الأربعاء، 28 مايو 2025

اجتماعيات:

جَزاءُ صَبر المسلمِ على الأذى!؟

بسم الله الرحمن الرحيم
(قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ!
فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ، وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33).
وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا، حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا.
وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ.
وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34) [الأنعام].
أخرج الإمام مسلم (2558) منْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ:
إِنَّ لِي قَرَابَةً: أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ؟
فَقَالَ الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم:

(لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ، فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يجهلون عليّ: الجَهلُ هنا بمعنى القبيح من القول، كالشتم والسباب والتعيير.
تُسِفُّهم: سفَّ الشيءَ الناعمَ واستفّه: ابتلعه من دون مضغ!
المَلّ: الرَمادُ الحارّ.
والمعنى أنّك لا يصيبك عند الله من أذاهم شيءٌ، أمّا هم فعليهم إثم عظيم من التنكّر لإحسانك إليهم,
الظهير: النَصيرُ والمعين.
والله تعالى أعلم.
والحمد لله على كلّ حال.

الأحد، 25 مايو 2025

     مِنْ عِبَر التاريخِ:

مَنْ هو الخَصيبيُّ ؟!

بسم اللهِ الرحمنِ الرحيمِ

(الْحَمْدُ اللهِ، وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى).

أمّا بَعْدُ:

استمعتُ إلى بيانِ أحدِ شيوخِ الطائفة النُصيريّةِ «العلويّة» في سوريّا، يطالبُ بإقليمٍ فدراليٍّ لطائفتِه الدمويّةِ الظالمةِ، وقد ختم مقاله بقوله: (نحن مسلمون، ديننا هو الإسلام، علويّون، إمامنا عليّ بن أبي طالبٍ عليه السلامُ، جعفريّون، فقيهنا الإمام جعفر الصادق، خصيبيّون، شيخنا الحسين بن حمدان الخصيبيّ) انتهى.

أقول وبالله التوفيق:

قبل الشروعِ في ترجمة الحسين بن حمدان الخصيبيّ؛ أحبّ أنْ أنبّه إلى وجود قائدٍ من قوّاد الدولةِ العبّاسية، اسمه الحسينُ بن حمدانَ بن حمدونَ التغلبيّ، كان معاصراً للخصيبيّ، أُسِر في إحدى المعاركِ، سنة (303 هـ) وأمر الخليفةُ المقتدر العبّاسيّ بقتله ، فقُتلَ في سجنه سنة (306 هـ) كما في تاريخ الإسلام للذهبيّ (7: 103).

أمّا الحسينُ بن حَمْدان الخَصيبيُّ (260 - 358 هـ) فقد ترجمه الحافظ ابن حجر في لسان الميزان (3: 158) فقال: «الحسين بن حمدان بن الخصيب الخصيبيُّ، أحدُ المصنفين في فقه الإمامية.

ذَكَره الطوسِي، وَابن النجاشي، وَغيرهما، وله من التصانيفِ «أسماءُ النَبيّ» و«أسماء الأئمة والإخوان» و«المائدة» روى عنه أبو العبّاس بنُ عُقدةَ، وأثنى عليه.

وقيل: إنّه كان يَؤمُّ بسيفِ الدَولةِ، وله أشعارٌ في مَدحِ أهل البيتِ.

وذكر ابنُ النَجاشيِّ أنّه خَلّطَ، وصنّفَ في مَذهبِ «النصيرية» واحتَجَّ لهم.

قال النجاشيُّ: «وكان يقول بالتناسخ والحلول» انتهى كلام ابن حجر.

قال الفقير عداب: اعتمدَ ابن حجر على بعضِ كتبِ الشيعةِ الإماميّةِ في ترجمته، كما ترى، وعدّه من المصنّفين في مذهبهم.

وهذا يعني أنّ العمدةَ في ترجمته؛ على كتب الشيعةِ الإماميّةِ، وعلينا الذهاب إلى هناك!

قال ابن الغضائريّ في رجاله رقم (40): «الحسين بن حمدان الخَصيبيُّ: كَذّابٌ، فاسِدُ المذْهَب، صاحبُ مقالةٍ مَلْعُونةٍ، لا يُلْتَفَتُ إليه».

قال أبو العبّاس النجاشيُّ (ت: 450 هـ) في كتابه «الرجال» (ص: 67): «كان فاسدَ المذهب، له كتب... وكتاب الرسالةِ تخليط»!

وترجمه شيخ الطائفةِ أبو جعفر الطوسيّ (ت: 460) في رجاله (ص: 380) وفي فهرسته (ص: 105) ساكتاً عليه!

وقال ابن المطهّر الحلّي في «خلاصة الأقوال» (ص: 218): «كانَ فاسدَ المذهبِ، كذّاباً، صاحبَ مقالةٍ مَلعونةٍ، لا يُلتفتُ إليه» وهذا كلام ابن الغضائريّ.

وقال محمد باقر المجلسيّ (ت: 111 هـ) في الوجيزة (ص: 194): «ضعيف»!       

وقال السيّد التفرشيُّ في «نقد الرجال» (2: 87): «كذّابٌ، فاسدُ المذهبِ، صاحبُ مقالةٍ ملعونةٍ، لا يُلتفتُ إليه» وهذا كلام ابن الغضائريّ.

وقال أبو عليّ الحائريّ (ت: 1216 هـ) في «منتهى المقال» (3: 33): «كانَ فاسدَ المذهبِ، كذّاباً، صاحبَ مقالةٍ، مَلعونٌ، لا يُلتفتُ إليه» وهذا كلام ابن الغضائريّ، يبدو أنّهم تابعوه أجمعون.

وقال السيّد الخوئيّ في معجمه (14: 173): «ضعيف».

قال الفقير عداب: ومع هذا الكلامِ الشديدِ في الخصيبيِّ؛ فإنّ القائمين على الموسوعة العلمية الشيعية؛ جعلوا أشهرَ كتب الخَصيبيّ «الهداية الكبرى في تواريخ الأئمة الأربعةَ عَشَرَ» ضمن مؤلّفاتها.

وقد جاء في طليعةِ هذا الكتاب (ص: 29) وهو يعرض مضمون كتابه عن الأئمة الأربعةَ عشرَ ما نصه: « وأسمائهم وكناهم، الخاصّ منها والعام، وأسماء أمّهاتهم ومواليدهم، وأولادهم، وبراهينهم، ودلائلهم، ووفاةِ كلٍّ منهم، وشاهدهم وأبوابهم.

والدلالةُ من كتابِ الله عزّ وجَلّ، والأخبار المأثورة المروية بالاسانيد الصحيحة».

قال الخصيبيُّ في كتابه هذا (ص: 92): « وكان اسمه علياً، وفي القرآن مُبيَّناً.

قوله في قصة إبراهيمَ (عليه السلام) (وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ).

وقوله تعالى إجابة لإبراهيم (عليه السلام): (وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً).

وقوله: (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ).

وله في القرآن ثلثُ مائة اسمٍ،

ورَوَيْتُ بالأسانيد الصحيحة «هكذا هو النصّ» ووَجدتُ في قراءةِ عبدِالله بن مسعود (رضي الله عنه): (إنّ عَليّاً جَمعَه وقرأَه، فإذا قرأه؛ فاتّبع قرآنه، ثم إنّ عليّا بيانُه).

وقوله تعالى: (إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ، وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ) المنذرُ رسول الله (صلى الله عليه وآله) والهادي علي (عليه السلام).

وقوله تعالى: (أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ، وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ).

والشاهدُ منه عليٌّ (عليه السلام).

قال الفقير عداب: هذا الكلام كلّه ليس له إسنادٌ واحدٌ صحيح

ومن طراز هذا الكلام «الهَبَلِ» كتابٌ كامل، يحمل عنوانَ «أسماء وألقاب أمير المؤمنين  علي بن أبي طالبٍ، عليه السلام» يقع في (347) صفحةً، بخطّ صغير، بنط (13).

جعل المؤلف للإمام عليّ أكثر من (280) اسماً ولقباً.

وقال في مقدمته (ص: 6): «إنّ معرفةَ عليٍّ - صلوات الله عليه - معرفةً شاملةً كاملةً مما يمتنع على الناس، وهم إنّما يلحظون ما ينكشف لهم من أغوار شخصيّته، من خلال العمل والسلوك، أو من خلال تصريحات القرآن، وتصريحات النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم في المناسبات.   

وإلّا فإنّ الإحاطةَ بكُنه أميرِ المؤمنين عليه السلام؛ لا تتأتّى، لأنّ أوعيتنا في المعرفة والإدراك؛ أصغر بكثير من وعائه العُلويّ».

هذا الغلوّ القبيح؛ هو الذي أريد للمسلمين - كلّ المسلمين - أن يتخلّصوا منه!

وقال النعمان الباطنيّ في بيان فضلِ التربة التي وُوري فيها الإمام عليٌّ عليه السلام (ص: 95): «وأمّا البقعةُ التي فيها قبر أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) فإنّ نوحا (صلوات الله عليه) لما طافت السفينة، وهبط جبريل (عليه السلام) على نوح، فقال له: إنّ الله يأمرك أن تنزل ما بين السفينة والركن اليماني فإذا استقرّتْ قدماك على الأرض؛ فابحث بيدك هناك، فإنه يخرج تابوتُ آدم، فاحمله معك في السفينة، فإذا غاص فابحث بيدك الماء، فادفنه بظهر النجفِ، بين الذكوات البيض والكوفة، فإنّها بقعةٌ اخترتها له ولك يا نوحُ ولعلي بن ابي طالب (صلوات الله عليه) وصي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).

ففعل نوحٌ ذلك، ووصّى ابنه ساماً أن يدفنه في البقعة مع التابوت الذي لآدم، فإذا زرتم مشهد أمير المؤمنين؛ فزوروا آدمَ ونوحاً وعليَّ بن ابي طالب (عليهم السلام).

وقال في (ص: 240) منه: «عن المفضل بن عُمر الجُعفيِّ قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: إنّ الامام منّا يسمع الكلام في بَطن أمّه، فإذا وقع إلى الارضِ؛ رُفع له عمودٌ مِن نورٍ، يرى به أعمالَ العباد».

وفي (ص: 229) حكى الخصيبيّ حواراً طويلاً جدّاً بين الإمام أبي جعفرٍ الباقرِ، وبين تلميذه جابرٍ الجعفيّ، قال له الباقر فيه: «يا جابر: أتدري ما المعرفة؟ قلت: لا أدري!

قال: إثباتُ التوحيد أوّلاً، ثم معرفة المعاني ثانياً، ثم معرفة الأبواب ثالثاً، ثم معرفة الأيتام رابعاً، ثم معرفة النقباء خامساً، ثم معرفة النجباء سادساً، ثم معرفة المختصين سابعاً، ثم معرفة المخلصين ثامناً، ثم معرفة الممتحنين تاسعاً».

ولست أدري أيَّ أسانيدَ صحيحةً، تلك التي تنقلُ هذا الهراءَ عن إمام كبيرٍ من أئمة المسلمين.

وقد تصفّحت هذا الكتابَ البالغ (437) صفحةً، فاستغربتُ كيف قامت مؤسسة البلاغ للطباعة والنشر بطباعة مثل هذا الكتاب، وأفظع من هذا؛ أنّ النسخةِ التي تحت يديّ، هي الطبعة الرابعةُ لهذا الكتاب، الصادرة عام (1991م).

ولست أدري والله! عن أناسٍ في قلوبهم عقول يفقهون بها، كيف يقبلون مثل هذا الكلام، ويتديّنون الله تعالى به.

(تَاللهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ، فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ، فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).

و(الْحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللهُ، لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ).

أعانَ الله تعالى قلبي الضعيفَ على احتمال أمّةٍ قتلها الغلوّ في الحبّ والبغضِ!

وهي مصرّةٌ على تقديس بشرٍ يأكلون ويشربون، ويمرضون ويموتون، ولكلّ واحدٍ منهم نقائصه التي لا تكاد تحصى في بعض الأحيان.

والحمد لله على كلّ حال.

السبت، 24 مايو 2025

        مِنْ عِبَرِ التاريخِ:

هَلْ كان ابن تيمية يعاني من الاكتئاب !؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، والَيْكَ أَنَبْنا، والَيْكَ المَصيرُ.

رَبَّنا: لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذينَ كَفَروا، واغْفِرْ لَنا.

رَبَّنا: إِنَّكَ أَنْتَ العَزيزُ الحَكيمُ).

(رَبَّنا: افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالحَقِّ، وانْتَ خَيْرُ الفاتِحين).

قمتُ مرّةً بإحصاءِ المسائلِ التي يستتاب فاعلها، عند ابن تيمية، فإن تاب وإلّا قُتل؛ فاستهولتُ الرقم جدّاً، مع أنّ (99%) من هذه المسائل يُقتُل بها الجاني اجتهاداً، وليست داخلةً دخولاً أوّليا تحت قول الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم (لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، يَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللهُ، وأنّي رَسولُ اللهِ، إِلّا بِإِحْدَى ثَلاثٍ: (النَّفْسُ بِالنَّفْسِ، والثَّيِّبُ الزّاني، والمارِقُ مِنْ الدّينِ، التّارِكُ لِلْجَماعَةِ) أخرجه البخاري في كتاب الديات (6878) ومسلم في القَسامة (1676).

وتساءلت: هل التلفّظ بالنيّة في الصلاةِ؛ مفارقةٌ للدين مثلاً ؟

وإذا اجتهد عالم فقال: إنّ تقليدَ إمامٍ من الأئمة دون غيره واجب؛ يُستتاب، فإن تابَ وإلّا قُتل؟

هل شدّ الرحال إلى غير المساجد الثلاثة؛ أمرٌ، يستحق المسلم بفعله القتل؟

ولو اجتهد عالمٌ فقال: لا يجوز الفِطْرُ إلّا لمن عَجَز عن الصيامِ؛ يُستتاب، فإن تاب، وإلّا قُتل!

ثم تساءلتُ: ألا يمكنُ أن يكون الشيخُ أحمدُ ابن تيمية مثلَ شيخه أحمدَ ابنِ حنبلٍ، كلاهما كانا يُعانِيان مِنْ مرض الاكتئابِ المُزمنِ، أو الوسواس القهريّ، اللذين يسببان للمبتلَى النزقَ وسرعةَ الانفعال، والنفورَ من الناس، والاستيحاشَ منهم؟

مَن قرأ جُزءَ «المسائل التي حلف عليها أحمد» لا يخرجُ إلّا بهذه النتيجةِ في نظري!

(2) سُئِلَ الإمامُ أحمد: يُخلل الرجل لحيته إِذا تَوَضَّأ؟ قَالَ: إِي وَالله.

(4) وَقيل لَهُ: هَل تُكرَه الصَّلَاة فِي الْمَقْصُورَة؟ فَقَالَ: إِي وَالله.

(5) وَسُئِلَ عَن الْمَرِيض: هَل يَجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ؟ فَقَالَ: إِي الله.

(10) وَسُئِلَ: هَل يكره النَفخ فِي الصَّلَاة؟ فَقَالَ: إِي وَالله.

هل يستدعي شيءٌ من هذه المسائلِ التوكيدَ بالقَسمِ؟

ثمّ وقفتُ على هذا النصّ الذي أورده أبو بكر ابن قيّم الجوزيّةِ، تلميذُ ابن تيمية في كتابه «مدارج السالكين» (3: 60) وهو يتحدّث عن درجات القَلقِ الثلاث، إذ قال: «هو عَلَى ثَلاثِ دَرَجاتٍ:

- الدَّرَجَةُ الأولَى: قَلَقٌ يُضَيِّقُ الخُلُقَ، وَيُبَغِّضُ الخَلْقَ، وَيُلَذِّذُ المَوْتَ.

يَعْني: يَضيقُ خُلُقُ صاحِبِهِ عَنِ احْتِمالِ الأَغْيارِ، فَلا يَبْقى فيهِ اتِّساعٌ لِحَمْلِهِمْ، فَضْلًا عَنْ تَقْييدِهِمْ لَهُ، وَتَعَوُّقُهُ بِأَنْفاسِهِمْ.

وَ«يُبْغِضُ الخَلْقَ» يَعْني: لا شَيْءَ أَبْغَضَ إِلَى صاحِبِهِ مِنِ اجْتِماعِهِ بِالخَلْقِ؛ لِما في ذَلِكَ مِنَ التَّنافُرِ بَيْنَ حالِهِ وَبَيْنَ خُلْطَتِهِمْ.

وَحَدَّثَني بَعْضُ أَقارِبِ شَيْخِ الإِسْلامِ ابن تَيْميةَ، رَحِمَهُ اللهِ، قالَ: كانَ في بِدايَةِ أَمْرِهِ، يَخْرُجُ أَحْيانًا إِلَى الصَّحْراءِ، يَخْلو عَنِ النّاسِ، لِقوةِ ما يَرِدُ عَلَيْهِ!؟

فَتَبِعْتُهُ يَوْماً، فَلَمّا أَصْحَرَ؛ تَنَفَّسَ الصُّعَداءَ، ثُمَّ جَعَلَ يَتَمَثَّلُ بِقَوْلِ الشّاعِرِ، وَهو لِمَجْنونِ لَيْلَى مِنْ قَصيدَتِهِ الطَّويلَةِ:

وأخْرُجُ مِنْ بَيْنِ البُيوتِ لَعَلَّني ... أُحَدِّثُ عَنْكِ النَّفْسَ بِالسِّرِّ خاليا

قال ابن القيّم: وَصاحِبُ هَذِهِ الحالِ: إِنْ لَمْ يَرُدَّهُ اللهُ سُبْحانَهُ إِلَى الخَلْقِ، بِتَثْبيتٍ وَقوةٍ، وإلّا فانَّهُ لا صَبْرَ لَهُ عَلَى مُخالَطَتِهِمْ» انتهى المراد.

ولا يخفى على مطالعِ في كتب الطبّ النفسيّ؛ أنّ القلق والأرق والعُزلة والضيق من الناس؛ كلها مظاهرُ للاكتئاب المزمن، أو الوسواسِ القهريِّ، وهذه حالاتٌ مَرضيّةٌ، لا يصلح أن يكون المصابُ بها قدوةً للناس أبداً، بل هو خطر عليهم خطورةً صارخة!

ويبدو لي أنّ كثرةَ أحكامِ التكفير لدى الإمامِ أحمدَ والشيخِ ابن تيميةَ؛ مردّها إلى ذلك، رحمهما الله تعالى.

والله تعالى أعلم.

(رَبَّنا: ظَلَمْنا أَنْفُسَنا، وانْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكونَنَّ مِنَ الخاسِرينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.

       والحمدُ للهِ على كلّ حال.

الخميس، 22 مايو 2025

        مَسائِلُ حَديثيّةٌ:

هل في كتاب «السنن» لأبي داودَ أحاديثُ موقوفة !؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(الْحَمْدُ للهِ، وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى)

أمّا بعد: كتب إليّ يقول: سمعتُ أحدَ المحدّثين المعاصرين يقول:

«من خصائص سنن أبي داودَ؛ أنّه لم يخرّج في سننه أحاديثَ موقوفة على الصحابة، إنما كان كتابه كلُّه أحاديثَ مَرفوعةً إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم.

فهل هذا الكلام صحيح، وهل هذه مزيّةٌ توجِبُ ترجيح «السنن» لأبي داود على غيره من المحدّثين المصنّفين» رحمهم الله تعالى.

أقول وبالله التوفيق:

عندما رَفضت لجنةُ المناقشةِ أطروحتي للدكتوراه (الوحدان من رواة الصحيحين) تألّم أحدُ زملائي، وقال لي: ذهبتُ إلى رئيس لجنة المناقشةِ وسألتُه: شيخنا الفاضل: سأسألك سؤالاً أرجو أن لا تغضبَ مني؟ قال: اسأل، ولن أغضب منك!

قال: هل قرأتَ كتاب «فتح الباري» لابن حجر؟ قال: لا لم أقرأه!

قال: هل قرأتَ صحيح الإمام البخاريّ؟ قال: قرأتُ بعضَه ولم أقرأه كلَّه!

قال له زميلنا: أنا سمعت الشيخ عداب الحمش يقول: «أنا قرأت صحيح البخاري كذا مرّةً» قال زميلنا: غضب ولم يردّ بشيء!

زميلُنا يريد أن يقول لرئيس اللجنة: كيف ترفضُ أطروحة باحثٍ، وأنت لم تقرأ الكتابِ الذي تدور أطروحته حوله؟

وهؤلاء المتحدّثون - يا أخي الكريم - أكثرهم مَهووسون بالمنقبيّات، وكأنهم يرون ذلك من الدين الذي يثابون عليه، لا أدري والله!

ناقشتُ أحدَ طلّابي الأحبّةِ المهذّبين حقّاً في رسالته للماجستير، وكانت تخريج جملةٍ من أحاديث «السنن» لأبي داود.

وحسب خطّةِ الرسالةِ؛ كان عليه أن يُترجم ترجمةً وجيزةً للمصنّف أبي داود!

وكان ممّا نقل هذا الطالب عن المترجمين في تفخيم أبي داود: «وقد ألين لأبي داود الحديثُ، كما ألين لداود عليه السلام الحديدُ»!

قلت للطالب: اشرح لي هذه الجملةَ؟ هذا كلام فارغٌ ليس له أيّ معنى البتة!

عدد أحاديث «السنن» لأبي داود (5274) حديثاً، حسب ترقيم محيي الدين عبدالحميد، انفرد أبو داود عن بقية التسعة بتخريج (682) حديثاً، ليس فيها حديثٌ صحيح واحد!

فما الذي ألين له، مما لم يُلَن؟ (الكلام بالمعنى من الذاكرة).

والحقُّ الذي يجب أن يعرفَه كلُّ طالبِ علمٍ؛ أنّ كتب الحديثِ المشهورة (ما، حم، مي، خ، م، ق، د، ت، ن) وغيرها، لأصحابها مناهج في اختيارِ الروايات، ولكلّ واحدٍ منهم أهدافٌ من تأليف كتابه، ولكلِّ كتابٍ مزاياه، وعليه مؤاخذات!

بَذلوا قصارى جهودهم، وقدّموا أحسن ما لديهم، جزاهم الله تعالى عنّا خير الجزاء.

وبخصوص السؤال المطروح «هل في كتاب «السنن» لأبي داودَ أحاديثُ موقوفة» !؟

رأيتُ أن أشير إلى الروايات الموقوفة لدى كلّ كتابٍ من الكتب التسعةِ، حتى يَتحقّق كلّ قارئ أنّ في الصحيحين - فضلاً عن غيرهما - أحاديثَ موقوفة.

وأزيد: وأحاديث معلّقة، وأحاديث مقطوعة، وأحاديث مرسلة، وأحاديث منقطعة!

وإليك ما في كلّ كتابٍ من الكتب التسعة من الأحاديث الموقوفة، ويسميها المحدّثون «الآثار» وسأسميها أحاديثَ تماشياً مع السؤال:

الموطّأ للإمام مالك بن أنس الأصبحي رحمه الله تعالى (ت: 179 هـ):

عددُ الأحاديثِ الموقوفة فيه (599) حديثاً.

المسند الكبير للإمام أحمد بن محمد بن حنبل، رحمه الله تعالى (ت: 241 هـ):

عددُ الأحاديثِ الموقوفة فيه (313) حديثاً.

كتاب السنن للإمام عبدالله بن عبدالرحمن الدارمي، رحمه الله تعالى (ت: 255 هـ).

عددُ الأحاديثِ الموقوفة فيه (571) حديثاً.

الجامع الصحيح المسند المختصر للإمام محمد بن إسماعيل البخاريّ رحمه الله تعالى (ت: 256 هـ) عددُ الأحاديثِ الموقوفة فيه (461) حديثاً.

المسند الصحيح المختصر، للإمام مسلم بن الحجّاج القُشيريّ، رحمه الله تعالى (ت: 261 هـ) عددُ الأحاديثِ الموقوفة فيه (87) حديثاً.

كتاب السنن للإمام محمّد بن يزيد القزوينيّ المشهور بابن ماجهْ، رحمه الله تعالى (ت: 273 هـ) عددُ الأحاديثِ الموقوفة فيه (82) حديثاً.

كتاب السنن للإمام أبي داود سليمانَ بن الأشعثِ السجستانيّ، رحمه الله تعالى (ت: 275 هـ) عددُ الأحاديثِ الموقوفة فيه (163) حديثاً.

كتاب الجامع الكبير المختصر، للإمام أبي عيسى محمد بن عيسى الترمذيّ، رحمه الله تعالى (ت: 277 هـ) عددُ الأحاديثِ الموقوفة فيه (84) حديثاً.

كتاب السنن المجتبى للإمام أحمد بن شعيب النسائيّ، رحمه الله تعالى (ت: 303 هـ).

عددُ الأحاديثِ الموقوفة فيه (214) حديثاً.

فيكون عددُ الأحاديثِ الموقوفةِ في الكتب التسعة مجتمعة (2574) حديثاً، هي مفيدةٌ في التعرّفِ إلى تاريخ الصحابةِ رضي الله عنهم لكنها لا تدخل في التشريع في نظري.

وزيادةً في الفائدة أقول:

عددُ الأحاديثِ المقطوعة على التابعين في الكتب التسعة (1242) حديثاً.

وعددُ الأحاديثِ المرسلة في الكتب التسعة (756) حديثاً.

وعددُ الأحاديثِ المنقطعة في الكتب التسعة (1521) حديثاً.

وعددُ الأحاديثِ المعلّقة في الكتب التسعة (5540) حديثاً، منها عند البخاريّ وحده (3570) روايةً معلّقة!

وهذه الأحاديثُ كلّها لا تدخل في التشريع!

أمّا ساحةُ عللِ الحديثِ؛ فهي فيما انفرد به كلّ واحدٍ من هؤلاء الأئمّة.

ومن النادرِ أن يخلوَ حديثٌ انفرد به أحدهم، مِن علّةٍ أو أكثر!

فما انفرد به الإمام مالك عن بقية التسعة (883) حديثاً.

وما انفرد به الإمام أحمد عن بقية التسعة (4789) حديثاً مكرّراً.

وما انفرد به الإمام الدارميّ عن بقية التسعة (1404) حديثاً.

وما انفرد به الإمام البخاريّ عن بقية التسعة (206) أحاديثَ غير مكرّرة.

وما انفرد به الإمام مسلمٌ عن بقية التسعة (77) حديثاً غير مكررة.

وما انفرد به الإمام ابن ماجه عن بقية التسعة (897) حديثاً.

وما انفرد به الإمام أبو داود عن بقية التسعة (682) حديثاً.

وما انفرد به الإمام الترمذيّ عن بقية التسعة (577) حديثاً.

وما انفرد به الإمام النسائيّ عن بقية التسعة (525) حديثاً

فيكون بين أيدينا عشرةُ آلافِ حديثٍ مَلأى إلى مشاشها بالعلل!

ولها فوائدُ عديدةٌ من دون شكٍّ، أبرزها أنّها ساحة واسعةٌ جدّاً لتعلّم نقدِ الحديثِ، الذي لا يحسنه إلّا أفرادٌ في كلّ جيلٍ من أجيالِ المسلمين.

ختاماً: ذكرتُ في منشوراتٍ سابقةٍ تعريفاً عامّاً بكلّ كتابٍ من هذه الكتبِ، تحت عنوان «علومُ الحديث للمبتدئين» يَسعُ كلَّ صديقٍ أن يرجع إليها، فهي مبذولةٌ على الإنترنيت.

والحمد لله على كلّ حال.

الثلاثاء، 20 مايو 2025

        التَصوّفُ العليمُ:

جامعُ أخلاقِ التَصوّف !؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَسَلامٌ عَلَى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطفَى).

أمّا بعد: كتب إليّ يقول: ذاتَ يومٍ طلبتُ منك أنْ تُرشدني إلى كتابٍ يتحدّث عن الأخلاق الإسلامية، فأرشدتني إلى كتاب «دستور الأخلاق في القرآن» للدكتور محمد بن عبدالله دراز المصريّ (ت: 1377 هـ) وكتاب «الأخلاق الإسلاميّة» للشيخ عبدالرحمن بن حسن حبنّكة الميداني (ت: 1425 هـ).

وقلتَ لي: إنّ هذين أفضل كتابين قرأتَهما في «الأخلاق» وهما كافيان!

بيد أنّني عندما تعرّفت إلى الكتابين؛ وجدتُ صفحاتهما تقرُبُ، أو تزيدُ على (2000) صفحة، وأنا طالبُ علم صوفيّ صغير، يكفيني أنْ أقرأ صفحةً أو صفحتين في الأخلاق الحميدةِ!

وأنت تدري أنّ للصوفيِّ أورادَه ورواتبَه الثابتةَ، التي لا يستطيع تركَها يوماً واحداً، فمن أين يأتي بالوقتِ ليقرأ ويفهم (2000) صفحة؟!

أقول وبالله التوفيق:

كان عددٌ من شيوخي، ومنهم سيّدي «محمد الحافظ التجاني» رضي الله عنهم يقولون لي ما معناه: «لا تَجْبَه الفقيرَ «الصوفيَّ» بالعِلم؛ فغالبُ الصوفية لا صبرَ لهم عليه، إنّما قابلْهم بما يرقّق القلبَ، ويُدمع العينَ، ويحبّبهم بالله تعالى وبرسولِه صلّى الله عليه وآله وسلّم!

العلمُ الشرعيُّ ثقيلٌ، يحتاجُ إلى صبرٍ وحِلمٍ ووقتٍ طويل، ولهذا أهلُه، وهم قليلون في كلِّ عصرٍ ومصر» انتهى!

قال الله تبارك وتعالى: (خُذِ الْعَفْوَ، وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ، وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ).

وقد رُوي عن الرسولِ صلّى الله عليه وآله وسلم حديثٌ ضعيفُ الإسنادِ، جميل المتن، يشرح هذه الآيةَ الكريمة.

فعن عقبةَ بن عامرٍ الجُهنيّ الصحابيّ قال: قُلْتُ يَا رَسُولَ الله: مَا نَجَاةُ هَذَا الْأَمْرِ؟

فَقَالَ لِي: (يَا عُقْبَةُ بْنَ عَامِرٍ: صِلْ مَنْ قَطَعَكَ، وَأَعْطِ مَنْ حَرَمَكَ، وَاعْفُ عَمَّنْ ظَلَمَكَ) قَالَ عقبةُ: ثُمَّ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِي:

(يَا عُقْبَةُ بْنَ عَامِرٍ: (أَمْلِكْ لِسَانَكَ، وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ) أخرجه الإمام أحمد في موضعين من مسنده.

قال الراغب الأصبهاني في كتابه «الذريعة إلى مكارم الشريعة» (ص: 96):

- «العَفوُ عمّن ظلمك؛ نهايةُ الحِلْم والشجاعةِ.

- وإعطاءُ من حرمكَ؛ نهايةُ الجُود.

- ووصلُ مَن قَطعك؛ نهايةُ الإحسانِ، و اللهُ أعلم».

قال الفقير عداب: كتاب الذريعة هذا - على وجازته - من أرقى كتب الأخلاق، وأنا أوصي به إخواني القرّاء!

وفي شرحِ نحوِ متن هذا الحديث؛ قال العلّامةُ المناوي في كتابه «فيضُ القدير» (2: 45): «قال بعضُهم: مَن قابلَ الإساءةَ بالإحسانِ؛ فهو أكملُ أفرادِ بني الإنسانِ، وهو المُستحِقُّ لقَصْرِ وَصفِ «الإنسانيّةِ» عليه حقيقةً، أو ادّعاءاً ومُبالغةً!

ومِن ثمراتِ هذا الخُلُق؛ صَيرورةُ العَدوِّ خَليلاً، أو صَيرورتُه قَتيلاً وتَنْتَكِلُ به سهامُ القدرةِ الإلهيّةِ تنكيلاً!

قال حُجّة الإسلام الغزالي: «رأيتُ في الإنجيل، قال عيسى عليه السلام: (لقد قيل لكم مِن قَبْلُ: إنّ السِنّ بالسِنِّ، والأنفَ بالأنفِ والأُذنَ بالأذُنِ!

والآن أقول لكم: لا تُقابلوا الشَرّ بالشَرِّ، بل: مَن ضَرَبَ خَدّكَ الأيمنَ؛ فحَوّل إليه الأيْسَرَ، ومَن أخذَ رِداءَك؛ فأعْطِه إزارَك) ونحوُ هذا اللفظ في إنجيل متّى - الإصحاح الخامس (38 - 40).

قال الفقير عداب: لا ريبَ أنّه لا يَقدرُ على هذه الأخلاقِ سوى بعضِ الربانيين!

قال العلامة المُناويّ في الكتاب نفسه (3: 386): «حاولَ بَعضُهم جمعَ الأخلاقَ الحَسنةِ، فقال: الإحسانُ والإخلاصُ والإيثارُ واتّباعُ السُنّةِ والاستقامةُ والاقتصادُ في العِبادةِ والمَعيشةِ، والاشتغالُ بعُيوبِ النَفسِ عَن عُيوبِ الناسِ، والإنصافُ وفِعْلُ الرُخَصِ أحياناً والاعتقادُ مع التَسليمِ، والافْتِقارُ الاختياريُّ والإنفاقُ بغيرِ تَقتيرٍ وإنفاقُ المالِ لصيانةِ العَرضِ، والأمرُ بالمعروفِ، وتَجنُّبِ الشُبهةِ واتّقاءُ ما لا بأسَ بهِ لما بِه بأسٌ، وإصلاحُ ذاتِ البَينِ، وإماطةُ الأذى عن الطريقِ، والاستشارةُ والاستخارةُ والأدبُ والاحترامُ وإجلالُ أفاضلِ البَشَرِ والأَزمنةِ والأمكنةِ، وإدخالُ السرور على المُؤمنِ، والاسترشادُ والإرشادُ بتربيةٍ وتَعليمٍ، وإفشاءُ السلامِ والابتداءُ بهِ، وإكرامُ الجارِ وإجابةُ السائلِ والإعطاءُ قبلَ السُؤالِ واستكثارُ قَليلِ الخَيرِ مِن الغَيرِ، واستصغارُ عَظيمهِ مِن نَفسهِ،وبَذلُ الجاهِ والجُهدِ،والبِشرُ والبَشاشَةُ والتَواضعُ والتوبةُ والتَعاونُ على البِرِّ والتَقوى،والتُؤَدَةُ والتَأنّي وتَدبيرُ المَنزلِ المَعيشةِ،والتَفكُّرُ والتَكبُّرُ على المُتَكَبِّرِ،وتَنزيلُ الناسِ مَنازلهم،وتَقديمُ الأهمِّ،والتَصبّرُ والتَغافُلُ عَن زَلَلِ الناسِ، وتَحَمّلُ الأذَى والتَهنئَةُ والتَسليمُ لمجاري القَدَرِ، وتَرْكُ الأذَى وبِطانَةِ السوءِ ومُعاداةِ الرجالِ والتَكلُّفِ والمِراءِ والتَحْميضُ لدَفعِ المَلالَةِ، والتَحدُّثُ بالنِعمةِ والتَكثيرُ مِن الإخوانِ والأعوانِ، وتَجمُّلُ الملبسِ والتَسميةُ باسمٍ حَسَنٍ، مع تَغييرِ اللَقَبِ القَبيحِ، والتَوسعةُ على العِيالِ، وتَجَنُّبُ مَواقِعِ التُهَمِ ومَواضعِ الظُلْمِ والكلامِ المَنهيِّ عنه، والتَعَرُّف باللهِ، والتَطبّبُ بالطِبّ النَبويِّ والثباتُ في الأمورِ، والثَقةُ باللهِ وجِهادُ النَفسِ، وجَلْبُ المصالحِ والحُبُّ في اللهِ والبُغضُ في اللهِ، والحِلْمُ والحَياءُ وحِفظُ الأمانةِ والعَهدِ والعِرضِ، وحُسنُ الصَمتِ، والتَفهيمُ والتَعَقُّلُ في المَقالِ، والسَمْتُ والظَنُّ الحسنُ والحَزمُ وطَلبُ المَعيشةِ والمُعاشرةُ والحَميّةُ وخِدمةُ الصلحاءِ والفقراءِ والعلماءِ والإخوانِ والضَيفِ، والخشوعُ وخَوفُ اللهِ، وخِداعُ الكُفّارِ ودَرءُ المَفاسدِ ودوامُ التَفَكُّرِ والاعتبارِ والدَأَبُ في طَلبِ العِلمِ والذِلّةُ للهِ والرِفْقُ في المُعايَشةِ ورحمةُ الصِغارِ والمساكينِ واليَتيمِ والحيوانِ والمريضِ، والرِضا بالدّونِ مِن المجالسِ والرجاءُ والرِقّةُ للمتأَذّي، والزهدُ والسخاءُ والسماحُ والسلامُ عند اللقاءِ حتى على مَن لا تَعرفُه والشجاعةُ والشهامةُ والشفاعةُ والشكرُ والصَبرُ والصِدقُ والصُلحُ والصداقةُ والصُحبةُ وصِلَةُ الرَحمِ والصَمتُ والصومُ وضَبطُ النَفسِ عن النُفْرةِ، وطهارةُ الباطن والعِفّةُ والعَدلُ والعَفوُ والعُزلةُ وعُلوُّ الهِمّةِ والغَضبُ للهِ والغَيرةُ الحَميدَة للهِ والغِبطَةُ والفَزعُ إلى الصلاةِ عندَ الشَدائدِ والفِراسةُ وفِعْلُ ما لا بُدَّ منه، والقيامُ بحقِّ الحقِّ في الخَلقِ، وقبولُ الحَقِّ وقولُه وإنْ كانَ مُرّاً، والقَناعةُ وقَضاءُ حوائجِ الناسِ وكظمُ الغَيظِ وكفالةُ اليَتيمِ ولقاءُ القادِمِ ولزومُ الطَهارةِ والتَهَجُّدُ والصلواتُ المأثورةُ والفَوائدُ الجميلةُ والمُداراةُ والمُخاطبةُ بلِينٍ ومحاسبةُ النَفسِ ومخالفَتُها والمُعاشرةُ بالمعروفِ، ومَعرفةُ الحقّ لأهلِه ولِمَن عَرّفه ذلك ومَحبّةُ أهلِ البَيتِ والمكافأةُ والمِزاحُ القَليلُ والعَدلُ والنَهيُ عن المُنْكَرِ والنُصْحُ والنَزاهةُ والوَرعُ وهَضْمُ النَفسِ، واليَقينُ، ونحوُ ذلك» انتهى من فيض القدير.

ختاماً: ليس لي في هذا المنشورِ، سوى تقطيعِه وضبطِ كلماته، تخفيفاً عن بعضِ إخواني القرّاء، وأرجو من جميع إخواني الدعاءَ بالعافيةِ وحسن الختام.

والحمد لله على كلِّ حال.

الجمعة، 16 مايو 2025

  مَسائِلُ مِن التَفسيرِ وعُلومِ القرآن:

مقدّماتٌ ممهّدات للتفسيرِ التعليميِّ:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله]الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ[[العلق: 4- 5].

وأفضل الصلاةِ والسلام على من خاطبه ربه تعالى بقوله: ]وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ[[النحل: 44].

أمّا بعد: يحسنُ التذكير ببعضُ الأمور المهمّةِ، حتى لا يَستدرك عليُّ بعضُ أهلِ الاختصاص من القرّاءِ الكرام.

أوّلاً: يذهبُ بعضُ علماءِ التفسيرِ وعلومِ القرآن، إلى أنّ علومَ النحوِ والصرف والبلاغة والبيان والوضع والنحتِ والاشتقاقِ، والنسخ والتخصيصِ، والمبهمات والأمثال وأسرار التكرار، وأسباب النزول، وإعجاز القرآن، ونحوها؛ ليست من علومِ القرآن، وليست من علوم التفسير!

وطبيعةُ هذا المنشورِ الثقافيّةُ - غيرُ التخصصية - لا تحتمل مناقشةَ هذا الكلامِ تأييداً أو رفضاً، إنّما الذي أقوله: جميعُ هذه العلومِ، ومعها أصول الفقه، والفقه المقارن، وعلمُ الفلك، وعلم الطبّ... جميعُها تُعينُ المفسّر على استجلاءِ معاني ومباني كلام اللهِ عزّ وجلَّ.

ثانياً: بعد كتابتي أكثرَ من (1000) صفحة في الناسخ والمنسوخ؛ فلم يعد أحدٌ في حاجةٍ إلى هذا العلم كلّه.

وإذْ ليس في القرآن الكريم ناسخ ولا منسوخٌ بالمعنى الأصوليّ؛ فلم يعد بالتفسيرِ حاجةٌ إلى معرفةِ مكيّةِ السورةِ ومدنيّتها، إنّما يحتاجُه من يؤمن بنظريّة (التدرّج) في التربية والإعداد والبناء.

ثالثاً: معرفةُ المحكم والمتشابه، من أهمّ ما يتعيّنُ على المفسّر معرفته، وإذْ قد اختلفَ العلماءُ كثيراً في معنى المحكم والمتشابه؛ فالذي أذهب إليه؛ أنّ دلالةَ النصِّ على المرادِ، إنْ كانت نصّاً أو ظاهراً، حسب المصطلحات الأصوليّة؛ فتكون الآيةُ أو الكلمةُ في الآيةِ محكمةً.

وإنْ احتملت الآيةُ أو الكلمةُ معانيَ متعدّدةً؛ فهي من المتشابه.

والمتشابه عند الفقير عداب ثلاثة فصول: [وأعني بالفصلِ هنا: قطعةٌ من الباب مستقلة بنفسها، منفصلةٌ عما سواها].

الفصل الأوّل: ما لا يُدرك حقيقة معناه وذاته، وهو كلُّ ما يتّصل بالوجودِ الحقِّ (اللهِ) تبارك وتعالى.

فمهما حاولنا التعرّفَ إلى ماهيّةِ الذات الإلهيّة وكنهها، انطلاقاً من الأسماء والصفاتِ التي رضي الله تعالى أن يُسمّى، أو يوصف بها؛ وجدنا قول الله تعالى (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ (1) اللهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4) [سورة الإخلاص].

وقوله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)  [سورة الشورى].

وقوله تعالى: (ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ، لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102) لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ، وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ، وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103) [سورة الأنعام].

الفصلُ الثاني: ردّ المتشابه إلى المحكم، وهذا كثيرٌ في القرآن الكريم، وهو ممكن غير عسير.

مثال ذلك: إضافة الوَجهِ إلى الله تعالى.

فقد أضيفت كلمة (وجه) إلى الله تعالى في القرآن الكريم، على أنحاء:

(أ) وجه الله:

(فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ).

(وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللهِ )

(ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ).

(وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ، فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ).

(إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ، لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا).

(ب) وجه ربّ:

(وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ).

(إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى).

(كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ. وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ).

كلّ عربيٍّ يعرفُ لغتَه نحواً وصرفاً وبلاغةً؛ يفهم أنّ كلمةَ (وجه) في جميع هذه الآياتِ، لا يُرادُ منها صورةٌ بكيفٍ أم بدون كيف!  

إنّما يفهم من جميعِها (ثوابَ الله تعالى ورضاه) وما تتضمنه هاتان الكلمتان من مَعاني العَفوِ والقُربِ والحبِّ!  

ما عدا الآيةَ الأخيرة (وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ) فالمراد منها أنّ الله تبارك وتعالى وحده الحيّ القيوم الباقي، الذي لا يفنى!

والذين يقولون بأنّ (وجه الله) صفةٌ ذاتيّة له؛ مجانين حقّاً، والذين ينفون المجاز والكنايةَ في عصرنا هذا؛ هم أغبى شريحةٍ في هذه الأمة.

إذا كان وجه الله تعالى صفةً ذاتيّة حقيقيّة له، وهو وحده الباقي؛ فأنت بين خيارين:

إمّا أنّ الذاتَ الإلهيّة وجه وحسب!

وإمّا أن تؤوّل، والتأويل لا يكون إلّا بردّ المتشابه إلى المحكم!

وهكذا يكون ردُّ المتشابه (وجه) إلى المحكم (ليس كمثله شيءٌ).

ومهما قال السلفُ والخلفُ من (وجه لا كوجوهنا) و(وجه بلا كيف) و(ووجه يليق به تعالى) فلا بدّ من التشبيه تصوّراً وخيالاً، والسلفُ أجمعون ليس كلامهم حجّة!

إذْ دلالةُ كلمةِ (الوجه) إذا حُملت على حقيقتها، في جميع لغاتِ العالمِ؛ فليس لها سوى معنى واحدٍ، لدى الإنسان والحيوان والطائر والزاحف والسابح!

الفصل الثالث: ترجيحُ أحد المعاني من استنطاقِ السياقِ والسباق، فإنّ الكلمة القرآنية قد تدلُّ على معنى واحدٍ، في أيّ موضع جاءت في القرآن الكريم، مثل (الله - محمد - نوح - عيسى - القرآن - التوراة - الزبور) وقد تدلّ على معانٍ متعددة، مثل (الإيمان - الإسلام  -  الإحسان - الزكاة - الإنفاق) والسياق والسباق، ووحدةُ النظم القرآني؛ ترشد المفسّر إلى مرادِ الله تعالى، من هذه الكلمة هنا، ومراده منها هناك.

رابعاً: الأصلُ في التفسيرِ عند الفقير عداب؛ حملُ المعنى على حقيقةِ دلالته اللغوية، إذْ هو الأصل في جميع لغاتِ العالم، إلّا إذا تعذّر حملُ الكلمة على ظاهرها، لما تقدّم وغيرِه.

وليس حملُ الكلمة على معناها الظاهر؛ يعني ما يفهمه عوامُّ زماننا، إنّما حملُها على المعاني التي كان يفهمها ويتداولها العربُ قول عصر التوليد!

فنحن لا نعرف من العربيّة سوى الإطار العامّ، أمّا حقيقة اللغة العربيّة، وذوقها، وفقهها؛ فالمخاطبون بها، والذين يفهمونها حقَّ الفهم في زماننا مثلاً؛ هم أمثال: مصطفى الرافعيّ وعبّاس العقّادِ والزيّات وسيّد قطب.

فمَنْ ظنّ من العوامِّ أنّ ما يعرفه هو من اللغةِ؛ هو اللغةُ التي نزل عليها القرآن الكريم، وبلغته يُفَهم كلُّه؛ فقد ظنّ باطلاً!

ولو ذهب مثل هذا الجاهلِ إلى واحدٍ من كتب أمير البيان الرافعي، وقرأ له صفحاتٍ في كتاب «وحي القلم» أو «أوراق الورد» أو حتى «إعجاز القرآن» لعرفَ حقَّ المعرفةِ صدقَ ما أقول!

ولا أدلّ على ذلك من أنّ الإمامَ أبا منصور الأزهريّ الهرويّ (ت: 370 هـ) كتب كتاباً يقع في (300) صفحةٍ، سمّاه «الزاهر في غريبِ ألفاظِ الشافعيّ» (ت: 204 هـ) رحمهما الله تعالى.

وأنّ الإمامَ أبا العبّاس الفيّومي (ت: 770 هـ) كتب كتابا ضخماً يقع في (754) صفحةً، سمّاه «المصباح المنير في غريبِ الشرحِ الكبير».

والشرح الكبيرُ عنوانه «فتحُ العزيز بشرح الوجيز» لإمام الشافعيّة في عصره عبدالكريم بن محمّد القَزوينيّ (ت: 623 هـ).

والوجيز المقصود هنا: هو «الوجيز في فقه الإمام الشافعيّ» للإمام أبي حامد الغزالي محمد بن محمد (ت: 505 هـ) رحمهم الله تعالى.

أمّا التفسير الإشاريّ، والتفسيرُ الباطنيّ؛ فليس لهما في تفسيري الذي أقدّمه للناس أيُّ مكانٍ، إذْ التفسير الأوّل يقوم على رؤىً قلبيّةٍ أو ذوقيّةٍ، لا أرى صحّةَ تصديرها للناسِ، على أنها تفسيرٌ لكلام الله تعالى.

وأمّا الثاني «الباطني» فله أسسٌ وقواعدُ فلسفيّةٌ وتأويليّةٌ تحكّميةٌ، لا يمكن أن تكون ديناً بحالٍ من الأحوال!

وقد طالعتُ مؤخّراً كتابَ «أساس التأويلِ» للنعمان بن حَيّون المغربيّ الإسماعيليّ (ت: 363 هـ) وهو من أوّله إلى آخره تأويلٌ لآياتٍ منتقاةٍ من كتاب الله تعالى، بينها وبين لغةِ العربِ أحياناً أوهى من خيط العنكبوت!

خذ على ذلك مثالاً أخي القارئ الكريم:

قال الله تعالى: (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها، وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى، وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا (189) [سورة البقرة].

قال النعمانُ الباطنيُّ في أساس التأويل (ص: 268) في تأويل هذه الآية ما نصّه: «محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم أفضلُ البُيوتِ، وبابُه عليٌّ أفضل الأبواب، الذي مَن دخله كان آمناً.

قال الله عزّ وجلَّ (بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ، وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ (13) [سورة الحديد].

وكلُّ من خالفَ دعوةَ الأساسِ الباطنةَ، وأقامَ على الظاهرِ بغير الباطنِ؛ فهو في ظاهر العذاب.

وعليٌّ صلوات الله عليه؛ أفضل بابِ حدودِ اللهِ، الذين هم النطقاءُ، وحكمةُ الله محفوظة مكنونةٌ في بيوته، وأفضلُ بيوته محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم، وأفضلُ أبواب بيوته هو أساسه، فأخبرَ العالمَ بمضمراتِ القلوبِ، وهو المُخبِرُ عن محجوبات الغيوب؛ أنّ ما حجبه عن الفراعنة؛ لا يصلون إليه، ولا يعلمونه» انتهى بتمامه!

وهذا الكلامُ من أوّله إلى آخره؛ لم يفسّر الآيةَ أصلاً، وصلتُه بمعناها واهية!

وليس بنا حاجةٌ كبيرةٌ إلى المقدّماتِ، فالتفسير الواقعيُّ يوضح منهجنا في التفسير الواضح لغير المختصّين، من أقربِ طريقٍ.

والله تعالى أعلم.

والحمد لله ربّ العالمين.