد الانفجارِ الكونيّ العظيم!

قال الله تعالى: (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا، وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ، أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30) وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ، وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31) وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا، وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ (32) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33).

ختاماً: أنا الفقير لم أضعّف ظاهرَ إسنادِ هذا الحديثِ، كما ترون، إنّما أرى فيه علّةً خفيّة، لا يتوقّف كثيرٌ من أهل الحديث عند مثلها، خلاصتُها أنّ الزهريَّ لم يكن له كتابٌ، وكان يحدّث من حفظه، فإذا قيلَ له: أعِدِ الحديثَ؛ غضبَ، خشيةَ أن يختلفَ لفظِ روايته الثانية عن لفظ روايته الأولى؛ لأنّه كان يعبّر عن المعنى الذي يحفظه بلفظِ نفسه، وأنّ عروةَ أحرق بعضَ كتبه، ثمّ ندم، فلا يبعدُ أن يكون أحدهما وهم في قوله: (خلقت الملائكة من نور).

هذا الاحتمالان: التفرّد الفاحشُ في أربعِ طبقاتٍ، والاعتمادُ على ضبطِ الذاكرةِ، دون كتابٍ مكتوبٍ؛ تجعلني أرفضُ الاحتجاج بهذا الحديثِ، الذي ظاهر إسنادِه الصحّة، وأرفض الاحتجاج بالحديث الفردِ المطلق في سائر الاعتقادات، والحلال والحرام.

والله تعالى أعلم.

والحمد لله على كلِّ حال.



([1]) مِنْ حَديثِ عَبْدِالرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، بِهِ مَرفوعاً؛ اِنْفَردَ بهِ مُسلِمٌ عَنْ الستَّةِ، وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ في باقي مُسنَدِ الأَنصارِ (25194، 25354) وعبد بْنِ حميد في المنتخب (1: 430) وَإِسحاقُ بْنِ راهويهَ في مُسنَدِهِ (2: 277) وَابْنُ حِبانَ في في صَحيحِهِ (14: 25) وَالبَيهقيُّ في السنَنِ الكَبيرِ (9: 3) وفي شعب الإيمان (1: 301) وفي الأسماء والصفات (2: 258).

 

الخميس، 10 أبريل 2025

  مسائل عقدية:

البابية والبهائيّة والقاديانيّة!؟

بسم الله الرحمن الرحيم

طلب أحدُ الإخوةِ الأصدقاءِ تعريفَه بهذه الفرقِ الثلاثِ، التي ما يزالُ أتباعها موجودين، معاصرين لنا.

والقاديانيّة: حركةٌ ظهرت في ظلّ الاحتلالِ البريطانيّ للهند، على يدِ مؤسسها مرزا غلام أحمد القادياني (1839- 1908م) ولد في قرية «قاديان» من بنجاب في الهند، و«الميرزا» مصطلح يطلقُه الشيعة الإماميّةُ على مَن تكون أمّه عَلَويّةٌ، من ذريّة الحسن أوالحسين، عليهم السلام.

أمّا البابية: فهي مصدرٌ صناعيٌّ من كلمة «باب» وهذه الكلمةُ تعبير عن وكيلِ الإمام المهدي، أو الوسيلةُ بينه وبين المؤمنين به من الشيعةِ الإمامية.

أسسها الميرزا علي محمد رضا الشيرازي الإيراني (1819 ـ 1850 م)

وأمّا البهائية: امتدادٌ فكريّ للبابيّة، أسسها الميرزا حسين علي الملقب (بهاء الله) أخو الميرزا عليّ، المولود في شيراز (1817 - 1892) والمدفون في مقبرة «البهجة» بعكا.

ومن وراء دراستي القديمة جدّاً للبابيّة والبهائيّة؛ توصّلتُ إلى أنهما فرعان عن المدرسةِ الشيخيّة المنسوبة إلى أحمد بن زين الدين بن إبراهيم الإحسائيّ (ت: 1241 هـ) وكانوا يلقّبونه (الشيخَ الأعظم) كأنّه تقليدٌ للقب الشيخ محيي الدين بن عربيّ الحاتمي (558 - 638 هـ) شيخِ الصوفيّةِ العِرفانيّةِ الباطنيّة.

والشيخ الأعظم الإحسائيّ - وسائر العرفانيين من الإماميّة - متأثّرون تأثّراً كبيراً بالشيخ الأكبر ابنِ عربيّ.

وإذْ إنّ الشيخيّة والبابيّة والبهائيّة مدرسةٌ واحدةٌ، والقاديانيّةُ مدرسةٌ أخرى؛ فسأعرّف تعريفاً عامّاً بالقاديانيّة أوّلاً، ثمّ أعرّف بالشيخيّة وفرعيها.

وإنّما قلت: أعرّف تعريفاً، ولم أقل: أدرس دراسةً؛ لأنّ الدراسةَ العلميّة، تتطلّب توافرَ كتب الفرقة ذاتها (كتب القادياني نفسه) ثم كتب أتباعها، ثم ما قاله علماء الشيعة الإماميّة عن الفرقةِ المنبعثةِ عنهم، ثم ما يقوله خصومُ العِرفانِ الإماميّ بعد ذلك.

وليس في مكتبتي صفحةٌ واحدةٌ لهؤلاء المؤسسين، الذين حكم عليهم أكثر علماءِ الإماميّة بالخروجِ عن الدين، والاعتمادُ على الإنترنيت في الدراساتِ العلميّة مزلقةٌ!

والله تعالى أعلم.

والحمد لله على كلّ حالٍ.

الثلاثاء، 8 أبريل 2025

  إلى سوريّا مِن جديدٍ:

ما فائدةُ الفِدْراليّة؟

بسم الله الرحمن الرحيم

الدولةُ الفدراليّةُ: هي الدولةُ الاتّحاديّةُ، أو دولةُ الأقاليم غير المركزيّة، التي تتقاسم فيها السلطة المركزية العليا السيادةَ والصلاحيّات، مع رؤساء الأقاليم، أو مع المحافظين، فيكون للمحافظِ فيها صلاحيّاتٌ أكبرُ بكثير من صلاحيّات المحافظ في الدولة المركزيّة.

والدولةُ الفدراليّة: مثلُ الولايات المتحدة الأمريكية، وألمانيا، والإمارات العربية المتّحدة!

أمّا الدولة المركزيّة الأُحاديّةُ، فتتركّز معظم الصلاحيّاتِ في يد رئيس الدولة، وتكون صلاحيات المحافظ؛ تنفيذ القرارات الرئاسيّة والحكوميّة!

ومثال الدولةِ المركزيّة: سوريّا السابقة والحاليّة، والأردنّ ولبنان وغيرها من الدول.

أمّا الدولةُ الكونفدراليّةُ: فهي تسمّى دولةً مجازاً، إذ يكون الإقليم مستقلاً تماماً، إنما يكون بين تلك الأقاليم «الدول» اتّحادٌ تعاونيٌّ، أو هيئةٌ تشاوريّة، أو تنسيقٌ دفاعيٌّ أو حربيٌّ.

ومن أمثلة الكونفدراليّات هذه «مجلس التعادون الخليجي» الذي يضمّ دول الخليج العربيّ، أو «اتّحاد المغرب العربيّ» الذي يضمّ موريتانيا ومملكة المغرب، والجزائر وتونس وليبيا، أو «الجمهوريّة العربية المتّحدة» التي كانت تضمّ مصر وسوريا، وهكذا، فما فائدةُ الفدراليّةِ في دولةٍ مثل سوريّا؟

أقول وبالله التوفيق:

عندما كنتُ في «كردستان» العراق؛ سمعتُ بعضَ موظّفي الدولة هناك يقولون: إنّ السلطات الحاكمة تحوز أكثر من (80%) من ورادات إقليم كردستان، ومجموع الشعب الكرديّ حظّه أقلُّ من (20%) من مجموع وادرات الإقليم سنويّاً.

واستمعتُ إلى أحدِ السفّاحين المجرمين من قادة مليشيات النظام البعثيّ الساقط في سوريّا يقول على برنامج «المشهد» مع الإعلاميّ طوني خليفة يقول: «إنّ المستفيدين ماليّاً من النظام السابق؛ أقلُّ من (3%) من الشعب «النصيريّ» - وهو واحدٌ من كبار المستفيدين - وباقي الشعب تحت خطّ الفقر، وقد يكون هذا صحيحاً!

بينما سمعتُ أحدَ وجهاء النصيريّة يقول لمحافظ اللاذقيّة: منطقتنا الجبليّة فقيرة الموارد، ليس فيها أسواق تجارية، ولا ثروات معدنية، ولذلك فإنّ أكثرَ من (80%) من شباب «العلويين» يعملون في الحكومة: في الجيش والأمن والمخابرات والشرطة المدنية والعسكرية وشرطة المرور وغيرها، فهل نعطيكم أولادنا هؤلاء كلَّهم لتقتلوهم، بدعوى أنهم من فلولُ النظام؟

وقد لا يكون ثمّةَ تناقضاً بين القولين: إذ إنّ رواتب موظفي الدولة السورية قليلة جدّاً، منذ القدم، فمنذ العام (1971 - 1975) كنت مدرّساً مكلّفاً بساعاتٍ كثيرةٍ، قد تصل إلى (21) ساعة أسبوعيّا، لم يكن مرتّبي الشهري تلك السنوات يصل إلى (100) دولاراً في الشهر.

وكان مرتّب زملائي المدرّسين في المدارس الابتدائيّة (210) ل. س، يعني يقرب من خمسين دولاراً في الشهر، وربما أقلّ!

فالقادةُ المجرمون الكبار؛ هم الذين ينهبون خيرات البلاد ويتقاسمونها، ويضغطون على التجّار ليقاسموهم ثمرات تجاراتهم، ويستغلّون جرائمَهم ذاتها ليبتزّوا الناس، مدّعين أنّهم سيطلقون سراح أولادهم المظلومين من سجونهم المظلمة، كما ضحكوا على زوجتي، ووعدوها بإخراج ولدي «الشهيد علي» من سجن «عدرا» وسجن «صيدنايا» في مدّةٍ أقصاها شهر، مقابلِ مبلغٍ قدره خمسةٌ وعشرون ألف دولار، فضغطت عليّ زوجتي وأولادي وبناتي، وأنا أقول لهم: أيها الناس: هؤلاء يكذبون عليكم، هؤلاء يبتزّونكم، ثم لنفترض أنّهم سيطلقون سراحه حقّاً، هل يجوز أن أعطي خصمي هذا المبلغ الضخم ليتقوى به عليّ وعلى المسلمين؟

لكنّهم اتّصلوا بأحد تلامذتي، وأقنعوه بفكرتهم، فأقرضهم هذا المبلغَ، الذي علمت به بعدما استلموه، ولم أستطع تسديد جميع المبلغ حتى الآن، واللهُ الشاهد!

دُفع هذا المبلغُ لأولئك المجرمين القتلة، ثم قتلوا ولدي (عليّاً) في السجنِ، ولم نعرف حتى اليوم أين دفنوه، عليهم لعائن الله تعالى أجمعين!

إذنْ ما فائدة الفدراليّة، إذا كانت ستزيدُ في غنى الكبارِ، وسيزداد الفقراء فقراً؟

إنّ الشعوبَ مسكينةٌ، يقودها أصحاب النفوذ إلى حتفها، وهي تأمل الخيرَ والحياةَ الأكرم!

لهذا أصبحت الآن أقول: إنّ «الفيدرالية والكونفدرالية» لا تصلحان لمجتمعاتنا الساذجة أبداً؛ لأنّ شياطين الإنس يضحكون عليهم؛ للوصولِ إلى السلطة والثروةِ.

والله تعالى أعلم.

والحمد لله على كلّ حال.

الثلاثاء، 1 أبريل 2025

  مسائل فكريّة:

الطائفيّةُ بريدُ التَكفيرِ والقَتْلِ!؟

بسم الله الرحمن الرحيم

الطائفيّةُ تعني في أيسرِ ما تعنيه؛ الانتماءَ العقديَّ والفكريَّ والسلوكيَّ إلى طائفةٍ من الناسِ، تابعت عالماً من العلماءِ، أو مفكّراً من المفكّرين في اجتهاداته، ونبذت اجتهاداتِ غيره ممَّن يخالفه.

والمذهبيّةُ فرعٌ أصيلٌ عن الطائفيّةِ، إنْ لم تَكُنْ تقييداً لإطلاقها!

فالحنفيّةُ = مذهبٌ سنيٌّ ينتسب أتباعُه إلى العالم أبي حنيفةَالنعمانِ بن ثابت الفارسيِّ (ت: 150 هـ).

والمالكيّةُ = مذهبٌ سنيّ ينتسب أتباعُه إلى العالم أبي عبدالله مالك بن أنسٍ الأصبحيّ اليمانيّ (ت: 179 هـ).

والشافعيّةُ = مذهبٌ سنيٌّ ينتسبُ أتباعُه إلى العالم أبي عبدالله محمد بن إدريسَ الشافعيّ القرشيِّ (ت: 204 هـ).

والحنبليّةُ = مذهبٌ سنيٌّ ينتسب أتباعُه إلى العالم أبي عبداللهِ أحمد بن محمّد بن حنبلٍ الشيبانيّ (ت: 241 هـ).

والإباضيّةُ = مذهبٌ ينتسبُ أتباعُه إلى القائدِ عبدالله بن إباضٍ التميميِّ المُريِّ الشيعيِّ، ثمّ الخارجيِّ (توفي بعد: 80 هـ).

والزيديّةُ = مذهبٌ شيعيّ ينتسبُ إلى عالمِ أهل البيتِ في زمانه زيدِ بن عليّ الهاشميّ (استشهد: 122 هـ).

والجعفريّةُ = مذهبٌ شيعيّ ينتسب إلى عالمِ أهل البيت في زمانه جعفر بن محمّد بن عليّ الهاشميّ (ت: 148 هـ).

والإسماعيليّةُ = مذهبٌ شيعيٌّ ينتسبُ أتباعُه إلى محمّد بن إسماعيلَ بن جعفرِ بن محمد الهاشميّ، ابنِ الذي قبله (ت: 138 هـ).

والمدارسُ السنيّةُ الأربعُ تجمعُ جميعها على أصولٍ، من أبرزها القدل بقدم القرآن الكريم (غير مخلوق) وعدالةِ جميع الصحابة، كبيرهم وصغيرهم، وتقيّهم، ومن دون الأتقياء منهم فضلاً، استئناساً بقول الله تعالى:

(ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) والقولِ بالقدر، وعدم جواز الخروج على الحاكم الظالم الجائر.

ثمّ تختلف فيما بينها أشدّ ما يكون الاختلاف!

والمذاهبُ الشيعيّةُ الأربعة تجمع جميعها على أصول، من أبرزها:

العدلُ والتوحيدُ، وبطلانُ اطّرادِ عدالةِ جميع الصحابة، وبطلان القولِ بالجبر، وجواز الخروج على الحاكم الجائر.

ولو أنّنا أنْعَمْنا النَظَرَ في بطونِ الكتبِ العقديّة «الكلامية» لدى أتباعِ هذه المذاهبِ الثمانية؛ لوجدنا فيها مَسائلَ يكفّر بها أتباعُ كلِّ مذهبِ بقيةَ أصحاب المذاهب الأخرى، أو يضلّلونهم.

فمسألة خلق القرآن مثلاً، يكفّر أحمدُ ابن حنبلٍ جميع القائلين بخلق القرآن (الإباضيّة والمعتزلة والزيديّة).

ويضلّل ويبدّع الواقفةَ «الذين يقولون: القرآن كلامُ الله» ولا يزيدون، وهم الجعفريّة والإسماعيليّة وبعضُ أهل السنة، منهم الحسين بن علي الكرابيسيّ الشافعيّ، ومنهم الفقير عداب.

وأحمدُ ابن حنبلٍ يضلّل ويبدّع الذين يقولون: (لفظي بالقرآن مخلوق) ومن هؤلاء البخاريّ ومسلم وسائرُ الأشاعرةِ والماتريديّة وابن تيمية وابن القيّم من الحنابلة، والفقير عداب!

وجماهيرُ الأمّة بطوائفها - ما عدا الحنابلة - تكفّر المجسّمة والمشبّهة، ويعنون بذلك الكُرّاميةِ والحنابلة، والفقير عداب لا يكفّر المجسّمةَ والمشبّهةَ؛ لأنْ ليس فيهم عالمٌ مجتهدٌ، على نحو ما تقدّم من وجوبِ تحصيل علومٍ كثيرةٍ، حتى يستحقَّ العالم رتبةَ مجتهد، والعُذْرُ بالجهل مذهبي!

وبهذا تكون أمّةُ الإسلام جميعها - بدون  استثناء - بين كافرٍ وضالٍّ ومبتدع، بعضُها في نظر الآخرين من أمّة الإسلام!

ولكي نخرجَ من دائرةِ التكفير والضلال والتبديع؛ لا بدّ من أنْ نعتقدَ جميعاً بما يأتي:

أوّلاً: لا بدَّ من أنْ نعتقدَ بأنّه لا يوجد أحدٌ معصوماً عن الخطأ في السلوك، وعن القصور في الاجتهاد، بدْءاً من الصحابةِ رضي الله عنهم، وإلى زماننا هذا، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ولا يوجد أدنى دليلٍ على عصمة الإمام عليٍّ ولا بقيّةِ أئمّة الإماميّة: الجعفريّة والإسماعيليّة!

ثانياً: لا بدَّ من أنْ نعتقدَ بأنّ «اجتهادَ» مَن سوى الرسولِ صلّى الله عليه وآله وسلّم؛ لا يُلزِمُ أحداً سواه، من الصحابةِ فمن بعدهم، وهم لم يدعوا الناس إلى تقليدهم، والإمام عليٌّ عليه السلام حكم الأمة خمس سنين، وكان أقربُ تلامذته إليه عبدُالله بن عبّاس؛ يخالفُه في كثيرٍ من المسائلِ، وهو أحدُ قُوّاده وأهلِ مشورته، ولم يلزمه الإمام عليٌّ بمتابعته، ولم يقلْ له: إنّه إمام معصوم معيّنٌ من قبلِ الله تعالى!

ومن سوى الإمامِ عليٍّ؛ جميعهم دونَه في كلّ شيءٍ من أمورِ الدين والعلم!

فأنْ تذهب أنت أيها الإماميّ، فتعتقدَ أنّ أئمّتك معصومون، وأن الأمّة مطالبةٌ بمتابعة اجتهادهم، ولا تُلزم الأمّةَ باتّباع من هو أعلم منهم، أو من بعضهم؛ فهذا ضلالٌ مبين!

أين علمُ جدّي محمدٌ الجوادِ، وعلم جدّي عليّ الهادي العسكريّ، وعلم ولده الحسن العسكري؟ رحمهم الله تعالى.

إن قلتَ لي: كتبنا زاخرةٌ بالرواياتِ عنهم؛ أُجِبْك: كتبهم الروائيّة لا يثبت بصحيحها إلزامٌ وحقٌّ؛ لأنّ هؤلاء الأئمّة ليسوا منصوبين من الله تعالى، وليسوا أعلمَ من غيرهم يضاف إلى هذا أنّ (90%) من تلك الروايات هزيلةٌ باطلة، فاقدةٌ صفةَ الثبوتِ، فضلاً عن صفة الدين الملزم!

ثالثاً: لا بدَّ من أنْ نعتقدَ بأنّ حجيّةَ أقوال السلف؛ هي عندما يجمعوا فحسب، صحابةً كانوا، أم تابعين، أم مَن هم دونهم.

فلا يجوز شرعاً أنْ تختارَ أنت عدداً من السلفِ، تجعلهم قُدوتَك، ثمّ توجبُ على بقيّةِ الأمّةِ اتّباع هؤلاء السلفِ المَرضيين عندك.

ولهذا أقول دائماً: إنّ العقليّةَ الوهابيّة؛ مثل العقليّة الإماميّة تماماً!

الإماميّة يقولون: إنّ مذهبهم هو مذهب آلِ البيت المعصومين، وعلماءُ آل البيت ليسوا بمعصومين، وليسوا بأعلم من غيرهم، ولا يوجد بين أيدينا نصوصٌ تثبت وجوبَ اتّباع أقوالهم، على كثرة ما اختلفوا فيما بينهم!

 

والوهّابية يلزمون الأمّةَ بمقولة: (الكتاب والسنّة بفهم السلف الصالح) وهي مقولةٌ لا تقلُّ قبحاً وبعداً عن مقولةِ الإماميّة، إضافةً إلى ما يصاحبها من شدّةٍ وغلظةٍ في الدعوةِ والحوار.

رابعاً: لا بدَّ أنْ نوقنَ بأنّ الأمّةَ غيرُ راشدةٍ قطعاً، ولكي تعودَ إلى رُشْدها، يجبُ الابتعادُ تماماً عن قداسةِ الآباءِ من علماء آل البيت، وعلماء السلف، وأن نَعُدَّ جميعَ ما ثبتَ نَقلُه عنهم - دون روايته لأعلى! - هو اجتهادٌ شخصيّ، من كلّ واحدٍ منهم.

أمّا مقولةُ: «قولي هو قول أبي، وقول أبي هو قول جدّي» استنباطٌ ممّن نَسبَ إليهم هذه المقولةَ، ولا أدلَّ على وهائها من اختلافهم، وفسادِ طرقِ الروايةِ إليهم.

خامساً: يجب على الحاكم المسلمِ - وأوَّلهم رئيس بلدي سوريّا الحبيبة - أن يهتّموا أشدَّ الاهتمامِ بالعلماء، وأنْ يكرموهم بحيث يستطيعون التفرّغَ للعلم والتكميل والاجتهاد.

ثمّ عليهم أنْ ينشؤوا معاهدَ علميّةً تخصّصية، بعد المرحلةِ الجامعيّة الأولى، مُدّةُ الدراسة في كلّ معهدٍ سنتانِ، على الترتيب التصاعديِّ الآتي:

أوّلاً - المعهد العلميّ العالي للحديثِ النبويّ: يُدرّس للباحثين في هذا المعهد:

علومَ الحديث النظريّة «كتب الاصطلاح» وكتب العلل، وكتب الجرح والتعديل، والتخريج التطبيقيّ لكلِّ باحثٍ على تخريج (200) يختارها المعلّم المحدّث الناقدُ في الصحيحين فحسب!

إذْ الذي يقول في عصرنا هذا: «جميع ما في الصحيحين صحيح؛ مجنون رسميّ» ففي الصحيحين معاً:

(200) راوٍ ضعّفهم ابن حِبّان وحده!

(142) راوياً أعطاه ابن حجر درجة (مَقبول) إذا توبع، وإذا توبع؛ يكون حديثُه في درجةِ (حسن لغيره).

(91) راوياً، وصفهم الحفّاظُ بضربٍ من أضربِ الجهالةِ.

(114) راوياً من الوُحدانِ «الذين لم يروِ عنهم إلّا راوٍ واحدٍ».

(115) راوياً، سكت الحفّاظ المتقدّمون عن الحكم عليهم بجرح أو تعديل.

يُضافُ إلى هذا اختلافُ رواة الحديث الواحدِ، فيما بينهم:

بين الرفع والوقف.

بين الإرسال والاتّصال,

بين الانقطاعِ والاتّصال.

بين النقصان والزيادة.

وما سوى ذلك من علوم الجرح والتعديل كثير جدّا، تدلّ عليه كتبُ «الاصطلاح» دلالةً ظاهرةً لا تخفى على الباحثين.

ودعوى الإجماعِ باطلةٌ تماماً، فالإمام البخاريُّ أوّل من أفردَ الصحيحَ من الحديثِ، فجمع فيه (2561) حديثاً من دون تكرار.

فجاء مسلمٌ، فوافقه على (1718) حديثاً، وأعرض عن الباقي.

وجاء الترمذيّ فوافق البخاريّ ومسلماً معاً على (1096) حديثاً.

ووافق الترمذيُّ البخاريَّ وحده على تخريج (1283) حديثاً.

ووافق الترمذيُّ مسلماً وحده على تخريج (1568) حديثاً.

فيكون الترمذيّ أخرج ممّا أخرجه كلٌّ من البخاريّ ومسلمٍ، من دون تكرار (1782) من مجموع أحاديث كتابه البالغِ (3956) حديثاً.

ولم تكن الأحاديثِ التي وافقهما الترمذيّ على تخريجها على درجةٍ واحدةٍ من القبول!

بل فيهما من حكم عليها بحكم (حسن صحيح) و(صحيح) و(حسن غريب) و(حسن) وأبدى وجهةَ نظره في مئاتِ الأحاديثِ التي أعلّها.

فكيف يتأتّى أن يقول قائلٌ: «جميع ما في البخاريّ صحيح لذاتِه، وصحيح لغيره»؟

يُضافُ إلى هذا؛ أنّ (100) عالمٍ من أهل السنّة - في الحدِّ الأدنى - قد ضعّف كلٌّ منهم حديثاً أو أحاديثَ في الصحيحين، سأفرد لهم، أو لبعضهم منشوراً خاصّاً، إنْ شاء الله تعالى.

ومن برع ونجح في هذا المعهد، بدرجة (95%) دخل في المعهد الثاني.     

ثانياً -المعهد اللغويّ العالي لفنونِ العربيّة: يُدرَّس فيه جميع علوم وفنون العربيّةِ التي ضمّ «المُزهرُ» للسيوطيِّ التعريفَ بها.

ومن تفوّق في هذه العلوم كلّها بدرجة (95%) دخل في الثالث.

ثانياً- المعهد الأصوليّ العالي: يُدَرّس فيه علم أصول الفقه لدى مذاهب أهل السنّة في السنة الأولى، وعلم أصول الفقه لدى الشيعةِ في السنة الثانية.

ومن برع ونجح في هذا المعهد بدرجة (95%) دخل في المعهد الثالث.

ثالثاً - المعهد العالي لمقاصد الشريعةِ ومصالحها ومكارمها: وُيدّرس في هذا المعهدِ القواعد الفقهيّة، ونظرية المصلحة المرسلة، ونظرية سدّ الذرائع، ونظرية المقاصد الشرعية، ونظريّة (الحقّ وسلطان وليّ الأمر المسلم في تقييده).

ومن برع ونجح في هذا المعهد بدرجة (95%) مُنحَ درجة مدرّس، ودخل في المعهد الرابع.

رابعاً- المعهَد العالي لعلومِ الفقه المقارنِ والنوازل: ويُدرَّسُ في هذا المعهد الفقه المقارن لدى أهل السُنّة في السَنَة الأولى، والفقه المقارن لدى المذاهب الشيعيّة مع الموازنة في السنة الثانية.

ومن برع ونجح في هذا المعهد بدرجة (95%) مُنح درجة أستاذ مساعد، ودخل في المعهد الخامس.

خامساً: المعهد العالي لأصول التفسير وعلوم القرآن: ويدَرَّسُ في هذا المعهد أصول وضوابط التفسير، والتفسير التحليليّ، والتفسير الموضوعي، والتفسير التعليمي الشامل للقرآن الكريم، وعلوم القرآن، في حدود كتاب الدكتور فضل حسن عبّاس «فرقان الإتقان» مع تصويبِ أستاذِ هذه المادّة لما في هذا الكتاب من مجانبةِ الصواب.

ومن برع ونجح في هذا المعهد بدرجة (95%) مُنح درجة أستاذ، ودخل في المعهد السادس.

سادساً: المعهد العالي لمقارنةِ المذاهبِ العقديّةِ والأديان، ويدرَّس في هذا المعهد أصول المذاهب العقديّةِ والفكريّة الإسلاميّةِ في السنة الأولى.

ويُدرّسُ أصولِ الأديانِ والمذاهب الفكريّةِ المعاصرةِ في السنة الثانية.

وقد أخّرتُ هذه المرحلةِ إلى هذا الموضع؛ لأنّ العقائدَ هي الفقه الأكبرِ، ومن الخطأ تلقين الطلّابِ العقيدةَ، وهم جهلةٌ أغرار، إنّما يدرسونها وهم علماء متمكّنون، ليكون للواحدِ منهم بناءُ عقيدته اجتهاداً، لا تقليداً.

ومن أغرب غرائبِ قولِ أحدِ ناطمي متون العقائد الأشعريّة وشارحه قوله:

(فكلُّ مَنْ كُلّفَ شرعاً؛ وَجبا

عليه أنْ يعرفَ ما قد وجبا

للهِ والجائزَ والممتنعا

ومثلَ ذا لرسله، فاستمعا

إذْ كلُّ من قلّدَ في التوحيدِ

إيمانُه لم يَخْلُ من ترديد)

ومع هذا لا يجوز بحالٍ من الأحوالِ أن تخالفَ الأشاعرةَ، وإلّا فأنت ضالٌّ مضلٌّ، في أحسن أحوالك!

أمّا وفقَ منهجنا الذي ذكرناه سابقاً؛ فيحقّ لك أن تخالفَ جميعَ علماءِ الأمة في المسائل الخلافيّة، وأنت مأجورٌ مثابٌ.

ومن برع ونجح في هذا المعهد بدرجة (95%) مُنح درجة أستاذ متمرّس، ودخل في المعهد السابع.

ومن وصل إلى درجة أستاذ متمرّس؛ يحقّ له تعليمُ الموادِّ العلمية السابقة في المراحل الستّ المتقدّمة كلّها.

سابعاً: المعهد العالي لإعداد المجتهدين: لا يَدرسُ العالم في هذه المرحلةِ أيّ موادَّ دراسيّة، إنّما يُمنح من ثلاثِ إلى أربعِ سنواتٍ؛ ليكتب أطروحة علميّةً في موضوعاتٍ خلافيّةٍ، يُوافق عليه العلماءُ الذين حصلوا على درجة «أستاذ متمرّس» فحسب.

فإذا قُبلَت أطروحتُه وحازت على درجة (95%) أعطي درجةَ (مجتهدٍ مطلق) وغدا من حقّه أن يكون وزيرَ العدلِ، أو رئيس مجلس النوّاب، أو رئيس مجلس الإفتاء العام، أو رئيس مجلس القضاء الأعلى.

وأنا أجزم بأنّ أحداً من أئمّة المذاهب الإسلاميّة كلها؛ لم يبلغ هذه المراتبِ العلميّةِ كلّها، وإنْ كان أحدٌ قد بلغ هذه المراتب في تاريخنا، بعدَ مجتهدي الصحابة رضي الله عنهم؛ فهم نوادر، من أمثال الإمام الشافعيّ والإمام ابن حزم، والإمام ابن عبدالبرّ، والإمام القرافي.

ختاماً: كان على حكّام المسلمين في تاريخنا الطويلِ؛ أنْ لا يكرّسوا فكرةَ التقليدِ، الذي هو تبعٌ للاجتهادِ الفرديّ، وإلزام الناسِ بالمذهبيّة الممزّقة.

بيد أنّ الساسةَ يهمّهم أمران:

الأوّل: دوام تربّعهم على عروش بلاد المسلمين.

والثاني: تأمينُ كفايةِ الرعيّة من الضروريّات الخمسِ، في حدّها الأدنى، على النحو الآتي: حفظ النفس، وحفظ النسل، حفظ العقل، وحفظ المال، وحفظ اسمِ الدين.

 أمّا حفظُ حريّةِ المسلمِ وكرامتِه؛ فلم أقفْ على مَن كان يهتمّ أن تتمتّع الرعيّةُ بها.

هكذا هو الترتيب عند حكّام المسلمين، على مدار التاريخ.

وأنا أرجو من حكّامنا في سوريا الحبيبة أنْ تكون الضروريّات لديهم، على النحو الآتي: حفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ الدين، وحفظُ حريّةِ المسلمِ وكرامتِه، وحفظ النسل، وحفظ المال.

وإنّما جعلتُ رتبةَ حفظِ الدين ثالثاً؛ لأنّ المتوفَّى لم يعد لديه ضروريات حياتية.

ولأنّ غير العاقلِ غيرُ مطالبٍ بالدين أساساً.  

وفي المنشورِ التالي؛ سأعرضُ للقارئ الكريم منقولاً، تدلُّ على أنّ علماءَ جميع فرق المسلمين المتقدّمة؛ إنما يريدون بعلمهم واجتهاداتهم وجهَ الله تعالى، ولم أقف على مَن يريد هدمَ الدين من العلماء المعتمدين لدى كلِّ مذهب!

أمّا تكفيرُ بَعضِنا بَعضاً، واستحلالُ بعضِنا دماءَ بعضٍ، وقيامُ هذه الحروب بيننا؛ فأكبر أسبابها هذه المذاهبُ المقدّسةُ، وليس فيها مذهبٌ مقدّسٌ.

والله تعالى أعلم

والحمد لله على كلّ حال.

الأحد، 30 مارس 2025

  في سَبيلِ العِلْمِ:

هل الشيعةُ الإماميّة مَجوس؟!

بسم الله الرحم الرحيم

أعتذرُ عمّا وقع في منشور فجرِ هذا اليوم (الشيعة مجوس هذه الأمّة) من أخطاءَ كتابيّةٍ سببها أنني غَفَوْت وأنا أكتبُه عِدّةَ مرّاتٍ!

مرّاتٍ كثيراتٍ قلت لكم: إنني عايشتُ الشيعةَ الإماميّة عن قُربٍ تسعَ سنواتٍ!

ومرّاتٍ عديداتٍ قلت لكم: إنني التقيتُ بكبار مَن يلقّبونهم بآياتِ الله العظمى!

ومرّاتٍ أقلّ قلت لكم: إنني مجازٌ إجازةً حديثيّة عامّةً، من أحدِ أكبر علمائهم ومحقّقيهم وهو المسندُ السيّد محمّد مهدي  الخرسان الموسويّ، رحمه الله تعالى.

لم أقُلْ هذا الكلامَ افتخاراً ولا تشبّعاً، فأنا لست مؤمناً بعقائدهم السياسيّة (نظريّةِ الإمامةِ) ولا بسلوكيّاتهم  الاجتماعيّة من (اللطم والتطبير والنواح والصراخ وتجديد الأحزان والزيارات) إلخ بتاتاً.

إنّما أكرّر ذكرَ مثل هذه الكلماتِ؛ ليوقنَ القارئُ السنّيُّ والشيعيُّ أنّني أعرف (الفكرَ الإماميّ) مثلما أعرف (الفكرَ السنيَّ) تقريباً.

والهدفُ من وراءِ قراءةِ مئاتِ الكتبِ والرسائلِ الإماميّة؛ هو معرفةُ مواطنِ إصابتهم ومواطن أخطائهم، فنُشيدُ بمواطنِ الإصابةِ، وننبّه إلى مواطن الخطأ، ولا نفتري على القومِ بما يزيدُ من عداوتهم تجاهنا، ولا نغضّ الطرفَ عمّا لديهم من الخيرِ، وهو كثيرٌ كثير!

وبسبب موقفي العلميِّ ذاك؛ نالني من جهّالِ الإماميّة وجهّال أهل السنّة؛ ما لا يخفى على متابعي صفحتي القدماءِ والجُدد!

وسأنقل إليك أخي القارئ الكريم نماذجَ توضحُ نظرةَ الشيعة الإماميّة إلى المجوسِ، باختصارٍ شديدٍ، من كتب التفسير والحديث والفقه والعقائدِ.

أوّلاً: من كتب التفسير:

قال أبو الحسن عليُّ بنُ إبراهيمَ القُميُّ في تفسيره سورةَ الصمد:

حدّثنا الحسنُ بنُ عليِّ بنِ حمّادِ بنِ مِهرانَ قال: وساق إسناده إلى عبدالله بن عبّاسٍ، رضي الله عنهما قال: قالت قريش للنبي صلى الله عليه وآله بمكة: صِفْ لنا ربّك لنعرفه فنعبده؟

فأنزل الله تبارك وتعالى على النبي صلى الله عليه وآله (قُلْ: هُوَ اللهُ أَحَدٌ) يعني غيرَ مُبَعّضٍ ولا مُجَزّئٍ ولا مُكُيَّفٍ، ولا يقع عليه اسم العَددِ ولا الزيادةُ ولا النقصانُ (اللهُ الصَّمَدُ) الذي قد انتهى إليه السؤددِ، الذي يَصمَد أهل السماوات والأرض بحوائجهم إليه.

لم يَلِدْ منهُ عُزَيرٌ كما قالت اليهودُ عليهم لعائنُ اللهِ وسَخَطُه، ولا المسيح كما قالت النَصارى عليهم سَخطُ اللهِ، ولا الشمسُ والقمرُ ولا النجومُ، كما قالت المجوسُ عليهم لعائنُ اللهِ وسَخَطُه».

وأورد هذا الكلام ذاتَه العلّامةُ المحدثُ المفسِّرُ السيدُ هاشمٌ الحُسينيُّ البحرانيُّ

(ت: 1107 هـ) في تفسير سورة الصمد من تفسيره «البرهان في تفسير القرآن».

ثانياً: من كتب الحديث:

قال شيخ الطائفة أبو جعفرٍ الطوسيُّ في كتابه الأمالي، رقم (993): ابن عقدةَ الحافظُ قال: حدثني عبدُالله بنُ إبراهيمَ بنِ قُتيبةَ، وساق سنده إلى أبي عبدالله جعفرٍ الصادق عليه السلام قال: (لا تَسْتَعِنْ بالمجوسِ، و لو على أخذِ قوائمِ شاتِك، وأنت تريدُ ذَبحَها).

وقال السيّد محمد رضا الحسينيُّ الجلاليّ في كتابه تدوين السنّة الشريفة (ص: 402): «الشيعة كانوا ولا يزالون - بفضل اتّكالهم على الله، والتزامهم بالقرآن، واعتمادهم على السنّة... وبفضل اتّباعهم لأئمّة أهل البيت عليهم السلام ـ على أفضل ما يكون عليه المسلم المؤمن من الإيمان الخالص الذي لا يشوبه شركٌ ولا إلحاد ولا جبر ولا تفويض ولا تشبيه ولا تجسيم ولا تعجيز ولا حلول».

إلى أن يقول: «ويتركون المحرّمات، فيحرّمون الخمرَ، حتّى النَبيذَ، والزنى، والظلمَ، والتَعاونَ مع الظالم, ويَبرؤون من اليهودِ والنصارىِ والمجوسِ، وكلِّ مَن لا يَنتمي إلى الإسلامِ».

وقال الشيخ أمين ترمس العاملي في كتابه «ثلاثيات الكافي» رقم (112): عليُّ بن إبراهيمَ عن هارونَ بنِ مُسلم، عن مَسعدةَ بن زيادٍ، عن أبي عبدِاللهِ «جعفر الصادق» أنّه سُئل عن الشطرنج ؟ فقاذ: (دَعوا المجوسيّةَ لأهلها، لعنها الله) يعني لعن المجوسيّة!

ثالثاً: من كتب الفقه:

قال آيةُ اللهِ العُظمى الشيخُ محمّدٌ الفاضلُ اللّنكرانيُّ في كتابه «كتاب الطلاق والمواريث» (بابٌ في ميراث المجوس وغيرهم من الكفّار): «المجوسُ وغيرهم من فرق الكفّار قد يَنكحون المحرّماتِ عندنا، بمقتضى مذهبهم - على ما قيل - وقد ينكحون المحلّلات عندنا.

العلّة في إيراد هذا الفصلِ؛ ما هو شائعٌ من أنّ المجوسَ قد ينكحون المحرّماتِ كالبنت والاُخت والاُمّ.

مع أنّك عرفت فيما تقدّم (ص: 342) أنّي رأيت في بلدة «يَزْدَ»  التي هي مَركز المجوسِ «في إيرانَ» حين إقامتي فيها بالإقامة الإجبارية في زمن الطاغوت «يقصد شاه إيران» كتاباً ألّفه بعضُ فُضلائهم، قد أنكر فيه أشدّ الإنكار ذلك، وقال: إنّ المجوسَ لا ينكحون المحرّمات النَسبيّة المَعُروفة كالاُمّ والاُخت والبنت.

وزعم أنّ هذا بهتان عليهم وإيراد غيرُ صحيحٍ على مذهبهم الفاسد .

وكيف كان؛ فلا إشكال في أنّ المجوس وغيرهم من فرق الكفّار ، إذا لم يَكُنْ نِكاحهم صحيحاً في مذهبهم - ولو كان باطلا عندنا - لا يَتحقّق بينهم توارث».

وقال الشيخُ المفيدُ في كتابه «المُقنعة» (ص: 508): «لا بأس أن ينكح الحرُّ المسلمُ بملكِ اليَمين ما شاء من العددِ، على أربع حرائر عنده.

ويَنكِح بملكِ اليمين النصرانيةَ واليهوديةَ، و لا يجوز له ذلك بعقد نكاحٍ، ولا يَجوز له وطءُ المجوسيّة و الصابئيّة والوثنيةِ على حال».

رابعاً: من كتب العقائد:

قال السيد علي الحسيني الميلانيُّ في كتابه «العصمة» (ص: 43):

« قولنا بأن الائمة معصومون حتى من السهو والخطأ، والنسيان، هذا ليس غلوّاً في حقهم، إنّهم - سلام الله عليهم - يُبغضون الغالي، ويكرهون الغلو، وإنه قد ورد عنهم: «احذروا على شبابكم الغلاةَ، لا يُفسدوهم؛ فإنّ الغُلاةَ شرُّ خلق الله، يُصغّرون عظمةَ اللهِ، ويَدّعون الربوبية لعباد الله!

وإنّ الغُلاةَ لشرٌّ مِن اليهود والنصارى والمجوسِ والذين أشركوا».

وقال الشيخُ شيثُ بن إبراهيمَ في كتابه «حَزُّ الغَلاصم في إفحامِ المُخاصِم» (ص: 29): « وما أحسنَ الذي جرى بين مجوسيٍّ وقدريٍّ «معتزليّ» وهما في اعتقاد هذه الأمة سواءٌ؛ لأن المجوسَ يقولون بآلهين، ويُسَمَّون الثَنويةَ لذلك.

وقد جاء حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم يَقول فيه: (القدرية مجوس هذه الأمّة) (1) مِن حيث إنّهم جعلوا مع الله شركاءَ كثيراً!

فالخَلْق عندهم خالقون لأفعالهم - حسَنها وقبيحِها - والمجوس يجعلون مع الله شريكاً واحداً، يخلق الشرَّ لا غير!

وهؤلاء القدريّةُ يقولون: إنّ الخلقَ يَخلقون إيمانَهم وكفرهَم وطاعتَهم وعصيانهم».

قال الفقير عداب: أظنّ فيما تقدّم غُنيةً عن التطويلِ بخطأ نِسبةِ الشيعة الإماميّة إلى المجوسِ، بل هي افتراءٌ عليهم، وسيحاسب الله تعالى من يتّهمهم بها يوم القيامة!

وسببُ إطلاقِ مثلِ هذه التُهم على الشيعةِ الإماميّة (مجوس - عبّاد البشر - يتّهمون أمّهاتِ المؤمنين بأعراضهّن - تحريف القرآن الكريم) عدمُ اطّلاعِ المُتَّهِمينَ على كتبهم، وعدمُ حوارهم مع علمائهم.

وثمّةَ شيء آخر سمعتُه من كثيرين من أهل السنّة - وأنا معهم في هذا - وهو أنّ الشيعةَ الإماميّة يحكمون إيرانَ والعراقَ، ويَستطيعون أن يدافعوا عن الحقّ، ويدمغوا الباطل!

فنحن نشاهد على القنواتِ الفضائيّةِ أهل الغلوّ السفلةِ منهم، من أمثال القبانجيّ الذي يكفر صراحاً، ومثل ياسر الحبيب، ومثل أمير القرشيّ، وعبدالحليم الغزي، وأمثالِهم.

لماذا لا يأخذون على أيدي هؤلاء الغلاةِ حتى الثمالةِ، إذا كانوا ينكرون ما ينشرونه من الغلوّ الباطل؟

هم بين خيارين:

إمّا أنهم عاجزون عن ردع هؤلاء السفلةِ، وهذا باطل !

أو إنّ ضلالات هؤلاء الأوباش العقدية والفكريّة، لا تهتمّ لها السلطاتُ والمراجع أصلاً!

والذي يعنيهم استمرارُ اسم التشيّع - ولو كان فارغاً من مضمونه - ما دام الحكمُ والسلطة في أيديهم.

والله تعالى أعلم.

والحمد لله على كلّ حال.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(1) حديث (القدرية مجوس هذه الأمة) أخرجه أحمد في مسنده (5227) وأبو داود (4691) من حديث عبدالله بن عمر مروفاعاً، وأخرجه أحمد (22359) وأبو داود (4692) من حديث حذيفة بن اليمان مرفوعاً، وأخرجه ابن ماجه (92) من حديث جابر بن عبدالله مرفوعاً.

وثلاثتها أحاديثُ ضعيفةٌ، ولا يصحّ في هذا الباب شيءٌ!