الجمعة، 20 أغسطس 2021

مَسائِلُ عَقَدِيّةٌ (6):

تحريمُ اتّخاذِ التماثيلِ!؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنَا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.

رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

استمعتُ إلى تقرير إخباريّ، حاورت فيه إحدى المذيعاتِ رجلاً من الكويت، حِيالَ إزالةِ ما يدعى  تمثال إلهة الحبّ، من أحد المحالات التجاريّة الكبيرة.

يبدو أنّ المذيعةَ، أو المطلوب منها؛ استنكارُ هذا الفعل غير الحضاريّ، لذلك قاطعت محاورَها عدّة مرّاتٍ، ولم تتركه يشرح وجهة نظره.

ونحن المسلمينَ؛ متى جاءت آيةٌ من كتاب الله تعالى، تنهانا عن شيءٍ، أو تحقّر شيئاً، أو تصف شيئاً بأنّه من مظاهر الشرك أو الكفر؛ تقول ألسنةُ أحوالنا فوراً: سمعاً وطاعةً يا ربّ، انتهينا!

سواءٌ ظهرت لنا حكمةُ هذا النهي، أم لم تظهر.

وكذلك إذا جاءنا عن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم؛ حديثٌ صحيح في أمرٍ أو نهيٍ؛ امتثلنا لأمر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، أو نهيه، من دون أن نضرب لكلام الله تعالى وكلام رسوله الأمثال!

وبشأنِ التماثيل والأصنام والأوثان؛ فلم يذكرها الله تبارك وتعالى في آيةٍ واحدةٍ من القرآن العظيم، إلّا مع ذمّها، وذمّ معظّميها.

قال الله تبارك وتعالى:

(وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ، وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (51).

إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ: مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52).

قَالُوا: وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ (53).

قَالَ: لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (54) [الأنبياء].

وقال الله تعالى:

(وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) [الحجّ].

وقال الله تعالى:

(وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَامُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138) إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (139) [الأعراف].

(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (69) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ (70) قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ (71) قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73) قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (74) [الشعراء].

إنّ مجرّد التذكير بإلهةِ الحبّ، أو إلهِ الحبّ؛ يُحيل إلى الذهن أنّ إلهة الحبّ المزعومة؛ تحتاجُ إلى إلهٍ حبيب، وهو تذكيرٌ بفكرة تعدّد الآلهة البدائيّة الباطلةِ!

وتداوُل هذه الفكرةِ، والتهاونُ في إنكارها؛ هو بحدّ ذاته يغضبُ الله تبارك وتعالى.

قال الله تعالى:

(بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ!

أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ، وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ؟

وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ، وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101) [الأنعام].

(مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ، وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ!

إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ، وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ!

سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91) [المؤمنون].

وههنا يرد السؤال الآتي:

هل عُرِضَ تمثالُ إلهة الحبّ هذا؛ في معرضِ الإشادةِ به، وبما يرمز إليه، أو هو إهانةٌ له، ولما يرمز إليه؟

ومن المعلوم ضرورةً أنّ كلّ ما حقّره الله تعالى من ذاتٍ أو قولٍ أو فعلٍ؛ يجب على المؤمن تحقيرُه، ولا بدّ (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) [الحجّ].

وكذلك ما عظّمه الله تعالى : (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ؛ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ (30) [الحجّ].

ووحدانيةُ الله تعالى؛ من أخصّ حرمات الله وشعائره المقدّسة!

ربّنا تبارك وتعالى؛ يعظّم جناب التوحيد، ويحقّر العقل البشريّ الوثنيّ، في آياتٍ كثيرة من كتاب الله تعالى، ثمّ يأتي بعضنا، فيزيّن معرضه بوثن؟.

قالت المذيعة: هم طبعاً لم ينصبوا هذا التمثال  ليعبده الناس ويعظّموه، إنّما ليروّجوا بضاعتهم!

ونحن نقول: هي طبعاً ومدراء مؤسستها وصاحب المعرض التجاريّ؛ جهلةٌ بدين الله تعالى، بل لا يعنيهم الدين في شيء!

ونقضاً لفكرة ترويج البضاعة وزيادةِ البيع والربح؛ يقول الله تعالى:

(إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا، وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا.

إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ؛ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا.

فَابْتَغُوا عِنْدَ اللهِ الرِّزْقَ، وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ، إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (17) [العنكبوت].

أمّا الأحاديث النبويّة الصحيحة، في النهيِ عن صناعة التماثيل، وصناعة الصور المنسوجة؛ فكثيرة كثيرة!

أخرج البخاري في كتاب بَدْء الخلق (3224) ومسلم في اللباس والزينة (2107) من حديث أمّ المؤمنين عائشة، رضي الله عنها قالت:

(كَانَ لَنَا سِتْرٌ فِيهِ تِمْثَالُ طَائِرٍ، وَكَانَ الدَّاخِلُ إِذَا دَخَلَ؛ اسْتَقْبَلَهُ!

فَقَالَ لِي رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَوِّلِي هَذَا، فَإِنِّي كُلَّمَا دَخَلْتُ فَرَأَيْتُهُ؛ ذَكَرْتُ الدُّنْيَا).

وفي رواية القاسم بن محمد عن عائشة، عند الإمام البخاريّ (3224)قالت:

(حَشَوْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وِسَادَةً فِيهَا تَمَاثِيلُ، كَأَنَّهَا نُمْرُقَةٌ!

فَجَاءَ، فَقَامَ بَيْنَ الْبَابَيْنِ، وَجَعَلَ يَتَغَيَّرُ وَجْهُهُ!

فَقُلْتُ: مَا لَنَا يَا رَسُولَ اللهِ؟

قَالَ: مَا بَالُ هَذِهِ الْوِسَادَةِ؟

قَالَتْ: وِسَادَةٌ جَعَلْتُهَا لَكَ، لِتَضْطَجِعَ عَلَيْهَا!

قَالَ: أَمَا عَلِمْتِ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ؟

وَأَنَّ مَنْ صَنَعَ الصُّورَةَ؛ يُعَذَّبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُقالُ لهم: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ).

وأخرج البخاريّ في بدء الخلق (3225) ومسلم في اللباس (2106) من حديث عبدالله بن عباس عن أبي طلحة زيد بن سهلٍ الأنصاريّ، رضي الله عنهم، قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ، وَلَا صُورَةُ تَمَاثِيلَ).

وأخرج البخاري في اللباس (5954) ومسلم في اللباس (2107) من حديث عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ تَقُولُ دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ سَتَرْتُ سَهْوَةً لِي بِقِرَامٍ فِيهِ تَمَاثِيلُ!

فَلَمَّا رَآهُ؛ هَتَكَهُ، وَتَلَوَّنَ وَجْهُهُ، وَقَالَ يَا عَائِشَةُ: أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُضَاهُونَ بِخَلْقِ الله)!

أخرج البخاريّ في أحاديث الأنبياء (3352) من حديث عبدالله بن عباس رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَأَى الصُّوَرَ فِي الْبَيْتِ «الكعبة» لَمْ يَدْخُلْ، حَتَّى أَمَرَ بِهَا، فَمُحِيَتْ!

وَرَأَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِمَا السَّلَام بِأَيْدِيهِمَا الْأَزْلَامُ «أقداح القرعة».

فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ: (قَاتَلَهُمْ اللهُ، واللهِ ما اسْتَقْسَمَا بِالْأَزْلَامِ قَطُّ).

وفي الموسوعة الفقهية الكويتية (7: 8) ما نصّه: «وَكُلّ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى؛ يَحْرُمُ صُنْعُهُ وَبَيْعُهُ وَاقْتِنَاؤُهُ.

وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ صَنْعَةَ التَّصَاوِيرِ الْمُجَسَّدَةِ لإِنْسَانٍ أَوْ حَيَوَانٍ؛ حَرَامٌ عَلَى فَاعِلِهَا، سَوَاءٌ أَكَانَتْ مِنْ حَجَرٍ، أَمْ خَشَبٍ، أَمْ طِينٍ، أَمْ غَيْرِ ذَلِكَ؛ لِمَا رَوى ابْنُ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَال: (الَّذِينَ يَصْنَعُونَ هَذِهِ الصُّوَرَ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُقَال لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ) أخرجه البخاري في اللباس (5951) ومسلم (2108).

وَعَنْ مَسْرُوقِ ابن الأجدع قَال: دَخَلْنَا مَعَ عَبْدِاللَّهِ بَيْتًا فِيهِ تَمَاثِيل، فَقَال لِتِمْثَالٍ مِنْهَا: تِمْثَال مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: تِمْثَال مَرْيَمَ، قَال عَبْدُ اللَّهِ: قَال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُصَوِّرُونَ) أخرجه البخاري (5950) ومسلم (2109) وأحمد في المسند (3377) وهذا لفظه.

وَالأَمْرُ بِعَمَلِهِ مُحَرَّمٌ كَعَمَلِهِ.

بَل إِنَّ الأُجْرَةَ عَلَى صُنْعِ مِثْل هَذِهِ الأَشْيَاءِ؛ لاَ تَجُوزُ.

وَهَذَا فِي مُطْلَقِ التَّصَاوِيرِ الْمُجَسَّدَةِ!

فَإِذَا كَانَتْ، مِمَّا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ؛ فَذَلِكَ أَشَدُّ تَحْرِيمًا» انتهى.

نحن المسلمين لا نرى في أمم الغربِ أمما راقيةً دينيّاً وفكريّاً، بل إننا لا نراها على دينٍ أيّ دين لذلك لا يَغرّنا ولا يُغرينا تعظيمهم لشيءٍ منكرٍ، أو ترويجهم له.

والله تعالى أعلم.

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً

_________________________

معاني المستغرب:

التمثال: أصلُ المُثولِ: الانتصاب، والتمثال: الشيءُ المصوّرُ المنصوب، والمُمَثّل: المصوّرُ على مثالِ غيره.

الصنم: جُثّةٌ متّخذةٌ من خشب، أو نحاسٍ، أو فضّةٍ، كانوا يعبدونها متقربين بها إلى الله تعالى، وجمع الصنم: أصنام.

وقال بعض الحكماء: كلّ ما يَشغَل عن الله تعالى؛ فهو صنم.

والوثن: هو النُصب المصنوع من الحجارة. [المفردات].

والحمد لله على كلّ حال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق