إلى سوريّا مِن جَديدٍ:
الوَلاءُ والبراءُ ضرورةٌ عَقديّة!؟
بسم الله الرحمنِ الرحيم
(الْحَمْدُ لِلَّهِ،
وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى).
أمّا بعد: عنوانُ هذا المنشورِ؛
محلّه «مسائل عقدية» أو «مسائل فكريّة» وآثرت نشرَه تحت عنوان «إلى سوريّا مِن جَديدٍ»
لأنّني أوجّهه إلى السوريين خاصّةً، إذ هم الذين يعيشون المحنة الجديدة الحاضرة!
ناظرتُ عدداً من حملةِ «الدكتوراه»
في فروع الشريعةِ الإسلامية، وعدداً أكبر منهم، ممّن يُطلق عليهم علماء، وهم أعضاء
في «اتّحادات العلماء» المتنوّعة، فوجدت كثيرين منهم يصرّحون بغايةِ الوضوح؛ بأنّ
العصرَ الذي نعيش فيه لا يَحتملُ «الإسلام السياسيّ» ولا «تطبيق الشريعة
الإسلاميّة» وأكثرهم يذهبون إلى مقولةِ «علمانية الدولة وإسلاميّة الأفراد».
وأكثرُ هؤلاء، وربما جميعهم؛ لم
يمارسوا في حياتهم رياضة «فنون الدفاع عن النفس» فضلاً عن «الفنون العسكريّة» فهم
في دواخل أنفسهم جبناءُ، يُرعبون من صوتِ الرصاصِ، ويخافون من الموت، وإن رفعوا
أصواتهم وزعموا غير ذلك!
الوَطنُ في المفهومِ العلمانيّ: هو
إقليمٌ من الأرضِ، جمعَ مجموعاتٍ من الناسِ، ترجع إلى أصل قوميٍّ واحدٍ، أو
قوميّاتٍ متعدّدة، له حدودٌ رسمتها الدول الكبرى، وألزمت هذه المجموعاتِ بالانتماء
إليه والدفاع عنه والاعتزاز بمنجزاته الإنسانية والحضاريّة!
وهدفُ الدولِ الكبرى؛ جعلُ
الانتماءِ إلى هذا الوطنِ، بديلاً عن الانتماء الدينيّ والمذهبيّ!
إذْ إنّ اختلافَ الناسِ في تأمينِ
سبلِ المعاشِ والاستقرارِ؛ يقودُهم إلى التنافسِ والإعمار، بينما تقودهم
اختلافاتُهم الدينيّةُ إلى الاقتتالِ والتغالبِ والدمار!
وفي تاريخنا الإسلاميِّ قامت دولٌ
كبرى وصغرى، متعاصرةٌ ومتناحرةٌ ومتصارعةٌ في الشرق والغرب والأندلس وبلاد فارس،
بلادٌ سنيّة، وبلادٌ زيديّةٌ، وبلاد إسماعيليّة، وبلادٌ إماميّة! بيد أنّ الإنسان المسلم
كان يستطيع أن يقيم في هذه الدولِ حيث يشاء، وكان يستطيع أن يجد له مكانةً عاليةً
في المجتمع الذي اختار «المواطنةَ» فيه.
فالإمام محمود بن عمر الزمخشريّ؛ عالم
مسلمٌ من قريةٍ صغيرةٍ من قرى مدينةِ «خُوارزم» في إقليم خراسان الإسلاميّ، سافرَ
حاجّاً إلى مكّة المكرّمة، ثمّ طاب له المقام بها، فأقام، وكان عالم أهل مكّة
وإمام الحرم، وغدا لقبُه «جار الله» الزمخشريّ.
والإمام عبدالملك بن عبدالله
الجوينيّ، من بلدةٍ صغيرةٍ في غرب إيران؛ أقام في مكّة المكرّمة، وبرز فيها، حتى
لُقّب بـ«إمام الحرمين» الجوينيّ، رحمهم الله تعالى.
لما سبق وغيره؛ فنحن - المسلمينَ -
ننتمي إلى دينِ الإسلام عقيدةً، وإلى شريعته التزاماً، وإلى الوطن الإسلامي
الكبير، من المغرب العربيّ إلى أندونيسياً معاشاً.
فولاؤنا ليس لقطعةٍ من الأرضِ؛
ألجأتنا الظروف إلى المواطنةِ والإقامة فيها، إنما انتماؤنا إلى عقيدة ذاك الوطن
الإسلاميّ الكبير الفسيح!
قال الله تبارك وتعالى:
(لَا يَتَّخِذِ
الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ، وَمَنْ
يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ، إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ
تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ،
وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ (28) [آل عمران].
(يَاأَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا: لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ
بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ
إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51).
فَتَرَى
الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ، يُسَارِعُونَ فِيهِمْ، يَقُولُونَ: نَخْشَى
أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللهُ أَنْ
يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا
فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52) [المائدة].
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا
وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَالَّذِينَ
آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ.
وَالَّذِينَ
آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا؛ مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى
يُهَاجِرُوا.
وَإِنِ
اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ؛ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ، إِلَّا عَلَى قَوْمٍ
بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ، وَاللهُ
بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72).
وَالَّذِينَ
كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ، إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي
الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ (73) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا
فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ
حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74).
وَالَّذِينَ
آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ
وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ إِنَّ اللهَ
بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (75) [الأنفال].
وقال
تعالى:
(وَالْمُؤْمِنُونَ
وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ
وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ، أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71).
وَعَدَ
اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ
جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ
طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ
الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72) [التوبة].
وقال
الله تعالى:
(الْمُنَافِقُونَ
وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ
عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ
الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67).
وَعَدَ
اللهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ
وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68) [التوبة].
هذه
الآيات الكريماتُ توضح أنّ في المجتمعِ المسلمِ [مؤمنين، وكفّاراً ومنافقين].
وأنّ
الولايةَ - بأيّ معنىٍ من معانيها: النصرة، الحبّ، التآخي - إنما تكون بين
المؤمنين فحسب!
وأنّ
للكافرين أديانَهم الخاصّةَ بهم، وولايتهم فيما بينهم.
وأنّ
المنافقين بعضهم من بعض.
وفي
الآخرة: الجنّة للمؤمنين وحدهم، والمنافقون والكفّار مصيرهم جهنّم!
هكذا
يقول الله تعالى في القرآن الكريم، وإنْ رغمت أنوف جميع أولئك الذين يظنّون أنفسهم
علماءَ، وإنما هم - في أحسن أحوالهم - جبناء، إنْ لم يكونوا من المنافقين!
والسؤال
الحاضر دائماً: وماذا عن «غير المسلمين في المجتمع الإسلامي»؟
والجواب
يسسير جدّاً جدّاً، قال الله تبارك وتعالى:
(لَا
يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ، وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ
مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ، إِنَّ اللهَ يُحِبُّ
الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي
الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ؛ أَنْ
تَوَلَّوْهُمْ.
وَمَنْ
يَتَوَلَّهُمْ؛ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9) [الممتحنة].
(وَوَصَّيْنَا
الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ، وَفِصَالُهُ
فِي عَامَيْنِ، أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14)
وَإِنْ
جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ؛ فَلَا
تُطِعْهُمَا.
وَصَاحِبْهُمَا
فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً، وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ.
ثُمَّ
إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).
حتى الوالدان الكافران ليس بينك وبينهما ولايَةٌ، إنّما عليك
بِرّهما والعدلُ معهما.
أمّا الولاء؛ فهو لعقيدة التوحيد، وأمّا البراء؛
فهو من عقيدة الشرك!
قال الله تعالى:
(مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ،
وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ، رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ
رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا (29) [29].
وقال الله تعالى:
(لَنْ تَنْفَعَكُمْ
أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ، وَ اللهُ
بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (3) قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي
إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ
مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ.
كَفَرْنَا
بِكُمْ وَبَدَا، بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا،
حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ (4) [الممتحنة].
وبدا
بيننا وبينكم العداوةُ والبغضاء إذن!
فالذي يقول: «الأصل في تعاملنا مع الكفّار الرحمة» يخالفَ الله
تعالى جهاراً، فهو إذن حمار يحمل أسفاراً، وإنْ ظَنَّ، أو ظُنَّ أنّه من أهل
العلم.
والله تعالى أعلم.
والحمدُ لله على كلّ حال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق