السبت، 14 ديسمبر 2024

  بعيداً عن السياسة اللعينة:

مُشكلتك مع مَن؟!
بسم الله الرحمن الرحيم
كتب إلي يقول: (قرأت لك منشورات متعددة، تقول فيها: إنك لست سنيّاً، ولا شيعيّاً ولا إباضيّاً.
ومرّةً تقول بوضوح أكثرَ من هذا: إنك لست سنياً، ولا زيدياً ولا إسماعيلياً ولا إمامياً ولا إباضياً.
وقرأت لك عددا من المنشورات تقول فيها: أنا سني، وأنا شيعيٌّ بآن واحد.
وقرأت لك منشورا تقول فيه: «أنا شيعي حقاً»!
فما مذهبك أنت على الحقيقة، ومشكلتك مع من)؟!
أقول وبالله التوفيق:

أوّلاً: الفقير عداب ولد في الشهر الثاني من عام (1369 هـ) بدأت والدتُه الحافظةُ لكتاب الله جلّ وعزّ تعلّمه ما تعلمه من الدين، منذ بدأ ينطق!

فهو لم يمرّ عليه يومٌ من حياتِه التي يدركُها ويعقلها؛ لم يكن يطلبُ فيه العلم!

بيد أنّه لا يتذكّر أشياءَ قبل الرابعة من عمره.

وفي السنة السادسة من عمره، كان يحفظ جزءَ (عمّ يتساءلون) ويحفظ شعرَ الحكمةِ للإمام عليّ والإمام الشافعيّ، ويتقن الطهارة والوضوءَ والصلاةَ، وكان يصومُ شهرَ رمضانَ تامّاً، وبعده يصوم مع والدتِه ستّةَ أيّام البيض، متفرّقات!

ومنذ السنةِ الخامسة من عمره؛ كانت والدتُه أوكلت أمرَ تعليمه إلى الشيخ عارف النوشي، وكان بيته مقابلاً لبيتنا تماماً، وكان الشيخ عارف شيخَ كتّابٍ، يعلّم الناس بالأجرةِ، رحمه الله تعالى، وكان الشيخ عارف يعلمه التلاوةَ والعربية والحسابَ.

وفي الصفّ الرابع الابتدائيّ أضافت والدتُه لتعليمه شيخا آخر، هو الشيخ نايف النوشيّ، شقيق الشيخ عارف، كان يعلّمه الفقه الشافعيَّ والفقه الحنفيَّ والأخلاقَ والآداب، رحمه الله تعالى.

واستمرّ الفقير عداب يتلقى العلوم على أيدي العلماء إلى يومِ الناسِ هذا، وقد مضى من عمره سبعٌ وسبعون سنة هجريّة!

أوّلَ من أمسِ طلبتُ من شيخٍ، هو من جيلِ أوسط أولادي؛ أن يعلّمني علم الفلك، الذي لا أعرفه البتة!

هذا يعني أنني أطلب العلم أكثر من سبعين عاماً، في الحدّ الأدنى!

فهل طلبَ واحدٌ من أئمة الإسلامِ العلمَ أكثرَ من هذه السنوات الطويلة؟

ثانياً: من حقّ كلّ إنسانٍ أن يقول: ليس المهمّ كثرةَ سنواتِ التحصيلِ، إنما المهمُّ المؤهّلات العلمية.

وجوابُ ذلك أن أقول: عندما تهيّات لي ظروفٌ يسيرة جدّاً، وليست ملائمةً تمام الملاءمة المعيشيّة؛ تخرّجت بمرحلة البكالوريوس في جامعة أمّ القرى المباركة بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى.

وأكثر المسابقات التي كانت الجامعة تجريها؛ كنتُ الفائز الأوّل بفروعها!

«القرآن الكريم، الخطابة، الشعر، البحث العلميّ، القراءة الحرّة» إلخ.

وحصلت على درجتي الماجستير والدكتوراه بتقدير ممتاز أيضاً، وكتبت كتابةً - وليس تحقيقاً - في هاتين الدرجتين (5000) صفحة علميّة محكّمة، فهل كتب أيّ باحثٍ على وجه الأرض خمسة آلاف صفحة، في دراسته الجامعيّة؟

أنا لا أدري، لكنْ إن وُجدَ؛ فلا أظنهم يبلغون تسعةَ أفرادٍ، أنا عاشرهم!

ثالثاً: يقول أهل العلم: أصول الاجتهاد ثلاثة علوم:

(1) إتقان آيات الأحكام، حفظاً وتفسيراً وفقهاً.  

(2) إتقان أحاديث الأحكام، حفظاً ولغةً وفقهاً.

(3) إتقان أصول الفقه.

فهل الفقير عداب، لا يتقن هذه المتطلّبات اليسيرة، أو هو يتقن أضعافها مضاعفة؟

رابعاً: الفقير عداب مجازٌ بالمعقول والمنقول، من علماء كبارٍ، منهم الأستاذ الدكتور مصطفى إبراهيم الزلمي، ومجاز بالفتوى من علماء آخرين، منهم الشيخ محمد الحافظ التجاني.

خامساً: الفقير عداب أحدُ أفراد هذا العصر في «علم نقد الحديث» وقد كتب فيه وحقّقَ أكثرَ من عشرين ألف صفحة!

سادساً: الفقير عداب درسَ مذاهب أهل السنّة الاعتقاديّة كلّها «الأشعرية والماتريدية والسلفية والتيمية والوهابية، ومذهب ابن حزم»

ودرس المذاهب الفقهية الأربعةَ، ومذاهب ابن حزمٍ، وابن تيمية وابن القيّم.

ودرس المذهب الزيديّ، والمذهب الإماميّ، والمذهب الإباضيّ، عقائد وفروعاً.

ودرس المذاهب الإنسانية على مدار تاريخها في كتب كثيرة، منها قصّة الحضارة للكاتب «وول ديورانت» والموسوعة الفلسفية، ةالموسوعة الميسرة في المذاهب والأديان وغيرها كثير!  

فإذا لم يجزِ الاجتهادُ لمثلِه؛ فمن الذي يجوز له الاجتهادُ في عصرنا هذا؟

سابعاً: العالم الدينيّ يَعنيه من علومِه الحقُّ والصوابُ، والسياسيُّ يعنيه دوامُ ملكِه واستقرار مجتمعه، ولأنّه يملك القوّةَ التي تقهر العالم؛ فهو لا يقبل من العالم إلّا أن يخضع لأهدافِه ومصالحِه، وليس لدى أيّ حاكمٍ قديماً وحديثاً أيُّ حرجٍ في ضربِ وسجنِ وقتل أكبر عالم في بلاده، إذا لم يخضع لسلطانه، مع أنّ الأصل في الإسلامِ أن يكون العالم هو الحاكم!

ثامناً: عدابٌ من أهل العلم، وليس من أهل السياسة، ومذاهب الإسلام كلّها، من دون استثناء صنعتها في الماضي السياسة:

المذهب الحنفي صنعته السياسة!

المذهب المالكيّ صنعته السياسة!

المذهب الشافعيّ صنعته السياسة!

المذهب الحنبليّ صنعته السياسة!

والمذاهب غير السنيّة صنعتها السياسة أيضاً.

وما تزال السياسة تستخدم المذاهب، وما تزال المذاهب تستقوي بالسياسة!

تاسعاً: لا يخفى على مثقّف؛ أنّ الصراعات السياسية بين الدول؛ لم تتوقف منذ بدء التاريخ، وحتى اليوم!

فإذا اعتدى الشيعةُ على حدود الدولة العثمانية؛ كان مشايخ إسلامها جاهزينَ لإصدار الفتاوى بتكفير الشيعة واستحلال دمائهم!

وإذا أرادت الدولة العثمانية أن تتوسّع على حدود الدولة الشيعية في إيران؛ كان مراجع الشيعة جاهزين لإصدار الفتاوى بتكفير النواصبِ، واستحلال دمائهم، ونبش قبور مُعظّميهم!

ماذا يعني هذا للفقير عداب؟

عاشراً: الفقير عداب ينظر إلى جميعِ الدولِ نظرةً واحدةً، جميعها حكوماتٌ متغلّبة غير شرعيّة، يستوي في ذلك الإمبراطوريّة الأموية، والعباسية، والسلجوقية، والأيوبية والمملوكية والعثمانية، وجميع الممالك الشيعية: الزيدية والإمامية والإسماعيليّة، والإباضية كذلك!

وإذا كان لا يقدّس هذه الإمبراطوريّات، ولا يوقّر فتوحاتِها وحروبَها في سبيل توسيع المساحات التي تحكمها بقوة الحديد والنار؛ فطبيعيّ جدّاً أنْ لا يوقّر تلك المذاهبَ التي تقرّرت وتحرّرت واستقرّت - كما يقولون - تحت سلطانها!

الحادي عشر: إذا استثنيها المسائلَ التي كان للسياسة يدٌ في زرعها في كتب الفقه الإسلاميّ؛ فجميع فقهاء الإسلام الذين قرأت فقههم؛ يريدون نصرةَ الإسلامِ، ويريدون تعبيدَ الناسِ لله ربّ العالمين؛ وَفقَ مرادِ الله تعالى، في حدود فهومهم واجتهاداتهم!

يستوي في ذلك علماء أهل السنة بمذاهبهم، وعلماء الشيعة بمذاهبهم، وعلماء الإباضيّة!

وقد حضرت على شيخي مفتي سلطنة عمان في مسجد السلطان قابوس، بمدينة مسقط عام (2004م) طيلةَ وجودي هناكَ، فما سمعته قال كلمةً واحداً يشمُّ منها الخروج على الدين، أو الإضرار بوحدةِ المسلمين البتّة!

من وراء عمري الطويل (77) سنة، ومن وراء تواصلي مع علماء المذاهب الإسلامية، ما عدا الإسماعيليّة، فلم أجتمع بواحدٍ من صغارهم فضلاً عن كبارهم؛ غادَرَ عقلي وفكري وسلوكي الاعتقادُ بأنّ «أهل السنّة» هم أهلُ الحقّ، ومن سواهم أهل بدعة، أوضلال، أو كفر، وجانبني تماماً فكرةُ «التكفير الجماعي»: الشيعة الإمامية كفّار، الإسماعيلية كفار، النصيرية كفار، الدروز كفّار، واستقرّ لديّ أنّ جميع أتباع هذه المذاهب جهّال، يجب تعليمهم ودعوتهم والصبر عليهم، حتى يستطيعوا مجاوزَةَ «العقل الجمعي» في مجتمعاتهم!

الثاني عشر: لا يوجدْ دولةٌ على وجه الأرض اليوم، تحكم بالإسلام، لا من دول أهل السنّة، ولا من دول الشيعةِ، فإذا وُجدَتْ دولة تحكم بالإسلام؛ فيجب عليها وجوباً شرعيّاً حازماً؛ أن تنشئ مؤسّسة تدعى «مؤسسة حوار الأديان والمذاهب الوطنيّة» يعني الأديان والمذاهب الموجودة في بلدٍ مثل سوريّا مثلاً!

ويكون أعضاءُ هذه المؤسسة المؤسّسون؛ هم كبار علماء المسلمين والنصارى واليزيدية والدروز وغيرهم، إذا كان يوجد غيرهم.

وظيفةُ هذه المؤسسة الأولى؛ الوصولُ إلى الحقّ، وليس (بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ).

وأنا على يقينٍ بأنّ هذه المؤسّسة؛ سيطّلع أعضاؤها علماءُ سوريّا بطوائفها على حقائق الإسلامِ الصحيح، الذي لدى أهل السنّة أكثرُه بيقين!

فأنا الفقير عندما أقول: أنا سنّي؛ فأنا سنيٌّ حقّاً، أبواي سنيّان، وأجدادي كذلك!

وشيوخي من أهل السنة، وثقافتي سنيّة، ومؤلّفاتي الكثيرة سنيّة، فأنا لم أحتجَّ في كتبي كلّها بجملة واحدةً من كتب «الزيدية - الإمامية - الإسماعيليّة - الإباضيّة».

وعندما أقول: أنا شيعيٌّ؛ فأنا شيعيٌّ حقّاً أيضاً، حسبَ تصنيفِ أهل السنّة أجمعين!

- أهل السنّة يقولون: جميع الصحابة عدولٌ، وأنا أقول: في جيل الصحابة مَن ليس بعدلٍ!

- أهل السنّة يقولون: جميع الصحابة في الجنّةِ، وأنا أقول: في جيل الصحابة مَن سيدخل النار!

- أهل السنّة يقولون: أبو بكر اختير خليفةً بإجماعِ الصحابة، وأنا أقول: «كانت بيعة أبي بكر فلتةً وقى الله شرّها».

-أهل السنّة يقولون: أفضل الصحابة أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم عليّ، وأنا أقول:

ليس لدى أهل السنّة دليلٌ صحيح صريح على هذا الكلام، وأنا أجعل أهلَ البيتِ طرفاً في الصحابةِ، وأجعل بقيّة الصحابةِ طرفاً آخر، رضي الله عنهم وأرضاهم.

وأفضل الأمّة عندي: الرسولُ صلّى الله عليه وآله وسلّم، ثم الإمام عليّ ثمّ الحسن ثم الحسين ثم السيدة فاطمة، ثمّ السيدة خديجة، عليهم الصلاة والسلام.

وأرى ترتيبَ الأفضليّة على حسبِ الترتيبِ السياسيّ؛ خطأٌ سياسيٌّ هو الآخر!

أرجو أن يكون هذا بياناً واضحاً صريحاً، عن شخصية الفقير عدابٍ ومعتقداته في آخر عمره!

فإذا كان المجتهد يعذَر باجتهاده؛ فأنا أدّعي الاجتهادَ في هذه المسائلِ وغيرها، فاعذروني!

وإنْ كان لا يسعُ المجتهدَ الاجتهادُ خارجَ السور الطائفيّ القبيحِ عندي؛ فلأهل السنّة أن يصدروا عليّ الحكمَ الطائفيّ الذي يرون، وللشيعة أيضاً، وكذلك للإباضيّة.

هل عرفتم مشكلتي مع مَن؟

مشكلتي مع علماءِ الإسلامِ، الذين يدّعون امتلاكَ الحقِّ والحقيقةِ، وما هم إلّا مقلّدون، عابَ الله تعالى عليهم تقليدهم!

والله تعالى أعلم.

والحمد لله على كلّ حال.

 

 

 

 

       

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق