الجمعة، 20 نوفمبر 2020

 

مسائل فكريّة

الكتابُ والسنّة بفهم سلفِ الأمة!؟

رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا، رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.

وضعَ المسلمون لأنفسهم قواعدَ سخيفةً هزيلةً، ما أنزل الله بها من سلطان! وهي لا تدلُّ على أكثر من الجهلِ والتقليد البغيض؛ منها تعريفُ السلف الصالح، فهل السلف الصالح هم الصحابة؟ بهذا قال الإمام الشافعيّ تطبيقاً عمليّاً، أم أنّ السلف الصالح هم جيل الرسولِ صلّى الله عليه وآله وسلم، من الصحابة رضي الله عنهم، وأبنائهم، وبنيهم؟ بهذا قال كثير من أهل العلم، أم أنّ السلف الصالح هم أجيال القرون الثلاثة؟ بهذا قال بعض أهل العلم، ومنهم الحنابلة، وابن حبّان!

وأنا أسألكم: هل من دليلٍ ملزمٍ بواحدٍ من هذه الفهومِ؟

من السَلَف الذين نقتدي بفهومهم؟

إذا أجمع السلفُ على شيءٍ؛ فلا ارتياب لديّ، في وجوب متابعتهم فيه، لكنْ إذا اختلفوا، فبقولِ أيٍّ منهم نأخذ؟ الشيعة وعلماءُ آل البيتِ من أهل السنة يذهبون إلى قول ابن عبّاس: «إذا جاءنا الثبتُ عن عليٍّ؛ لم نغادر قوله إلى قول غيره. وأهل الشام يقولون: لا يجوز تجاوز المذاهب الأربعة في الفقه! أما في المعتقدات؛ فهم يُخرجون الحنابلةَ من أهل السنة، ويقصرون أهل السنة على الأشعرية والماتريدية، على ما بين الفرقتين من خلاف، وعلى ما بين الأشاعرة أنفسهم من خلاف! ثمّ إنّ علماء الأمة أبا حنيفةَ ومالكاً وأحمدَ؛ لم يؤثرْ عنهم قدرةٌ فائقة في علوم القراءاتِ والتفسير وعلوم العربية، بل ولم يؤثر عن واحدٍ منهم تفسير سورةٍ من السور! فكيف لا يجوز الخروج على أقوالهم في فهم الكتاب والسنة؟ وإذ أنني غير قادرٍ على التطويل؛ فيكفي نقلُ هذه النصوصِ من كتاب واحد:

قال الإمام الشافعيّ في الأم (7: 172) تحت عنوان: «اخْتِلَافُ عَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا» أَبْوَابُ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَالتَّيَمُّمِ. أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ: قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ زَاذَانَ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ الْغُسْلِ؟ فَقَالَ: اغْتَسَلَ كُلَّ يَوْمٍ، إنْ شِئْت! فَقَالَ: لَا! الْغُسْلُ الَّذِي هُوَ الْغُسْلُ؟ قَالَ: يَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَيَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ النَّحْرِ، وَيَوْمُ الْفِطْرِ! وَهُمْ – الحنفية - لَا يَرَوْنَ شَيْئًا مِنْ هَذَا وَاجِبًا. أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّ عَلِيّاً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: فِي التَّيَمُّمِ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ، وَضَرْبَةٌ لِلْكَفَّيْنِ! وهَكَذَا يَقُولُونَ: ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ، وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي السَّوْدَاءِ، عَنْ ابْنِ عَبْدِ خَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: تَوَضَّأَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، فمسحَ ظَهْرَ قَدَمَيْهِ [التصويب من معرفة السنن والآثار (2: 126)] وَقَالَ: لَوْلَا أَنّي رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَمْسَحُ ظَهْرَ قَدَمَيْهِ؛ لَظَنَنْت أَنَّ بَاطِنَهُمَا أَحَقُّ! أَبُو مُعَاوِيَةَ: عَنْ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانِ قَالَ: رَأَيْت عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بَالَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ، وَمَسَحَ عَلَى النَّعْلَيْنِ، ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَخَلَعَ نَعْلَيْهِ وَصَلَّى! ابْنُ مَهْدِيٍّ: عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ؛ أَنَّهُ رَأَى عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَعَلَ ذَلِكَ. ابْنُ مَهْدِيٍّ: عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ، عَنْ أَكْتَلَ بْنِ سُوَيْد بنِ غَفَلَةَ؛ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَعَلَ ذَلِكَ. مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي إسْمَاعِيلَ، عَنْ مَعْقِلٍ الْخَثْعَمِيُّ، أَنَّ عَلِيًّا فَعَلَ ذَلِكَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَلَسْنَا وَلَا إيَّاهُمْ وَلَا أَحَدٌ نَعْلَمُهُ، يَقُولُ بِهَذَا مِنْ الْمُفْتِينَ! [يريد: من أهل السنة]. خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْوَاسِطِيُّ: عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي الْبَخْترِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي الْفَأْرَةِ تَقَعُ فِي الْبِئْرِ فَتَمُوتُ؟ قَالَ عليٌّ: تُنْزَحُ حَتَّى تَغْلِبَهُمْ! قَالَ الشافعيُّ: وَلَسْنَا وَلَا إيَّاهُمْ نَقُولُ بِهَذَا! أَمَّا نَحْنُ فَنَقُولُ بِمَا رَوَيْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِه وَسَلَّمَ (إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ؛ لَمْ يَحْمِلْ نَجَسًا). وَأَمَّا هُمْ فَيَقُولُونَ: يُنْزَحُ مِنْهَا عِشْرُونَ، أَوْ ثَلَاثُونَ دَلْوًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ عَنْ أَصْحَابِهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أنه كَانَ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ؛ قَالَ: (لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ، سُبْحَانَك ظَلَمْت نَفْسِي، فَاغْفِرْ لِي؛ فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ. وَجَّهْت وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا، وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ. إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْت وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ). وَقَدْ رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِنَا عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ هَذَا الْكَلَامَ، إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ، وَبِهَذَا ابْتَدَأَ، يَقُولُ: (وَجَّهْت وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ) أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفُضَيْلِ، عَنْ الْأَعْرَجِ، عَنْ عُبَيْدِاللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ. وَهُمْ يُخَالِفُونَهُ، وَلَا يَقُولُونَ مِنْهُ بِحَرْفٍ! أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ عَنْ وَكِيعٌ، عَنْ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ؛ أنه كَانَ إذَا تَشَهَّدَ قَالَ: (بِسْمِ اللَّهِ وَبِاَللَّهِ). وَلَيْسُوا يَقُولُونَ بِهَذَا! وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِيهِ كَلَامٌ كَثِيرٌ، هُمْ يَكْرَهُونَهُ.

قال الفقير عداب: من الغريب أنّ أهل السنة لا يروون تشهّد الإمام عليّ هذا، إنما أشار بعضهم إليه إشارة فحسب! كالبيهقيّ في السنن الكبير (2: 204) ومعرفة السنن (3: 59) وقال هنا: «وَالشَّافِعِيُّ ذَكَرَ إِسْنَادَهُ، وَلَمْ يَسُقْ فِي رِوَايَتِنَا هَذِهِ مَتْنَهُ» مع أنهم رووا قريباً من لفظ حديث عليّ عليه السلام؛ عن جابر بن عبدالله، وعبدالله بن عمر، وعبدالله بن الزبير، قال الفقير عداب: فإذا خالف الحنفية والشافعيّ الإمام عليّاً عليه السلام، بهذه المسائل وعشراتٍ غيرهِا، مما نقله الشافعيّ في الأمّ وغيره، فمن هم أولئك السلفُ الذين يَلزَمنا فهمهُم؟ أفي الصحابة كلهم أفقه من عليٍّ وأفهم؟ أفي الصحابة والتابعين وأتباعهم أفقه من عليٍّ وأفهم؟ فإذا جازَ مخالفةُ أبي حنيفة والشافعيّ للإمام عليٍّ، فمخالفةُ أهل العلم لهما ولغيرهما أيسر وأسهل!

صفوة القول: إنّ العاميّ لا مذهب له، ومذهبه مذهب من يفتيه من أهل العلم. وفهم السلف الصالح – ما لم يجمعوا – ليس ملزماً لأحدٍ، لا في العقائد، ولا في التفسير، ولا في الفقه!

والله تعالى أعلم، رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ، هذا.. وصلى الله على سيدنا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً والحمد لله على كلّ حال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق