مَسائلُ حديثيةٌ:
بين الذهبي وابن حجر في
الميزان!؟
بسم الله الرحمن الرحيم
ذكرت في منشور سابق أن الإمام
الذهبي، حاول أن يجمع الرواة الضعفاء، من كتب الرجال العامة المعروفة، من مثل:
التاريخ لابن معين، برواياته
العديدة.
التاريخ الكبير للبخاري.
الجرح والتعديل لابن أبي حاتم.
التاريخ الكبير لابن ابي
خيثمة.
وغيرها كثير.
ومن كتب الضعفاء الخاصة، من أمثال:
كتاب الضعفاء للبخاري.
كتاب الضعفاء لأبي زرعة
الرازي.
كتاب الضعفاء والمتروكين
للنسائي
كتاب الضعفاء الكبير للعقيلي.
كتاب المجروحين من المحدثين
لابن حبان.
كتاب الكامل في ضعفاء الرجال
لابن عدي.
وغيرها من كتب الضعفاء
الكثيرة.
أراد أن يجمع في كتابه «ميزان
الاعتدال» أسماء الرواة الضعفاء، وما يتعلق بهم من ترجمةٍ معرفية، وأبرزِ أقوال
علماء الجرح والتعديل فيهم، وأخصِّ أسباب تضعيفهم، ونماذج من مروياتهم المنكرة.
مع الاختصار والتلخيص
والمقاربة بين أقوال النقاد في الراوي الواحد.
قال رحمه الله تعالى في خطبة
كتابه «ميزان الاعتدال في نقد الرجل» (ص: 46):
« وقد احتوى كتابي هذا:
(1)على
ذكر الكذّابين الوضّاعين المتَعمّدين، قاتلهم الله.
(2)
وعلى الكاذبين في أنّهم سمعوا، ولم يكونوا سمعوا.
(3)
ثم على المتّهمين بالوضع أو بالتَزوير.
(4)
ثم على الكذّابين في لهجتِهم، لا في الحديث النبوي.
(5)
ثم على المتروكين الهَلْكى، الذين كثُر خطؤهم، وتُرِك حديثُهم، ولم يُعتمَدْ على
روايتهم.
(6)
ثم على الحفّاظ الذين في دينهم رقّة، وفي عدالتهم وَهْن.
(7)
ثم على المحدّثين الضعفاءِ، من قِبَلِ حِفظهم، لهم أغلاطٌ وأوهام، ولم يُترَكْ
حديثُهم، بل يُقبل ما رَوَوْه في الشواهد والاعتبارِ بهم، لا في «أصول الدين» والحلال
والحرام.
(8)
ثم على المحدّثين الصادقين، أو الشيوخِ المستورينَ، الذين فيهم لِينٌ، ولم يبلغوا
رُتبةَ الإثبات المتقنين.
(9)
ثم على خَلقٍ كثيرٍ من المجهولين، ممّن يَنصّ أبو حاتم الرازي على أنه مجهول، أو يَقول
غيره: لا يُعرَفُ، أو فيه جَهالةٌ أو يُجَهَّل، أو نحو ذلك من العباراتِ، التي تدل
على عدم شهرة الشيخ بالصدق، إذ المجهولُ غيرُ مُحتجٍّ به.
(10)
ثمّ على الثِقات الأثبات الذين فيهم بدعة، أو الثقاتِ الذين تَكَلّم فيهم مِن لا يُلتَفَت
إلى كلامه في ذلك الثقة، لكونه تَعنَّت فيه، وخالفَ الجمهورَ من أُولي النَقدِ
والتحرير، فإنّا لا ندّعي العِصمةَ من السهو والخطأ في الاجتهادِ، في غير الأنبياء».
والضعفاء والمجروحون الذين ترجم لهم الذهبيّ في كتابه هذا؛
فيهم عددٌ كبيرٌ من رواة الصحيحين، وعددٌ أكبر من رواة السنن، وعدد كبيرٌ ممن ليس
لهم رواية في الكتب الستّة!
قال الذهبيّ رحمه الله تعالى في خطبة ميزانه (ص: 46): «استخرت اللهَ
عزّ وجَلَّ في عَمَلِ هذا المصنّف، ورتّبته على حروف المعجمِ، حتى في الآباءِ،
ليَقرُبَ تَناوُله.
ورمزت
على اسم الرجل مَن أخرج له في كتابه من الأئمّةِ الستة: «البخاري، ومسلم، وأبي
داود، والنسائيّ، والترمذي، وابن ماجه» برموزهم السائرة، فإن اجتمعوا على إخراج
رجلٍ؛ فالرمز (ع) وإن اتفق عليه أرباب السنن الأربعة «دون الصحيحين» فالرمز (عو)».
فماذا صنع الحافظ ابن حجر؟
للحافظ ابن حجرٍ كتابان ذوا صلةٍ بالميزان:
أحدهما: تهذيبُ تهذيب الكمال، ويعرف اختصاراً «تهذيب
التهذيب».
هذا الكتاب يختصّ برواة أصحاب الكتب الستة في مصنّفاتهم
الحديثية.
أودع في هذا الكتابِ خلاصةَ أقوال الذهبيّ في الميزان، وزاد
عليه من لدنه كلاماً علميّاً كثيراً، وهذا شأن العالم المتأخّر، يفيدُ من جهود من
سبقه من العلماء، وينبّه على أخطائهم، ويزيد على ما عندهم ما يقدر عليه.
وهذا الكتابُ مطبوع طبعاتٍ عديدةً، ومحقّق تحقيقات عديدةً
أيضاً، ويعرفه طلّاب العلم.
والكتاب الثاني: لسان الميزان، ويختصّ هذا الكتابُ بجمع
الرواة الضعفاء، ممّن لم يخرّج لهم أصحاب الكتب الستّة في مصنّفاتهم.
ومنهج الحافظ ابن حجر في هذا الكتاب؛ أخصّ من منهجه في كتاب
«التهذيب» فإنّه اقتصر فيه على ترجمة الضعفاء من الرواة الذين ليسوا في تهذيب الكمال،
ونقل عبارة الذهبيّ بتمامها غالباً، ثم زاد عليه إضافاتٍ حديثية نقديّة، إن وجد
شيئاً من ذلك، ويتعقّبه ويصوّب له ما وقع فيه من أخطاء، من وجهة نظره.
وهذا الكتابُ مطبوع طبعاتٍ عديدةً، ومحقّق تحقيقات عديدةً
أيضاً، وأفضل طبعاته، تلك التي حقّقها شيخنا عبدالفتّاح أبو غُدّة، رحمه الله
تعالى، وراجعها ولده الدكتور سلمان. والكتاب معروف لدى طلّاب العلم طلّاب العلم.
هذه التعقّباتُ التي سطرها الحافظ ابن حجر على الإمام
الذهبيّ في كتاب اللسان؛ قام باحثٌ جادّ، فتتبّعها وجمعها، وأخرجها لنا في بحثٍ
علميّ ماتع محكّم، كان «أطروحته» للحصول على درجة الدكتوراه.
عنوان الكتاب (تعقّباتُ الحافظ ابنِ حجرٍ في اللسان على
الإمام الذهبيّ في الميزان).
والباحث هو الدكتور السيّد عمر بن حسن بن محمّد الحسينيّ
الصُمَيدعيّ.
صدرت طبعةُ هذا الكتابِ الأولى، عن دار الفتح للدراسات
والنشر في الأردنّ، عام (2021).
وكانت جملة الكتاب (415) صفحة من القطع المتوسّط (17× 24)
منها (43) صفحةً من الفهارس المفيدة (372 - 415).
وفي خاتمة الكتاب (ص: 369 - 372) إحصائيّات جميلةٌ فصّلت
أعداد تعقّبات ابن حجر على الذهبيّ، وأنواعها.
ولم يكتف الباحث الشريف بهذا الجمع والترتيبِ، إنّما قام
بدراسة ما بين يديه، وتعقّب الحافظين الذهبيّ وابن حجر، في جميع تلك التراجم،
فصوّبَ الذهبيَّ حيناً، وصوّب ابن حجر في أكثر الأحيان.
كتاب الشريف حاتم العوني، وكتاب الشريف الصميدعيّ؛ يحتاجان
إلى عددٍ من المقالاتِ التوضيحيّة، وبيانِ قيمتهما العلميّة، في ضوء قوله صلّى
الله عليه وآله وسلّم (وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض)!
أنا الفقيرُ أصفُ كتاباً بين يديّ، اطّلعت عليه، وأفدتُ منه،
بيد أنني لا أعرف مصنّفه، ولم أسمع باسمه قبل حصولي على هذا الكتابِ، من معرض
الكتاب في «استانبول».
جزاه الله تعالى على هذا الجهد المبارك خير الجزاء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق