الأحد، 29 ديسمبر 2024

  بعيداً عن الساسة اللعينة:

الحكمُ الجديد في سوريّا؛ استبداديٌ عَتيد!؟

بسم الله الرحمن الرحيم

قال لي صاحبي: أسمعتَ ما قال الجولانيُّ «أحمد بن حسين الشرع»؟

قلت له: وما قال؟

قال صاحبي: يقول: إنّ الفترةَ الانتقاليّة؛ ستدوم أربعَ سنين، ولن يكون في سوريا انتخابات؛ إلا بعد أربع سنين؛ لأنّ كتابةَ دستور مناسبٍ لسوريّا المستقبل؛ يجب أن يأخذ في اعتباره مآسي السوريين السابقة، وتطلّعاتهم المستقبليّة، على أنْ يسبقَه إحصاء سكّاني جديد!

وقال أيضاً: إنّ تحسّن حالِ السوريّين؛ لن يظهر جليّاً إلّا بعد سنةٍ من الآن!

وقال أيضاً: إنّ اختيارَه للوزراء ولإدارةِ الدولة السوريّة من هيئة تحرير الشام؛ ليس إقصاءً لأحد، وإنّما المرحلة الانتقاليّة تتطلّب انسجاماً فكريّاً خاصّاً في هذه المرحلة الصعبة!

أقول وبالله التوفيق:

تحت عُنوان: هيئة تحرير الشام؛ هم الحكام؛ نشرتُ منشوراً توضيحيّاً جاء فيه:

(أنا شخصيّا أرى أنّ الذين جاهدوا ورابطوا وقاتلوا وضحوا بأرواحهم ودمائهم وعنائهم وعرقهم؛ هم أولى بقيادةِ سوريّا من القاعدين أمثالي، وأين الغرابة؟

وأرى أيضاً أن الوحدة الدينية والفكرية والفقهية لمجلس الوزراء؛ أفضل من أن يكون في مجلس الوزراء أصحاب أهواء متباينة، وبلدنا سوريا تتنازعها أهواء طائفية ومذهبية وعرقية، وحزبية إسلامية وقومية وعلمانية... إلخ).

فأنا لا أنكر شيئاً من هذا أبداً، ولو كنتُ في مكان (أحمد الشرع) لفعلتُ الأمرَ ذاتَه!

إنّ سوريّا ملأى بالكفاءات الراقيةِ من الملتزمين بدينهم، فما حاجتي لأنْ أُشركَ في قيادةِ سوريّا أناسٌ بعيدون عن الله تبارك وتعالى، يستجلبون لنا غضبَه وسخطَه؟

ألم يقلِ الله تعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ، لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79) تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا، لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ (80) وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالنَّبِيِّ، وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ؛ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ، وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (81)) [المائدة].

ألم يقل الله تعالى: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّة،ً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25) [الأنفال].

إنّ معايير الإسلاميين؛ غير معايير العلمانيين، ومعايير أهل الدنيا وأصحاب الشهوات؛ تختلف عن معايير الذين يخافون ربّهم ويخشون العذاب الأليم.

وإنّ التأثّر بالغربِ الملحدِ في الحريّة المطلقةِ؛ لا يرضى به الإسلام، ولا يقبله أصحاب الأخلاق الحميدةِ والسلوكِ القويم!

وأقول أيضاً: منذ العام (1963) وحتى نهاية العام (2024) تقريباً؛ كان يحكم سوريا حزبٌ إجراميٌّ واحد، لم يسمح لنا بمثقال حبّةِ خردلٍ، من حريّةٍ، ولم نكن نسمع لأحدٍ من منتقدي «أحمد الشرع» اليومَ ركْزاً!

لو كان لي من الأمر شيءٌ؛ لرجعت إلى دستور (1954) وعدّلت فيه بعضَ الموادّ التي لا تصلح لنا اليومَ بشهرٍ واحدٍ، ثم عرضتُ موادّ الدستور في التلفزيون، ورفعته على سائر وسائل التواصل الاجتماعي، ووظفت كبار القانونيين الملتزمين بشرحه على وسائلَ الإعلام الرسميّةِ، ثمّ أجريتُ استفتاءً عامّاً عليه، وسيرى جميعُ العلمانيين والقومجيّة والمستغربين؛ أنّ المجتمع السوريَّ لن يرضى بديلاً عن دينه الحنيف!

بعد ذلك تكون المرحلة الانتقاليّة سنتين، أو أربع، لا فرق!

أمّا قَصْرُ السلطةِ على اتّجاه فكريّ وسلوكيّ واحدٍ؛ فسيعطي المسوّغاتِ الكثيرةَ المؤيّدةَ من الغربِ، ومن الأنظمة العربية على حدٍّ سواء!

ليت إخواني في إدارةِ سوريا الجديدةِ؛ يأخذون بنصيحتي هذه، قبلَ أنْ يواجهوا كثيراً من الاعتراضاتِ والمؤامراتِ، حتى من الإسلاميين أنفسهم؛ لأنّ شهوة الحكم آسرةٌ قاهرة.

وفي أدبيّاتنا - نحن الصوفيّة - يقولون: «آخر ما يُنزَع من قلوبِ الصدّيقين؛ حُبّ الرئاسة»!

والله تعالى أعلم.

والحمد لله على كلّ حال.

الجمعة، 27 ديسمبر 2024

  اجتماعيّات:

المجتمعُ النصيريّ كما عرفتُه (2)!

بسم الله الرحمن الرحيم

تحدّثت في المنشور السابق عن النواحي التعليميّة والسياسيّة التي عايشتها في مدينة وادي العيون، في جبال النصيريّة.

وسأتجدّث في هذا المنشور عن النواحي الدينيّة والاجتماعيّة التي عرفتها بنفسي، من دون نقلٍ عن أحدٍ.

أوّلاً: عندما صدّر أستاذي عبدالكريمِ العطريّ أمر تكليفي بالتعليم في وادي العيون، وكان الحمويّون لا يرغبون أبداً بالتعليم هناك؛ كلّفني بتعليم (24) ساعة تدريسيّة!

ويعدّ هذا التكليف كبيراً جدّاً لطالبٍ في السنة الثانية من كليّة الشريعة!

ثانياً: لم يسبق لي حتى العام (1972) أنْ زرتُ جبلَ العلويين أبداً، إنما كنت أمرُّ به عندما نسافر إلى مدينة بانياس، مروراً وحسب.

ذهبت إلى كراج السيارات، قرب جامع المسعود، وسألتُ عن سيّارةٍ تُقلّني إلى وادي العيون، فقيل لي: تريد سيارة خاصّة بك؟ قلت: لا!

قالوا: يوجد سيارة إلى مصياف، ومن هناك تركب سيّارة إلى وادي العيون!

قلت: أجد هناك سيّارات إلى وادي العيون بالتأكيد؟ طمنوني بيقين ذلك!

وصلنا إلى مصياف، ثمّ إلى وادي العيون، وأوصلني السائق إلى باب المدرسةِ، فأكرمته بدريهماتٍ، كما أكرمني.

ثالثاً: كانت الزيارةُ الأولى هذه، قبل دخول شهر رمضان بيومين، أو ثلاثة أيّام.

سلّمت المدير خطاب التكليف، فكتب لي مباشرةً من اليوم نفسه.

قلت له: أحتاج بضعة أيّام، حتى أستطيع الدوام؟

قال: الأسبوع الأوّل عادةً لا يداوم الطلاب، إلّا قليلاً، وأنت ستعلّم مادّة الديانة، وتبسّم!

فهمت أنا أنّ مادّةَ الديانةِ ليست ذات قيمةٍ عند أكثر زملائنا من أهل حماة، فطبيعيّ أنْ لا تكون ذات قيمة عند النصيريّة!

سألته: أريد أن أستأجر بيتاً، أسأل مَنْ؟

نادى على خادم المدرسة، ونسميه في سوريا (الآذن) وقال له: اصحب الأستاذ عذاب إلى الحاج «أبو نبيل» وأوصه بالأستاذ، وصلنا إلى دكّان «أبو نبيل» وهي أكبر دكّان في سوق وادي العيون.

سلّمنا عليه، وقال له الآذن: الأستاذ يريد بيتاً صغيراً، يسكن فيه، لعلك تجد له بيتاً، وانصرف!

رحّب بي أبو نبيلٍ رحمه الله تعالى كثيراً، وسألني عن اسمي ونسبتي، ومن أيّ أحياء حماة أنا، ثم قال: عفواً أستاذ، أنت شابٌّ صغير، هل أنت متزوّج، أو نزوّجك من عندنا؟ (وضحك)!

فهمتُ منه أنّ تأجيرَ المتزوّج أيسر من تأجيرِ الشابّ العازب!

قلت له: قد تزوّجت منذ أسبوعٍ فحسب!

استبشر الرجل خيراً، ونادى على عاملٍ لديه، وطلب منه أن ينوب عنه، وصحبني إلى داره، وصَعِدَ بي إلى الطابقِ الثاني، وأطلعني على شقّةٍ صغيرةٍ فيها غرفة كبيرة ومطبخ وحمّام، وأمامها سطح يزيد عن (100) مربّع، قال: هذه الشقة مع السطح، كلّهما لك!

سألته عن الساكنِ في الشقةِ المجاورة لهذه الشقة، فقال: هو الأستاذ سليمان، يعلّم معك في ثانويّة وادي العيون، قلت له: هل يمكن أن أسلّم عليه؟

طرق البابَ، فخرج الأستاذ سليمان، فتعرفت إليه، وكان يبدو عليه الطيبةُ والأدب، ويزيد عمره عن خمسين سنة!

أبى إلّا أن نزورَه في بيته، فاستأذن أبو نبيلٍ، وذهب إلى عمله، ودخلت أنا معه، فقدّم إلي الشايَ وأقراصاً من «المعمول» وتبادلنا أطراف الحديثِ، وسألني عن المواد التي سأدرّسها؟

قلت له: سأدرّس التربية الدينية لجميع الصفوف، وسأدرّس اللغة العربية للمتوسطة!

قال: أنا أيضاً أدرس اللغة العربية للمرحلة الثانوية، تشرفنا بمعرفتك وجيرتك، وسنكون لك أهلاً، ولا ترى منا ما يسوؤك أبداً، والعمّ أبو نبيل رجل متديّن فاضل، هو الوحيد الذي حجّ العام الماضي!

قلت له: حجّ إلى أين؟ قال: إلى مكّة المكرمة، إلى بيت الله الحرام!

كان وقتُ الظهر قد دخل، استأذنته لأتوضّأ وأصلي!

توضّأتُ، ولما رجعتُ؛ وجدته وضع لي سجّادةَ الصلاةِ باتّجاه القبلةِ!

قلت له: ما شاء الله، تصلّون أنتم أيضاً؟ قال: أحياناً نصلّي، ونقرأ القرآن الكريمَ أكثر!

لم أناقشه بشيءٍ، إنّما صليتُ واستأذنت، وذهبت إلى أبي نبيل، الذي سأصبح جاره في منزل هو يملكه.

قلت له: الشقة صغيرة، لكنها مناسبة لي، رغبةً في جوارك الكريم، قال: أنا عندي بنت صبيّة، أخاف عليها كثيراً، وقد رفضت إيجار الشقة مرّاتٍ عديدةً، ويشرفني أن تجاورني فيها.

قلت له: كم أجرتها في الشهر؟

قال: نحن وأنتم بخير يا عمي، سكناك عندنا بركة وسعادةٌ لنا، هذه أجرتها، وأنا سأفرشها لك اليوم، وغداً تجدها جاهزةً ومعطّرة أيضاً، لكنْ أحضر معك بنتي زوجتك (وضحك).

استحييتُ منه كثيراً، لكنّ السمعةَ السيئة المغروسةَ في نفوسنا عن النصيريّة؛ جعلتني ألحّ عليه بالإفصاح عن الأجرة، وخشيتُ أن أسكن عنده، ثم يقول لي في آخر الشهر؛ الأجرة (100) ليرة مثلاً!

قال: كم تريد أن تدفع؟ قلت له: كنت استأجرت شقّة، فيها غرفتان وصالة ومنتفعات في حماة بثلاثين ليرة في الشهر، فأدفع لك عشرين ليرةً في نهاية كلّ شهر، وليس في أوّله!

قال: لا لا عشرون ليرةً كثير، نأخذ منك خمس عشرة ليرةً في الشهر فحسب!

استأذنته لأعودَ إلى حماةَ، فرفض رفضاً قاطعاً حتى أتغدى!

وضعت زوجته العجوز الطعامَ، وخرجَت، وكان الطعامُ من الرزّ والفاصولياء، وفيها لحم.

سألته: أفي البيت لبن؟ فأحضر لي لبنا ممتازاً جدّاً، فتغديت عنده رزّاً ولبنا، ولم أتناول شيئاً من الفاصولياء؛ لأنها ممزوجة لمرق اللحم!

كأنّه فهم مقصدي، فلم يَعترض بشيءٍ أبداً، وعقب الغداء استأذنت وانصرفت شاكراً ومقدّراً.

رجعتُ إلى وادي العيون ومعي زوجتي في ثاني يومٍ من رمضان، فوجدنا الشقّة مفروشة ومطيّبةً بالبخور فعلاً!

في اليوم الثالث من رمضان؛ ذهبت إلى الدوام، وحصل ما ذكرته في المنشورِ السابق!

إذْ إنّ منزلي كلّه غرفةٌ واحدةٌ، فلم يكن يزورني في بيتي هذا أحد، إنّما كان لأبي نبيل غرفة لها باب على الشارع العام، كنت إذا ضجرتُ؛ نزلتُ وسهرت معهم قليلاً، فيم تأتي ابنتُه إلى زوجتي، وكانتا في سنّ واحدةٍ تقريباً.

ومضى شهر رمضان كلّه، ولم أتعرّف إلى شيخ من شيوخهم!

كنت أؤذّن أوقاتَ الصلاةِ من على السطح المقابلِ لشقتي، من قبيلِ التحدّي، يغفر الله لي، ما عدا أذان الظهر، فأؤذّن في المدرسة!

لم يعترض علي أحدٌ في السوق، ولا في المدرسة أبداً!

سألتُ أبا نبيل: كم عدد سكان وادي العيون؟ قال: لا أدري بالضبط، لكن ربما بين عشرين إلى ثلاثين ألفاً!

قلت: ألم تقل لي: إنكم مسلمون مثلنا؟ قال: بلى نحن مسلمون، وأنا حججت العام الماضي، وأصلّي أكثر الأوقات!

قلت له: لماذا ليس عندكم مسجد؟ قال: المسجد مهمة الدولة، والناس لا يهتمون بهذا!

قلت: لماذا لا يهتمون بهذا؟ قال: الصوم والصلاة عندنا ليستا بواجبتين، إنما من شاء يصلي ومن شاء يصوم؟

قلت له: من أين جئتم بهذا؟ قال: مشايخنا يقولون: العبادات لا تفرض فرضاً، إنما يجب أن تنبع الإرادة من القلب، وصلاة الجماعة ليست بواجبة أيضاً، فلماذا المسجد؟

قلت له: وأين يكون شيوخكم هؤلاء، لم أر واحداً منهم؟

قال لهم منطقة خاصة، تدعى «دويرة الشاخات»!

سافرتُ إلى حماةَ قبيلَ عيد الفطر بأيّام قليلة، ورجعتُ وحدي بعد العيد!

ذهبتُ إلى أبي نبيلٍ، وقلت له: زوجتي مريضة، لم أحضرها معي، فهل تأذن لي أن أقيم في الشقة وحدي؟ رحّب بي الرجل، وقال كلاماً طيّباً كثيراً!

في واحدٍ من تلك الأيّام؛ طرق باب شقّتي ولدٌ في العاشرة من عمره تقريباً، وقال: بيي يريدك لتذبح لنا الجَدي!

ذهبت معه إلى دكّان الجزّار الوحيد في سوق وادي العيون!

قال: نريد أن تبارك لنا الذبيحة يا سيّد، وأعطاني السكين، فجهرت ببعض الأوراد التي علّمنا إياها أهلنا، ثم ذبحت الجدي، وأعطيته السكين!

شكرني الرجل كثيراً، وذهبتُ، فتبعني ولده وقال: يقول بيي كم تريد من اللحم، فقلت له ما أريد، ثمّ غدوت أنا في كلّ اثنين وخميس أذبح لهم الجدي!

ظللت شهراً كاملاً بعد رمضان؛ أنزل كلّ يوم بعد الدوام، وأعود في اليوم التالي صباحاً، إذ كانت محاضراتي تبدأ في الساعة التاسعة، ولم أكن أدخل شقّتي إلّا من أجل الوضوء والصلاة!

قال لي أبو نبيل: الشاخات يريدون أن يزوروك ويتعرفوا إليك؟

قلت له: عندما أرجع في أوّل الأسبوع؛ أتعرّف إليهم.

يتبع إن شاء الله تعالى.

والحمد لله على كلّ حال.

  اجتماعيّات:

المجتمعُ النصيريّ كما عرفتُه (1)!

بسم الله الرحمن الرحيم

يقول الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم:

(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا: كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ/ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ، وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا، اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى، وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8) [سورة المائدة].

انطلاقاً من هذا المبدأ القرآنيّ، ضرورةِ العدلِ؛ أقصّ عليكم معرفتي بالمجتمع العلويّ.

أوّلاً: أنا رجل من آل بيت الرسولِ صلّى الله عليه وآله وسلّم، وعشيرتي (آل كنعان) جميعهم سنيون، طيلةَ وجودهم في مدينة حماة، إلى اثني عشر جدّاً!

وكانوا قبل ذلك في مدينة الموصل الحدباء، ومنهم علماء شافعيّة، يغلب عليهم التصوّف الخلوتي القادريّ.

ولم يحدثْ أن تزوّج أحدٌ من أسرتنا في حماة امرأة علويّة، سوى رجلٍ واحدٍ من آل كنعان، من أبناء عمومة جدّنا محمّد «الحمش» فنبذته العائلة، وإذا ذُكر في مجلس؛ قالوا: هو منّا، لكنّ أولادَه ليسوا منّا!

ثانياً: قتل الجيش النصيريّ الملعون من أسرتي في هذه الثورة عشرةَ شبابٍ، واثنين من أولاد عمّاتي، منهم أخي الشهيد غازي، وولدي الشهيد عليّ.

فلعنة الله على هذا الجيشِ، من قوّاده إلى خدمه أجمعين!  

ثالثاً: هربتُ من أيدي أجهزة الأمن، يوم (30) حزيران، من شهور سنة (1975) وخرجت من سوريّا بطريقةٍ غير قانونية، بتاريخ (14) تمّوز (1975) وإلى هذا اليوم أنا خارج سوريّا.

ولم أكن - والله - منتظماً في جماعة الإخوان المسلمين، ولا في جماعة الطليعة المقاتلة، ولا في أيّ حزبٍ موالٍ للنظام الملعون، أو معارضٍ له.

جريمتي كلّها أنّ أستاذي وشيخي الشهيد مروان حديد، طلب مني أن أزوره قبل سفري إلى ليبيا، بيومين أو ثلاثة، حتى تأنسَ زوجته حبيسة بيتها، بزميلتها زوجتي.

لبّيت طلبَه، وزرته مع أخي عصر يوم السبت (28) حزيران، على أن أنطلق صباح الإثنين إلى مطار دمشق، حيث تقلع الطائرة في الساعة الثانية عشرة ظهراً.

داهمت أجهزة الأمن الشقّة، وكنت خارج المنزل، أحضر لوازم طعام الفطور، فاعتقلني رجال الأمن على باب الشقّة، واقتادوني إلى أسفل العمارة.

وإذ كان هدفهم اعتقالَ الشهيد مروان؛ استغفلتهم، وهربت من بين أيديهم، ونجوت!

هروبي من بين أيديهم؛ جعلني لدى هذا النظام مطلوباً حيّاً أو ميتاً، وأعلنوا مكافأةً ضخمة تلك الأيّام، لمن يدلُّ عليّ، وقد مضى خمسون عاماً، وأنا بعيد عن وطني وأهلي.

فليس لدى هذا النظام المجرم، ولا لحاضنته «النصيريّة» أيُّ كرامةٍ عندي، ولا أدنى قيمة!

وستكون شهادتي من قَبيلِ (العدل) الذي أمرنا الله تعالى به.

رابعاً: في شهر أيلول من عام (1972) الموافق للثالث من رمضان المبارك؛ التحقت بثانويّة وادي العيون، من جبال العلويين.

دخلتُ إلى غرفة المدير، فوجدته وسائر الأساتذة في المدرسة يدخّنون ويحتسون الشاي والقهوة، وكان فيهم أستاذان ليسا بعلويين:

أحدهما: من مدينة السلمية، واسمه مصطفى بكّور، كان يعلّم اللغة الانجليزيّة في المدرسة.

والآخر: فلسطينيّ ملحدٌ من غزّة، قال لي: متى أعادُ الله تعالى إلينا فلسطين، أعبده، أمّا الآن فليس عندي ما يثبت وجود هذا الإله، أو قال: (ليس لديّ ما يجعل هذا الإله، يستحقّ أن أعبده، وكان هذا الأستاذان لا يصليان ولا يصومان، ويحتسيان الخمرةَ حتى في نهار رمضان!

قلت للمدير: أنا قادمٌ لتدريس الدين في ثانويّة، مديرها وأساتذتها من دون دين؟ لعنة الله عليكم أجمعين!  

احتملني الأساتذة للأمانة، ولم يردّ عليّ أحدٌ بشيءٍ، ولو ردّ علي واحدٌ بكلمةٍ واحدة؛ كنت مهيّاً نفسياً أن أقتل كلّ واحدٍ منهم برصاصةٍ، على عدد الرصاص الذي كان بحوزتي!

ولم أكن في تلك الأيام أحسب أدنى حسابٍ للموتِ أو للحياة!

ثمّ لم أدخل غرفةَ المدير، حتى انتهى شهر رمضان المبارك، في تلك السنة!

خامساً: كان الكلام على شهر رمضان في كتاب الدين، الذي كان يدعى (التربية الإسلامية) في منتصفه تقريباً.

لكنني بدأت تدريس عبادةَ (الصوم) في أوّل محاضرة في رمضان، وتوسّعت في الكلام على فرضيّة الصيام وفضائله، حتى إنني أمضيت شهر رمضان كلّه أعلّم أحكام الصيام، وكانت المحاضرات متشابهة، من الصفّ السابع حتى الصفّ الثاني عشر!

فرضتُ على الطالبات الحجابَ، والطالباتُ موجوداتٌ في المرحلة المتوسطة فحسب (السابع والثامن والتاسع) ولم يكن في المرحلة الثانويّة سوى بنت واحدةً في الثاني عشر، كانت معيدةً للمرة الثالثة.

التزمت جميع الطالباتِ بالحجابِ في دروسي، ما عدا واحدةً قالت: إنّ والدها لواء ركن في الجيش، رفضت الحجاب، فطردتها من الفصل الدراسيّ، فانتقلت إلى مدرسةٍ في قريةٍ قريبة مجاورة.

وحدّثني طلّابي - ولا أتذكّر واللهِ - أنني قلت لهذه الطالبة: لو جاء حافظ الأسد، وأراد أن أعفي ابنتَه من الحجاب في درسي؛ كنت قلت له: أنت رئيس البلاد، وأنا رئيس قاعة الدرس، لا تتدخّل في مسؤوليّتي!

بعد منتصف شهر رمضان؛ أصبحت جميع قاعات دروسي فيها عددٌ من البنات الصائمات، لكن لم يصم سوى طالبٍ واحدٍ، أحبّني كثيراً، اسمه (محفوظ) أوجّه إليه التحية.

سألتُ الطلّاب: لماذا لا تصومون أنتم؟

فلم يردّ عليّ أحد، حتى استأذنت طالبة، اسمها (هيام) وكانت أكثرَ طالبات المدرسة التزاماً بالحجاب، فقالت لي: يا أستاذ، أنت تعلّمنا الدين، ونحن نشكرك على هذا، فقد فتحت عيوننا  على شيءٍ اسمه دين، واسمه إسلام.

لكن قبلَ أن تطالبوننا بالتمسّك بالدين؛ خلّصونا من هذه البيئة الموبوءة الفاسدة!

نحن ليس عندنا شيءٌ اسمه دين، لا صلاة ولا صوم ولا أيّ شيء!

والمرأة بالذات ليس لها دينٌ عند العلويين، ليس هناك فرق بين المرأةِ وأيّ دابّة مربوطة في الزريبة، وبكت حفظها الله تعالى.

في نهاية شهر رمضان؛ نزلت إلى مدينة حماة، وزرت شيخي الشهيد مروان، ودار حوارٌ طويلٌ بيني وبينه، حتى قلت له: يا شيخي، أنا  لا أستجيز قتال النصيريّة ولا قتلهم ولا تكفيرهم، هؤلاء قومٍ لا يعرفون عن الدين شيئاً (أيّ دين).

بدلاً من أن نقاتلهم ونقتلهم؛ يجب علينا دعوتهم وتعليمهم الدين!

قال شيخي مروان: ألا تسمعون يا شباب، حتى الشيخ عداب أمسى من الحكماء!

لم أردّ شيئاً، لكنني استأذنت وانصرفت!

في اليوم الثاني - وكان يوم جمعةٍ - زرت شيخي مروان، فقال لي: تفكّرت في كلامك أمسِ، فاقتنعت بوجهة نظرك، ولا بدّ من دعوة جميع الناس، وأوّلهم أهل السنّة!

مَن هو الملتزم بدينه من أهل السنة في حماة، كم واحد؟ (5%) (10%) أنا لا أظنّ هذه النسبة موجودةً أصلاً، لكنْ على الأقلّ هم موحّدون، وحسبنا الله ونعم الوكيل!

سادساً: يوم (8) آذار كان عطلةً رسميّة، لكن يكون هناك احتفال بالثانوية، وأنا لم أتذكّر أنّ ذاك اليوم هو (8) آذار من عام (1973)  فدخلت المدرسة، فوجدتها مزيّنةً ومضاءة حتى في النهار، وواحدٌ من ضبّاط الفتوّة يلقي كلمةً عن حزب البعث وانتصاراته وأهدافه...إلخ، فرجعتُ إلى بيتي، ولم أشاركهم احتفالهم هذا.

بعد ساعتين تقريباً، سمعت جلبةً وصراخاً، وكنت أسكنُ الطابق الثاني، فأطللتُ من على سطح المنزل، فسمعتهم يهتفون: (بدنا نحكي عالمكشوف رجعية ما بدنا نشوف)

(بدنا نحكي عالمكشوف، إخوانجي ما بدنا نشوف) وبدأوا بإطلاق الرصاص تخويفاً لي، ثم تطاولوا أكثر، فصاروا يضربون باب بيتنا بعنف بالغ!

صعد إليّ الأستاذ مصطفى بكّور، ورجاني أن ألبس ثيابي وأنزل معهم إلى موقع الاحتفال الحزبيّ!

قلت له: تعال انظر معي، قلت له: لدي (200) طلقة، ومسدس بروننغ وخمس قنابل ميلز، انزل وقل لهم: هم قد يقتلونني ولا بأس، لكنهم لن يقتلوني حتى أقتل منهم مائة كلب!

قال: تمام هذا ممكن، لكن ماذا سيحدث لزوجتك؟

ههنا أحبطتُ وخمدت ناري!

قلت له: اذهب وقلْ لهم: أنا أذهب إلى موقع الاحتفال، شريطةَ أن يسمحوا لي بإلقاء كلمةٍ في الاحتفالِ.

نزل وعاد بالموافقة.

لبست ثيابي، ولقّمت مسدسي، وحملت معي قنبلتين ونزلت!

عندما وصلنا الموقع؛ خطب مدير المدرسة، وقال كلاماً طيّباً تجاه الوطنية والتعايش.

ثمّ خطب الضابط قائد الفتوّة، وكان مما قال: حزب البعث حزب قومي ماركسيّ  يساريّ، لا شأنَ له بالأديان، تعبد الله، تعبد الحجر، نحن لا نمنعك من هذا، إنما لا تجاهر بدينك، ولا تتحدانا!

المهمّ أنهم لم يسمحوا لي بإلقاء كلمةٍ، وخسرت تلك الجولة على الحقيقة، بيد أنني غدوتُ أكثر احتراماً من أكثر طلابي غير البعثيين، ولا أدري لماذا، وقد خسرت!

سادساً: بعد هذا الحدثِ بمدّة لا أتذكّرها؛ جاءني الأستاذ السنيّ الوحيد في الثانوية معي، وكان اسمُه «مصطفى بكّور» من مدينةِ السلَميّة، وقال لي: إنّ البعثيين في هذه المدينة خطّطوا لاغتيالكَ، فغادر وادي العيون؛ حذِراً، من غير الطريق العام!

بعد مَغادرته منزلي؛ ناديت على واحدٍ من تلامذتي المخلصين، الذين تأثّروا كثيراً بي، وكان حزبيّاً، وعضوَ اتّحاد الطلبة، فسألته: ما لديك من الأخبار؟

قال: أنا حزبيٌّ، هذا صحيحٌ، لكنك أستاذنا الذي علّمنا خيراً كثيراً، وفتح أبصارنا على واقعنا البائس، ورأيي يا شيخي أن تغادر الآن، قبل أن يأتي الليل، وفي نهاية الأسبوع أجمع لك جميعَ أغراضك في البيت، وأوصلها إليك في حماة!

ضحكت، وتجاهلت أن يكون لديّ علمٌ بشيءٍ، فقلت له: ولماذا تريدني أن أغادر، مم تخاف عليّ.

قال: يا أستاذ! الجماعة في الحزب والمدرسةِ، اتّخذوا قراراً بتصفيتك الليلةَ، وأظنهم حَصلوا على موافقةٍ من جهاتٍ عليا!

قلت: أنا لا يُهمّني هذا الأمر، لكن يُهمّني مَن يوصل زوجتي إلى حماة، حتى أريَهم قيمتَهم في ديارهم!

قال: يا أستاذ بالله عليك، وبحق جدك الرَسولِ، وجدك الإمام علي؛ لا تعرّض نفسك لغدرهم ولؤمهم، فلن تستطيعَ فعلَ شيءٍ معهم، سوى مناوشةٍ يسيرة، ثم يقتلونكَ ونبقى نحن تلامذتك في حسرةٍ دائمة!

وبالتأكيد، سيكون لهذا أثره الكبير على العلاقة بين وادي العيون وحماة!

يا أستاذ: هم واللهِ حَمقى؛ إذ لم يعرفوا قدرك وقيمتك، فكن أنت العاقل الناظر بمصلحته، ومصلحة تلاميذه، ومصلحة وطنه.

قلت له: خيراً إن شاء الله، سأحاول فعلَ ما يرضيك!

خرجتُ إلى سوقِ وادي العيون الصغير، فلم أشاهد شيئاً خلافَ المعتاد، وزرت جاري السابق «أبو نَبيل» في دكّانه، وكان يُكنّ لي كلّ احترام!

سقاني كأساً من الشاي، وقال لي: أستاذ أبو محمود، أنت تعرف كم أنت عزيزٌ عليّ، وكم بنتي زوجتك عزيزة علينا جميعاً؟

وتالله، وبالله، ووالله عليك؛ تقوم الآن تسافر إلى حماة؛ لأنّ الجماعة الذين ضربتَهم وأذللتَهم أمام بعضهم، وأمام الطلاب في عقر دارهم؛ لن يسكتوا، يريدون أن يردّوا اعتبارهم، ويأخذوا ثأرهم منك الليلةَ، فاخرج إني لك من الناصحين!

في هذه اللحظة نادوا عَلَيْهِ من خارج الدكان، فإذا بسيّارة شاحنة تحمل شِحنةَ «اسمنت» يريد سائقها أن يفرغوها له بسرعة!

نظرتُ إلى السائق، فرأيت كأنني أعرفه، فسلّمت عَلَيْهِ، وسألته عن اسمه؟

فقال: أنت الشيخ عداب؟ أنا أعرفك! أنا ابن عمّ صهرك عبدالعزيز، أنا فارس الفارس!

فدعوتُه إلى البيت، وأشرتُ إلى «أبو نَبيل» أن يخبرنا متى انتهوا من تفريغ الحمولة!

حين أخبرته بالذي حصل؛ انتخى وقال: يخسأ الكلاب، والله لا يصلون إليك، ما دمت على قيد الحياة!

قلتُ له: أخبرَني بذلك ثلاثةٌ منهم أبو نَبيل، فماذا ترى أنت؟

قال: أرى أنهم يريدونك أن ترحل من بينهم، فأنت تعكرّ عَلَيْهِم عيشتهم، وهذا المكان والله لا يناسبك يا ابن العمّ، أرى أن تجهّز نفسك، وتنْزل في السيارة معي!

واستأذن، وتركني لأتمكن من اختيار الضروري من أغراض البيت، وانصرفَ ليتابعَ تفريغ حمولة السيارة.

ناديتُ على تلميذي المجاور لي، فقلت له: أرسل أختك وخطيبتك لمُساعَدَة زوجتي في تهيئة حاجياتنا للسفر، وهيّأتُ أنا كتبي التي هي أعزّ شيءٍ في ذلك البيت عليّ.

وحين انتهى العمال من تفريغ السيارة؛ طلب منهم أن يغسلوها بالماء، ففعلوا، ثم أحضرهم إلى بيتنا، فحملوا الأغراض، وودعنا بعض كرام الحيّ، وانصرفنا إلى حماةَ، من دون أيّ إعاقةٍ، أو اعتراض!

هذا عن الجانب التاريخيّ والسياسيّ، أمّا الجانب الدينيّ والاجتماعيّ؛ فسأخصص له منشوراً تالياً، إنْ شاء الله تعالى.

والحمد لله على كلّ حال.

الثلاثاء، 24 ديسمبر 2024

  بعيداً عن السياسةِ اللعينةِ:

أهل الشامِ قتلوا الحسين!؟

بسم الله الرحمن الرحيم

في كتابِ اللهِ تعالى آيتان، تُرعبان من كان في قلبه مثقالَ حبّةِ خردلٍ من إيمان، وكان في رأسِه مثقال ذرّةٍ من عَقلٍ!

إحدى هاتين الآيتين الكريمتين موجّهةٌ إلى العلماءِ، والآية الأخرى موجّهةٌ إلى الجُهلاءِ!

قال الله تبارك وتعالى:

(أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23) [سورة الجاثية] وهي موجّهة إلى أهلِ العلمِ.

(أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (43) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44) [سورةُ الفرقان] وهذه موجهةٌ إلى الجهلاء!

وإنّ من المقرّر شرعاً، لدى جميع المسلمين؛ أنْ لا يجوزُ قتلُ غيرِ القاتلِ انفراداً وجمعاً!

(1) عندما طَعَنَ ابنُ ملجم - لعنه الله تعالى - الإمامَ عليّاً عليه السلام؛ التفّ حولَه أولادُه وبنو هاشمٍ، فأوصاهم عليّ أنْ أطعموا قاتلي واسقوه، فإنْ أنا متُّ؛ فاقتلوه ولا تمثّلوا به، وإنْ أنا عِشتُ؛ أرى رأيي فيه!

استشهِدَ الإمامُ عليٌّ عليه السلام - وهو أفضلُ من الحسن والحسينِ وسائرِ بني هاشمٍ عليهم السلام - فلم يَقتُلْ الحسنُ والحسينُ وبنو عليٍّ سوى القاتلِ المجرمِ ابن ملجم!

لم يقتلوا زوجتَه التي كانت قريبةً منه في الكوفة، ولم يقتلوا أحداً من قبيلةِ «مراد».

لأنّ الإسلام لا يفرّق في الدماءِ بين شريف ووضيع، ولا بين أميرٍ ومأمور، إنّما قضى (أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ، وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ، وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ، وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ، وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ، وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ (45) [سورة المائدة].  

فلو سلّمنا أن يزيد هو قتلَ الحسينَ، وأنّ أهل الشامِ قتلوا أولاد بني هاشمٍ وأنصارهم!

أينُ هو يزيدُ حتى نقتصَّ منه، وأين هو جيش يزيد الذي قتلَ أنصارَ الحسينِ، حتى نقيم عليهم حدودَ الله؟ أفلا تعقلون أيّها الناس؟

(2) عندما طَعَنَ عبدُ المغيرةِ بن شعبةَ أبو لؤلؤة - لعنه الله تعالى - عمر بنَ الخطّاب، رضي الله عنه، جاءَ من أخبرَ ولدَه عُبيدِالله بن عمر، وكان شابّاً قويّاً شديداً؛ أنّه شاهدَ الخنجر الذي قُتِل فيه عمر بيد أبي لؤلؤةَ، وكان يتناجى مع الهرمزان - وهو فارسيّ أعلن إسلامه - وجفينةَ النصرانيّ، فقتله، وكان لأبي لؤلؤة طفلة صغيرةٌ فقتلَها أيضاً!

ونقل ابن حجر في الإصابةِ (5: 43) بإسنادٍ صحيح عن عكرمة مولى ابن عبّاس، وعن عمرو بن دينار، قالا: « كان رأيُ عليٍّ أنْ يَقتُل عُبيدَاللهِ بنَ عُمَر بالهُرمزانِ لو قَدَرَ عليه» لأنّه كان مسلماً في ظاهرِ أمره.

فلمّا تولّى عليّ عليه السلامُ الخلافةَ؛ هَربَ عبيدُالله إلى الشامِ، وقُتِل بصفّين في عسكر معاوية!

أبو لؤلؤة المجوسيّ، أو النصرانيّ؛ لا يوزَن بأمير المؤمنين عمر، ولا بغيره من المسلمين.

لكنَ حكمَ الله تعالى؛ أنْ يُقتَلَ أبو لؤلؤةَ وحده بالخليفة عمر.

فلمّا تجاوزَ ابنُ القتيلِ (عبيدُالله بن عمر) حدودَ ما شرعَ الله تعالى، في فورةِ غضبِه؛ توعّده أميرُ المؤمنين عليٌّ بأن يقتلَه بغيرِ قاتلِ أبيه!

أليس عليّ بن أبي طالبٍ إمامَكم؟ أليس هو أقضى قضاة المسلمين؟

ثمّ إنّ المختارَ بنَ عبيدٍ الثقفيّ، تتبّع قتلةَ الإمام الحسين - وهم ثلاثة - فقتلهم وأسرفَ في القتل، حتى قتلَ أكثرَ من ثلاثةِ آلافِ رجل، وجميعهم من أهل الكوفةِ، ليس فيهم شاميٌّ واحد، كما أوضحت في المنشورِ السابق!

أيها الإخوةُ الشيعةُ الأكارمُ:

أيها الرافضةُ الغلاة، علماء وعامّة: هل أنتم تؤمنون بحكمِ الله تعالى الذي ذكرتُه آنفاً (الفنس بالنفس) أمْ لكم دينٌ آخر غيرُ دين الإسلام؟

إنّ العالمَ الذي يحرّض شبابَ الرافضةِ؛ ليستبيحوا دماءَ المسلمين من أهل الشامِ؛ هو ذلك الذي (اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ، وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْمٍ، وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ، وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً)!؟

أمّا أنتم يا شبابَ الرافضةِ العاطفيّين المساكين: إنْ أنتم استمعتم إلى أولئك العلماء الذين أضلّهم الله على علم، ورُحتم تقاتلون أهل الشام، وغير أهل الشام، انتصاراً لإلَهِ (الهوى) الشيطاني؛ فهذا مثلكم (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ؟ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا؟

 أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ، أَوْ يَعْقِلُونَ؟ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا).

  هل يرضى مؤمن مسلم؛ أن يكون منهجُه وطريقُه أضلَّ من منهج البهائم والدوابّ؟!

إنْ رضيتم أن تكونوا أضلَّ من الأنعام؛ فلستم بمسلمين، إذ الأنعام كلها تعبد الله تعالى وتسبّحه وتلتزم بأحكامه، على قدر تكليفها!

اتّقوا اللهَ تعالى يا علماءَ الرافضةِ!

اتقوا الله يا خطباءَ الرافضةِ!

اتّقوا الله يا شيوخ الرافضة!

اتّقوا اللهَ يا ساسةَ الرافضة!

فواللهِ ثمّ واللهِ ثمّ واللهِ، ما أنتم عليه من عقائدَ سياسيّةٍ، انفردتم بها عن بقيّة المسلمين؛ تُغضبُ الله تعالى ورسولَه والإمامَ عليّاً وآل البيت الكرام عليهم الصلاة والسلام.

وقد قلت لكم هذا الكلام سابقاً، ودعوتكم لتنتقلوا إلى مذهب الزيديّة؛ فهو واللهِ ثمّ واللهِ ثمّ واللهِ، أهدى ممّا أنتم عليه سبيلاً، بكثيرٍ وكثيرٍ وكثير!

والله تعالى أعلم.

والحمد لله على كلّ حال.

الجمعة، 20 ديسمبر 2024

   بعيداً عن السياسة اللعينة:

يحبون الحاكمَ الظالمَ الفاسقَ!
بسم الله الرحمن الرحيم
دخل القائد (أحمد بن حسين الشرع) دمشق ساجدا لله تعالى، متأسيا بالرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم، عندما فتح مكة المكرمة.
وعامل الناس بأدب ولطف وكياسة، شهد بها الجميع!
وما هي إلا أيام معدودات، حتى علا صراخ النصيريين بالتهديد والوعيد والثورة المضادة!
وعلا صراخ الفنانات (.؟.؟.!) رافضاتٍ الدولة الدينية، أو الدولة الإسلامية!
وعلا صراخ العلمانيين والملاحدة، يرفضون الدولة الإسلامية رفضا قاطعا... إلخ.
لماذا صنعوا ذلك؟
لأن الثوارَ الفاتحين دمشقَ عاملوهم بلطف وأدب وتسامح!
ولو عاملوهم بحزمٍ وشدة وقسوة؛ لانكفؤوا في جحورهم المنتنة، من روائح ضلالهم وبعدهم عن الله تعالى.
يذكرني هذا الموقف الذي نعايشه اليوم بموقفِ بعضِ الصحابةِ من الإمام الحق، علي بن أبي طالب عليه السلام.
إذْ لم يُكرِهْ أحداً على مبايَعَتِه. ولم يُكرِهْ أحداً على قتال البغاة والناكثين معه.
بل ولم يمنع الذين ثاروا عليه فيما بعد من السفر حيث يشاؤون، وهم يعلم أنهم لا يريدون العمرة، إنما يريدون الخروجَ والفتنة، حتى غدا مثلاً قول بعضهم: (أطمعهم حلم ابن أبي طالب(!

عندما جاءت نوبة الحكم والسلطة إلى يزيد بن معاوية الظالم البطاش؛ علا صراخ أولئك الصحابةِ أنفسهِم، محذّرين من الفتنة والخروج على إمام المسلمين يزيد الفاسق!
بل قال أحد كبار هؤلاء الصحابة وفقيههم، في ذلك الزمان، سنة (63 هـ): «إِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (يُنْصَبُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ).

 وَإِنَّا قَدْ بَايَعْنَا هَذَا الرَّجُلَ «يزيدَ بن معاويةَ» عَلَى بَيْعِ اللهِ وَرَسُولِهِ، وَإِنِّي لَا أَعْلَمُ غَدْراً أَعْظَمَ مِنْ أَنْ يُبَايَعَ رَجُلٌ عَلَى بَيْعِ اللهِ وَرَسُولِهِ، ثُمَّ يُنْصَبُ لَهُ الْقِتَالُ، وَإِنِّي لَا أَعْلَمُ أَحَداً مِنْكُمْ خَلَعَهُ، وَلَا بَايَعَ فِي هَذَا الْأَمْرِ، إِلَّا كَانَتْ الْفَيْصَلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ» أخرجه البخاري في كتاب الفتن (7111) ومواضع، ومسلم في الجهاد (1735).

أجلْ هكذا هم الناسُ، كانوا في زمان النظام النصيريّ الطائفيّ، دون القِطَطِ في رفع أصواتهم، فلما شاهدوا الرحمةَ والإحسانَ والرفقَ؛ بطروا معيشَتَهم، وحنّوا إلى نظام الظلمِ والقهر والاستبداد؛ لأنّه يسمح لهم بالفجور والفسوق وعصيان الله تعالى!

وأصبحوا يريدونَ مشاركةً في الحكمِ، ويرفضون الدولةَ الإسلاميّةَ، ويهددون بالثورة المضادّة!

وإنني أنصحُ رجالَ الإدارةِ السياسيّةِ الجديدةِ - وفّقهم الله تعالى - أنْ يتسامحوا مع هؤلاء أكثرَ وأكثرَ، وأن يحيطوا بهم على حين غرّةٍ، بكتيبةٍ من الجنود المؤمنين، وأن يصوّروهم، ويطلبوا منهم هويّاتهم، وأرقام هواتفهم، وعناوين بيوتهم، ثم لا يسيؤوا إلى أحدٍ منهم بكلمة أبداً!

وسيرون أنّهم بعد هذه الصَوْلة الصغيرةِ؛ سيقبعون في جحورهم، ويلزمون أدبَهم، ويعرفون أنّ جنودَ اللهِ لا يغفلون عنهم، إنما يتغافلون على مبدأ قول الله تعالى:

(فمهّلِ الكافرينَ، أمهلّهم رويداً).

ختاماً: أنا - واللهِ - لا أعرف التوجّهَ الفكريَّ للقيادةِ السوريّة المؤقّتة الجديدةِ.

أمن السلفيين الجهاديين هم، أمْ هم من الإخوان المسلمين، أم من الصوفيّة!

ومن أيّ هذه التوجّهاتِ كانوا؛ فهم مسلمون مجاهدون شجعان، أكرمهم الله تعالى بتحرير سوريّا من استعمارٍ غاشمٍ ظالمٍ قاتلٍ، دام قرابةَ ستّينَ عاماً (1963 - 2024م) من تاريخ سوريا الحبيبةِ الجميلةِ المِعطاء!

جزاهم الله تعالى عنّا، وعن السوريين جميعاً الجزاءَ الأولى، وقبّح الله وجوهَ أولئك المتظاهرين العلمانيين (وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً).

أجلْ أيّها الأشرار، اعلموا أنكم متى تماديتم، وأصررتم على تعريضنا لسخطِ الله تعالى؛ فهذا هو المصير!

والله تعالى أعلم.

والحمدُ لله على كلّ حال.

السبت، 14 ديسمبر 2024

  بعيداً عن السياسة اللعينة:

مُشكلتك مع مَن؟!
بسم الله الرحمن الرحيم
كتب إلي يقول: (قرأت لك منشورات متعددة، تقول فيها: إنك لست سنيّاً، ولا شيعيّاً ولا إباضيّاً.
ومرّةً تقول بوضوح أكثرَ من هذا: إنك لست سنياً، ولا زيدياً ولا إسماعيلياً ولا إمامياً ولا إباضياً.
وقرأت لك عددا من المنشورات تقول فيها: أنا سني، وأنا شيعيٌّ بآن واحد.
وقرأت لك منشورا تقول فيه: «أنا شيعي حقاً»!
فما مذهبك أنت على الحقيقة، ومشكلتك مع من)؟!
أقول وبالله التوفيق:

أوّلاً: الفقير عداب ولد في الشهر الثاني من عام (1369 هـ) بدأت والدتُه الحافظةُ لكتاب الله جلّ وعزّ تعلّمه ما تعلمه من الدين، منذ بدأ ينطق!

فهو لم يمرّ عليه يومٌ من حياتِه التي يدركُها ويعقلها؛ لم يكن يطلبُ فيه العلم!

بيد أنّه لا يتذكّر أشياءَ قبل الرابعة من عمره.

وفي السنة السادسة من عمره، كان يحفظ جزءَ (عمّ يتساءلون) ويحفظ شعرَ الحكمةِ للإمام عليّ والإمام الشافعيّ، ويتقن الطهارة والوضوءَ والصلاةَ، وكان يصومُ شهرَ رمضانَ تامّاً، وبعده يصوم مع والدتِه ستّةَ أيّام البيض، متفرّقات!

ومنذ السنةِ الخامسة من عمره؛ كانت والدتُه أوكلت أمرَ تعليمه إلى الشيخ عارف النوشي، وكان بيته مقابلاً لبيتنا تماماً، وكان الشيخ عارف شيخَ كتّابٍ، يعلّم الناس بالأجرةِ، رحمه الله تعالى، وكان الشيخ عارف يعلمه التلاوةَ والعربية والحسابَ.

وفي الصفّ الرابع الابتدائيّ أضافت والدتُه لتعليمه شيخا آخر، هو الشيخ نايف النوشيّ، شقيق الشيخ عارف، كان يعلّمه الفقه الشافعيَّ والفقه الحنفيَّ والأخلاقَ والآداب، رحمه الله تعالى.

واستمرّ الفقير عداب يتلقى العلوم على أيدي العلماء إلى يومِ الناسِ هذا، وقد مضى من عمره سبعٌ وسبعون سنة هجريّة!

أوّلَ من أمسِ طلبتُ من شيخٍ، هو من جيلِ أوسط أولادي؛ أن يعلّمني علم الفلك، الذي لا أعرفه البتة!

هذا يعني أنني أطلب العلم أكثر من سبعين عاماً، في الحدّ الأدنى!

فهل طلبَ واحدٌ من أئمة الإسلامِ العلمَ أكثرَ من هذه السنوات الطويلة؟

ثانياً: من حقّ كلّ إنسانٍ أن يقول: ليس المهمّ كثرةَ سنواتِ التحصيلِ، إنما المهمُّ المؤهّلات العلمية.

وجوابُ ذلك أن أقول: عندما تهيّات لي ظروفٌ يسيرة جدّاً، وليست ملائمةً تمام الملاءمة المعيشيّة؛ تخرّجت بمرحلة البكالوريوس في جامعة أمّ القرى المباركة بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى.

وأكثر المسابقات التي كانت الجامعة تجريها؛ كنتُ الفائز الأوّل بفروعها!

«القرآن الكريم، الخطابة، الشعر، البحث العلميّ، القراءة الحرّة» إلخ.

وحصلت على درجتي الماجستير والدكتوراه بتقدير ممتاز أيضاً، وكتبت كتابةً - وليس تحقيقاً - في هاتين الدرجتين (5000) صفحة علميّة محكّمة، فهل كتب أيّ باحثٍ على وجه الأرض خمسة آلاف صفحة، في دراسته الجامعيّة؟

أنا لا أدري، لكنْ إن وُجدَ؛ فلا أظنهم يبلغون تسعةَ أفرادٍ، أنا عاشرهم!

ثالثاً: يقول أهل العلم: أصول الاجتهاد ثلاثة علوم:

(1) إتقان آيات الأحكام، حفظاً وتفسيراً وفقهاً.  

(2) إتقان أحاديث الأحكام، حفظاً ولغةً وفقهاً.

(3) إتقان أصول الفقه.

فهل الفقير عداب، لا يتقن هذه المتطلّبات اليسيرة، أو هو يتقن أضعافها مضاعفة؟

رابعاً: الفقير عداب مجازٌ بالمعقول والمنقول، من علماء كبارٍ، منهم الأستاذ الدكتور مصطفى إبراهيم الزلمي، ومجاز بالفتوى من علماء آخرين، منهم الشيخ محمد الحافظ التجاني.

خامساً: الفقير عداب أحدُ أفراد هذا العصر في «علم نقد الحديث» وقد كتب فيه وحقّقَ أكثرَ من عشرين ألف صفحة!

سادساً: الفقير عداب درسَ مذاهب أهل السنّة الاعتقاديّة كلّها «الأشعرية والماتريدية والسلفية والتيمية والوهابية، ومذهب ابن حزم»

ودرس المذاهب الفقهية الأربعةَ، ومذاهب ابن حزمٍ، وابن تيمية وابن القيّم.

ودرس المذهب الزيديّ، والمذهب الإماميّ، والمذهب الإباضيّ، عقائد وفروعاً.

ودرس المذاهب الإنسانية على مدار تاريخها في كتب كثيرة، منها قصّة الحضارة للكاتب «وول ديورانت» والموسوعة الفلسفية، ةالموسوعة الميسرة في المذاهب والأديان وغيرها كثير!  

فإذا لم يجزِ الاجتهادُ لمثلِه؛ فمن الذي يجوز له الاجتهادُ في عصرنا هذا؟

سابعاً: العالم الدينيّ يَعنيه من علومِه الحقُّ والصوابُ، والسياسيُّ يعنيه دوامُ ملكِه واستقرار مجتمعه، ولأنّه يملك القوّةَ التي تقهر العالم؛ فهو لا يقبل من العالم إلّا أن يخضع لأهدافِه ومصالحِه، وليس لدى أيّ حاكمٍ قديماً وحديثاً أيُّ حرجٍ في ضربِ وسجنِ وقتل أكبر عالم في بلاده، إذا لم يخضع لسلطانه، مع أنّ الأصل في الإسلامِ أن يكون العالم هو الحاكم!

ثامناً: عدابٌ من أهل العلم، وليس من أهل السياسة، ومذاهب الإسلام كلّها، من دون استثناء صنعتها في الماضي السياسة:

المذهب الحنفي صنعته السياسة!

المذهب المالكيّ صنعته السياسة!

المذهب الشافعيّ صنعته السياسة!

المذهب الحنبليّ صنعته السياسة!

والمذاهب غير السنيّة صنعتها السياسة أيضاً.

وما تزال السياسة تستخدم المذاهب، وما تزال المذاهب تستقوي بالسياسة!

تاسعاً: لا يخفى على مثقّف؛ أنّ الصراعات السياسية بين الدول؛ لم تتوقف منذ بدء التاريخ، وحتى اليوم!

فإذا اعتدى الشيعةُ على حدود الدولة العثمانية؛ كان مشايخ إسلامها جاهزينَ لإصدار الفتاوى بتكفير الشيعة واستحلال دمائهم!

وإذا أرادت الدولة العثمانية أن تتوسّع على حدود الدولة الشيعية في إيران؛ كان مراجع الشيعة جاهزين لإصدار الفتاوى بتكفير النواصبِ، واستحلال دمائهم، ونبش قبور مُعظّميهم!

ماذا يعني هذا للفقير عداب؟

عاشراً: الفقير عداب ينظر إلى جميعِ الدولِ نظرةً واحدةً، جميعها حكوماتٌ متغلّبة غير شرعيّة، يستوي في ذلك الإمبراطوريّة الأموية، والعباسية، والسلجوقية، والأيوبية والمملوكية والعثمانية، وجميع الممالك الشيعية: الزيدية والإمامية والإسماعيليّة، والإباضية كذلك!

وإذا كان لا يقدّس هذه الإمبراطوريّات، ولا يوقّر فتوحاتِها وحروبَها في سبيل توسيع المساحات التي تحكمها بقوة الحديد والنار؛ فطبيعيّ جدّاً أنْ لا يوقّر تلك المذاهبَ التي تقرّرت وتحرّرت واستقرّت - كما يقولون - تحت سلطانها!

الحادي عشر: إذا استثنيها المسائلَ التي كان للسياسة يدٌ في زرعها في كتب الفقه الإسلاميّ؛ فجميع فقهاء الإسلام الذين قرأت فقههم؛ يريدون نصرةَ الإسلامِ، ويريدون تعبيدَ الناسِ لله ربّ العالمين؛ وَفقَ مرادِ الله تعالى، في حدود فهومهم واجتهاداتهم!

يستوي في ذلك علماء أهل السنة بمذاهبهم، وعلماء الشيعة بمذاهبهم، وعلماء الإباضيّة!

وقد حضرت على شيخي مفتي سلطنة عمان في مسجد السلطان قابوس، بمدينة مسقط عام (2004م) طيلةَ وجودي هناكَ، فما سمعته قال كلمةً واحداً يشمُّ منها الخروج على الدين، أو الإضرار بوحدةِ المسلمين البتّة!

من وراء عمري الطويل (77) سنة، ومن وراء تواصلي مع علماء المذاهب الإسلامية، ما عدا الإسماعيليّة، فلم أجتمع بواحدٍ من صغارهم فضلاً عن كبارهم؛ غادَرَ عقلي وفكري وسلوكي الاعتقادُ بأنّ «أهل السنّة» هم أهلُ الحقّ، ومن سواهم أهل بدعة، أوضلال، أو كفر، وجانبني تماماً فكرةُ «التكفير الجماعي»: الشيعة الإمامية كفّار، الإسماعيلية كفار، النصيرية كفار، الدروز كفّار، واستقرّ لديّ أنّ جميع أتباع هذه المذاهب جهّال، يجب تعليمهم ودعوتهم والصبر عليهم، حتى يستطيعوا مجاوزَةَ «العقل الجمعي» في مجتمعاتهم!

الثاني عشر: لا يوجدْ دولةٌ على وجه الأرض اليوم، تحكم بالإسلام، لا من دول أهل السنّة، ولا من دول الشيعةِ، فإذا وُجدَتْ دولة تحكم بالإسلام؛ فيجب عليها وجوباً شرعيّاً حازماً؛ أن تنشئ مؤسّسة تدعى «مؤسسة حوار الأديان والمذاهب الوطنيّة» يعني الأديان والمذاهب الموجودة في بلدٍ مثل سوريّا مثلاً!

ويكون أعضاءُ هذه المؤسسة المؤسّسون؛ هم كبار علماء المسلمين والنصارى واليزيدية والدروز وغيرهم، إذا كان يوجد غيرهم.

وظيفةُ هذه المؤسسة الأولى؛ الوصولُ إلى الحقّ، وليس (بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ).

وأنا على يقينٍ بأنّ هذه المؤسّسة؛ سيطّلع أعضاؤها علماءُ سوريّا بطوائفها على حقائق الإسلامِ الصحيح، الذي لدى أهل السنّة أكثرُه بيقين!

فأنا الفقير عندما أقول: أنا سنّي؛ فأنا سنيٌّ حقّاً، أبواي سنيّان، وأجدادي كذلك!

وشيوخي من أهل السنة، وثقافتي سنيّة، ومؤلّفاتي الكثيرة سنيّة، فأنا لم أحتجَّ في كتبي كلّها بجملة واحدةً من كتب «الزيدية - الإمامية - الإسماعيليّة - الإباضيّة».

وعندما أقول: أنا شيعيٌّ؛ فأنا شيعيٌّ حقّاً أيضاً، حسبَ تصنيفِ أهل السنّة أجمعين!

- أهل السنّة يقولون: جميع الصحابة عدولٌ، وأنا أقول: في جيل الصحابة مَن ليس بعدلٍ!

- أهل السنّة يقولون: جميع الصحابة في الجنّةِ، وأنا أقول: في جيل الصحابة مَن سيدخل النار!

- أهل السنّة يقولون: أبو بكر اختير خليفةً بإجماعِ الصحابة، وأنا أقول: «كانت بيعة أبي بكر فلتةً وقى الله شرّها».

-أهل السنّة يقولون: أفضل الصحابة أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم عليّ، وأنا أقول:

ليس لدى أهل السنّة دليلٌ صحيح صريح على هذا الكلام، وأنا أجعل أهلَ البيتِ طرفاً في الصحابةِ، وأجعل بقيّة الصحابةِ طرفاً آخر، رضي الله عنهم وأرضاهم.

وأفضل الأمّة عندي: الرسولُ صلّى الله عليه وآله وسلّم، ثم الإمام عليّ ثمّ الحسن ثم الحسين ثم السيدة فاطمة، ثمّ السيدة خديجة، عليهم الصلاة والسلام.

وأرى ترتيبَ الأفضليّة على حسبِ الترتيبِ السياسيّ؛ خطأٌ سياسيٌّ هو الآخر!

أرجو أن يكون هذا بياناً واضحاً صريحاً، عن شخصية الفقير عدابٍ ومعتقداته في آخر عمره!

فإذا كان المجتهد يعذَر باجتهاده؛ فأنا أدّعي الاجتهادَ في هذه المسائلِ وغيرها، فاعذروني!

وإنْ كان لا يسعُ المجتهدَ الاجتهادُ خارجَ السور الطائفيّ القبيحِ عندي؛ فلأهل السنّة أن يصدروا عليّ الحكمَ الطائفيّ الذي يرون، وللشيعة أيضاً، وكذلك للإباضيّة.

هل عرفتم مشكلتي مع مَن؟

مشكلتي مع علماءِ الإسلامِ، الذين يدّعون امتلاكَ الحقِّ والحقيقةِ، وما هم إلّا مقلّدون، عابَ الله تعالى عليهم تقليدهم!

والله تعالى أعلم.

والحمد لله على كلّ حال.